سيكولوجية الطلاق

بقلم: بديع القشاعلة – أخصائي نفسي


تعتبر ظاهرة الطلاق من الظواهر المنتشرة في المجتمعات المختلفة، فقد ارتفعت نسبة الطلاق في العالم وفي وسطنا العربي نسبياً، وتشير كثير من الإحصائيات أن نسبة الطلاق تزداد مع مرور الزمن.

وللطلاق أسباب عديدة،
قد تكون لها علاقة بالمجتمعات المختلفة. فنسبة الطلاق تختلف من مجتمع إلى آخر كذلك أسبابه ونتائجه، فأسبابه لها علامة بالتغييرات الاجتماعية، ولكي نكون أكثر وضوحاً سنسرد بعضاً من الأسباب التي قد تكون مباشرة أو غير مباشرة في حدوث عملية الطلاق:


1. التغيير من ناحية النظرة الاجتماعية للطلاق واعتباره كبديل وحل، إذ أن كثيراً من الناس أصبح ينظر إلى الطلاق على أنه حل لكثير من الأزمات العائلية بين الزوج والزوجة، واعتباره بديلاً للوضع الموجود، فالمجتمعات الحديثة الغربية تنظر إلى الطلاق على أنه الملاذ من التوترات العائلية. فنرى الزوجين ينفصلا بسهولة نسبياً إذا ما واجها مشاكل لا يستطيعا أن يواجهانها.

2. الابتعاد عن الدين. لطالما اعتُبر الدين عاملاً أساسياً في عدم حدوث الطلاق إذ تحث الديانات السماوية على أن الطلاق غير مرغوب فيه. فالإسلام أبداً لم يشجع على الطلاق إلا في حالات صعبة جداً وقليلة، فأبغض الحلال عند الله الطلاق، وكذلك الديانات الأخرى المسيحية واليهودية حاولت منع الطلاق. وبما أن الناس قد ابتعدوا عن الدين وأخذوا يتعاملوا مع الحياة بصورة مادية، أصبح دور الدين في منع الطلاق يتضاءل.

3. خروج المرأة إلى العمل، مما أثر على وظيفة المرأة ونظرتها لنفسها وبأنها تستطيع أن تعيل نفسها. فقد أدى تقدم المجتمعات المحموم إلى تغيرات كثيرة منها دور المرأة في المجتمع، فقد أصبحت المرأة تخرج إلى العمل مما أثر على دورها كأم وكربة بيت وكزوجة – فأصبحت المرأة مستقلة من الناحية المادية الأمر الذي غير نظرتها لنفسها، وأصبحت تعلم أنها تستطيع أن تعيل نفسها. هذه التغيرات مجتمعة سهلت من عملية الطلاق والتفكير فيه واتخاذه بديلاً وحلاً.

4. زيادة الأنانية ومحاولة الفرد الحصول على إرضاء نفسه وعدم التضحية في سبيل الآخر.

5. الزواج هو علاقة طويلة المدى، مما يصعب على الفرد التغاضي عن المشاكل والمتاعب التي تتكرر.

إن كثرة المشاكل والتوترات في العائلة، تجعل الزوج أو الزوجة ينظر إلى الحياة الزوجية على أنها ليست لفترة معينة لها نهاية الأمر الذي يؤثر سلبياً على معنوياته، إذ أن التوترات والصراعات سوف تصحبه إلى آخر حياته، من هذا المنطلق قد يفكر الزوج أو الزوجة في الانفصال كي يرتاح.

6. النظرة إلى كثرة الأطفال تغيرت فأصبحت العائلة تكتفي بالقليل منهم، مما سهل عملية الانفصال.

إن للطلاق نتائج وعلى الأغلب تكون سلبية، إذ أنه بعد الطلاق تأتي مرحلة جديدة لم يعهدها الزوج أو الزوجة، وهي التأقلم والتعايش مع الحياة الجديدة والوضع العائلي الجديد. إذ نرى أن أغلب حالات الطلاق تكون بعد فترة طويلة من الزواج المحبط والصراعات داخل العائلة بين الزوجين، فيؤدي إلى رغبة أحد الزوجين بالانفصال من هذه الرابطة والعلاقة المتعبة نفسياً واقتصادياً ومحاولة الإفلات والتخلص من العلاقة غير السليمة بين الطرفين.

هنا يُسأل السؤال هل الطلاق أزمة أم نقطة تحول؟

إن حدث الطلاق يعتبر من الأحداث الأكثر صعوبة في الحياة، وهو حدث غير مخطط له في الحياة وبدون زمن محدد أو برنامج محدد، وليس له أي طقوس اجتماعية تدعمه أو تبرره.

حالات الطلاق تؤدي إلى صراع داخل الفرد وصراع بين الرغبات وإحساس بالبلبلة الانفعالية، ومحاولة التأقلم والتعايش مع الضغوط النفسية ونمط الحياة الجديد.

رغم هذا، هناك من يقول أن الطلاق يمكنه أن يكون نقطة تحول تبقى فيها العلاقة العائلية متواصلة ولكن ذات معنى مختلف، كما ويمكن اعتباره كفرصة للتغيير والبدء من جديد بحياة أكثر نجاحاً، وأقل توتراً وصراعاً.

هناك عدة وجهات نظر تفسر عملية الطلاق ومسارها:

* وجهة النظر القانونية التي تنظر إلى حقوق الطرفين من الناحية القانونية.

* وجهة النظر الاقتصادية والتي تنظر إلى إمكانية تعايش الزوجين مع الظروف الاقتصادية الجديدة.

* وجهة النظر الاجتماعية التي تنظر إلى مدى التأقلم مع نمط الحياة الجديد.

وجهة النظر النفسية التي تنظر إلى مدى التغلب على الضغوط النفسية.


تتميز عملية الطلاق بالمراحل التالية:

1. مرحلة ما قبل الطلاق وبعده فورياً، ومدتها تستمر من عدة شهور حتى سنة، وتتميز هذه المرحلة بضغوط نفسية عالية، ويصاحب الفرد في هذه الفترة شعور بالبلبلة النفسية والخذلان وشعور بالتنازل عن مسؤوليات سابقة.

2. المرحلة الوسطية، وهي التي تأتي بعد الطلاق والانفصال، وتستمر إلى عدة سنوات، ففي هذه المرحلة تنشأ وظائف جديدة في العائلة، وتتكون علاقة جديدة في نمط الحياة والعلاقة بين الأبوين والأولاد.

3. مرحلة الاستقرار، وفيها يبدأ الاستقرار في مبنى العائلة الجديد والتأقلم مع التغيرات الجديدة.

ما هو تأثير الطلاق على الأولاد؟

يعتبر الطلاق من الأحداث الصعبة في الحياة ويعتبر نقطة تحول تؤثر في كثير من الأحيان على حياة الأطفال وعلى نموهم النفسي والمعرفي والسلوكي.

إن معظم الأطفال لا يقبلون طلاق الوالدين، حتى وإن كان الوالدان في صراع دائم أمام أعينهم، إلا في حالات العنف الشديد فإنهم يميلون إلى انفصال الوالدين.

إن نظرة الطفل لوالده الذي اختار الطلاق تكون سلبية، فهو ينظر إليه على أنه تنازل عنه ولا يريده ويضحي به من أجل مصلحته، وأحياناً يعتبر الأولاد هذا الوالد أو الوالدة كمن يرفضهم ولا يتقبلهم. هؤلاء الأولاد يعيشون حياة نفسية مليئة بالغضب والإحباط مع عدم القدرة على فعل شيء مع الشعور بالحزن والآلام.