صفحة 11 من 54 الأولىالأولى ... 7891011121314152141 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 101 إلى 110 من 531
 
  1. #101
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي



    ويصل النظام التربوي إلى قمته أو هوته في ظاهرة الدروس الخصوصية، حيث تصبح الكفاءة الأساسية هي الكفاءة في تلقِّي الحقائق البسيطة الواضحة الدقيقة. وعلى مستوى الجامعة يقوم الأستاذ بإملاء محاضراته فيدوِّنها الطلبة بكفاءة عالية، ثم تتطور الأمور فيطبع الأساتذة محاضراتهم فيما يُسمَّى «المذكرات الجامعية» فيقوم الطلبة بحفظها ويقوم الأساتذة بجَمْع "فائض القيمة". وتدور العملية التربوية بأسرها حول الامتحانات: أي كفاءة تلقِّي الحقائق البسيطة الواضحة الدقيقة وكفاءة كتابتها في بساطة ووضوح ودقة في ورقة الامتحانات في أسرع وقت! وتدريجياً تصبح القضية التربوية الأساسية هي الأرباح التي يتقاضاها المدرسون عن دروسهم الخصوصية والأساتذة عن مذكراتهم الجامعية. ويطالب بعض "المصلحين" بضرب هذه العملية الاستغلالية عن طريق تنظيم مجموعات في المدارس وعن طريق دعم الكتاب الجامعي، ويسقط الجميع في الموضوعية المتلقية حيث يصبح المعلم شيئاً مسيطراً ويصبح الطالب شيئاً مذعناً، ويتحرك الجميع داخل إطار جامد لا يؤدي إلى أية تحولات فكرية أو إثراء فكري أو معرفة جديدة، فما يُعرَف هو عادةً مجموعة من الحقائق المتناثرة (البسيطة الواضحة الدقيقة) التي ينساها الطالب بعد الامتحان ويصبح عقله مرة أخرى صفحة بيضاء من غير سوء، ويضمر الإبداع وتضيع الحقيقة. ولحسن الحظ فإن كثيراً من الباحثين الأذكياء يفلتون من قبضة هذه النماذج، ولكن هناك العديد أيضاً ممن يسقطون صرعى لها، فيسقطون الإبداع والخيال والمقدرة على التفكيك والتركيب ويراكمون المعلومات بشكل موضوعي متلق، محايد بارد. وترتبط هذه القضية ارتباطاً وثيقاً بمشكلة الموضوعية والذاتية في العلوم الإنسانية.






  2. #102
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي



    المـوضـوع
    «الموضوع» بالإنجليزية «أوبجيكت object» من الفعل اللاتيني «أوبجيكتاري objcetare»، ومعناه «يُعارض» أو «يُلقي أمام»، المشتق من فعل «جاكري jacere» بمعنى «يلقي بـ»، و«أوب ob» بمعنى «ضد». و«الموضوع» هو الشيء الموجود في العالم الخارجي وكل ما يُدرَك بالحس ويخضع للتجربة وله خارجيته وشيئيته، وكل ما هو مستقل عن الإرادة ويوجد خارج الوعي الإنساني مستقلاً عن رغائبنا وآرائنا. والموضوع ينطوي على طبيعته وحقيقته، ووجوده ليس رهناً بمعرفته ولا بتسميته. وعادةً ما يجري تصوُّر الموضوع على أنه ثابت مستقر. ويمكن القول بأن «الموضوع» في الفلسفات التي يمكن تصنيفها على أنها «موضوعية» هو الركيزة الأساسية للعالم، وهو المطلق الموجود بذاته، وهو الكل المركب المتجاوز للأجزاء، فليس له سبب متقدم عليه ولا فاعل ولا صورة ولا مادة ولا غاية فهو بمقام المحرك الأول.

    ويرى البعض أن الذات هي التي تضفي الحقيقة على الموضوع. وعند بعض المفكرين المحدثين، الموضوع هو الفعل وعند الآخرين هو نتائج وآثار الفعل.

    وتُستخدَم كلمة «موضوع» للإشارة إلى أي شيء نتحدث عنه وإلى المادة التي يَبني عليها المتكلم أو الكاتب كلامه وإلى مادة البحث، فنقول مثلاً: "موضوع هذا البحث هو كذا". وموضوع العلم هو معطياته ومادته وظواهره وحقائقه. وموضوع القضية (بالإنجليزية: سابجيكت subject) يقابل المحمول (بالإنجليزية: بردكيت predicate)، فهو الذي يُتحدَث عنه ويُحكَم عليه في أي قضية إما إثباتاً أو نفياً.

