والحق أنني كنت أجد في تلاوة السيرة شيئا مما كنت أجد في تلاوة الكتاب الكريم وحديث الرسول من تعبد صادق وخشوع خاضع. ولعل سرا دفينا كان ينزع بي إلى معاودة تلك التلاوة, أن والدي رحمة الله كان ممن ألفوا في السيرة, صنع في ذلك موجزا سماه (تلخيص الدروس الأولية, في السيرة المحمدية), وجعله في ثلاثين فصلا, وظل ذلك الكتاب دهرا طويلا لا يدرس سواه في المعاهد الدينية, إذ كان من برامج الدراسة فيها درس خاص يسمى (درس السيرة).
ولكني مع ذلك لم أوفق لقراءة الكتاب كله, لما ذكرت من اضطراب التأليف وشيوع الاستطراد. فقارىء السيرة تعترضه فصول طوال في أسماء أسارى بدر, وأسماء خيل المسلمين ببدر, وجريدة من حضر ببدر من المسلمين من قريش ومن الأنصار, ومن استشهد منهم يوم بدر, ومن قتل به من المشركين, وما قيل من الشعر في يوم بدر, وأشباه ذلك من الأمور السردية, ومن الأشعار المسهبة والأنساب المطولة, والاستطرادات اللغوية, وطائفة من تفسير كتاب الله مما لا يدخل في صميم السيرة وإن كان يحوم حولها. وشيء آخر هو السند الذي تصدر به معظم فقار السيرة, مما ليس له قدر إلا عند الناقدين من العلماء.

فحاولت في هذا (التهذيب)
أن استخلص لباب هذا التأليف لأقدمه إلى القارىء في ثوب جديد يستسيغ النظر فيه, ولا تنقطع به السبيل في تلاوته, مع الحرص التام على نص الكتاب, بحيث يستطيع القارىء أن يقتبس منه ويستشهد به معزوا إلى أصله الأول, فإني لم أبدل حرفا واحدا من نص الكتاب, لأني راعيت فيه أمانة الأداء, وراعيت باطراد أن أنسب إلى ابن هشام ما هو له, بأن أنص على ذلك في صدر كلامه, أو أجعله وحده في حاشية الكتاب معزوا إليه, طبقا لما يقتضيه التأليف. وأما سائر النصوص فهي نصوص ابن إسحاق من رواية ابن هشام. ولم أذكر من الأسناد إلا ما هو ضروري لإقامة النص, مما رواه ابن إسحاق أو ابن هشام منسوبا إلى قائله.
وقد عنيت أن أضبط تلك النصوص جمعيا, وأن أفسر منها ما يحتاج إلى توضيح, معتمدا في ذلك على شراح السيرة, وكتب الآثار واللغة المعتمدة.

وطبعاً غنى عن الذكر هؤلآء القوم (النصارى ومن على شاكلتهم) انه لا سند عندهم ولا علم عندهم اسمه(علم الرجال) ولا (فنون الجرح والتعديل) ولا التواتر كيف يصل إلينا ولا اى شىء من أعترافات اعدآء الإسلام أنفسهم بأنهم قالوا لايوجد علم فى الدنيا بمتانة علم الحديث لما فهموا من الدراية والصنعة به ورغم ذلك إنظروا على سبيل المثال لاالحصر اسد السنة (أبى اسحق الحوينى) عندما اراد ان يعرف فقط ماهو فنون هذا العلم تطلب منه الامر الى مغادرة البلاد والعباد وترك الاهل والسفر الى بلاد الشام الى معلمه الشيخ المجدد العلامة/الألبانى رحمة الله عليه ليعرف فقط كيف تنقل وتتواتر الاخبار لا عن طريق البث الالكترونى مع انه موجود الى الآن -حفظه الله وامد فى عمره