المعلم يعقوب

د . سيد العفاني

30 - 3 - 2008

بسم الله الرحمن الرحيم


في إطار المخادعة وإلباس التاج للخونة قدم لنا لويس عوض شخصاً نصرانياً اسمه المعلم يعقوب على أنه احد رموز نمو النزعة القومية لدى المصريين – كما يزعم – وقدمه كقائد مصري في وجه الثورة الفرنسية وحملة نابليون على مصر , وفي كتابه (تاريخ الفكر المصري الحديث) خصص بابه الرابع للحديث عن يعقوب تحت عنوان " مشروع الاستقلال الأول " يخبرنا فيه أن يعقوب كان يحمل في جعبته مشروعاً خطيراً كان في (نيته) عرضه على الإنجليز والفرنسيين وهو مشروع استقلال مصر.
والسؤال هو استقلال مصر عن من؟؟؟ ولماذا ؟؟؟ ومن الذي كان يحكم مصر؟؟ وهل لابد من أن يأتي الاستقلال على يد يعقوب الخائن ؟؟


إن لويس يقصد باستقلال مصر انفصالها عن الخلافة العثمانية أو الباب العالي , لأن ارتباط مصر بالشعوب الإسلامية يجور على استقلالها , أما ارتباطها بالاستعمار الفرنسي , فهو بداية القومية المصرية والعصر الديمقراطي , وإذا كان المماليك والأتراك يحكمون مصر , فلابد من التخلص منهم أولاً , وليس من الحملة الفرنسية , ومن ثم فإن الاستقلال على يد الخائن يعقوب , يصبح هو طوق النجاة الذي بشر به من خلال مشروعه الذي عرضه على الدول الأوربية .

هذا باختصار فكر لويس عوض , وهذا باختصار جهاد يعقوب أو المعلم يعقوب كما سماه لويس .
من هو يعقوب؟؟؟ :


يقول عبد الرحمن الرافعي في كتاب " تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر" :
كان المعلم يعقوب رجل نصراني يعمل في مجال الصرافة (تحصيل الأموال من المصريين ) , وعندما جاءت الحملة الفرنسية استغلت نفراً من طائفة النصارى المصريين والشوام , واستمالتهم إلى جانبها والقتال معها أو تأمين قواتها ... يشير الرافعي إلى أن نابليون أصدر أمره بتكليف كتيبة من الروميين المقيمين بالقاهرة ورشيد ودمياط وعهد إليها حراسة السفن الفرنسية أثناء مرورها بالنيل , وأراد نابليون من هذا الأمر أن يوفر بعض الجنود الفرنسيين , وأن يستخدم في هذه المهمة الرومان الذين أظهروا ولاءهم للجيش الفرنسي , لكن الرومان لم يتطوعوا لهذه المهمة بالعدد الذي كان ينتظره الفرنسيون" أ هـ
"ويسهب الجبرتي في الحديث عن الفيلق القبطي بقيادة المعلم يعقوب وعن خيانته لوطنه , يذكر الجبرتي في تاريخه في حوادث سنة 1800-1801 م أن يعقوب القبطي لما تظاهر مع الفرنسيين , وجعلوه ساري عسكر القبط , جمع شبان القبط وحلق لحاهم , وزياهم بزي يشبه زي العسكر الفرنسيين , مميزين عنهم بقبع يلبسونه على رءوسهم مشابه لشكل البرنيطة , وعليها قطعة فرو سوداء من جلد الغنم (في غاية البشاعة ) وصيرهم عسكره وعزوته , وجمعهم من أقصى الصعيد وهدم الأماكن المجاورة لحارة النصارى – التي يسكن بها هو – خلف الجامع الأحمر , وبنى له قلعة , وسورها بسور عظيم وأبراج , وباب كبير يحيط به بدنات عظام , وكذلك بنى أبراجاً في ظاهر الحارة جهة بركة الأزبكية , وفي جميع السور المحيط والأبراج طيقاناً للمدافع والبنادق على هيئة سور مصر الذي رمه الفرنسيون , ورتب على باب القلعة – الخارج والداخل – عدة من العسكر الملازمين للوقوف ليلاً ونهاراً , وبأيديهم البنادق على طريقة الفرنسيين "


