سورة آل عمران
سبب التسمية :
سُميت السورة بـ " آل عمران " لورود ذكر قصة تلك الأسرة الفاضلة " آل عمران "
والد مريم آم عيسى وما تجلى فيها من مظاهر القدرة الإلهية بولادة مريم البتول
وابنها عيسى عليهما السلام .
التعريف بالسورة :
1) هي سورة مدنية
من سور الطول
عدد آياتها 200 آية
هي السورة الثالثة من حيث الترتيب في المصحف
نزلت بعد سورة " الأنفال"
تبدأ السورة بحروف مقطعة " الم "
جزء " 4" الحزب "6،7،8 " ، الربع " 1،2،3،4،5،6 ".
محور مواضيع السورة :
سورة آل عمران من السور المدنية الطويلة وقد اشتملت هذه السورة الكريمة
على ركنين هامين من أركان الدين هما ،
الأول : ركن العقيدة وإقامة الأدلة والبراهين على وحدانية الله جل وعلا ،
والثاني : التشريع وبخاصة فيما يتعلق بالمغازي والجهاد في سبيل الله .
التفسير من الاية 1 الى الاية 55
وبإسناده عن ابن عباس في قوله تعالى { الۤمۤ يقول أنا الله أعلم بخبر وفد بني نجران ويقال قسم أقسم به أن الله واحد لا ولد له ولا شريك له { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ } الذي لا يموت ولا يزول { ٱلْقَيُّومُ } القائم الذي لا بدء له { نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } جبريل بالكتاب { بِٱلْحَقِّ } لتبيان الحق والباطل { مُصَدِّقاً } موافقاً بالتوحيد { لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } لما قبله من الكتب { وَأَنْزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ } جملة على موسى بن عمران { وَٱلإِنْجِيلَ } جملة على عيسى ابن مريم { مِن قَبْلُ } من قبل محمد والقرآن { هُدًى لِّلنَّاسِ } لبني إسرائيل من الضلالة { وَأَنْزَلَ ٱلْفُرْقَانَ } على محمد متفرقاً بالحلال والحرام { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } بمحمد والقرآن وهم وفد بني نجران { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } في الدنيا والآخرة { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } منيع بالنقمة { ذُو ٱنْتِقَامٍ } ذو نقمة منهم { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ٱلأَرْضِ } من خبر وفد بني نجران { وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } من خبر الملائكة { هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ } يخلقكم { فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ } قصيراً أو طويلاً حسناً أو قبيحاً ذكراً أو أنثى شقياً أو سعيداً { لاَ إِلَـٰهَ } لا مصور ولا خالق { إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ } بالنقمة لمن لا يؤمن به { ٱلْحَكِيمُ } بتصوير ما في الأرحام { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } جبريل بالقرآن { مِنْهُ } من القرآن { آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ } مبينات بالحلال والحرام لم تنسخ يعمل بها { هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } أصل الكتاب وإمام في كل كتاب يعمل بها نحو قوله تعالى
{ قُل تعالوا أتل ما حرم ربكم }
[الأَنعام: 151] الآية { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } ما اشتبهت على اليهود من نحو حساب الجمل مثل آلم المص ق المر والر ويقال منسوخات لا يعمل بها { فَأَمَّا الَّذِينَ } وهم اليهود كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وجدي بن أخطب { في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } شك وخلاف وميل عن الهدى { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } من القرآن { ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ } طلب الكفر والشرك والاستقامة على ما هم عليه من الضلالة { وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } طلب عاقبة هذه الأمة لكي يرجع الملك إليهم { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ } عاقبة هذه الأمة { إِلاَّ ٱللَّهُ } انقطع الكلام ثم استأنف فقال { وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } البالغون بعلم التوراة عبد الله بن سلام وأصحابه { يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ } بالقرآن { كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } نزل المحكم والمتشابه { وَمَا يَذَّكَّرُ } يتعظ بأمثال القرآن { إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } ذوو العقول من الناس عبد الله بن سلام وأصحابه.
