و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
كتبت في أول تعقيب لي
(( أخيراً ما أود قوله أن إحاطة المكان المخلوق بالله تعالى ممتنعة و بالتالي يتم التفصيل عند سؤالنا عن مكان الله لأن لفظ المكان من الألفاظ المجملة فإن أُريد أن المكان شئ مخلوق فهذا منفٍ عن الله تعالى لأنه لا يحيطه شئ من مخلوقاته فلا يحل بها و لا تحل به فهو بائن عنها و إن أريد بالمكان أنه تعالى عالٍ على عرشه فوق مخلوقاته فهذا المعنى صحيح و هو ثابت لله تعالى بالنصوص الشرعية و الفطرة ))
الأخ محمود فهم من كلامي هذا أن العرش قديم بقدم الله تعالى إلا أني بينت خطأ فهمه هذا فكتبت له في مشاركة لاحقة
(( لم يتضمن كلامي ما نسبته إليّ بفهمك الخاطئ من القول بقدم العرش فالعرش مخلوق من سائر مخلوقات الله تعالى و ما من مخلوق إلا و هو مسبوق بالعدم فكيف لك أن تنسبه إلى القدم فإن كنت تقصد أن العرش قديم بقدم الله تعالى فهذا القول لا شك قول باطل و لم يتضمنه كلامي أبداً ))
إلا أن الأخ محود عقب بالتعقيب التالي في مشاركته الأخيرة و قال
(( فهذا يعطي إحتمالين .. إما مكان مخلوق (وهو منفي عن الله) وإما أنه تعالى في مكان غير مخلوق (وهو تعالى عالٍ على عرشه) وهذا ما دفعني للقول بقدم العرش وكما ذكرت لك لم أجد فعل خلق العرش في القرآن ودائماً ما يُذكر بصفات تعظيم ..
فما الذي يمنع من القول بقدم العرش عقلاً أو نقلاً ؟؟ فأنا لا أنسب صفة القدم لإله آخر (سبحان الله عما يشركون) بل أسأل إذا كان العرش قديماً وكائناً مع الله منذ الأزل، هل من نص صحيح أو استنتاج عقلي يمنع هذا القول ؟؟ لأنه في تلك الحالة نستطيع فهم وجود مكان غير مخلوق يليق بالله سبحانه وتعالى وبذلك يكون الخالق بائناً من خلقه جل في علاه ))
و للرد أقول
لم يتضمن كلامي أبداً أن الله تعالى في مكان غير مخلوق فعبارتي كانت واضحة و التي نقلتها بنفسك فهي تدل على أنه فوق مخلوقاته بائن منها لا يحل في شئ منها و لا تحل في شئ منه فهناك فرق كبير بين على و في فأرجو نقل عباراتي بدقة
أما أن وصف الله تعالى بالعلو يستلزم القول بقدم العرش فهذا فهم مغلوط غير صحيح فكونك لم تجد إشارة إلى خلق العرش لا يعني انتفاء الخلق عن العرش كما تقرر فعدم العلم لا يعني العلم بالعدم و كون ذكر العرش جاء بعد الإشارة لخلق السماوات و الأرض لا يعني أنه قديم أزلي بل غاية ما يدل عليه أن خلقه تم قبل خلقها و قد أشرت لهذا في مشاركتي و لم تعقب عليه .
الذي يمنع وصف العرش بالقدم شرعاً هو
أولاً : قوله صلى الله عليه وسلم (( كان الله و لا شئ قبله )) و في رواية (( غيره )) و في رواية (( معه )) فالحديث يدل على أن الله الأول الذي ليس قبله شئ و يدل على أنه تعالى ليس معه شئ من مخلوقاته لأن كل فرد منها مسبوق بالعدم و العرش من جملتها و إلا أخبرني هل العرش غير الله أم لا ؟؟؟ فإن قلت أنه غيره و لا بد لك من ذلك ثبت أنه تعالى كان و لم يكن معه شئ من مخلوقاته لأن كل مخلوق مسبوق بالعدم مع اثبات دوام فاعليته تعالى .