هذا هو المعلم يعقوب الذي أعد أول مشروع استقلال لمصر كما يرى لويس عوض !!! الذي شيد القلاع والحصون وكون فيلقاً من شباب النصارى ليحارب ؟؟؟ ولكن يبقى السؤال ليحارب من؟؟
الجبرتي يقول إنه " تظاهر مع الفرنسيين" أي صار ظهيراً لهم أي واحداً منهم أي عدواً لشعبه ووطنه الذي يزعم لويس أنه يريد أن يحقق له الاستقلال .


والجبرتي الذي وصفه عبد الرحمن الرافعي بأنه كان يتحرى الصدق والدقة ويتوخى الحق يصف لنا ما أنزله يعقوب – تحت ظلال حملة نابليون – بالشعب المصري , من خلال نزعته الطائفية النصرانية فيقول " كرنك في داره بالدرب الواسع جهة الرويعي , واستعد استعداداً كبيراً بالسلاح والعسكر والمحاربين , وتحصن بقلعته التي كان قد شيدها بعد الواقعة الأولى (ثورة القاهرة الأولى ضد بونابرت ) فكان معظم حرب حسن بك الجداوي معه "

و يذكر في حوادث سنة 1216 هـ (20 من محرم ) : " توكل رجل قبطي يقال له عبد الله - من طرف يعقوب- بجمع طائفة من الناس لعمل المتاريس , فتعدى على بعض الأعيان , وأنزلهم من على دوابهم , وعسف وضرب بعض الناس على وجهه حتى أسال دمه , فتشكى الناس من ذلك القبطي إلى "بليار" قائمقام , فأمر بالقبض عليه وحبسه بالقلعة , ثم فرضوا على كل حارة رجلين يأتي بهما شيخ الحارة وتدفع لهما أجرة من شيخ الحارة .

ويشير الجبرتي في حوادث سنة 1214 هـ (20 من ذي الحجة ) إلى التعنت الذي مارسه الفرنسيون بمساعدة القبط لهم لأنهم هم الذين تقلدوا المناصب الجليلة وتقاسموا الأقاليم والتزموا بجمع الأموال , ويضيف " وانضم إليهم الأسافل من القبط والأرازل من المنافقين"

ويتحدث الجبرتي في حوادث السنة ذاتها إلى تطاول النصارى القبط والشوام على المسلمين بالسب والضرب والنيل منهم وإظهار الحقد عليهم " ولم يبقوا للصلح مكاناً , وصرحوا بانقضاء ملة المسلمين وأيام الموحدين"

لقد تناول عدد من الكتاب مسألة المعلم يعقوب بالشرح والتحليل , منهم محمد جلال كشك , في كتابه ودخلت الخيل الأزهر , وكذا كتابه الغزو الفكري , يرد فيهما على مزاعم لويس حول يعقوب وبطولاته , ويعترف محمد جلال كشك أنه شارك في خطيئة الإشادة بالجنرال يعقوب عندما كتب مؤلفه " مصريون لا طوائف" ويرجع ذلك إلى أنه كان صغير السن آنئذ .

ولا أدري بم نصف مواطناً انحاز لعدو البلاد الذي قتل أبناءها واغتصب نساءها ونهب أموالها وخيراتها وأهلك قراها ومدنها , ثم حارب إلى جانبه , وأسفر عن وجهه الطائفي المتعصب , وآذى – كما أخبرنا الجبرتي- مواطنيه وشعبه ؟ أليست القرائن الدالة والسلوكيات التي مارسها يعقوب خير برهان على خيانته وعمالته ؟؟

http://www.shareah.com/index.php?/re...n/view/id/688/