{ رَبَّنَا } ويقولون أيضاً يا ربنا { لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } لا تمل قلوبنا عن دينك { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } لدينك { وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً } ثبتنا على دينك { إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } للمؤمنين الذين قبلنا ويقال الوهاب النبوة والإسلام لمحمد { رَبَّنَآ } ويقولون يا ربنا { إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ } بعد الموت { لِيَوْمٍ } في يوم { لاَّ رَيْبَ فِيهِ } لا شك فيه { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } البعث بعد الموت والحساب والصراط والميزان والجنة والنار { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني كعب بن الأشرف وأصحابه ويقال أبو جهل وأصحابه { لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ } كثرة أموالهم { وَلاَ أَوْلاَدُهُم } كثرة أولادهم { مِّنَ ٱللَّهِ } من عذاب الله { شَيْئاً وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } حطب النار { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } كصنع آل فرعون ويقول صنع بك قومك كذبوك وشتموك كما صنع قوم موسى بموسى كذبوه وشتموه ونصنع بهم يوم بدر كما صنعنا بقوم موسى يوم الغرق { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } من قبل قوم موسى { كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } بالكتاب والرسول الذي بعثنا إليهم { فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ } أهلكهم الله { بِذُنُوبِهِمْ } بتكذيبهم { وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } إذا عاقب { قُلْ } يا محمد { لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } كفار مكة { سَتُغْلَبُونَ } تقتلون يوم بدر { وَتُحْشَرُونَ } يوم القيامة { إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } الفراش والمصير { قَدْ كَانَ لَكُمْ } يا أهل مكة { آيَةٌ } علامة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم { فِي فِئَتَيْنِ } جمعين جمع محمد وجمع أبي سفيان { ٱلْتَقَتَا } يوم بدر { فِئَةٌ } جماعة { تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } في طاعة الله محمد وأصحابه وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً { وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ } وجماعة أخرى كافرة بالله والرسول أبو سفيان وأصحابه وكانوا تسعمائة وخمسين رجلاً { يَرَوْنَهُمْ } يرون أنفسهم { مِّثْلَيْهِمْ } مثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم { رَأْيَ ٱلْعَيْنِ } عياناً ظاهراً بالعين ويقال لها وجه آخر يقول { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } بني قريظة والنضير بالقتل والإجلاء { وَتُحْشَرُونَ } بعد الموت { إِلَى جَهَنَّمْ وَبِئْسَ المِهَاد } الفراش والمصير أخبرهم بذلك قبل بدر بسنتين ثم نزل { قَدْ كَانَ لَكُمْ } يا معشر اليهود { آيةٌ } علامة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم { فِي فِئَتَيْنِ } جمعين جمع محمد وجمع أبي سفيان { الْتَقَتَا } يوم بدر { فِئَةٌ } جماعة محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه { تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ } في طاعته { وَأُخْرَى كَافِرَةٌ } وجماعة أخرى { كَافِرَةٌ } بالله والرسول أبو سفيان وأصحابه { يَرَوْنَهُم } رأيتموهم يا معشر اليهود { مِّثْلَيْهِمْ } مثل أصحاب محمد { رَأْيَ الْعَيْنِ } عياناً ظاهراً { وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ } يقوي { بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ } يعني محمداً { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } في نصرة الله لمحمد يوم بدر { لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } في الدين يعني المؤمنين ويقال لمن أبصر بالعين ثم ذكر ما زين للكفار من نعيم الدنيا فقال { زُيِّنَ لِلنَّاسِ } حسن للناس في قلوبهم { حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ } اللذات { مِنَ ٱلنِّسَاءِ } يعني من الإماء والنساء { وَٱلْبَنِينَ } يعني العبيد والبنين { وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ } يعني الأموال المجموعة { مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ } ويقال يعني الأموال المضروبة المنقشة من الذهب والفضة والقنطار واحد وهو ملء مسك ثور ذهباً أو فضة ويقال ألف ومائتا مثقال والقناطير ثلاثة والمقنطرة تسعة { وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ } يعني الخيل الرواتع الحسان المعلمة { وَٱلأَنْعَامِ } يعني الغنم والبقر والإبل { وَٱلْحَرْثِ } يعني الزرع والمزرعة { ذٰلِكَ } الذي ذكرت { مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } منفعة للناس في الدنيا ثم تفنى ويقال ذلك هذا الذي ذكرت متاع الحياة الدنيا يقول بقاؤه كبقاء متاع البيت مثل القدح والسكرجة وغير ذلك { وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ } المرجع في الآخرة يعني الجنة لمن ترك ذلك ثم بيَّن نعيم الآخرة وبقاءها وفضلها كما بيَّن نعيم الدنيا.