    ونحن نذهب إلى أن الفلسفات العلمانية الشاملة تفترض الطبيعة/المادة كنقطة مرجعية نهائية وكركيزة أساسية، فهو الموضوع النهائي الذي يستوعب كل شيء بما في ذلك الذات الإنسانية. وتشير كلمة «موضوع» في هذه الموسوعة إلى هذا المطلق باعتباره الموضوع النهائي المتجاوز، كما تشير أيضاً إلى أية مجردات ومطلقات مادية لا إنسانية هي في جوهرها تنويع على الطبيعة/المادة ومرجعيتها النهائية واحدية مادية. وهذه المطلقات المادية تتجاوز الإنسان ولا يتجاوزها وتستوعب الإنسان ولا يستوعبها. ونشير إليها أحياناً بتعبير «المطلق العلماني»، فهي مرجعية ذاتها (الدولة القومية ـ السوق/المصنع ـ الدافع الاقتصادي ـ المنفعة ـ اللذة ـ حتمية التاريخ(.

    كما نذهب إلى أن المنظومات الحلولية الكمونية، حيث يكون المركز كامناً حالاً في المادة، تنطوي على صراع حاد بين الذات والموضوع، فتتمركز الذات حول نفسها باعتبار أنها هي المركز ولكنها تفقد حدودها وتجد نفسها متمركزة حول الموضوع مذعنة له.







  3. #103
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي



    الـــــذات
    «الذات» بالإنجليزية «سابجيكت subject» عن نفس أصل كلمة «أوبجيكت object»، وهما من فعل «جاكري jacere» بمعنى «يُلقي». ولكن، بدلاً من «أوب ob» والتي تعني «فوق» التي تضاف لكلمة «أوبجيكت object»، يضاف مقطع «سب sub» بمعنى «تحت» أو «مع». والأصل الإنجليزي يشير إلى حالة الاستقطاب بين الموضوعي والذاتي. والذاتي هو ما يُنسَب إلى الذات، أي ما يتصل بها أو يخضع لها:

    1
    ـ ذاتالشيء هي جوهره وهويته وشخصيته. والذات هي حقيقة الموجود ومقوماته. ويقابله «العَرَض»، أي التبدلات الظاهرة على سطح الأشياء. والذات ثابتة أما الأعراضفمتبدلة.

    2
    ـ ما به الشعور والتفكير، فتقف الذات على الواقع وتتقبل الرغباتوالمطالب وتُوجِد الصور الذهنية وتُقابِل العالم الخارجي (غير موضوعي) الذي يقعخارج نطاق الوعي.

    3
    ـ العقل أو الأنا أو الفاعل الإنساني المفكر وصاحبالإرادة الحرة أو الكيان الذي يتصف بصفات محدَّدة (الموضوع هو المفعول به(.

    4
    ـ العقل الديكارتي أو الكانطي الذي يُدرَك العالم الخارجي من خلالمقولاته.

    5
    ـ صانع التاريخ كفرد أو طبقة (باعتبار أن التاريخ هو الموضوع(.

    ونحن نشير في هذه الموسوعة إلى الذات باعتبارها الذات الإنسانية الحرةالفاعلة المسئولة. وفي إطار المنظومة العلمانية العقلانية المادية، يمكن القول بأنالذات الإنسانية ذات طبيعية مادية ليس لها أصول ربانية. ومع أنها لا توجد إلا فيالزمان والمكان، فإنها تصر على أنها مركز الكون وأنها ستحقق تجاوزاً لقوانينالطبيعة. ولكنها، لأنها ذات طبيعية، تفقد حدودها وتتفكك ويهيمن الموضوع النهائي علىالطبيعة/المادة، وبذا يؤدي التمركز حول الذات (الإنسانية) داخل المنظومة الماديةإلى التمركز حول الموضوع (الطبيعة/المادة) وتحل الموضوعية المادية محل الواحديةالذاتية الإنسانية.










  4. #104
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي




    إشكالية الموضوعية والذاتية

    «الموضوعية» مصدر صناعي من كلمة «موضوع». والموضوعية هي إدراك الأشياء على ما هي عليه دون أن يشوهها نظرة ضيقة أو أهواء أو ميول أو مصالح أو تحيزات أو حب أو كره. ولذا، فإن وُصف شخص بأن "تفكيره موضوعي"، فإن هذا يعني أنه اعتاد أن يجعل أحكامه تستند إلى النظر إلى الحقائق على أساس العقل وبعد معرفة كل الملابسات والظروف والمكونات.

    والموضوعية هي الإيمان بأن لموضوعات المعرفة وجوداً مادياً خارجياً في الواقع، وبأن الحقائق يجب أن تظل مستقلة عن قائليها ومدركيها، وبأن ثمة حقائق عامة يمكن التأكد من صدقها أو كذبها، وأن الذهن يستطيع أن يصل إلى إدراك الحقيقة الواقعية القائمة بذاتها (مستقلة عن النفس المُدركة) إدراكاً كاملاً، وأن بوسعه أن يحيط بها بشكل شامل، هذا إن واجه الواقع بدون فرضيات فلسفية أو أهواء مسبقة، فهو بهذه الطريقة يستطيع أن يصل إلى تَصوُّر موضوعي دقيق للواقع يكاد يكون فوتوغرافياً.

