طرق أخرى يذبح بها الإسلام
شغل الطالب بالجزئيات
انصراف العلماء إلى الترف العلمي
التخويف من الإسلام
تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
امتصاص دماء الشعوب في معارك معينة
فصل الإسلام عن الحياة
إرعاب العالم من كلمة الجهاد
فصل العالم الإسلامي عن بعضه
كبت الصوت المسلم
التضييق على الرؤية الإسلامية في الاقتصاد
إلقاء التهم على الملتزمين
شغل الطالب بالجزئيات الثاني عشر: ذبح الإسلام في أن أشغل الكافر المبتدئين في طلب العلم بجزئيات المسائل؛ كيف تفرغون الطاقة والجهد في هذه الأمور على حسب الكليات.
فيتركون أصول المسائل، والقواعد العامة، وينشغلون بالجزئيات، وقد جعل ابن القيم مداخل الشيطان ستة مداخل: يسعى الشيطان أولاً إلى أن يكفر العبد، فإن لم يستطع رماه بالبدعة، فإن لم يستطع ابتلاه بالكبيرة، فإن لم يستطع فبالصغائر، فإن لم يستطع أرهقه بالمباحات، فإن لم يستطع أشغله بالمفضول عن الفاضل.
ومن جزئيات المسائل: تحريك الإصبع في الصلاة، وهي سنة لا بد أن نفهمها ولا بد نعيها، لكن يا إخوة لا تؤخذ المجالس كلها في تحريك الإصبع، نأتي إلى مجتمعات بعضهم لا يصلي، وبعضهم ينتشر فيهم الزنا، وبعضهم الربا، فنشغلهم بتقصير الثوب، فهذا غير سديد، لا بد أن نخبرهم أن تقصير الثوب سنة، وأن تطويل الثوب على الكعب حرام، لابد، لكن كم تأخذ منا المسائل الكبرى.
الرسول عليه الصلاة والسلام يرسل معاذاً إلى اليمن فيخبره بالكليات والقواعد العامة ويقول: {ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا أجابوك وأطاعوك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة }.
فنصيحتي أن نفعل مثلما فعل أحمد بن حنبل وابن تيمية ، نجتهد في الكليات والأصول، ونعطي الجزئيات حقها وحجمها، لا نضيعها ونهملها، ولا نعطيها أكبر من حجمها.
يا أخي.
.
الإسلام ينتهك في العالم طولاً وعرضاً، المسلمون يذبحون، أجهزة الإعلام في العالم تهاجم العلماء، وتهاجم الإسلام والقرآن والسنة، وأنت في مسجد في قرية تلاحق جماعة على مسألة تحريك الإصبع وجلسة الاستراحة، وبينك وبينهم شجار ومجلس وأخذ وعطاء وردود، كتب في التصوير أكثر من خمسين مؤلفاً صغيراً وكبيراً.
فينبغي ألا نشغل المسلمين ولا نشغل الأمة بهذه القضايا الجزئية التي بعضها متهالكة أكل عليها الدهر وشرب، سئل شيخ الإسلام ابن تيمية : لم لم تؤلف في الفروع كتاباً؟ قال: مسائل الأصول أهم؛ لأنه يريد منهجاً ربانياً يقوم الأمة عليه.
انصراف العلماء إلى الترف العلمي الثالث عشر مما ذبح فيه الإسلام: انصراف كثيرٍ من العلماء إلى مسائل ثانوية من الترف العلمي، ككثرة الشروح لمتنٍ شرح عشر مرات، واستحداث إشكالات وافتعال معارف كلامية لا وجود لها في أرض الواقع.
