ابن الخطاب, تحيةً طيبةً, وبعد:
لا جرمَ أنَّ العصمة أمرها جلل, ولمَّا كانت عصمة الأئمة هي المعول عليه في عقيدة الإمامة, كانت ذات شأن كبير لدى الإمامية؛ وإزاء دعواهم تلك أقول:
· العصمة مسبَّب, وسببها النبوة. فلا عصمةَ لغير النبي, ولا يعصم النبي قبل البعثة.
· علَّة العصمة هي صحة الرسالة؛ ذلك أنَّ الشك يتطرق للرسالة إن لم يكن مؤدِّيها معصومًا؛ فلزمت لئلا تنهار النبوة, ولئلا تنهار الرسالة.
· وعليه, ادَّعاء العصمة لغير النبي باطل لما سبق آنفًا, ولمَّا كان النبي محمد خاتم الأنبياء والمرسلين, فلا عصمة لبشرٍ بعده e.
· إذن, نقول للإمامة: عصمة أئمتكم باطلة؛ لأنهم ليسوا أنبياءً, ولأنه لا توجد رسالة يراد تبليغها من قبلهم؛ لأنَّ الدين قد تمَّ قبل انتقال النبي e إلى الرفيق الأعلى؛ إذ يقول الله Y: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾, (المائدة: 3). أي: سبب العصمة لم يتحقق بهم, فلا عصمة لهم.
· وحتى نقطع عليهم طريقهم, ندحض دليلهم الذي بنوا عليهم اعتقادهم؛ لأنه بدحض دليلهم نكون قد نسفنا معتقدات الإمامية جملة وتفصيلا؛ لأنه لا نثق بمعتقداتهم التي انبثقت عن أناس غير معصومين, ولا صلة لهم بوحي السماء. بعد توفيق الله أقول:
1. الآية التي يتكئون عليها هي قول الله Y: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾, وقبل البدء لا بدَّ من وضع النص القرآني في سياقه, ألا وهو: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾, (الأحزاب: 34).
2. النص الذي يتكئون عليه متشابه من وجهين, ألا وهما: وجه: (أهل البيت), ووجه: (الرجس والتطهير).
3. فأمَّا وجه: (أهل البيت), فهم يقصرونه على: (علي, وفاطمة, والحسن, والحسين), ليس غير. والحقُّ أن زعمهم باطل؛ ذلك أنَّ آل البيت هم: (أزواج النبي e, وآل العباس, وآل علي, وآل جعفر, وآل عقيل)؛ ذلك أنَّ آل البيت هم من حرِّمت عليهم الصدقة, وهم من ذُكِرَ.
4. وأمَّا وجه: (الرجس والتطهير), فهم جعلوهما يشملان الحفظ من الخطأ والمعاصي, وتلك هي العصمة, وهذا قول باطل عاطل؛ والمقياس بيننا هو لسان العرب؛ لأن القرآن نزل به: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾, (الشعراء: 195):
ü فالرجس تدور معانيه حول القذر والدنس والعذاب, جاء في لسان العرب: "الرِّجْسُ القَذَرُ, وقيل: الشيء القَذِرُ,..., وكلُّ قَذَر رِجْسٌ..., والرِّجْس العذاب كالرِّجز, وقال الفراء في قوله تعالى: ﴿ويَجْعَلُ الرِّجْسَ على الذين لا يعقلون﴾, إِنه العقاب والغضب. وقال ابن الكلبي في قوله تعالى: ﴿فإِنه رِجْسٌ﴾, الرجس المَأْتَمُ. وقال مجاهد كذلك: ﴿يجعل اللَّه الرجس﴾, قال: ما لا خير فيه. قال أَبو جعفر: ﴿إِنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرِّجْسَ أَهلَ البيت ويُطَهِّرَكم﴾, قال: الرجس الشك..., قال الزجاج: الرِّجْسُ في اللغة اسم لكل ما استقذر من عمل فبالغ اللَّه تعالى في ذم هذه الأَشياء وسماها رِجْساً...". إذن, ليس في هذه اللفظة ما يدلُّ على العصمة في لسان العرب, فالرجس لا يدل على العصمة لا من حيث الوضع, ولا من حيث العرف, ولا من حيث الشرع.
