دفع الاعتداءمع أن القتال قد شرع لدفع الاعتداء.. لم يأمر القرآن الكريم بالحرب عند أول بادرة من الاعتداء, أو عند الاعتداء بالفعل إذا أمكن دفع الاعتداء بغير القتال.
لقد جاء في القرآن الكريم: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين, واصبر وما صبرك إلا بالله, ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون.
يورد الشيخ محمد أبوزهرة نصوصا واضحة تثبت بلا ريب أن حرب النبي صلي الله عليه وسلم لم يكن الباعث عليها فرض رأي أو دين, وقد لجأ الرسول صلي الله عليه وسلم إلي طريقين لعرض دعوته:
أولهما ـ أن يرسل الدعوة الدينية إلي الملوك والرؤساء في عصره.. يدعوهم إلي الإسلام ويحملهم إثمهم وإثم من يتبعونهم إن لم يجيبوا دعوته.. ولذلك جاء في كتابه إلي هرقل: أسلم تسلم; وإلا فعليك إثم اليريسيين( أي الرعية من الزراع وغيرهم).
يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله, ولا نشرك به شيئا, ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله.
ثانيهما ـ أنه بعد الدعوة الرسمية, أخذ يعلن الحقائق الإسلامية ليتعرفها رعايا تلك الشعوب, فيتبعها من يريد اتباعها, وقد اتبعها فعلا بعض أهل الشام ممن يخضعون لحكم الرومان, وعرف المصريون وغيرهم حقيقتها حتي لم تعد مجهولة لمن يريد أن يتعرفها وتسامعت بها البلاد المتاخمة للعرب.
ولم يتجه للقتال النبي صلي الله عليه وسلم إلا بعد أن ثبتت حقيقتان:
إحداهما أن الروم قد ابتدأوا فاعتدوا علي المؤمنين الذين دخلوا في الإسلام من أهل الشام, فكان ذلك فتنة في الدين وإكراها عليه, وما كان محمد صلي الله عليه وسلم أن يسكت علي ذلك, وإذا كان لا يحمل الناس علي اعتناق الإسلام كرها إلا أنه لا يمكن أن يسكت عمن يحاولون أن يخرجوا أتباعه من دينهم كرها.. إنه لا يريد أن يعتدي عليه, ولذلك اعتبر هذا العمل من جانب الرومان اعتداء علي دينه وعليه.
المفضلات