{ قُلْ } يا محمد للكفار { أَؤُنَبِّئُكُم } أخبركم { بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ } مما ذكرت لكم من زينة الدنيا { لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ } الكفر والشرك والفواحش يعني أبا بكر وأصحابه { عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ } بساتين { تَجْرِي } تطَّرد { مِن تَحْتِهَا } من تحت شجرها ومساكنها { ٱلأَنْهَارُ } أنهار الخمر والعسل واللبن والماء { خَالِدِينَ فِيهَا } مقيمين في الجنة لا يموتون ولا يخرجون منها { وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } ولهم أزواج مهذبة من الحيض والأدناس { وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ } ورضا ربهم أكبر مما هم فيه من النعيم { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } بالمؤمنين وبمكانهم في الجنة وبأعمالهم في الدنيا ثم وصفهم فقال { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ } في الدنيا { رَبَّنَآ } يا ربنا { إِنَّنَآ آمَنَّا } بك وبرسولك { فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } في الجاهلية وما بعد الجاهلية { وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } ادفع عنا عذاب النار { ٱلصَّابِرِينَ } على أداء فرائض الله واجتناب معاصيه ويقال الصابرين على المرازي { وَٱلصَّادِقِينَ } في إيمانهم { وَٱلْقَانِتِينَ } المطيعين لله وللرسول { وَٱلْمُنفِقِينَ } أموالهم في سبيل الله { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ } المصلين { بِٱلأَسْحَارِ } التطوع ثم وحد نفسه فقال { شَهِدَ ٱللَّهُ } وإن لم يشهد أحد غيره { أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ } يشهدون بذلك { وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ } والنبيون والمؤمنون يشهدون بذلك { قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } بالعدل { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ } بالنقمة لمن لا يؤمن به { ٱلْحَكِيمُ } أمر أن لا يعبد غيره { إِنَّ الدِّينَ } المرضي { عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } ويقال شهد الله أن الدين عند الله الإسلام مقدم ومؤخر وشهد بذلك الملائكة والنبيون والمؤمنون. نزلت هذه الآية في رجلين من أهل الشام طلبا من النبي صلى الله عليه وسلم أي شهادة أكبر في كتاب الله فبين الله ذلك فأسلما { وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } أعطوا الكتاب يعني اليهود والنصارى في الإسلام ومحمد { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } بيان ما في كتابهم { بَغْياً بَيْنَهُمْ } حسداً بينهم { وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ }
بمحمد والقرآن { فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } شديد العقاب ثم ذكر خصومتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في دين الإسلام.
{ فَإنْ حَآجُّوكَ } خاصموك يعني اليهود والنصارى في الدين { فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ } أخلصت ديني وعملي { للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ } أيضاً { وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } أعطوا الكتاب يعني اليهود والنصارى { وَٱلأُمِّيِّينَ } يعني العرب { أَأَسْلَمْتُمْ } أتسلمون كما أسلمنا فقال الله { فَإِنْ أَسْلَمُواْ } كما أسلمتم { فَقَدِ ٱهْتَدَواْ } من الضلالة { وَّإِن تَوَلَّوْاْ } عن ذلك { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ } التبليغ عن الله { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } بمن يؤمن وبمن لا يؤمن { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } بمحمد والقرآن { وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ } يعني يتولون الذين كانوا يقتلون النبيين من آبائهم { بِغَيْرِ حَقٍّ } بلا جرم { وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ } بالتوحيد { مِنَ ٱلنَّاسِ } من الذين آمنوا بالنبيين { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } بطلت حسناتهم { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } يعني لا يثابون بها في الآخرة { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } من مانعين من عذاب الله. ثم ذكر إعراض بني قريظة والنضير من أهل خيبر عن الرجم فقال { أَلَمْ تَرَ } ألم تنظر يا محمد { إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ } أعطوا علماً بما في التوراة من الرجم وغيره { يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ } القرآن { لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } بالرجم كما في كتابهم على المحصن والمحصنة اللذين زنيا في خيبر { ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } يعرض طائفة منهم بنو قريظة وأهل خيبر عن الحكم { وَهُمْ مُّعْرِضُونَ } مكذبون بذلك { ذٰلِكَ } الإعراض والتكذيب والعذاب { بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ } لن تصيبنا النار في الآخرة { إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } قدر أربعين يوماً قال قوم من اليهود لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات وهي سبعة أيام من أيام الآخرة كل يوم ألف سنة التي عبد آباؤهم العجل فيها { وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ } يعني ثباتهم على دين اليهودية { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } افتراؤهم هذا ويقال تأخير العذاب { فَكَيْفَ } يصنعون يا محمد { إِذَا جَمَعْنَاهُمْ } بعد الموت { لِيَوْمٍ } في يوم { لاَّ رَيْبَ فِيهِ } لا شك فيه { وَوُفِّيَتْ } وفرت { كُلُّ نَفْسٍ } برة وفاجرة { مَّا كَسَبَتْ } ما عملت من خير أو شر { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم { قُلِ ٱللَّهُمَّ } قل يا الله أم بنا أي اقصد بنا إلى الخير { مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } يا مالك الملك { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } تعطي الملك من تشاء يعني محمداً وأصحابه { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } تأخذ الملك ممن تشاء من أهل فارس والروم { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } يعني محمداً { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } يعني عبد الله بن أبيّ بن سلول وأصحابه وأهل فارس والروم { بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ } العز والذل والملك والغنيمة والنصرة والدولة { إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْء } من العز والذل والملك والغنيمة والنصرة والدولة { قَدِيرٌ } نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي بن سلول المنافق في قوله بعد فتح مكة من أين يكون لهم ملك فارس والروم ويقال نزلت في قريش لقولهم كسرى ينام على فرش الديباج فإن كنت نبياً فأين ملكك ثم بيّن قدرته.
