المطعن

النسخ:

“مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ; (آية 106).

قالت العرب: إنّ محمداً يأمر أصحابه بأمرٍ ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولاً ويرجع عنه غداً. ما يقول إلا من تلقاء نفسه . وكان ذلك سبب ضياع ثقتهم به. وجاء في النحل 16: 101 “وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُأَعْلَمُ بِمَا يُنَّزِلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ “والحق أن كلام الله ثابت لا يتغيّر. قال المسيح: “إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ ; (متى 5: 18) فالعرب قالوا إن محمداً افترى على الله بقوله إنه ينسخ كلامه ويبدّل آياته.

وعن ابن عباس قال: كان ربما ينزل على محمد الوحي بالليل ونسيه بالنهار فأورد قوله ما ننسخ إلى آخره (الطبري في تفسير هذه الآية، وأسباب النزول للسيوطي في سبب نزولها). وعلى كل حال فلا يليق بالله أن يأمر بشيءٍ ثم ينهاهم عنه، فكلامه كذاته وصفاته لا يتغيّر. أما البشر فكلامهم يتغيّر لأن صفاتهم الضعف والجهل والعجز، ولذا أنكرت طائفةٌ من المسلمين إمكان وقوع النسخ في القرآن.

ومن الغرائب أن محمداً كان ينسى بالنهار ما يُوحَى إليه بالليل، فإن الله يعلّم الرسل والأنبياء الحكمة والفهم، ويحفظهم من الخطأ والنسيان. وبما أن محمداً كان ينسى فهو ليس منهم. وقوله إن الله على كل شيء قدير، بعد قوله إن الله ينسخ آياته ليس في محله، فكأنه قال إن الله قادر أن يغيّر ذاته وصفاته، مع أن قدرة الله لا تتعلَّق إلا بالممكنات لا بالواجبات، كما هو مقرَّر في علم الكلام.

وقد أجمع المسلمون على عدم امتناع النسيان من الأنبياء، ومع ذلك قال محمد: نما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون (مشكاة المصابيح تحقيق الألباني حديث 1016). كما أنه نسي أيضاً في أمور مختصة بالمعاملات والعبادات، حتى قيل له في التوبة 9: 43 “عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ “قال المفسرون: اثنتان فعلهما محمد لم يُؤمر بشيء فيهما: إذنه للمنافقين، وأخذه الفداء من أسارى بدر. وورد في الأنفال 8: 67 “مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا “وورد في التحريم 66: 1 “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ “وورد في الأحزاب 33: 37 “تَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ “وكذا نسيانه في الصلاة، فقام من ركعتين وسلم، حتى سألوه: أقصرتَ الصلاة أم نسيتَ يا رسول الله؟ .
ذكرنا سابقاً أن كلام الله لا يتبدل ولا يتغير ولكن احكام الله تتبدل وتتغير حسب الزمن والرسالة .

ففي عهد آدم عليه السلام تزوج الأخ لأخته ، وفي زمن ابراهيم عليه السلام كما ذكر كتاب الكنيسة أن ابراهيم تزوج اخته (من ابيه)التي هي من صلبه ... فهل يملك المسيحي الآن أن يتزوج من أخته ؟ بالطبع لا .

ولو رجعنا للعهد القديم نجد أن الناموس ذكر في الوصايا العشرة بالحفاظ على السبت ولكن يسوع لم يحافظ على السبت علماً بأن العهد القديم أشار بأنه يجب الحفاظ على الوصايا والإلتزام بها لمدة الف جيل

تث 7:9
فاعلم ان الرب الهك هو الله الاله الامين الحافظ العهد والاحسان للذين يحبونه ويحفظون وصاياه الى الف جيل

كما أن الناموس أشار بأن الزانية تقتل [اللاويين 20: 10] ولكن يسوع لم يُطبق الناموس في { يوحنا4 (14-19) ؛ يوحنا8(3-11) ؛ متى21(28-32)}.

إذن يسوع لم يصدق في قوله : (ِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوس).

فالأمثلة كثيرة ولكننا لسنا بصدد سردها بالكامل .

يقول صاحب الشبهة

أما البشر فكلامهم يتغيّر لأن صفاتهم الضعف والجهل والعجز
فلا ننسى بأن يسوع إنسان كامل .. وبكونه إنسان كامل فإذن ينطبق عليه هذا الكلام .

وقوله تعالى: { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.. أي كل شيء يدخل في إرادة الله وقدرته سبحانه.. إذا قلنا إذا جاء الله بحكم لعصر فهذا هو قمة الخير.. لأنه إذا عُدل الحكم بعد أن أدى مهمته في عصره، فإن الحكم الجديد الذي يأتي هو قمة الخير أيضا.. لأن الله على كل شيء قدير، يواجه كل عصر بقمة الخير للموجودين فيه.. ولذلك فمن عظمة الله أنه لم يأت بالحكم خبرا من عنده ولكنه أشرك فيه المخاطب.. فلم يقل سبحانه " إن الله على كل شيء قدير ".. ولكنه قال: { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.. لأنه واثق أن كل من يسمع سيقول نعم.. وهذا ما يعرف بالاستفهام الإنكاري أو التقريري.

وقد أجمع المسلمون على عدم امتناع النسيان من الأنبياء
لم يجمع المسلمون على ذلك ، لأن النبي بشر ومن صفات البشر النسيان وهذا لا عيب فيه ولا شبهة ... فالنبي صلى الله عليه وسلم يحمل شخصيتان : شخصية نبي عصمه الله وشخصية إنسان يحمل كل صفات البشر ... لذلك عندما رأى الله نبيه يكرر ما انزل عليه خوفاً من النسيان قال له الله : لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) .. القيامة .

يتبع