ملخص من درس للدكتور منقذ السقار بعنوان مكر الله وخداعه.
يقول الدكتور بعد بسم الله السميع العليم, وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
"ان الفهم السقيم للغة العربية هو ما يؤدي الى أن يثير البعض الشبهات حول القران وأنه ينسب الى الله صفات لا تليق بجلاله, مثل قول تعالى:
"يخادعون الله وهو خادعهم".
وأيضا "نسوا الله فنسيهم ".
"ويمكرون ويمكر الله ".
"انهم يكيدون كيدا , وأكيد كيدا".
وأمثالها من ايات القران الكريم , ففهموا ان القران ينسب الى الله صفات الخداع , والمكر , النسيان , وغيرها.
وهذا فهم سقيم وجهل بلغة العرب, ونقول أن القران الكريم هو الكتاب الوحيد الذي نسب الى الله صفات الكمال والجلال ونزهه عن النقائص والمعائب.
فليس في القران ما نجده في كتب الاخرين حديث مثل ما هو موجود في الكتاب المقدس عن أن الله تصارع مع يعقوب عليه السلام وأن يعقوب غلبه في المصارعة, لا نجد في القران أن الله أكل زبدا وعسلا عند ابراهيم عليه السلام.
عندما تحدث القران عن الله تعالى , ذكره بصفات الجلال والاسماء الحسنى "ولله الاسماء الحسنى , فادعوه بها"
اذا كيف نسب الله لنفسه صفة المكر , والنسيان, والخداع؟
هناك شيء في لغة العرب يسمى بالمشاكلة اللفظية, المشاكلة اللفظية كما عرفها أبو بكر بن حجة في كتابه- "ثمرات الأوراق" – "المشاكلة في اللغة هي المماثلة, وفي المصطلح ذكر الشيء بغير لفظه لموافقة القرائن ومشاكلتها,أي كأن نسمي عذاب الله بأنه مكر", وهذا أمثلته في لغة العرب كثير, مثل قول الشاعر:
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه---------- قلت اطبخوا لي جبة وقميصا.
الجبة لا تطبخ انما تخاط , وكذلك القميص, اذا قال الشاعر اطبخوا لي لأنه بحاجة الى الجبة والقميص أكثر من الطعام , والشراب , فاستخدم العبارة اطبخوا , لأنهم قالوا نجد لك طبخه.
الشاعر أبو تما م يقول :
من مبلغ أفناء يعرب كلها ----------- أني بنيت الجار قبل المنزل.
الجار لا يبنى , فهو يجاور , يساكن , لكنه لا يبنى, فالشاعر ذكر المنزل وذكر ما يليق به , وهذا ما يسميه العرب المشاكلة اللفظية.
وهذا الأمر موجود عند عوام الناس اليوم , فمثلا يعطيك أحدهم موعدا , فيتخلف عن الموعد , فتسأله لماذ تتخلف عن الموعد , فيقول أنا نسيت, وتعطيه أنت موعدا فلا تأتي للموعد , فيسألك عن سبب تخلفك , فتقول له : أنا نسيتك كما نسيتني -- أي أنا أكافكئك كما كافئتني , ويفهم العقلاء أنك لم تنساه , وانما تقابله بمثل فعله.
والقران لما كان على لغة العرب , فانه نزل موافقا لطرائقهم في التعبير, وأمثال هذا في القران كثير مثل قوله تعالى " فمن اعتدى عليكم , فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" , اذا رد العدوان ليس بعدوان , العدوان هو الابتداء بالعداوة, ورد العدوان انما هو قصاص , وانما هو أمر صحيح. انما سماه القران عدوانا للمشاكلة اللفظية.
ما معنى الكيد والمكر في هذه الايات ؟ هل تدل على معاني خبيثة وماكرة , أم تدل على معاني عادلة ؟
لما اراد اليهود المكر بالسيح عليه السلام , وحاكوا مؤامرتهم للقبض عليه , قال الله تعالى : "ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين" , فمكر الله معناه : هو انجاء الله للمسيح عليه السلام.
