فيعرف العبد بعد ذلك الحلال والحرام ،ويعرف المشتبهات فلا يقع في الفتن
والضلال،فينال بعد ذلك الأجر العظيم من الله والثواب الجزيل منه سبحانه
ويمشي المتقي بنور من الله تعالى، بنور العلم والهدى في ظلمات الجهل
والسيئات ، : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد\27]



ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أن الله يحمي عبده المتقي المؤمن من
الشيطان وجنده يحميه من همزه ولمزه ونفخه ،يحميه من وسوسته
وإغوائه وكيده ،يحميه من طرقه ومداخله وشبهاته المضلة لبني البشر، يحميه من

أمره ونهيه وضلاله وتزيينه وتلبيسه ،: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ)

ففرق الله في هذه الآية بين المتقين، الذين إذا أحسوا بالذنب أو فعلوا الذنب
رجعوا إلى الله ،واستغفروا وأنابوا واستدركوا ما فات منهم بالتوبة النصوح
على عكس إخوان الشياطين ،وأولياء الشيطان، فهم لا يزالون من الغواية
والضلال من الشيطان كأنهم مسلسلين بالقيود والعياذ بالله .
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أن أهل التقوى دائماً في ذكر وتوبة
واستغفار الله في كل حال، في الحل والترحال ،وخصوصاً وقت السحر،

وقت النزول الإلهي ، (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) من هم ؟؟ (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)

وإليكم أيها الأحبة هذه النماذج عن حال وأنوار المتقين في الدنيا ،وذكرهم
لله وشدة عبادتهم له باستغلال أوقاتهم للذكر والعبادة
ذكر الحافظ البزار في الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية قدس الله روحه
قال عنه
(أما تعبده رضي الله عنه فإنه قل إن سمع بمثله لأنه قد قطع جل وقته وزمانه فيه حتى انه لم يجعل لنفسه شاغل يشغله عن الله تعالى)
يقول: (فلا يزال في الذكر يسمع نفسه ومن إلى جانبه ،هكذا دأبه رحمه الله
حتى ترتفع الشمس
)

يقول ابن القيم تلميذه يرحمه الله في الوابل الصيب يقول : سمعت شيخ الإسلام
ابن تيمية قدس الله روحه يقول: ( الذكر للقلب مثل الماء للسمك ،فكيف يكون
حال السمك إذا فارق الماء
) فسبحان الله ..سبحان الله من أشهد عباده جنته
قبل لقائه ،وفتح لهم أبوابها في دار العمل ،فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها
ما استفرغ قواهم لطلبها .. قال بعض العارفين : مساكين أهل الدنيا ،خرجوا
من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها .قيل وما أطيب ما فيها ؟
قال :محبة الله
ومعرفته وذكره .. وقال آخر : إنه لتمر للقلب أوقات يرقص فيها القلب طرباً
فأقول : إن كان أهل الجنة في مثل هذا إن هم والله لفي عيش طيب

يا من يذكرني بعهد أحبتي .. طاب الحديث بذكرهم ويطيب
أعد الحديث علي من جنباته ..إن الحديث عن الحبيب حبيب
حبيب ملأ الضلوع و فاض عن أجنابها.. قلب إذا ذكر الحبيب يذوب
ما زال يخفق ضاربا بجناحه.. يا ليت شعري هل تطير قلوب
وقال ابن القيم رحمه الله : محبة الله ومعرفته ودوام ذكره هو جنة الدنيا

وهو النعيم الذي لا يشبهه نعيم ، وهو قرة عيون المحبين وحياة العارفين

يا ذا الذي أنس الفؤاد..أنت الذي ما إن سواه أريد
تفنى الليالي والزمان بأسره..وهواك غضٌّ في الفؤاد جديد


ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أيها الأحباب ، أن المتقين لله يحصل
لهم الفرج والمخرج من كل شدة ومشقة وكرب ،ويرزق الله المتقين من حيث
لا يحتسبوا ، وييسر الله بها أمورهم في الحياة والشواهد على ذلك كثيرة