ü والتطهير لا يدل على العصمة, جاء في لسان العرب:" الطُّهْرُ نقيض الحَيْض, والطُّهْر نقيض النجاسة والجمع أَطْهار..., والمرأَة طاهِرٌ من الحيض وطاهِرةٌ من النجاسة ومن العُيوبِ ورجلٌ طاهِرٌ ورجال طاهِرُون ونساءٌ طاهِراتٌ ابن سيده طَهَرت المرأَة وطهُرت وطَهِرت اغتسلت من الحيض وغيرِه. وطَهُرت المرأَة وهي طاهرٌ انقطع عنها الدمُ ورأَت الطُّهْر, فإِذا اغتسلت قيل تَطَهَّرَت واطَّهَّرت. وأَما قوله تعالى: ﴿فيه رجال يُحِبُّون أَن يَتَطَهَّرُوا﴾, فإِن معناه الاستنجاء بالماء, نزلت في الأَنصار وكانوا إِذا أَحْدَثوا أَتْبَعُوا الحجارة بالماء فأَثْنَى الله تعالى عليهم بذلك. وقوله عز وجل: ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ للطَّائِفينَ والعاكِفِين﴾, قال أَبو إِسحق: معناه طَهِّراهُ من تعليق الأَصْنام عليه. الأَزهري في قوله تعالى: ﴿أَن طَهِّرَا بيتي﴾ يعني من المعاصي والأَفعال المُحَرَّمة, وقوله تعالى: ﴿يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرة﴾ من الأَدْناس والباطل. والتَّطَهُّرُ التنزُّه والكَفُّ عن الإِثم وما لا يَجْمُل, ورجل طاهرُ الثياب أَي مُنَزَّه, ومنه قول الله عز وجل في ذكر قوم لوط وقَوْلِهم في مُؤمِني قومِ لُوطٍ: ﴿إِنَّهم أُناسٌ يَتَطَهَّرُون﴾, أَي يتنزَّهُون عن إِتْيان الذكور وقيل يتنزّهون عن أَدْبار الرجال والنساء قالهُ قوم لوط تهكُّماً, والتطَهُّر التنزُّه عما لا يَحِلُّ وهم قوم يَتَطَهَّرون أَي يتنزَّهُون من الأَدناسِ, ...", ويقول الله عز وجل: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾, (التوبة: 103), ولم يقل أحد من المسلمين إن دفع الزكاة يجعل المرء معصومًا.
5. وعليه, فالآية ليس فيها ما يدل على العصمة. وإن أردت اختصار ما سبق, فقل لهم: دليلكم ليس دليلا قطعيًّا, بل هو ظني الدلالة, والقاعدة الشرعية تقول: (عند الاحتمال يسقط الاستدلال), فكون دليلكم يحتمل غير ما تقولون يسقط الاستدلال به, استنادًا إلى القاعدة الشرعية, واستنادًا إلى القاعدة الشرعية الأخرى: (العقائد لا تؤخذ بالظن, بل باليقين), والعصمة من العقائد, ولا يوجد دليل قاطع يثبت عصمة أئمتكم المزعومة. ومنهم من خصَّصها بنساء النبي وحدهنَّ, وبذلك لا دخل للأئمة بها, أي هي محتملة.
6. بَيْدَ أنَّ الخطأ في الاجتهاد ليس رجسًا, والقاعدة الشرعية: (من اجتهد وأصاب فله أجران, ومن اجتهد وأخطأ فله أجر), فكيف يجعلون الخطأ في الاجتهاد رجسًا؟! لا يكون هذا.
· وجاء في التفاسير:
1. أضواء البيان: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾، يعني: أنه يذهب الرجس عنهم، ويطهرهم بما يأمر به من طاعة اللَّه، وينهى عنه من معصيته؛ لأن من أطاع اللَّه أذهب عنه الرجس، وطهّره من الذنوب تطهيرًا.
2. أيسر التفاسير: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس: أي إنما أمركن بما أمركن به من العفة والحجاب ولزوم البيوت ليطهركن من الأدناس والرذائل.
3. تفسير الجزائري: ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً﴾, أي إنما أمرناكن ونهيناكن إرادة إِذهاب الدنس والإِثم إبقاء على طهركن يا أهل البيت النبوي. وقوله: ﴿ويطهركم تطهيراً﴾, أي كاملاً تاماً من كل ما يؤثم ويدس النفس ويدنسها.
4. البحر المديد: والرجس : كل ما يدنس، من ذنب، أو عيب، أو غير ذلك، وقيل: الشيطان. ﴿ويُطهركم تطهيراً﴾ من نجاسات الآثام والعيوب، وهو كالتعليل لِمَا قبله: فإنما أَمَرَهن، ونهاهن، ووعظهن؛ لئلا يقارف أهل البيت ما يدنس، من المآثم، وليتصوّنوا عنها بالتقوى. واستعار للذنب الرجس، وللتقوى الطُهر؛ لأن عِرض المقترف للمستقبحات يتلوث بها كما يتلوث بدنه بالأرجاس, وأما مَن تحصّن منها فعرضه مصون، نقي كالثوب الطاهر. وفيه تنفير لأُولي الألباب عن كل ما يدنس القلوب من الأكدار، وترغيب لهم في كل ما يطهر القلوب والأسرار، من الطاعات والأذكار.
5. التفسير الميسر: إنما أوصاكن الله بهذا؛ ليزكيكنَّ، ويبعد عنكنَّ الأذى والسوء والشر يا أهل بيت النبي, ويطهِّر نفوسكم غاية الطهارة.
وأكتفي بهذا القدر. وعليه, فدليلهم دليل خاوٍ لا يقوى على إثبات عصمة أئمتهم, وبذلك نكون قد نسفنا آمالهم وآلامهم المعلقى على هذا النص القرآني.
المفضلات