والمقارن بين تشييخ الكتب وتشييخ محركات البحث يجد أن الأمر في محركات البحث أشد خطورة؛ فإن مشيِّخ الكتب إذا أراد أن يقف على مسألة فإنه يلزمه في الغالب أن يقلـِّب الكتبَ وينقـِّب فيها ليقف على المسائل، بخلاف محركات البحث التي يقف مستخدمها على الكلمة التي يريدها بضغطة زر، فيقرأ كلمتين قبلها وكلمتين بعدها دون أن يمسك الكتاب بيديه ويبحث فيه.

ثم هذه الكلمات قد تكون مُصحَّفة ومحرَّفة، فلا يخفى كثرةُ التصحيف في أغلب الكتب المنشورة إلكترونيًّا، فيتسبب هذا التصحيف في سوء الفهم من القارئ، وهذا إن كان موجودًا في الكتب المطبوعة؛ فإن وجوده في الكتب الإلكترونية، وفي نتائج محركات البحث أكثر.

ثم قد يكون الباحث قليل الخبرة بالإعراب فيسوء فهمه، أو يدمج من المقاطع ما شأنه الفصل، ويفصل ما شأنه الدمج، أو لا يفهم ألفاظ أهل الفن، فيصير المقروءُ عند هذا غير المقروء عند غيره، والمفهوم عنده بعيد كل البعد عن المقصود من الكلام.

أقول له عَمرًا فيسمعه سعدًا ويكتبه حمدًا وينطقه زيدًا!

ولا نقصد بذلك نقد استخدام محركات البحث مطلقًا؛ فهي وسيلة يسَّرها الله -عز وجل- ويسَّر بها الكثير من جوانب العلم، كما أننا لا ننقد استخدام الكتب، ولكن المقصود في هذا المقام هو تشييخ محركات البحث والاعتماد عليها، كما هو الحال مع تشييخ الكتب والصحف الذي انتقده السلف.

وقد أفرز لنا تشييخ محركات البحث في السنوات الأخيرة الشَّوك، حتى امتد الأمر إلى المصنفات، فلا عجب اليوم أن ترى كتابًا في مسألة ما، يدَّعي مصنفه أنه بحث حديثي فقهي مقارن! فيبدأ بعرض المسألة، ثم يشرع في التقميش من هنا ومن هناك، فيذكر أقوال الفقهاء من كل مذهب من المذاهب الفقهية، وما أسهل ذلك باستخدام الموسوعات الفقهية الإلكترونية، ثم يعرض بحثه الحديثي الذي يجمع فيه الغث والسمين، ويختم بحثه بالترجيح وقد صدَّره بقوله:
"ونحن نرى"،
    "وما نذهب إليه"    ، "ومذهبنا المختار"!!