الطريف فى الأمر ، أن النصارى يعترضون على المخالفات النحوية فى الآيات ، ولا يدرون من رصد هذه المخالفات !

لا تظن قارئى الكريم أن بعض النصارى العرب ـ سيرفنت أو غيره ـ تأملوا القرآن ، فاكتشفوا هذه الأخطاء المتوهمة ، بعدما حاكموه لما تعلموه فى الابتدائية من قواعد نحوية .. كلا .. لا تظن ذلك أبداً .

إنما كل ما يكتب عند النصارى حول ما يسمونه " أخطاء نحوية فى القرآن " ليس من كلامهم ، ولا من لباب أذهانهم ، ولا من بنات أفكارهم .

لقد نقلوا كل هذه " الأخطاء !" عن كتب المستشرقين الأعاجم ! من أمثال " نولدكه " وغيره .

لن أتوقف بك ـ قارئى الكريم ـ كثيراً فى محطة هؤلاء المستشرقين أعجميى القلب واللسان .. لن أخبرك شيئاً عن بعض كتاباتهم التى توضح مدى جهلهم الفاضح باللغة العربية ، مع أنك ساعتها ستدرك أنك لست أجهل أهل الأرض باللغة العربية ! .. ولن أخبرك شيئاً عن حقدهم الدفين ـ والظاهر ! ـ على دين الحق وكتابه ونبيه بل وأهله .. لن أخبرك شيئاً عن ذلك ، ولن أقف بك فى هذه المحطة أبداً .

لكن تعال نتعدى هذه المرحلة لنتساءل .. من أين أتى هؤلاء المتعالمين من المستشرقين بما أسموه " أخطاء نحوية " ، لينقلها نصارى العرب منهم بعد ذلك جهلاً بغير علم ؟

مرة أخرى أحذرك قارئى الكريم ! .. لا تتخيل أو تظن أو تتوهم أن هذا المستشرق الألكن ، ذا اللسان الأعجم ، قد تأمل القرآن " فتنبه " إلى تلك " الأخطاء " !

هم أحقر من ذلك قارئى الكريم ، وإن أوهموك بغير ذلك !

كان ما فعله هؤلاء المستشرقون كالتالى .. قرأوا كتب النحو التى ألفها علماء العربية ، وكذلك كتب التفسير ، وأخذوا يتتبعون ما رصده " علماء المسلمين " أنفسهم ، من ورود آيات قرآنية موافقة لقواعد نحوية لم تنل حظاً من الشهرة مثل غيرها .

لقد وجد المستشرقون بغيتهم !

فليجمعوا إذن كل تلك الإشارات والمواضع .. وليحذفوا تعقيبات العلماء منها ! .. وليطلقوا على ما جمعوه " أخطاء نحوية " ! .. وليسموا ما فعلوه " بحثاً علمياً " ! .. وليكن موصوفاً بالنزاهة والتجرد الموضوعى !

هذه هى قصتنا قارئى الكريم !

إن ما يتهوك به النصارى من أخطاء نحوية فى القرآن ، ليست من نتاج ذكائهم ، وإنما نقلوها ـ جهلاً بغير علم ـ عن المستشرقين .. والمستشرقون ـ أعجميو القلب واللسان ـ لم يأتوا بها من لباب أذهانهم ، وإنما نقلوها ـ عدواً بغير علم ـ مما خطته أيدى عباقرة المسلمين الأفذاذ ، الذين كانوا يجرون على منهج علمى محكم سديد ، يستقرأون ما نقل عن العرب ، وينزلون إلى البادية ، ويعيشون بين الأعراب الذين لم يختلطوا ، فينقلون عنهم كلامهم وأشعارهم ونثرهم ، ويحللون كل ذلك تحليلاً مرهقاً للكلمة والحرف ، ثم يستنبطون ما جرى من قواعد على لسان العرب ، ويحددون الأغلب من غيره ، والشائع مما هو دونه فى الشيوع .

بعد أن سطر عباقرة المسلمين علومهم اللغوية والنحوية فى كتبهم ، راصدين كل الظواهر بأمانة ونقد ، يأتى المستشرقون ليقتطعوا من كلامهم ما ظنوه يخدمهم .. ساعدهم فى ذلك جهلهم الفاحش باللغة العربية ، وساعدهم علمهم بسذاجة وجهل من دونهم من شعوب النصرانية .

أرجو أن أكون قد أوضحت بعض الحقائق الغائبة فى موضوعنا .

اللهم ارزقنا حبك ، وحب من يحبك ، وحب كل قول وعمل يقربنا إلى حبك .


-----------------------

كتبه الأستاذ متعلم