ثانياً : قول الله تعالى (( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ )) و العرش داخل في عموم المخلوقات التي خلقها الله سبحانه و تعالى و من يزعم خلاف ذلك عليه أن يقدم الدليل
ثالثاً : قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري رداً على هذا الزعم
(( ( قوله باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم )
كذا ذكر قطعتين من آيتين وتلطف في ذكر الثانية عقب الأولى لرد من توهم من قوله في الحديث كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ان العرش لم يزل مع الله تعالى وهو مذهب باطل وكذا من زعم من الفلاسفة ان العرش هو الخالق الصانع وربما تمسك بعضهم وهو أبو إسحاق الهروي بما أخرجه من طريق سفيان الثوري حدثنا أبو هشام هو الرماني بالراء والتشديد عن مجاهد عن بن عباس قال ان الله كان على عرشه قبل ان يخلق شيئا فأول ما خلق الله القلم وهذه الأولية محمولة على خلق السماوات والأرض وما فيهما فقد أخرج عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وكان عرشه على الماء قال هذا بدء خلقه قبل ان يخلق السماء وعرشه من ياقوتة حمراء فأردف المصنف بقوله رب العرش العظيم إشارة إلى ان العرش مربوب وكل مربوب مخلوق وختم الباب بالحديث الذي فيه فإذا انا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فان في اثبات القوائم للعرش دلالة على انه جسم مركب له أبعاض وأجزاء والجسم المؤلف محدث مخلوق وقال البيهقي في الأسماء والصفات اتفقت أقاويل هذا التفسير على أن العرش هو السرير وانه جسم خلقه الله وأمر ملائكته بحمله وتعبدهم بتعظيمه والطواف به كما خلق في الأرض بيتا وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة وفي الآيات أي التي ذكرها والأحاديث والآثار دلالة على صحة ما ذهبوا إليه ))
فانظر إلى قوله (( فأردف المصنف بقوله رب العرش العظيم إشارة إلى ان العرش مربوب وكل مربوب مخلوق ))
رابعاً : ذكرت لك مسبقاً التفريق بين الاستواء و بين العلو فالاستواء أخص من العلو و هو متعلق بالمشيئة و هو صفة فعلية و يبدو أنك لم تعي مقصودي من هذه الإشارة و لم تعقب بشئ حولها فقوله تعالى (( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )) يدل دلالة صريحة أنه قبل خلق العرش لم يكن مستوٍ عليه و هذا كافٍ في ابطال ما ذهبت إليه فالاستواء كما سبقت الإشارة صفة فعلية متعلقة بالمشيئة إن شاء الله فعلها و إن لم يشأ لم يفعلها بينما العلو عام ثابت له سبحانه و تعالى لأنه صفة ذات تلازمه .
أما امتناع قدم العرش عقلاً لأن هذا العرش جائز عليه العدم و ما جاز عليه العدم امتنع من القدم فلو كان العرش قديماً لما جاز عليه العدم فلما جاز عليه العدم علمنا أنه حادث مخلوق بعد أن لم يكن
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية الجزء الأول صفحة 119 و 120 (( فإن المقدمات الدقيقة الصحيحة العقلية قد لا تظهر لكل أحد والله تعالى قد وسع طريق الهدى لعباده فيعلم أحد المستدلين المطلوب بدليل ويعلمه الآخر بدليل آخر ومن علم صحة الدليلين معا كان كل منهما يدله على المطلوب وكان اجتماع الأدلة يوجب قوة العلم وكل منهما يخلف الآخر إذا عزب الآخر عن الذهن ولكن مع كون أحد من العقلاء لم يعلم أنه قال هذا ومع كون نقيضه مما يعلم بالسمع فنحن نذكر دلالة العقل على فساده أيضا فنقول كما أنه ما يثبت قدمه امتنع عدمه فما جاز عدمه امتنع قدمه فإنه لو كان قديما لامتنع عدمه والتقدير أنه جائز العدم فيمتنع قدمه وما جاز حدوثه لم يمتنع عدمه بل جاز عدمه وقد تقدم أن ما جاز عدمه امتنع قدمه لأنه لو كان قديما لم يجز عدمه بل امتنع عدمه وتلك المقدمة متفق عليها بين النظار متكلمهم ومتفلسفهم وغيرهم . وبيان صحتها أن ما يثبت قدمه فإما أن يكون قديما بنفسه أو بغيره فالقديم بنفسه واجب بنفسه والقديم بغيره واجب بغيره ولهذا كان كل من قال إن العالم أو شيئا منه قديم فلا بد من أن يقول هو واجب بنفسه أو بغيره ولا يمكنه مع ذلك أن يقول ليس هو بواجب بنفسه ولا بغيره فإن القديم بنفسه لو لم يكن واجبا بنفسه لكان ممكنا مفتقرا إلى غيره فإن كان محدثا لم يكن قديما وإن كان قديما بغيره لم يكن قديما بنفسه وقد فرض أنه قديم بنفسه فثبت أن ما هو قديم بنفسه فهو واجب بنفسه وأما القديم بغيره فأكثر العقلاء يقولون يمتنع أن يكون شيء قديما بفاعل ومن جوز ذلك فإنه يقول قديم بقدم موجبه الواجب بنفسه ))
هذا و الله تعالى أعلى و أعلم




رد مع اقتباس
المفضلات