قوله تعالى)وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ(أي أطفناهما من جوانبهما بنخل. والحفاف الجانب، وجمعه أحفة؛
ويقال : حف القوم بفلان يحفون حفا، أيطافوا به؛ ومنه)حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ(الزمر : 75)وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً(أي جعلنا حول الأعناب النخل، ووسط الأعناب الزرع.

وقوله تعالى:)كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَاوَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا* وَكَانَ لَهُثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِه وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّنَفَرًا(الكهف: 33-34.
قوله تعالى)كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ(أي كل واحدة من الجنتين، واختلف في لفظ (كلتا وكلا)هل هو مفرد أومثنى؛ فقال أهل البصرة : هو مفرد؛ لأن كلا وكلتا في توكيد الاثنين نظير (كل)في المجموع، وهو اسم مفرد غير مثنى؛ فإذا ولي اسما ظاهرا كان في الرفع والنصب والخفض على حالة واحدة، تقول : رأيت كلا الرجلين وجاءني كلاالرجلين ومررت بكلا الرجلين؛ فإذا اتصل بمضمر قلبت الألف ياء في موضع الجر والنصب،تقول : رأيت كليهما ومررت بكليهما، كما تقول عليهما. وقال الفراء : هو مثنى، وهو مأخوذ من كل فخففت اللام وزيدت الألف للتثنية. وكذلك كلتا للمؤنث، ولا يكونان إلا مضافين ولا يتكلم بواحد، ولو تكلم به لقيل : كل وكلت وكلان وكلتان. واحتج بقول الشاعر :



في كلت رجليها سلامىواحده كلتاهما مقرونة بزائده


أراد في إحدى رجليها فأفرد. وهذا القول ضعيف عند أهل البصرة؛ لأنه لو كان مثنى لوجب أن تكون ألفه في النصب والجر ياء مع الاسم الظاهر،ولأن معنى (كلا)مخالف لمعنى (كل)لأن (كلا) للإحاطة و(كلا)يدل على شيء مخصوص، وأما هذا الشاعر فإما حذف الألف للضرورة وقدر أنها زائدة، وما يكون ضرورة لا يجوز أن يجعل حجة، فثبت أنه اسم مفرد كمعنى، إلا أنه وضع ليدل على التثنية، كما أن قولهم (نحن)اسم مفرد يدل على اثنين فما فوقهما، يدل على ذلك قول جرير


كلا يومي أمامة يوم صد وإن لم نأتها إلا لماما


فأخبر عن (كلا)بيوم مفرد، كماأفرد الخبر بقوله (آتت) ولو كان مثنى لقال آتتا، ويوما. واختلف أيضا فيألف(كلتا)؛ فقال سيبويه : ألف (وكلتا)للتأنيث والتاءبدل من لام الفعل وهي واو والأصل كلوا، وإنما أبدلت تاء لأن في التاء علم التأنيث،والألف في (كلتا)قد تصير ياء مع المضمر فتخرج عن علم التأنيث، فصار في إبدال الواو تاء تأكيد للتأنيث. وقال أبو عمر الجرمي : التاء ملحقة والألف لام الفعل، وتقديرها عنده : فِعْتَل، ولو كان الأمر على ما زعم الجرمي : التاء ملحقةوالألف لام الفعل، وتقديرها عنده : فِعْتَل، ولو كان الأمر على ما زعم لقالوا في النسبة إليها كلتوي، فلما قالوا كلوي وأسقطوا التاء دل على أنهم أجروها مجرى التاءفي أخت إذا نسبت إليها قلت أخوي؛ ذكره الجوهري. قال أبو جعفر النحاس :

وأجازالنحويون في غير القرآن الحمل على المعنى، وأن تقول : كلتا الجنتين آتتا أكلهما؛لأن المعنى المختار كلتاهما آتتا. وأجاز الفراء : كلتا الجنتين آتى أكله، قال : لأن المعنى كل الجنتين. قال : وفي قراءة عبد الله (كل الجنتين آتىأكله). والمعنى على هذا عند الفراء : كل شيء من الجنتين آتيأكله. والأكل (بضم الهمزة) ثمر النخل والشجر. وكل ما يؤكل فهو أكل؛ ومنه قوله تعالى)أُكُلُهَا دَائِمٌ(الرعد : 35 وقد تقدم. )آتَتْ أُكُلَهَا(تاما ولذلك لم يقلآتتا. )وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَاخِلَالَهُمَا نَهَرًا(أي لم تنقص.



يتبع....