صراحةً ما مثلنا ينقد لكن ننقل ما قاله بعض العلماء الفضلاء: إن كثيراً من أهل العلم اشتغل في بعض الأمور والشروح والأمة تضيع، يعني: قد تجد بعضهم في بيته يشرح متناً في الفقه قد شرح عشر مرات، فيتكلم عن المسألة، ثم يشرحها، ثم يحدث عليها إشكالات، ثم يكتب على الحاشية حاشية، والشباب والجيل والنساء والأمة تضيع، ولم يخرج إليهم ولم يجلس معهم، والترف العلمي لم يكن من هدي الصحابة، كان عمار إذا سأله السائل عن مسألة يقول: أكان هذا بعد؟ فإذا كان تجشمناه لكم، أي: قال: لا، قال: إذا وقعت تطوي الشمل إليها، إذا وقعت حللناها، وقال بعض السلف : نحن بما وقع أشغل منا بما لم يقع؛ وبعضهم الآن يتحدث عن المهدي المنتظر، من أين يخرج؟ وبعضهم رد برسالة قالوا: أدنى الأرض هل هي غور الأردن أو جزيرة العرب ؟ قال أحدهم: غور الأردن ، وقال الآخر: جزيرة العرب ما الفائدة؟! يقول سبحانه وتعالى في القرآن:فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ
[الروم:3] بحيرة طبرية متى تجف؟ وأين نخل بيسان ؟ ومن أين أتى فيل أبرهة ؟ هل أتى من السروات أم من تهامة ؟ وسوق عكاظ هل هو قريب من ذي المجاز أم بعيد عنه بخمسة كيلو؟ وجدة هل هي جَدة أم جُدة أم جِدة ؟ وجازان هل هي جازان أو جيزان ؟ هذه مسائلهم، يستحدثون بها الاشكالات.
والحمد لله قد أخبرونا أن عكاظاً في الجزيرة ليس في قبرص ولا في البرازيل ، إذاً فدعونا نقرأ الكتاب والسنة وننقذ البشرية، وهذه مسائل مستهلكة أكل عليها الدهر وشرب، هذه مقصودها استهلاك وقت العلماء ووقت المفكرين، العالم الغربي يصنع وينتج ويدير القرار، ويحرك الاقتصاد في العالم، ويحرك المشاريع، والقرار يؤخذ ويُعطى، وتحرك به ملايين، وأنت تعلمنا موقع سوق عكاظ ؟ من أين أتى أبرهة ؟!!! أبرهة أتى بفيل، أهلكه الله ودمره والعظة أن التوحيد انتصر، والكفر هلك، بعض المفسرين الأوائل مثل صاحب تفسير الخازن يقول: كلب أهل الكهف قيل مبرقشٌ أسود، وقيل: أحمر على عينيه نقطتان، والأربعة الطيور التي أخذها إبراهيم قالوا: باز وبطٌ ودجاجٌ وحمام، أقول: يا أخي.
.
ما عليك بط ووز، لسنا في حديقة الحيوانات، الله عز وجل أخبرنا بأربعة طيور، وأخبر بالكلب، والمقصود العظة من القصة، ولو كان فيها مصلحة ما تركها سبحانه وتعالى ولكان ذكرها، فلا ينبغي إشغال الأمة بتفاهات وبخلافيات تمزق وقتها عليها.
التخويف من الإسلام أيضاً مما ذبح به الإسلام: تخويف الرأي العام من الإسلام، ووصفه بالمارد الجبار، الذي سوف يحرم على الناس كل شيء ويشقيهم، ويدخلهم قفص الأوامر والنواهي، قرأت مقابلة في الشرق الأوسط مع أحمد آية زعيم الحزب الاشتراكي في الجزائر أهلكه الله ولا سلمه، والحمد لله خرج من مظاهرة ستين ألفاً والملايين المملينة تريد الإسلام، يقول: أخشى من هؤلاء أن يحرموا كل شيء، عليك غضب الله! يحرمون كل شيء وهم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذي: يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ
[الأعراف:157] أنت تريد أن تشرب الخمر دائماً، هم يقولون: لا، كلوا الطيبات واتركوا الخبائث، فيحذرون المسلم منها، قال: هؤلاء سوف يسفكون الدماء، ويقيمون المشانق، ويفتحون السجون، وما علم أن الإسلام رحمة،
:
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
[الأنبياء:107] فيتخوف الرأي العام، حتى إن الناس الآن يخافون من الملتحين، حتى من أبناء المسلمين، بسبب ما يشيعه عنهم الإعلام الغربي إذ يقول: المتطرفون في الجزائر يقومون بمظاهرة، المتطرفون في أسيوط يخرجون بعد صلاة الجمعة يكبرون، المتطرفون في السودان يطالبون بالحكم الإسلامي، فمن يحكم عليهم بالتطرف؟ أتباع محمد صلى الله عليه وسلم يريدون الحل الإسلامي الحضاري يقدمونه للناس، بدل الحثالات البشرية التي تجمعت في عصابات تحكم الناس في ضمائرها ومعتقداتها.