{ تُولِجُ ٱلَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ } يقول تزيد النهار على الليل فيكون النهار أطول من الليل { وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيْلِ } يقول تزيد الليل على النهار فيكون الليل أطول من النهار { وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ } النطفة من الإنسان ويقال تخرج الحي الدجاجة من الميت من البيضة وتخرج الميت البيضة من الحي من الدجاجة ويقول وتخرج الحي السنبلة من الميت من الحبة وتخرج الميت الحبة من الحي من السنبلة { وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } بلا قوة ولا هنداز ولا منة ويقال توسع المال على من تشاء بلا حرج ولا تكليف { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } يقول لا ينبغي أن تتخذ المؤمنون عبد الله بن أبي وأصحابه { ٱلْكَافِرِينَ } اليهود { أَوْلِيَآءَ } في التعزز والكرامة { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } المخلصين { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } للولاية والكرامة { فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ } من كرامة الله ورحمته وذمته { فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ } تريدون أن تنجوا { مِنْهُمْ تُقَاةً } نجاة باللسان دون القلب { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } في تقية من دم الحرام وفرج الحرام ومال الحرام وشرب الخمر وشهادة الزور والشرك بالله { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } المرجع بعد الموت { قُلْ } يا محمد { إِن تُخْفُوا } تسروا { مَا فِي صُدُورِكُمْ } ما في قلوبكم من البغض والعداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم { أَوْ تُبْدُوهُ } تظهروه بالشتم والطعن والحرب { يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } يحفظه الله عليكم ويجزكم بذلك { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } من الخير والشر والسر والعلانية { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } من أهل السموات والأرض وثوابهم وعقابهم { قَدِيرٌ } نزلت هذه الآية في المنافقين واليهود { يَوْمَ } وهو يوم القيامة { تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً } مكتوباً في ديوانها { وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ } من قبيح أيضاً تجده مكتوباً في ديوانها { تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا } بين النفس { وَبَيْنَهُ } بين العمل القبيح { أَمَدَاً بَعِيداً } أجلاً طويلاً من مطلع الشمس إلى مغربها { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } عند المعصية { وَٱللَّهُ رَؤُوفُ بِٱلْعِبَادِ } بالمؤمنين { قُلْ } يا محمد { إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ } ودينه { فَٱتَّبِعُونِي } فاتبعوا ديني { يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } يزدكم الله حباً إلى حبكم { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } في اليهودية { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } لمن تاب { رَّحِيمٌ } لمن مات على التوبة. نزلت هذه الآية في اليهود لقولهم نحن أبناء الله وأحباؤه على دينه فلما نزلت هذه الآية قال عبد الله بن أبي يأمرنا محمد أن نحبه كما أحبت النصارى المسيح وقالت اليهود يريد محمد أن نتخذه رباً حناناً كما اتخذت النصارى عيسى حناناً فأنزل الله في قولهم { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ } في الفرائض { وَٱلرَّسُولَ } في السنن { فإِن تَوَلَّوْا } أعرضوا عن طاعتهما { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ } اليهود والمنافقين فلما نزلت هذه الآية قالت اليهود نحن على دين آدم مسلمين.
