من آياته قوله تعالى :
( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً) .
يقول الرازي – عند تفسيره لقوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ ) (النساء: من الآية171) :
المعنى : ولا تقولوا – والخطاب للنصارى – إن الله سبحانه واحد بالجوهر ثلاثة بالاقانيم ، أو لا تقولوا آلهتنا ثلاثة . . .
ثم أكد التوحيد بقوله : ( إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ) (النساء: من الآية171). ثم نزه نفسه عن الولد بقوله ( سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَد) أي سبحانه ما يكون له ولد .
ثم: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ) .
واعلم أنه سبحانه في كل موضع نزه نفسه عن الولد ، فذكر سبحانه أنه ملكا ومالكا لما في السموات والأرض ، فقال في سورة مريم : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً)(مريم:93)
والمعنى : من كان مالكاً لكل السموات والأرض ، ولكل ما فيهما كان مالكا لعيسى ولمريم – عليهما السلام – لأنهما كانا في السموات والأرض ، وما كانا أعظم من غيرهما في الذات والصفات . وإذا كان مالكا لما هو أعظم منهما فيكون مالكا لهما من باب أولى . . . ثم قال ( وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً)(النساء: من الآية171).
والمعنى أن الله سبحانه كاف في تدبير المخلوقات ، وفي حفظ المحدثات ، فلا حاجة معه إلى القول بإثبات إله آخر وهو إشارة إى ما يذكره المتكلمون من أنه سبحانه لما كان عالما بجميع المعلومات ، قادرا على كل المقدورات ، كان كافيا في الإلهية ، ولو فرضانا إلها آخر معه لكان معطلا لا فائدة منه ، وذلك نقص ، والناقص لا يكون إلها .
وبالجملة فلا نرى مذهبا في الدنيا أشد ركالة وبعداً عن العقل من مذهب النصارى .
وأيضا في إبطال عقيدة التثليث : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المائدة:73)
( ثالث ثلاثة ) ، أي أحد ثلاثة آلهة ، أو واحد من ثلاثة آلهة ، والنصارى يقصدون الأب : الذات ، والابن : الكلمة ، والروح : الحياة وأثبتوا الذات والكلمة والحياة ، وقالوا : إن الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسد عيسى اختلاط الماء بالخمر ، واختلاط الماء باللبن وزعموا : أن الأب إله ، والابن إله ، والروح إله ، والكل إله واحد .
ويقول القرطبي : قوله : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ) أي أحد ثلاثة . وهذا قول فرق النصارى من الملكية والنسطورية واليعقوبية ، لأنهم يقولون : أب وابن وروح القدس ، إله واحد ، ولا يقولون ثلاثة آلهة وهو معنى مذهبهم ، وإنما يمتنعون من العبارة وهي لازمة لهم . وما كان هكذا صح أن يحكى بالعبارة اللازمة ، وذلك أنهم يقولون : أن الابن إله ، والأب إله ، وروح القدس إله ، فأكفرهم الله بقولهم هذا ، وقوله : ( وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِد ٌ) أي أن الإله لا يتعدد . وقوله تعالى : ( وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ ) أي يكفوا عن القول بالتثليث ليمسنهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة .
وقال البيضاوي : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ) ، أي أحد ثلاثة وهو حكاية عما قاله النسطورية والملكانية منهم القائلون بالأقانيم الثلاثة وما سبق قول اليعقوبية القائلين بالاتحاد . ( وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ ) وما في الوجود ذات واجب مستحق للعبادة – من حيث إنه مبدأ جميع الموجودات – إلا إله واحد ، موصوف بالوحدانية متعال عن قبول الشركة . . .
ويقول الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره لهذه الآية :
(( أكد الله سبحانه وتعالى بالقسم كفر الذين قالوا : ان الله الذي هو خالق السموات والارض ، ثالث أقانيم ثلاثة ، وهي الأب والابن والروح القدس ))
المفضلات