فخوفوا الناس من الإسلام، وخوفوهم من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وهم أهل الرأفة والرحمة.
تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الخامس عشر: تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أنه تدخل في حريات الناس الشخصية وإثارة للفتن.
قرأت في صحف الكويت وهي ما زالت عندي في الملف، في العدد (16) لـ صوت الكويت ، قالوا: القطان والبلالي يأتونا بهرطقات عندما يقولان: إن اعتداء صدام علينا بسبب معاصينا.
ويقولون: هيئات الأمر بالمعروف جهازٌ بوليسي يطارد الناس في حرياتهم، ثم يأتون بقصص مفتعلة على الهيئات، قالوا: رجل الهيئة يدخل رأسه من السيارة ويقول: يا فاجرة أنتِ زوجة الرجل هذا؟وهل يستطيع أحد أن يقول هذا؟! رجال الهيئة يتدخلون في حريات الناس، يطاردون عباد الله!إنهم يفتعلون هذه الأمور حتى يخوفوا الناس، يقولون: صلّ ولا تتحدث لأحد، بمعنى: أن المنكر من صلاحيات الناس، ليس من صلاحياتك أن تنهى وأن تأمر.
إنه يوم أن تترك الأمة النهي والأمر تموت.
قال ابن تيمية في المجلد الأول: لا بد للعبد من أمرٍ ونهي، وأنا لا أدري ماذا يريد الشيخ ابن تيمية ، إن كان يريد لا بد للعبد من أمرٍ ونهي أن يكون مأموراً ومنهياً، فهذا صحيح، وقد ذكره في مواضع، يقول: لا بد للعبد في الحياة أن يكون مأموراً من الله منهياً منه سبحانه وتعالى، ومن رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الإنسان لا يترك سدى، وقد يريد به أن يكون آمراً وناهياً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، والوجهان صحيحان إن شاء الله.
امتصاص دماء الشعوب في معارك معينة السادس عشر: امتصاص دماء الشعوب في البلاد الإسلامية في ثورات ومعارك يستفيد منها غيرهم.
فما أضعف الشعوب الإسلامية! في تركيا قدموا بركاً من الدماء وخزانات، ثم أتى مصطفى أتاتورك الرجل الصنم عليه غضب الله، فلوى عنق الإسلام، وأخذ المصحف وداسه أمام البرلمان، وأخذ امرأة متحجبة من حزبه، ودعاها أمامه، ثم أخذ حجابها وقطعه أمام جزمته، وقال: لا حجاب بعد اليوم، وألغى اللغة العربية، وأغلق المساجد، وأدخل خيوله وبغاله في المسجد الأعظم في اسطنبول والشعب المسكين يريد الإسلام، فهو بلد مسلم، منهم محمد الفاتح .
يريدون لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقال لهم مصطفى أتاتورك : قدموا دماءكم وانصروا دين الله، فقاموا وحاربوا، فلما سفكت دماؤهم استغل الفرصة هو.
الباكستان أرض محمد عرب وأبي الأعلى المودودي ومحمد إقبال .
نفسي فدتك أبا الأعلى وهل بقيت نفسي لأفديك من أهلٍ ومن صحبِ فلما أتى محمد علي جناح أخذ مقاليد الحكم ورفض الإسلام.
