لقد قام الدليل الخريت، والسلطان المبين، والحجة الدامغة، على أنَّ ما يقعُ عليه الحسُّ يستند في وجوده على شيء، فما هذا الشيء؟ إنَّ الإيمان بالله ليس آتيا من إدراك ذاته، بل آت من إدراك وجوده، فما ذاته؟
بما أنَّنا لا نستطيع التفكير في ذات الله؛ لأنها غير مدركة لنا، وجب ترك الخوض في هذه الذات إلا في أصلها، ونحن هنا أمام ثلاث احتمالات:
1. الله مخلوق لغيره: وهذا باطل؛ لأنَّه رجوع للمربع الأول: ما أصل من خلق الله، وهلمَّ جرًّا. على أنَّ الخالق هو غير المخلوق.
2. الله مخلوق لنفسه: وهذا باطل؛ لأنَّ الخلق هو إيجاد من العدم، والعدم هو لا شيء، واللاشيء لا يأتي بشيء. على أنَّ النقيضين لا يجتمعان: الله خالق ومخلوق.
3. الله أزلي: وهذا ما يحتمه العقل؛ فالله الأول بلا بداية، أي ليس قبله شيء. والله الآخر بلا نهاية، أي ليس بعده شيء.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ صفة الأزلية لا بدَّ منها، فمن آمن بالله آمن بأزليته، ومن ألحد بالله آمن بأزلية المادة.