(
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ )
( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً
) (الطلاق\4)

تأملوا حال المتقين في الدنيا ،وأنوار التقوى تشع من وجوههم ،تأملوهم وكيف
أن الله يفرج عنهم ويخرجهم من الكروب والشدائد ،وذلك بدعائهم وإخباتهم لله
حين الكرب، فهم أولياؤه المتقون
كيف لا يفرج عنهم وهم متوكلون عليه؟

كيف لا ينجيهم القانتون العابدون التائبون إليه سبحانه وتعالى
اسمع هذا الخبر عن هذا الرجل المتقي لله ، إنه من السلف، إنه رجل جعل
تقوى الله نصب عينيه فلم يحد عنها يمنة ويسرى ، إنه الزاهد العابد التقي
إبراهيم ابن أدهم .. قال عبد الجبار ابن كليب : كنا مع إبراهيم ابن أدهم في سفر
فعرض لنا ( السبع ) فقال إبراهيم دعاء وقال قولوا به فإن الله يحرسكم به قال قولوا : اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام , واحفظنا بركنك الذي لا يرام , وارحمنا بقدرتك علينا , لا نهلك وأنت رجائنا يا الله يا الله

قال الراوي : فولى السبع هاربا ، فأنا أدعوا به عند كل أمر مخوف فما رأيت من هذا الدعاء إلا خيرا
وذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان ( أن إبراهيم بن أدهم في البحر، وهبت ريح، واضطربت السفن، وبكى الناس، فقيل لبعضهم: هذا إبراهيم بن أدهم، لو سألتموه أن يدعو الله فهو مستجاب الدعوة
وكان إبراهيم قائماً في ناحية من السفينة ملفوفاً رأسه ،فد دنا إليه رجل لا يريد
إبراهيم أن يعرفه وقال: يا أبا إسحاق، ما ترى ما فيه الناس؟ ادع لهم وأنت
ترى حالهم ..فرفع رأسه، وقال: اللهم قد رأيتنا قدرتك فأرنا رحمتك.
قد أريتنا قدرتك فأرنا رحمتك..يقول الراوي فهدأت السفن.)
أرأيتم أيها الأحباب كيف ينجي الله المتقين بدعائهم، أرأيتم نور التقوى ماذا
تفعل بأصحابها في الدنيا .. فماذا ننتظر أيها الأحبة بعد ذلك؟؟
ماذا ننتظر ؟؟أننتظر أن يمدنا الله بالتقوى بدون عمل ..كلا والله فإن السماء لا
تمطر أبداً ذهباً ولا فضة .

ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ..أن المتقين هم دائماً أهل خشية والإنابة
هم أهل العظة والاعتبار هم أهل الزواجر .. وقد قال الله سبحانه وتعالى عنهم
(هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ )

فالمتقون ،هم أهل البكاء من خشية الله ،إذا ذكرت النار خافوا وفزعوا ،إذا ذكر
القبر ارتعدت فرائسهم خوفاً أن يكون مصيرهم العذاب في النار وبأس القرار
فعن عبد الله ابن الشخير رضي الله عنه قال ( رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء
) بأبي هو وأمي يبكي
حتى يبل ثوبه ،ويبل الثرى بدموعه ونحن أيها الأحباب والله، تمر علينا الآيات
والمواعظ والزواجر ولا نبكي إلى قلوبنا القاسية من كثرة الظلمات وقد
(فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ) (الزمر\22)

مر النبي صلى الله عليه وسلم أيها الأحباب بقبر يدفنوه صحابته فبدر من بين
أيديهم ثم واجه القبر حتى بلّ الثرى من دموعه ، و قال عليه الصلاة و السلام : (أي أخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا . )

لمثل هذا اليوم فأعدوا .. فهل أعددنا أيها
الأحباب أنواراً ليوم القبر ،أم أعددنا ظلمات والعياذ بالله؟