أما استحى السجن من شيخٍ ومفرقه نور لغير طلاب الحق لم يشبِ
ابن باديس في الجزائر رحمه الله، من مدرسة السلف الصالح ، ومن مدرسة أهل السنة والجماعة ، والجبهة من مدرسة عبد الحميد بن باديس فهو الذي درسهم وعلمهم، فسر القرآن في خمس وعشرين سنة في جنوب الجزائر ، حتى كانوا يأتون له في يوم التفسير -أظنه مساء الجمعة- على البغال والجمال من أنحاء الجزائر ودرسهم، فلما انتهى من سورة الناس بعد خمس وعشرين سنة، قام وبكى أمام الألوف المؤلفة، وقال: ليس المقصد من تفسيري لكم القرآن أن تكونوا نسخاً متكررة ميتة، إنما مقصودي أن تدمروا فرنسا ، فقاموا يكبرون من المسجد، وخرجوا يقولون:فذبحوا الفرنسيين على الطريقة الإسلامية، ولذلك يقول ميتران قبل أربع ليالٍ: إنني لا أستطيع أن أتدخل في الجزائر ، لقد علم أنه لا يستطيع لأن الشعب مسلم:
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا ولو كان في غير الجزائر لتدخل؛ لكن الجزائريين أمرهم معروف، وشجاعتهم، ومروءتهم وحزمهم معروفة.
إن بني عمك فيهم رماح
والآن بعد طرد الفرنسيين من أولى أن يسير البلاد بالكتاب والسنة؟ لقد جاءوا بجوار رجل اسمه محمد خروبة ، كان مجرماً سفاكاً فأتوا به فوضعوه، فسفك دماء الإسلاميين، وشنق العلماء، وقتل الدعاة، وفتح الزنزانات، هذا جزاء الشعوب.
ثم يقال للإسلام: نعم في المسبحة، ونعم في السواك، وفي صلاة الاستسقاء، وفي القراءة على المصروع، أما في تسيير الأمة فلا.
فصل الإسلام عن الحياة السابع عشر: ركن الإسلام عن الحياة وأخذ الإسلام كشعارٍ يبارى به وينافح، والإيمان به في مسائل معروفة فحسب.
وهناك بعثي تسمعهم يقولون عنه في الأخبار: وقد حضر صلاة العيد، وهناك بعثي آخر يقولون عنه: حضر المولد النبوي الشريف.
يا عدو الله تذبح ثلاثين ألف في مسلم في حماة وتحضر المولد؟! إن رداء الإسلام الذي يحملونه شعار ولافتة فقط، ولكن الله سبحانه وتعالى يظهر الخبايا، والله سبحانه وتعالى كما قال:يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ
[النساء:142].
فالإسلام يركن من التعامل والفاعلية والتأثير إلى أن يصبح شعارات وكلمات رنانة براقة تذهب بها الريح، قال:فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ
[الرعد:17].
وهذا صدام لما أتت أزمة الخليج ادعى العودة، وجمع العلماء، وأخذ يبكي في المحاضرات، وأخذ يصلي أمام الناس، يصلي ليخدع الناس، وهو الذي قتل العلماء وشنقهم وطردهم في مشارق الأرض ومغاربها، وغيرهم كثير.
إرعاب العالم من كلمة الجهاد الثامن عشر: إرعاب وإرهاب العالم من كلمة الجهاد وأنها همجية وبربرية وإزهاقٌ للأنفس.
الطائرة الأمريكية التي أسقطت، وبعض الناس اتهموا بها الليبيين، وهم لا يفعلون ذلك حماهم الله، فقالوا: هم الذين أسقطوها، حاولوا قالوا: قدموا لنا الجناة لا بد أن نحاكمهم، يقول القذافي في بعض مقابلاته الصحافية: إن لم تقف أمريكا وبريطانيا وفرنسا عن تهديدي فسوف أربي لحيتي وأكون أصولياً منذ اليوم، يقول: إن كانوا سيعقلون، وإلا سوف أطلق لحيتي وسوف أقود الأصولية؛ لأن الأصوليين يقولون: بايعونا في سوق الخضار، لا بل في سوق الجنة، وقد:
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ
[التوبة:111].