ومثله فعل مع الرسول عليه الصلاة والسلام , حينما اجتمعت قريش في دار الندوة وتامروا على النبي صلى الله عليه وسلم , فقال الله "واذ يمكر بك الذين كفروا , ليثبتوك , أو يقتلوك , أو يخرجوك , ويمكرون ويمكر الله , والله خير الماكرين"
فمكر الله هو انجاءه للنبي عليه الصلاة والسلام.
الكثير من أهل العلم قال , ان لغة العرب لا مشاحة عندها في استخدام هذه الكلمات , فهذه الكلمات هي كلمات محايدة في معناها . المكر والخداع اذا كان استخدامهما لخير فهما خير , وان كان استخدامهما لشر فهما شر , فالله عزوجل استخدم هذه الالفاظ , فقابل مكر الكافرين السيء بالمكر الحسن , وخداعهم المشين , بالخداع الممدوح الذي يتوصل به الى انجاء المؤمينين, وواجه الكيد الخبيث بالكيد النافع ,فهكذا المكر والخداع والكيد , رغم ما يظهر للعامة ابتداء على انها ألفاظ تدل على شيء منكر الا أنها في لغة العرب لا تدل على ذلك , انما تدل عليه بحسب استخدامها, مثلا المكر في لغة العرب معناه التوصل باسباب خفية الى الايقاع بالخصم , وهذا لا شيء فيه انما يصبح مذموما اذا كانت الغاية ذميمة أما ان كانت الغاية شريفة , فهو لا شيء فيه.
الخداع مثلا حسب القاموس المحيط هو ارادة الشر بالمخدوع وهو لا يعلم , فان كان هذا الشر هو حق لك , أو قصاص لك , او عذاب من الله فهذا الشر ليس فيه ما يسيء.
ابن دريد عرف الخداع بانه الكتمان والاخفاء, أن يأتي الانسان الى عقوبة خصمه بطريقة كتومة أو خفية.
الجرجاني أيضا في التعريفات يتحدث عن الكيد بأنه ارادة مضرة الغير خفية , وايضا هو التدبير ضد العدو.
فهذه المعاني اللغوية معاني محايدة , من الممكن أن يكون المكر والخداع أن يكون خيرا ,ومن الممكن أن يكون شرا.
وعندما ننسب هذه الافعال الى الله تعالى ننسبها على خير وجه , وعلى أحسن وجه , لذلك الله تعالى حين وصف مكره , لم يقل , والله أمكر الماكرين , بل قال والله خير الماكرين, لأن مكر الله خير , وهو على وجه حسن , وهكذا اذا كان المكر يدفع السوء فهو مكر حسن , فعلى سبيل المثال لو أراد أحد أن يمكر بك ليضرك , وأنت مكرت به وخدعته لدفع الضر عن نفسك فهل يذمك أحد على ذلك , لذلك فالله من باب أولى حين يقع منه مكر , فانما يقع على وجه حسن كما سبق.
"

هذا ما قمت بتلخيصه من محاضرة الدكتور , فان أصبت فمن الله , وان نسيت شيئا أو أخطئت فمن نفسي ومن الشيطان , وليسامحني الدكتور منقذ.
ولي سؤال للنصارى :
اذا كان العرب لم يعترضوا , وهم أهل اللغة , من أنتم يا رويبضات ,يا أيها الذين تعلمتم في مدارس الانجليز , والفرنسيين , من أنتم حتى تعترضوا على اللغة العربية , ومن أنتم حتى تعترضوا على كلمات القران.
هل سمعتم يا نصارى بسوق عكاظ, سوق عكاظ هو مكان كان يلتقي فيه العرب والشعراء والخطباء , يتناظرون بالاشعار واللغة العربية , ويلقون الخطب.
فهؤلاء أهل اللغة لم يعترضوا فمن أنتم حتى تعترضوا.

تعلموا دينكم أولا, ثم تعالوا لنا.
وان عادت العقارب عدنا لها.................وكانت نعالنا لها حاضرة.