    وكلمة «الذاتي» تعني «الفردي»، أي ما يخص شخصاً واحداً، فإن وُصف شخص بأن "تفكيره ذاتي" فهذا يعني أنه اعتاد أن يجعل أحكامه مبنية على شعوره وذوقه. ويُطلَق لفظ «ذاتي» توسعاً على ما كان مصدره الفكر لا الواقع، ومنه الأحكام الذاتية (مقابل الأحكام الموضوعية) وهي الأحكام التي تعبِّر عن وجهة نظر صاحبها وشعـوره وذوقه. فمعرفتنا بالواقـع محـدودة تماماً عن طريق خـبرتنا الذاتية الخاصة وتجربتنا الفريدة ووعينا وإدراكنا.

    و«الذاتي» في الميتافيزيقا هو رد كل وجود إلى الذات، والاعتداد بالفكر وحده. أما «الموضوعي»، فهو رد كل الوجود إلى الموضوع، المبدأ الواحد المتجاوز للذات. أما في نظرية المعرفة، فإن «الذاتية» تعني أن التفرقة بين الحقيقة والوهم لا تقوم على أساس موضوعي، فهي مجرد اعتبارات ذاتية، وليس ثمة حقيقة مطلقة، أما «الموضوعية» فترى إمكانية التفرقة. وفي عالم الأخلاق، تذهب الذاتية إلى أن مقياس الخير والشر إنما يقوم على اعتبارات شخصية إذ لا تُوجَد معيارية متجاوزة، أما الموضوعية فترى إمكانية التوصل إلى معيارية. وفي عالم الجمال، تذهب الذاتية إلى أن الأحكام الجمالية مسألة ذوق، أما الموضوعية فتحاول أن تصل إلى قواعد عامة يمكن عن طريقها التمييز بين الجميل والقبيح.

    ورغم أن هذه التعريفات تبدو سلسة وبسـيطة، ورغم أن التعارض بين الذاتي والموضوعي سلس وواضح، فإن ثمة مفاهيم معرفية كلية نهائية متضمَنة غير واضحة تجيب على الأسئلة الكلية النهائية (ما الإنسان؟ ما العناصـر المكونة له؟ ما علاقة عقلـه بالواقـع؟ ما الهدف من وجـوده؟ أيهما يسـبق وجوده وجـود الآخر ـ الإنسـان أم الطبيعة؟). وسنلاحظ ابتداءً أن هناك أشكالاً كثيرة من الموضوعية (تماماً كما أن هناك أشكالاً كثيرة من العقلانية)، ولكن المرجـعيات عـادةً غير واضحة. فإذا قلنا "فلنكن موضوعيين" أو "فلنُحكِّم العقل" ولم نزد، فنحن نقول في واقع الأمر "فلنكن موضوعيين ولنُحكِّم العقل في إطار المنظومة المعرفية السائدة التي تسبق كلاًّ من الموضوع والعقل". وفي العصر الحديث، نجد أن المنظومة المهيمنة هي المنظومة المادية ونموذج الطبيعة/ المادة حيث لا فرق بين الطبيعة والإنسان. ولذا، فإن عبارة بريئة مثل «فلنكن موضوعيين» تعني في واقع الأمر «فلنتجرد من عواطفنا وذكرياتنا ومنظوماتنا الأخلاقية وتراثنا ولنرصد الواقع الإنساني والطبيعي كما هو»، أي أن كلمة «موضوعية» بشكل مجرد تعني عادةً «الموضوعية المادية» أو «المتلقية» (تماماً كما أن كلمة «عقل» بشكل مجرد تعني «العقل المادي»). وبهذا المعنى، فإن الموضوعية هي، في واقع الأمر، العقلانية المادية في مرحلة التمركز حول الموضوع (لا التمركز حول الذات). وأنها نتاج الرؤية المتمركزة حول الطبيعة/المادة، وعادةً ما تدور في إطار المرجعية المادية الكامنة في الطبيعة/المادة (على عكس الذاتية، فهي نتاج الرؤية المتمركزة حول الذات والإنسان، وعادةً ما تدور في إطار المرجعية المادية الكامنة في الذات).