لما احتل الشيوعيون كابل كان هناك عمال في طهران ، من أهل السنة أفغان، وهذا الخبر بث في هيئة الإذاعة البريطانية، سمعوا الخبر، فماذا فعلوا بعد أن سمعوا أن الشيوعيين أخذوا الحكم في كابل ، توجهوا مباشرة بالفئوس والمعاقل إلى السفارة الروسية فهدوها، ثم أخذوا علم روسيا فأحرقوه، ثم أخذوا يدورون في السفارة يقولون:
وقد علموا العالم الإسلامي درساً من أعظم الدروس في حياة الشعوب.
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا
فأعداء الإسلام يرهبون الناس الآن من كلمة الجهاد، ويقولون: الآن انتهى وقت الجهاد والمقاتلة بين الشعوب، والآن الموافقة سلمية، واتفاق إنساني، ووفاق دولي، ولا يجوز للإنسان أن يرفع كلمة الجهاد؛ لأنها تزلزلهم وتخيفهم، ولا بد من الجهاد، ولا تحيا الأمة إلا بالجهاد، وقد روى أحمد رحمه الله في المسند وصححه ابن القطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إذا تبايعتم بالعينة، وتركتم الجهاد، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم } ومعنى الحديث يقول: إذا فتحتم مكاتب عقارية، وتركتم رسالة الإسلام، وانشغلتم في زراعة البطاطس والبقدونس فقط، وتركتم الرسالة الخالدة، وأخذتم أذناب البقر في الحراثة والزراعة -وهذه لا نبطلها لكن بقدر- سلط الله عليكم ذلاً، وقد حدث هذا في كثير من أنحاء العالم الإسلامي.
فصل العالم الإسلامي عن بعضه تاسع عشر: فصل العالم الإسلامي بعضه عن بعض، وإيصاله إلى تمزقٍ لم يعهد مثله في التاريخ، وجعله دويلات متناحرة.
ففي كل بلدة تسمع الحرب والانقلابات، دويلات صغيرة، وفي كل مكانٍ أمير المؤمنين ومنبر، يقول الشاعر:
مما يزهدني في أرض أندلس ألقابُ معتصمٍ فيها ومعتضدِ دولٌ أكثر من التراب، ولا تأتي إلا في ولاية من ولايات أمريكا ، خمسة وعشرون دولة ما تأتي مثل جمهورية من جمهوريات روسيا ، إما أذربيجان ، أو كازاخستان ، أو روسيا البيضاء ، ولذلك بريطانيا لما استعمرت العالم العربي جعلت بين كل دولة ودولة مشكلة، لا تخرج إلا وتضع في الحدود مشكلة حتى يتقاتلوا عليها كل يوم، فمشكلة بين حدود مصر وليبيا ، وبين السودان ومصر وبين العراق والأردن ، وبين الأردن وسوريا ، وهكذا مشكلات وحروب طاحنة، فتمزيق العالم الإسلامي في دويلات مقصود، وإلا فالعالم المسلم ليس له حدود، وجنسيته الإيمان، وهويته لا إله إلا الله، وبلاده كل أرضٍ أشرقت عليها شمس الرسالة.
ألقاب مملكةٍ في غير موطنها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسدِ
كبت الصوت المسلم رون: كبت الصوت الإسلامي في مجال التأثير والفاعلية.
فكأنه يجوز لكل أحدٍ أن يتكلم وأن يكتب وأن يحاضر، إلا الصوت الإسلامي، يقول شوقي :
نفي إلى أسبانيا ، وأخذ ينشد من هناك ويقول: تطردوني من مصر وأنا من أبناء مصر ؟! يقول:
أحرامٌ على بلابله الدوح حلالٌ للطير من كل جنسِ تسمع كل الأصوات إلا أصوات أهل العلم والدعوة يريدونها أن تكبت وأن تخفت؛ لأن أهل العلم والدعوة يقولون الحق ويصدقون، ولأنهم لا يخافون في الله لومة لائم، وأعظم شيء أنهم على منهجٍ رباني.
