شامل قسم حركته المريدية تقسيماً بارعاً فكان له مائة نائب وألف مرشد ينتشرون في القوقاز الشمالي وكان الحاج مراد أحد النواب الكبار والساعد الأيمن لشامل الذي فقده في وقت كان في أمس الحاجة إليه.
استمر المد والجزر بين شامل والروس سنوات طويلة، وقتل منهم جنوداً وقادة كثيرين ، وهذا يعد عملاً رائعاً بالنسبة لقوة الشيشان الصغيرة أمام جحافل الروس لكنه الإيمان الذي يصنع العجائب.
ومن المعارك التي تستحق الذكر أن الروس أرسلوا ولي عهد القيصر في جيش فيه كبار القادة وثلاثون ألف جندي، كل هؤلاء توجهوا إلى بلدة صغيرة، فغطى الشيشان أبواب بيوتهم ونوافذهم بالطين فصارت البيوت كتلة واحدة، وغيروا سقوف بيوتهم إلى سقوف خفيفة رقيقة وغطوها بالتراب لتبدو كأنها هي السقوف الأصلية، فكان الروس يقفزون فوق السقوف فيقعون في البيوت ليجدوا الشيشانيين المريدين أو المجاهدين في انتظارهم فيعملون فيهم ذبحاً وقتلاً، فرجع الجيش خائباً خاسراً بسبب هذه الحيلة الذكية.
لكن شامل لم يكن يستطيع أن يصمد أمام هذه الحملات المتتابعة أكثر مما صمد، فقد بقي في الجهاد قرابة ثلاثين عاماً، لذا كانت نهاية قصة الجهاد العظيمة هذه أن استسلم للروس بعد أن حوصر في خمسمائة من أتباعه فقط من قبل جيش يقدر بأربعين ألف جندي، لأنه رأى أن حقن دماء من بقي من أتباعه أولى له بعد أنه خانه عدد من أمراء الداغستان وخانته دولة الشراكسة القبرطاي، وسلم نفسه للروس سنة 1859 -بعد ممانعة كبيرة من بعض أتباعه- فأخذوه إلى روسيا فبقي فيها مكرماً تسع سنوات من قبل القيصر والقادة.
ثم طلب من القيصر أن يسمح له بالحج فوافق بعد تردد، فرافقته حملة روسية إلى أن خرج من حدودهم، فحج ثم نزل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقر فيها مجاوراً ثلاث سنوات ثم انتقل إلى جوار ربه سنة 1871 بعد جهاد دام قرابة ثلاثين سنة، ووقف صخرة شماء أمام أطماع القياصرة ونواياهم التوسعية في المنطقة القوقازية والتركستانية.