السؤال :
إلى أي مدى يمكن أن يتعامل المسلمون بالحسنى والمودة مع المقيمين حواليهم من النصارى وغيرهم من أصحاب الديانات ، وحيث أن الأغلبية للنصارى في بيئة الأقليات المسلمة ، هل هناك مانع من أن نتعامل معهم ، وأن نحضر دعواتهم ، وأن يحضروا دعواتنا ، وأن نختلط بهم سواء للدعوة أو للمجاملة ، وإن كان الجواب بالإيجاب كيف نجمع مع ما هناك في بعض كتب الفقه بأن نضطر أهل الكتاب إلى أضيق الطريق ، وأن نربي أبناءنا على بغضهم وكرههم واعتزالهم ؟ فهل لكم أن تتكرموا بإلقاء الضوء على ذلك.
الجواب :
[ يقول الله عزوجل: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الممتحنة:8]
أما مبرتهم : فأن نحسن إليهم ، وأما الإقساط إليهم : فأن نعاملهم بالعدل ، ومعاملة الإنسان لغيره لا تخلو من ثلاث حالات :
- إما أن يعامل بالإحسان .
- وإما أن يعامل بالعدل .
- وإما أن يعامل بالجور.
فالمعاملة بالجور محرمة ، حتى في حق غير المسلمين لا يجوز لك أن تعاملهم بالجور والظلم ، حتى أن ابن القيم –رحمه الله تعالى- لما تكلم على قول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم ) قال : هذا إذا قالوا السلام غير واضح بحيث يُحتمل ويظن أنهم قالوا : السام ، أما إذا قالوا السلام عليكم بلفظ صريح ، فإنك تقول : وعليكم السلام ، بلفظ صريح ، لقوله تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) ، وقال : هذا هو مقتضى العدل ، وأما أمر الرسول – عليه الصلاة والسلام – بقوله : ( إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم ) فقد بين النبي – صلى الله عليه وسلم – علته في حديث ابن عمر قال : ( إن أهل الكتاب يقولون : السام عليكم ، فإذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم ) فبين عليه الصلاة والسلام علة هذا الحكم .
على هذا نقول : إنه لا حرج إذا سلموا علينا بلفظ صريح أن نرد عليهم السلام بلفظ صريح ، وإذا هنؤونا بشيء ، أن نهنئهم ونرد عليهم التهنئة ، لكن تهنئتهم بشعائر دينهم محرمة بكل حال ، كما لو أنا هنأناهم بعيد الميلاد أو غيره من أعيادهم فإن هذا حرام ، لأن تهنئتهم بشعائر الكفر معناه الرضى بهذه الشعائر لهم .
وكما أنه لا يجوز أن تهنئهم على شرب الخمر وغيره مما حُرم ، فكذلك لا يجوز أن تهنئهم بشعائر دينهم .
وإما إجابة دعوتهم ففيها تفصيل ، إن كان في ذلك مصلحة ودعوة للإسلام فلا حرج في ذلك ، فقد ثبت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أجاب دعوة يهودي على خبز شعير وإهالة سنخة ، وإن كان فيها محذور شرعي من مودتهم ومحبتهم والميل إليهم ، والرضى بكفرهم ، فإن هذا لا يجوز لأن صلاح القلب أمره مهم جدا ، والقلب إذا مال إليهم أو رضي بكفرهم فإنه على خطر عظيم ، ولهذا قال الله تعالى : (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ )[المجادلة:22 ]اهـ.
الشيخ العلامة ابن عثيمين – رحمه الله تعالى - .
من رسالة ( الأقليات المسلمة ) أشرف على طبعها : الدكتور عبد الله الطيار.