أحرام على بلابله الدوح حلالٌ للطير من كل جنسِ
التضييق على الرؤية الإسلامية في الاقتصاد الحادي والعشرون: عدم إعطاء الاقتصاد الإسلامي الفرصة ليقدم الخيار، ولينقذ الناس من ورطات الربا، وجعل الربا هو الأصل.
فالآن جعلوا الربا هو الأصل، وجعلوا الاقتصاد الإسلامي هو المستثنى، فأصبح في العالم الإسلام البنوك الربوية طولاً وعرضاً، وأصبح الربا مفروضاً على الناس، وأصبح بعض المنتسبين للإسلام الآن إذا أقنعته بأنه محرم قال: نحن لا نستطيع أن نعيش إلا بالربا، لا بد من الربا.
سبحان الله! شريعة بعث بها محمدٌ صلى الله عليه وسلم حلت شئون العباد والبلاد صغيرة وكبيرة إلا مسألة الربا؟ حاشا وكلا! وألف حاشا! بل أتى صلى الله عليه وسلم بها، وجعل لها حلاً عليه الصلاة والسلام، لكنه ما قدم الخيار في الاقتصاد الإسلامي، وفرض على الناس الربا فرضاً، وتورطوا في الربا، وأصبح الواحد يأكل من غبار الربا إن لم يأكل منه.
إلقاء التهم على الملتزمين الثاني والعشرون: وصف المستقيمين بالتطرف والتزمت والتشدد.
أنا الآن أقف أمامكم، وأنا أسألكم بالله العلي العظيم إذا كانت مدرسة أحمد بن حنبل ؛ مدرسة أهل السنة والجماعة ، ومدرسة ابن القيم ، ومدرسة ابن تيمية ، والشيخ محمد بن عبد الوهاب ، المدرسة الإسلامية التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم متطرفة متشددة متزمتة، ففي من يكون العدل؟! وفي من يكون الإنصاف؟! وفي من يكون التوازن؟! هل سمعتم أحداً ممن مكن في العلم وقامت قدمه يكفر مسلماً؟ هل سمعتم عالماً أو داعية يحرم حلالاً؟ تشويه، متطرفون، متزمتون، متشددون.
أسألك بالله أليس شرفاً أن تكون متبعاً لمحمد صلى الله عليه وسلم؟!والتعليقات الآن عند الرأي العام على الملتزمين فقط.
وتجد الآن من يخالف السنة، أو يشرب الخمر، أو يشتغل بتناول المخدرات أو يكون مروجاً لها أو يسمع الأغنية المحرمة التي أجمع أهل العلم على تحريمها أو يسهر الليالي الحمراء، أو يضيع وقته، أو لا يحضر صلاة الجماعة، أو يهجر القرآن، أو يحلق لحيته، أو يطيل ثوبه، ومع ذلك لا يجد لائمة من الرأي العام، لكن الشاب الملتزم بسبب تغير وانتكاس المفاهيم، وعدم عقلانية الناس إلا من رحم ربك؛ حين يحافظ على الصلوات الخمس، ويقصر ثوبه، ويترك لحيته؛ لأنه يحب القائمة البيضاء، محمداً وأبا بكر وعمر وعثمان وعلياً ، والله الذي لا إله إلا هو لولا هذه القائمة بعد الله كانت أنوفنا في التراب والطين.
هل عندنا تاريخ غير محمد صلى الله عليه وسلم وهذه القائمة؟! بهم نباري الأمم، لا يستطيع أحد منهم أن يقول كلمة يستنقص بها واحداً منهم؛ حتى أرغمت على الحقيقة أنوفهم إرغاماً.
