لإتمام الفائدة:

الأحاديث تفيد أن نقض الوضوء إنما هو من مسِّ فرج الآدمي، فيخرج فرج البهيمة، فمسُّ فرج البهيمة لا ينقض الوضوء، وتخرج كذلك العانة، فلا ينقض مسُّها لعدم انطباق الدليل عليها، أما مسُّ الخصيتين فناقض لما روى البيهقي والطبراني والدار قطني عن بُسرة بنت صفوان قالت: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم -يقول:« من مسَّ ذَكَرَه أو أُنثييه أو رُفُغَه فلْيتوضأ وضوءه للصلاة». والرُّفُغ : أصل الفخذ القريب من الذَّكر، والأُنثييان: الخصيتان. وهذا الحديث وإن ضعَّفه ناس فقد حسَّنه آخرون فيصح الاستدلال به.
والفرج الذي ينقض مسُّه الوضوء هو أي فرجِ آدميٍّ، لا فرق بين فرج الكبير البالغ والصغير دون البلوغ وحتى الرضيع ما دام كل ذلك يدخل تحت لفظ فرج الآدمي، كما أنه لا فرق بين المسِّ بشهوة والمسِّ بدون شهوة لأن الأحاديث لم تُخصِّص أياً من ذلك، فيظل الحكم على عمومه. والمقصود باليد هنا ما كانت إلى الكوع أي الرسغ، وهذا رأي جميع العلماء على حدِّ ما قرأنا؛ لأن هذه اليد هي أداة المسِّ دون الساعد أو العضد.
أما رأي الشافعية من أن النقض إنما يكون بباطن الكف دون ظهره فضعيف، قال عالم اللغة ابن سيده في المحكم: أفضى فلان إلى فلان وصل إليه، والوصول أعم من أن يكون بظاهر الكف أو باطنها. وقال ابن حزم (الإفضاء يكون بظاهر الكف كما يكون بباطنها، قال: ولا دليل على ما قالوه من التخصيص بالباطن من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس ولا رأي صحيح) أجل, إما أن يأتي الشافعيون بدليل على ما يقولون وإما أن رأيهم غير صحيح، فالأدلة الشرعية لا تقول بما يقولون، واللغة لا تسعفهم فيما ذهبوا إليه.

ونجد أن الأحاديث ذكرت الذَّكَر وذكرت الفرج، أما الذَّكر فهو قُبُل الرجل، وأما الفرج فيطلق على القُبُل وعلى الدُّبُر للرجال والنساء، لأنه العورة كما في القاموس ولسان العرب، وألفاظ الأحاديث تُفسر باللغة ما لم يكن لها حقائق شرعية مغايرة، وهنا كلمة الفرج وكلمة الذَّكَر ليس لهما في الشرع معنى مغاير لما هو في اللغة فتُفسَّران تفسيراً لغوياً، والقاموس ولسان العرب فسَّرا الفرج بأنه العورة وهي تشمل القبل والدُّبر، فيُعمل بهذا التفسير. وبذلك تكون الأحاديث قد أفادت أن مسَّ القُبُل والدُّبُر للرجل والمرأة ينقض الوضوء، والأحاديث صحيحة تصلح للاحتجاج، وهي أعطت هذا الحكم، أي حكم النقض للوضوء من مسِّ القُبُل والدُّبُر للذَّكَر والأنثى.