أخي الكريم أبو فارس ، خلاصة الموضوع تتلخص في الآتي :

1- قبل الخلق ، كان الله ولم يكن قبله شيء ، قال صلى الله عليه وسلم : " كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ، ثم خلق السموات والأرض ، وكتب في الذكر كل شيء "[صحيح البخاري (7418)] .

2- عندما خلق الله الخلق ، خلقهم خارج ذاته ، ولم يخلقهم في نفسه ، بمعنى أن الله لا يتماس مع أحد ، بل هو بائن من خلقه [هذه الألفاظ لم يستعملها السلف الأولين ، ولكن مع نشوء البدع في أواخر عهد الصحابة اقتضت ضرورة الرد عليهم استعمالها ، وليس فيها (أي في معانيها) ما لم يرد في النصوص] .

3- اذن الله يحيط بكل شيء ، وهو مستوي على العرش استواءا يليق بجلاله عزوجل ، وتحت العرش يوجد الفردوس وسائر الجِنان ، وتحتهم السماوات السبع ، وتحت السموات السبع توجد الأجرام السماوية والفضاء الكوني الذي نراه بأعيننا .

4- فالله متصف بالعلو فلا شيء فوقه (علو ذات) ، لذا الفطرة السليمة تجعلك الشخص يرفع يديه الى السماء عند الدعاء .

5- كما سبق أن الله بائن من خلقه ، وهو معهم بعلمه لا بذاته ، لا تخفى عنه مثقال حبة من خردل ، ولا يعزب عنه شيء ، والمعية الالهية تنقسم الى : 1- معية عامة : وهي العلم والاحاطة بكل شيء في الكون وهي تعم كل المخلوقات . 2- معية خاصة : وهي الحفظ والنصر والتمكين ، وهي تخص المؤمنين والصالحين .

6- ومن هنا يتبين فساد مقولة الأشاعرة : ان الله في كل مكان ، قال الامام أحمد بن حنبل رحمه الله امام أهل السنة في "الرد على الجهمية" (ص 144 وما بعدها) : " الرد على الجهمية في زعمهم أن الله في كل مكان :
فقلنا: قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها من عظمة الرب شيء. فقالوا: أي مكان؟ فقلنا: أجسامكم وأجوافكم وأجواف الخنازير والحشوش، والأماكن القذرة ليس فيها من عظمة الرب شيء. وقد أخبرنا أنه في السماء، فقال: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ} [الملك: 16] .{أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الملك: 17] .وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] .وقال: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] .{بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158] .وقال: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ} [الأنبياء: 19] .وقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} 1 [النحل: 50] .وقال: {ذِي الْمَعَارِجِ} [المعارج: 3] .وقال: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18]

إثبات ذم صفة السفل وأنها منفية عن الله عز وجل :
وقال: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] .فهذا خبر الله، أخبرنا أنه في السماء، ووجدنا كل شيء أسفل منه مذمومًا بقول الله جل ثناؤه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ} [فصلت: 29] .

نفي اجتماع الله بالشياطين وتنزيهه عن مجامعة الخبث والجنس :
قلنا لهم: أليس تعلمون أن إبليس [مكانه مكان، ومكان الشياطين مكانهم مكان] فلم يكن الله ليجتمع هو وإبليس في مكان واحد.وإنما معنى قول الله جل ثناؤه: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام:3] .

أدلة عقلية على عدم مماسة الله لخلقه :
يقول: هو إله من في السموات وإله من في الأرض، وهو على العرش، وقد أحاط علمه بما دون العرش، ولا يخلو من علم الله مكان، ولا يكون علم الله في مكان دون مكان، فذلك قوله: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12] ، ومن الاعتبار في ذلك، لو أن رجلاً كان في يديه قدح من قوارير صافٍ وفيه شراب صافٍ، كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح، فالله وله المثل الأعلى قد أحاط بجميع خلقه، من غير أن يكون في شيء من خلقه. وخصلة أخرى: لو أن رجلاً بنى دارًا بجميع مرافقها، ثم أغلق بابها وخرج منها ، كان ابن آدم لا يخفى عليه كم بيت في داره ، وكم سعة كل بيت من غير أن يكون صاحب الدار في جوف الدار. فالله وله إثبات أن الله بائن من خلقه وعلمه محيط بجميع الخلق المثل الأعلى قد أحاط بجميع خلقه ، وعلم كيف هو، وما هو، من غير أن يكون في شيء مما خلق " .

7- بالنسبة لصفة الحد : فهي لم ترد في الكتاب العزيز ولا في السنة المطهرة ، ولكن اذا أردنا أن نطبقها على ما ذكرنا مسبقا ، سنجد أن الله محدود من جهة خلقه ، فالله بائن من خلقه غير مماس لهم كما قلنا ، ولكن لا يحيطه شيء .مثال : قارب في محيط لا ساحل له ، فالمحيط يحيط بالقارب ولكن القارب يحده بجوانبه ولكن لا يحيط به ، ولله المثل الأعلى .

نسأل الله تعالى أن يكون قد وفقني لتقريب المسألة اليك يا أخي ، وأن يغفر لي زلاتي وتقصيري ...