هارف في كتابه الأوائل يقول -وقد كررت قوله وأكرره والحقيقة تفرض نفسها-: أجدني مضطراً أن أقول: إن العظيم الأول في العظماء المائة في العالم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف لا نباهي الناس ولا نفتخر أننا من أتباعه؟! لكن تجد الشاب يأتيني أو يأتي غيري من الإخوة الدعاة قال: والله يا أخي! أنا والله خجلان أريد أن أطلق لحيتي، لكن أبي وإخواني يستهزئون بي وفي جزيرة العرب أو في البلاد الإسلامية عموماً يستهزئون بك، قال: وأنا أريد أن أقصر ثوبي، لكن إخواني والجيران ربما يضحكون علي في المجالس، سبحان الله!! يضحكون عليك لأنك اتبعت الرسول صلى الله عليه وسلم؟! أصبح هؤلاء هم المعنيون بالتعليقات المرة التي لا يستحي منها أصحابهم، والله العظيم إنه لشرف لنا وللمسلمين أن يرى الإنسان هذه المسيرة.
يخبرني أحد الدعاة المشهورين يقول: رأيت في الجزائر مسيرة خرجت بعد صلاة الجمعة، قال: وإذا هم على منهج أهل السنة والجماعة ، اللحى والثياب والزي الإسلامي، قال: فبكيت والله حتى سالت دموعي من رأس لحيتي، ومن يستطيع ألا يبكي؟! أنا سمعت أحدهم في هيئة الإذاعة البريطانية فيسألونه واسمه عبد القادر، يقولون: إنكم سوف تكونون مصدر شقاء للشعب الجزائري؟ قال: سبحان الله، الدين الذي أنزله الله سعادة للبشر أيكون شقاءً للإنسان؟! يقول سبحانه وتعالى:أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
[المائدة:50] أي أن الأفكار الغربية والشرقية المستوردة هي شقاء للإنسان والشريعة الإسلامية هي السعادة، وكيف لا يفرح العبد حين يرى الألوف المؤلفة اتجهت إلى الله عز وجل، وصلَّت وكبرت، وأحبت محمداً صلى الله عليه وسلم؟! لكنها التربية الماكرة التي صنعها العميل من وراء الستار، وأخرجها للناس، وجعلها هي الحل، وجعلها هي الأصل، وجعل غيرها طارئاً عليها.
ما كنت أظن حتى في المجتمعات القبلية أنهم يلومون الشباب إذا اقتدوا بالسنة، المجتمعات التي كان الواحد منهم إذا قال له: تعدني أن تأتي؟ قال: نعم، قال: ماذا بيني وبينك؟ قال: هذه وجعل يده على لحيته، وإذا قال له في أمر جعل يده على لحيته، معناها: قطع الرءوس ودون ذلك خرط القتاد، إذا وضع يده على لحيته، فهي الخطورة القصوى التي لا بد أن تنفذ، يقول أحدهم: إذا ما تم هذا الأمر فاحلقها فيقول: لا.
مصانة مكرمة، والآن تحلق مجاناً، معذرةً لا أريد جرح الشعور، وأنا أعرف أن بعض الناس يحضر معي عندهم إيمان ومتبعون ولكنهم أخطئوا في حلق اللحى، أنا لا أريد أن أعلق عليهم، ولا أريد أن أجرح مشاعرهم، هم إخواني وزملائي، ووالله إني أحبهم لأصل الإيمان في قلوبهم؛ لكن أرجوهم اتباع محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً
[النساء:65] أخشى أن يخرجوا ويقولون: كفرنا، أو فسقنا، أنا أقول: أخطئوا وعصوا ولا بد أن يتوب الله علينا وعليهم وهم إخواننا وأبناء عمومتنا، لكن والله نريد أن يكتملوا في اتباع سنته عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أتى بسنةٍ لا بد أن تكون ظاهرة وباطنة، تقولها قوية: أنا مسلم متبع للسنة ولا تخجل من أحد؛ لأنك على الحق وغيرك على الباطل، يقول سبحانه وتعالى في الجبناء السفهاء من المنافقين:
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ
[النساء:8].
فنصيحتي لإخواني: أن يتحملوا الاستهزاء والاستخفاف والاحتقار والتعليق، ويعلموا أنها في ميزان الحسنات، قال سبحانه وتعالى:أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ
[العنكبوت:2-3].
المفضلات