وقوله سبحانه وتعالى :
{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
[الأنفال67]
هناك فرقاً بين حكم يسبق الحدث فلا يخالفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكم يجيء مع الحدث، ولا بد أن نفرق بين الحكمين؛ حكم يسبق الحدث إن خولف تكون هناك مخالفة ولكنَّ حكماً يأتي مع الحدث، فهذا أمر مختلف، لنفرض أنك جالس وجاء لك من يقول إن قريبك فلان ذهب إلى المكان الفلاني، وأنه ينفق على كذا، وأعطي كمبيالة على نفسه بمبلغ كذا.
اذهب إليه لتمنعه، فتذهب إليه وتمنعه، هنا جاء الحكم مع الحدث، فلا تكون هناك مخالفة.
وقول الحق سبحانه وتعالى:
{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ }
[الأنفال: 67].
قد جاء هذا الحكم بعد أن تم أسر كفار قريش وأخذوا إل المدينة، وتشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة بشأنهم ووصلوا إلى رأي. إذن فالحكم جاء بعد أن انتهت العملية، والدليل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى لم يغير الحكم، فظل الأسر والفداء. إذن: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } أي ما ينبغي لنبي أن يكون له أسرى حتى يقسو على الكفار في القتال.
لذلك ذكر الله تعالى الآية التالية بقوله :
{ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
[الأنفال68]
هذه الآية الكريمة تشرح وتبيِّن أن الحق سبحانه وتعالى لا يحاسب أحداً إلا بعد أن ينزل التشريع الذي يرتب المقدمات والنتائج، ويحدد الجرائم والعقوبات، ولولا ذلك لنزل بالمؤمنين العذاب لأخذ الأسرى، من قبل أن تستقر الدعوة، وبما أن الحق تبارك وتعالى لا ينزل العذاب إلا بمخالفة يسبقها التشريع الذي يحددها، لولا ذلك لأنزل العذاب بالمؤمنين، ولكن بما أن هذا الفعل لم يجرَّم من قبل فلا عقاب عليه.
الإمام/ الشعراوي
يتبع
المفضلات