لما احتضر سفيان الثوري جعل يبكي فقيل له: يا أبا عبد الله عليك بالرجاء فإن عفو الله أعظم من ذنوبك ,
فقال : أو على ذنوبي أبكي ؟؟؟ لو علمت أني أموت على التوحيد , لم أبال بأن ألقى الله بأمثال الجبال من الخطايا، ولكني أخاف أن أسلب الإيمان قبل أن أموت
فيا سبحان الله .. يا سبحان الله
عوتب الحسن البصري في شدة حزنه وخوفه فقال :ما يؤمنني أن يكون الله
تعالى قد اطلع فيّ على بعض ما يكره فمقتني فقال: اذهب فلا غفرت لك
فرحم الله البكائين من خشية الله، رحم الله المتقين لله خوفاً من الله
رحم الله تلك الأنوار التي كانت تشع منها الصدق واليقين والخشية والخوف
من الله .. والله أيها الأحباب، لن تغني عنا الدنيا بملذاتها ولا شهواتها إذا نحن
لا نخاف من الله ، مثلما خافوه ، والله لن تنفعنا أموالنا ولا أولادنا ولا قصورنا
ولا دورنا إذا لم نعظمه سبحانه وتعالى أشد التعظيم ،ونخشاه أشد الخشية مثل
أولئك القوم الذين كانت حياتهم نوراً وتقوىً من الله

بكيت على هول الصراط وذكره ...وهول زفير النار من أعظم الذكر
وكيف يطيق الصبر من كان عاصيا... لخالق كل الخلق في السر والجهر
ومن يك ذا خوف شديد لهوله... فإن له أمنا من الهول في الحشر
فليس لمن يبكي لهول صراطه جزاء سوى دار النعيم مع الفخر
فيا له من هول فظيع يجوزه... رجال أطاعوا الله في سالف العمر

وبعد هذه الثمرات والأنوار من المتقين أيها الأحبة في الدنيا قبل الممات، نذكر
لكم تلك الأنوار في اللحظات الحاسمة ،تلك اللحظات الحرجة التي هي حسن
الختام للمتقين ،تلك السكرات التي قال عنها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

(إن للموت سكرات ) الله هون علينا سكرات الموت
ثم انظر لحال المتقين في اللحظات الأخيرة وهم يرجعون للدنيا.. انظر لحالهم مع
هذه القصة المؤثرة لرجل كان من المتقين ،انظر لحاله عند الموت، هذه القصة
والله حقيقية.يرويها ولد ابنه فيقول : كان جدي حافظاً لكتاب الله ويعلم الناس
بدون أجر، فكبر سنه ورق عظمه ،وبلغ من الكبر عتياً ،حتى أنه فقد الذاكرة
فنسي جميع من يعرفهم ،حتى أسماء أبنائه ..واستمرت هذه الحالة عشرين سنة
ولكن العجيب ..أنه إذا قرأ القرآن وكنت بجواره أسمعه لا يخطئ في حرف واحد
أبداً، وفي يوم من الأيام ،وفي وقت السحر ،وقت نزول الرحمن الذي يليق
بجلاله، وإذا بجدي ينادي باسم أبي :يا عبد الله ..يا عبد الله ..وقد نسيه منذ
عشرين سنة ،فرح أبي وانطلق إلى غرفة أبيه فرحاً بأنهم استعاد الذاكرة فقال
ماذا تريد يا أبي فقال: فكان جدي رحمه الله ينظر إلى ناحية من الغرفة فقال:

يا بني ..هل ترى هذين الرجلين الجميلين، الذي يرتدي كل واحد منهما عمامة
بيضاء .؟ التفت أبي فما رأى شيئاً..فقال يا أبي.. إني لا أرى شيئاً فقال جدي
يرحمه الله : صدق الله حين قال (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد)

وكأن الله يشير إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البراء ابن
عازب (أن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر) الحديث

ثم يقول :فرفع جدي سبابته ثم قال :أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً
رسول الله ..ثم فاضت روحه إلى الله نسأل الله أن يبعثه يوم القيامة قارئاً للقرآن

انظر يا أخي في الله إلى هذه الخاتمة الحسنة أن يموت الإنسان قارئاً لكتاب الله
ويحشر على هذه الحال،أو أن يموت والعياذ بالله مغنياً أو مطبلاً ،نسأل الله
السلامة والعافية
ثم انظروا أيها الأحباب وتأملوا حال المتقين في البرزخ، كيف أن الله سبحانه
وتعالى يفتح للمتقي باقة من الجنة ،يأتيه من روحها ونسيمها وطيبها،ويقال
له نم نومة العروس حتى تقوم الساعة ، ثم انظر لحال المتقين يوم القيامة
حيث أن الله سبحانه وتعالى حكى ذلك في القرآن وقال في عرصات يوم القيامة
واسمعوا لهذه الآيات فوالله إن فيها أنوار للمتقين يوم القيامة ،يقول:

(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)

هذا هو الفوز أيها الأحبة،و والله هذا هو الفوز العظيم للمتقين كيف كانت حياتهم
كيف كانت أقوالهم ،كيف كانت أوقاتهم ،إنها تقوى من الله وخوف وخشية منه
سبحانه وتعالى..أعلمتم أيها الأحبة علم اليقين بعد هذه الثمرات والأنوار للمتقين
كيف أن الله أعطاهم الجزاء الأحسن والأفضل لهم ،وهل جزاء الإحسان إلا
الإحسان، إذا علمنا ذلك فلماذا لا نسارع إلى الجنة ؟لماذا لا نشتاق إلى الجنة
لماذا لا نعمل بنور التقوى والإيمان حتى نصل إلى الجنة التي هي ميراث المتقين

    : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً ) (مريم \63)

فيا من يريد العاقبة الحميدة ،ويريد قبول الأعمال الصالحة له ،ما عليك إلا أن
تلحق بركاب المتقين ،فالجنة لا يدخلها إلا المتقين     : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص\83)

وشتان أيها الأحبة بين نور المتقين وظلمات المعاصي والظالمين

شتان بين النور والظلمات....نزلت بذلك محكم الآيات
يا غافلاً والموت يطلبه أما....فكرت فيما تمضي الساعات
أقبل على الرحمن واطلب عفوه....فعسى المهيمن يغفر الزلات
أقصاك ليل الجهل والران الذي....أغشى فؤادك حالك الظلمات
ماذا جنيت به سوى الألم الذي ....أسقاك طعم مرارة المأساة
فالذنب أعظم ما يخاف ويتقى ....وعليه تسكب أصدق العبرات
وأطار نوم الصالحين فليلهم ....قد طاب بين تبتل وصلاة
سئمت عيونهم لذاذات الكرى....وترفعت ورعاً عن القلوات
فأنار قيوم السماء وجوههم....وأثابهم بإجابة الدعوات
تشكي قلوب ذوي المعاصي وحشة....وتعيش بين تولع وشتات
البر يحييها ويقتلها الخنى....هل يستوي الأحياء بالأموات
فالبر نور والمعاصي ظلمة....شتان بين النور والظلمات