{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ آدَمَ } اختار آدم بالإسلام { وَنُوحاً } بالإسلام { وَآلَ إِبْرَاهِيمَ } أولاد إبراهيم بالإسلام { وَآلَ عِمْرَانَ } موسى وهارون بالإسلام { عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } عالمي زمانهم ويقال ليس عمران أبا موسى وهارون { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ } بعضها على دين بعض وولد بعضها من بعض { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } لمقالة اليهود: نحن أبناء الله وأحباؤه وعلى دينه { عَلِيمٌ } بعقوبتهم وبمن هو على دينه. واذكر يا محمد { إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَةُ عِمْرَانَ } حنة أم مريم { رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ } جعلت لك { مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً } خادماً لمسجد بيت المقدس { فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } بالإجابة وبما في بطني { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا } ولدتها فإذا هي جارية { قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ } ولدتها جارية { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } بما ولدت { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ } في الخدمة والعورة { كَٱلأُنْثَىٰ } كالجارية { وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ } أعتصمها بك وأمنعها بك { وَذُرِّيَّتَهَا } إن كان لها ذرية { مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } اللعين { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ } أي أحسن إليها حتى قبلها مكان الغلام { وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً } غذاها في العبادة بالسنين والشهور والأيام والساعات غذاء حسناً { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } ضمها إليه للتربية { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ } يعني بيتها الذي كانت تعبد فيه { وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً } فاكهة الشتاء في الصيف مثل القصب وفاكهة الصيف في الشتاء مثل العنب { قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } من أين لك هذا في غير حينه { قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } أتاني به جبريل { إِنَّ ٱللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ } يعطي من يشاء في حينه وفي غير حينه { بِغَيْرِ حِسَابٍ } بلا تقدير ولا هدر { هُنَالِكَ } عند ذلك { دَعَا } وطمع { زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي } أعطني { مِن لَّدُنْكَ } من عهدك { ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } ولداً صالحاً { إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } مجيب الدعاء { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } يعني جبريل { وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ } في المسجد { أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } بولد يسمى بيحيى { مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } بعيسى ابن مريم أن يكون بكلمة من الله مخلوقاً بلا أب { وَسَيِّداً } حليماً عن الجهل { وَحَصُوراً } لم يكن له شهوة إلى النساء { وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } من المرسلين.
{ قَالَ رَبِّ } كيف { أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ } من أين يكون لي ولد { وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ } وقد أدركني الكبر { وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ } عقيم لا تلد { قَالَ } جبريل { كَذَلِكَ } كما قلت لك { ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } كما يشاء { قَالَ } زكريا { رَبِّ } أي يا رب { ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً } علامة في حبل امرأتي { قَالَ آيَتُكَ } علامتك في حبل امرأتك { أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ } لا تقدر أن تكلم الناس { ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ } من غير خرس { إِلاَّ رَمْزاً } إلا تحريكاً بالشفتين والحاجبين والعينين واليدين ويقال إلا كتابة على الأرض { وَٱذْكُر رَّبَّكَ } باللسان والقلب { كَثِيراً } على كل حال { وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ } صل غدوة وعشياً كما كنت تصلي { وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ } يعني جبريل { يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاكِ } يقال اختارك بالإسلام والعبادة { وَطَهَّرَكِ } من الكفر والشرك والأدناس ويقال أنجاك من القتل { وَٱصْطَفَاكِ } اختارك { عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَالَمِينَ } عالمي زمانك بولادة عيسى { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ } أطيعي لربك شكراً لذلك ويقال أطيلي القيام في الصلاة شكراً لربك { وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي } معناه واركعي واسجدي أمر بالركوع والسجود { مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } مع أهل الصلاة { ذٰلِكَ } هذا الذي ذكرت من خبر مريم وزكريا { مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ } من أخبار الغائب عنك يا محمد { نُوحِيهِ إِلَيكَ } يقول نرسل جبريل به إليك { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ } يعني عند الأحبار { إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ } في جري الماء { أَيُّهُمْ يَكْفُلُ } يأخذ { مَرْيَمَ } للتربية { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ } عندهم { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } يتكلمون بالحجة لتربية مريم { إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } يعني جبريل { يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ } بولد يكون بكلمة من الله مخلوقاً { ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ } يسمى المسيح لأنه يسيح في البلدان ويقال المسيح الملك { عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا } له القدر والمنزلة في الدنيا عند الناس { وَٱلآخِرَةِ } وفي الآخرة عند الله له القدر والمنزلة { وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } إلى الله في جنة عدن { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ } في الحجر ابن أربعين يوماً إني عبد الله ومسيحه { وَكَهْلاً } بعد ثلاثين سنة بالنبوة { وَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } من المرسلين { قَالَتْ رَبِّ } قالت مريم لجبريل يا سيدي { أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ } من أين يكون لي غلام ولد { وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } بالحلال ولا بالحرام { قَالَ } جبريل { كَذَلِكَ } كما قلت لك { ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } كما يشاء { إِذَا قَضَىٰ أَمْراً } إذا أراد أن يخلق ولداً منك بلا أب { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } ولداً بلا أب.
{ وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَابَ } كتب الأنبياء ويقال الكتابة { وَٱلْحِكْمَةَ } الحلال والحرام ويقال حكمة الأنبياء قبله { وَٱلتَّوْرَاةَ } في بطن أمه { وَٱلإِنْجِيلَ } بعد خروجه من بطن أمه { وَرَسُولاً } بعد ثلاثين سنة { إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } فلما جاءهم قال { أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ } بعلامة { مِّن رَّبِّكُمْ } لنبوتي قالوا وما العلامة { قَالَ أَنِيۤ أَخْلُقُ } إني أصور { لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ } كشبه الطير { فَأَنفُخُ فِيهِ } كنفخ النائم { فَيَكُونُ طَيْراً } فيصير طيراً يطير بين السماء والأرض { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } بأمر الله فصور لهم خفاشاً فقالوا هذا سحر فهل عندك غيره قال نعم { وَأُبْرِىءُ } أصحح { ٱلأَكْمَهَ } الذي ولد أعمى { وٱلأَبْرَصَ } أيضاً { وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } باسم الله الأعظم يا حي يا قيوم فلما فعل ذلك قالوا هذا سحر فهل عندك غيره قال نعم { وَأُنَبِّئُكُمْ } أخبركم { بِمَا تَأْكُلُونَ } غدوة وعشية { وَمَا تَدَّخِرُونَ } ترفعون من غداء لعشاء ومن عشاء لغداء { فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ } فيما قلت لكم { لآيَةً } لعلامة { لَّكُمْ } لنبوتي { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } مصدقين { وَمُصَدِّقاً } وجئتكم موافقاً بالتوحيد بالدين { لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } قبلي من التوراة وسائر الكتب { وَلأُحِلَّ لَكُم } أرخص وأبين لكم { بَعْضَ ٱلَّذِي } تحليل بعض الذي { حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } مثل لحم الإبل وشحوم البقر والغنم والسبت وغير ذلك. { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ } بعلامة { مِّن رَّبِّكُمْ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فاخشوا الله فيما أمركم به وتوبوا إليه { وَأَطِيعُونِ } واتبعوا أمري وديني { إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي } هو ربي { وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } فوحدوه { هَـٰذَا } التوحيد { صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } دين قائم يرضاه وهو الإسلام { فَلَمَّآ أَحَسَّ } علم { عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ } ورأى منهم القتل حين أرادوا قتله ويقال { أَحَسَّ } سمع منهم تكرار الكفر { قَالَ } عيسى { مَنْ أَنصَارِيۤ } من أعواني { إِلَى ٱللَّهِ } مع الله على أعدائه { قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ } أصفياؤه القصارون وهم اثنا عشر رجلاً { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } أعوانك مع الله على أعدائه { آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ } اعلم أنت يا عيسى { بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } مقرون لله بالعبادة والتوحيد { رَبَّنَآ } يا ربنا { آمَنَّا بِمَآ أَنزَلْتَ } من الكتاب يعني الإنجيل { وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ } دين الرسول عيسى { فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ } فاجعلنا مع السابقين الأولين الذين شهدوا قبلنا ويقال فاجعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم { وَمَكَرُواْ } أرادوا يعني اليهود قتل عيسى { وَمَكَرَ ٱللَّهُ } أراد الله قتل صاحبهم تطيانوس { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } أقوى المريدين ويقال أفضل الصانعين { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ } مقدم ومؤخر يقول إني رافعك { إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ } منجيك { مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بك { وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ } اتبعوا دينك { فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالحجة والنصرة { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } ثم متوفيك قابضك بعد النزول ويقال متوفي قلبك من حب الدنيا { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } بعد الموت { فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } فأقضي بينكم { فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ } في الدين { تَخْتَلِفُونَ } تخاصمون.
المفضلات