وليد الحسيني، تحية طيبة، وبعد:

إنَّ الله_ سبحانه وتعالى _قد خلق الخلق بقدر:" إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ"، (القمر: 49). أي: خلقنا كل شيء مقدّرا محكما مرتبا على حسب ما اقتضته الحكمة. وقد كان هذا الخلق متقنًا أيما إتقان:" صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ"، (النمل: 88). وليس أدلَّ على هذه الحقيقة القاطعة من خلق الكون، المسمَّى فيزيائيَّا: (Big bang)، فهو انفجار ليس كغيره؛ انفجار خلَّف نظامًا بديعا لا فوضى، وقد كان بسرعة تقاس بأجزاء أجزاء الثانية حتى مضى، ولازال توسُّع مجراته آية على ما مضى:" وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ"، (الذاريات: 47). وهذا الكون أعظم مما فيه من كائنات:" لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"، (غافر: 57). فهل من احترام العقل_ يا وليد _أن تشهد إبداع الخالق في هذا الكون، ثم يدفعك ما في نفسك من كبر ما أنت ببالغه إلى القول: أخطاء في الطبيعة_ وهي أمثلة في الكائنات الحية _جعلتني ألحد بالخالق؟! تبًّا لعقلٍ غفل عن حقيقة: أمبدعُ هذا الكون، يخطئ في خلق ما هو أقل شأنًا منه ولا يخطئ فيه؟ ذلك أنَّ طرحك مخصوص بالكائنات الحية، لا في المجرات بما فيها من غير الإنسان والحيوان، فنماذجك محصورة في الإنسان والحيوان، ولم تملك نموذجا واحدا على خطأ في الكواكب والنجوم والنباتات والعناصر...إلخ.

والآن نشرع في تبيان زيف دعواك: (الأخطاء الطبيعية):

توطئة:
1. إنَّ الحكم على عضوٍ ما أنَّ به خللا يستوجب استغلاق العلم؛ لأنَّ صانع الأعضاء_ وهو الله سبحانه _قد أحاط بكل شيء علما، وصنع ما صنع بحكمة بالغة. وعليه، قبل الزعم بوجود خلل، يجب إقامة البرهان على أنَّ العلم قد بلغ منتهاه في الأمر محِلِّ النقاش.
2. يجب إثبات أنَّ هذا الخلل قد ألحق بالعضو ضررًا لم يعد معه قادرًا على تأدية وظيفته.
3. هل كون تصميم عضوٍ ما يساعد على جلب الأمراض يعتبر خللا؟
والآن، نتناول أطراف الحديث عن نماذجك:

أولا_شبكة العين:

العصيات والمخاريط_ وهما الطبقة الحساسة للضوء _في الخارج، والأوعية الدموية في الداخل، هذا هو تصميم الشبكة، فما هو الخطأ؟
الخطأ يستوجب إلحاق خلل وظيفي؛ فهل العين لا تميز الألوان؟ هل العين لا تميز الأشكال؟ هل العين تغالط؟ هل العين يلحقها غباش في الرؤية (ضباب)؟
إذن، أين هو الخلل؟ لا خلل. إذن، لا خطأ في تصميم العين؛ لأنَّها أدَّت الوظيفة على أكمل وجه!
الآن نأتي للتشدق والتنطع:
1. هذا التصميم أوجد البقعة العمياء: على ماذا أثرت هذه البقعة؟ لا تأثير.
2. هذا التصميم يسمح بانفصال الشبكية: قلةٌ من يعانون من انفصال الشبكية، وانفصالها ليس طبيعيا، بل هو نتيجة لمؤثر، نحو: ضربة في الرأس، أي: من الممكن أن يحصل الخلل نفسه في حال تعرض الرأس للمؤثر نفسه في تصميمك المزعوم. وهذا التصميم ينسجم مع الحكمة الربانية، وهو ابتلاء الناس، فالله_ سبحانه _خلق الإنسان بتصميم قابل للابتلاء، وابتلاء المؤمنين هو محبة من الله لهم: «إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ»، رواه الترمذي. وقد جعل الله هذا الابتلاء مدرَّا للحسنات، مكفِّرًا للسيئات، وأي بلاء هو أعظم من فقد البصر؟ قال رسول الله_ صلى الله عليه وسلم _ فيما يرويه عن ربه: «إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ_ عينيه _ثُمَّ صَبَرَ، عَوَّضْتُهُ عَنْهُمَا الْجَنَّةَ»، رواه البخاري. فحكمة الله_ سبحانه _اقتضت هذا التصميم؛ ليبتلي بعض عباده بفقد بصره، ولكن: أنَّى للملحدين أن يفقهوه؟! وأنَّى لوليد الحسيني أن يعقل؟!
(فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)