لمَّا كانت طريقة البحث الصحيحة الكاملة هي الطريقة العقلية، كان لا بدَّ من الواقع حتى يبدأ العقل بإنتاج الفكر، والواقع هو ما تدركه حاسة أو أكثر، وهذا يتحقق في ذات الشيء أو أثر هذه الذات؛ فالهواء تدركه حاسة اللمس، والضوء تدركه حاستا اللمس والإبصار، والملح تدركه حواس اللمس والإبصار والذوق، والطعام تدركه حواس اللمس والإبصار والذوق والشم، والصوت تدركه حاسة السمع. وهكذا، هلمَّ جرًّا.

وهذه الحواس تدرك الشيء أو أثره؛ فالماء يدرك بذاته، والحياة تدرك بأثرها، وهو: الحركة والنمو والتنفس، والروح التي هي سبب الحياة لا تدرك بذاتها؛ فلا هي تحس أو تبصر أو تشم أو تذوق أو تسمع. ولمَّا كانت الحيرة تعتري الإنسان من الإنسان نفسه والحياة والكون_ وهي أشياء تقع تحت حسِّ الإنسان _، كان لا بدَّ من إيجاد الفكر عن الإنسان والحياة والكون؛ لأنَّ ما يعتري الإنسان ويدور في خلده يحلُّ بإيجاد المفاهيم الصادقة عن الكون والإنسان والحياة، وقد تكفَّل أصحاب الفكر المستنير والإحساس المرهف بأعباء إيجاد هذه المفاهيم.