    ويمكن تلخيص الأبعاد الكلية والنهائية (المعرفية) للموضوعية (المادية) بأنها الإيمان بأن العالم (الإنسان والطبيعة) كل متجانس مكتف بذاته. وتبدأ المتتالية النماذجية للموضوعية المادية (شأنها شأن أية منظومة حلولية كمونية مادية) بمرحلة إنسانية ذاتية (واحدية ذاتية ـ تَمركُز حول الذات). ومع تحقُّق المتتالية وبعد مرحلة قصيرة من الثنائية الصلبة تصبح الطبيعة/المادة هي المركز وتهيمن الواحدية الموضوعية المادية (التمركز حول الموضوع) وهذا يعني في واقع الأمر استبعاد الإنسان كعنصر فاعل وتحويله إلى عنصر سلبي متلق، والطبيعة نفسها تتحول إلى كيان بسيط منبسط مُسطَّح يستوعب هذا الإنسان، أي أن ثنائية الإنسان والطبيعة الفضفاضة يتم القضاء عليها لصالح الطبيعة وتسود الواحدية المادية.







  5. #105
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي


    وتتبدَّى هذه الأبعاد التفكيكية للموضوعية (المادية) في موقفها من القضايا التالية:

    1 ـ عقل الإنسان:

    أ) العقل السليم من منظور الرؤية الموضوعية (المادية) إن هو إلا صفحة بيضاء أو سطح شمعي (باللاتينية: تابيولا رازا tabula rasa)، وهو ما يعني أنه مادة محضة، فهو دماغ أو مخ أكثر منه عقلاً (فالعقل مفهوم فلسفي وليس مجرد وجود فسيولوجي).

    ب) العقل سلبي بسيط محايد، فهو كالآلة تنطبع عليه المعطيات والمدركات الحسية وتتراكم.

    جـ) عقل الإنسان لا متناه في قدرته الاستيعابية والامتصاصية والتسجيلية.

    د) العقل السليم يسجل ويمتص ويرصد بحياد شديد دون أن يُشوِّه أو يغيِّر أو يُعدِّل ما يصله من معطيات حسية وحقائق صلبة.

    هـ) هذا العقل جزء لا يتجزأ من الطبيعة/المادة، أي أن الحيز الإنساني ليس له وجود مستقل، ولهذا السبب تسري على عقل الإنسان القوانين المادية العامة التي تسري على الأشياء، فهو لا يتمتع بأي استقلال عنها ومن ثم فلا هوية له ولا شخصية ولا حدود (حدوده تتطابق تماماً مع حدود الطبيعة/المادة)، وهو مثل الطبيعة يتحرك في إطار القانون المادي العام ويرى العالم في إطار التشابه والتجانس. وهذا هو المعنى الحقيقي للقول بأن ثمة تقابلاً بين قوانين العقل وقوانين الواقع، وبين الذات والموضوع.

    و ) ولهذا السبب نفسه، فإن العقل قادر على التعامل مع العالم الموضوعي الخارجي، أي العالم المحسوس، بكفاءة بالغة، أما حينما يتعامل مع عالم الإنسان الداخلي، فهو أقل كفاءة.






  6. #106
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي



    2 ـ الواقع:

    أ ) الواقع الموضوعي (الطبيعة) واقع خام بسيط (يأخذ في أغلب الأحوال شكل ذرات متحركة)، وهو مجموعة من الحقائق الصلبة والوقائع المحددة (التي تنطبع على العقل).

    ب) ثمة قانون طبيعي واحد يسري على الظواهر الطبيعية وعلى الظواهر الإنسانية، وعلى جسد الإنسان وعقله، وعلى الأمور المادية والمعنوية. وهذا يعني أيضاً أن تُعامَل الظاهرة الإنسانية تماماً مثلما تُعامَل الظواهر الطبيعية، وتُزال الفروق بين الإنسان والطبيعة بحيث يتحول الإنساني إلى طبيعي، أي أن الموضوعية تَصدُر عن الإيمان بوحدة (أي واحدية) العلوم بحيث يصبح الإنسان موضوعاً لا يختلف عن الموضوع الطبيعي، يُوصَف ويُرصَد من الخارج وتُستخدَم مناهج العلوم الطبيعية لدراسته.

    جـ) الحقائق، لهذا السبب، عقلية وحسية (فالعقل جزء من الطبيعة) وقابلة لأن تُعرَف من جميع جوانبها، والموجود هو ما نحسه ونعقله وما وراء ذلك فأوهام. المعرفة، إذن، عقلية وحسية فقط (ولكن العقلي والحسي متقابلان فهما شيء واحد).

    د ) أجزاء الواقع الموضوعي تترابط من تلقاء نفسها حسب قوانين الترابط الطبيعية/المادية العامة، وحسب حلقات السببية الواضحة المطلقة، وبشكل صلب لا تتخلله ثغرات أو فجوات، فكل شيء يدخل شبكة السببية الصلبة ومن ثم يمكن رد كل الأجزاء المتعينة المتفردة إلى الكل العام المجرد.

    هـ) هذه السببية كامنة في الأشياء أو لصيقة بها تماماً.







  7. #107
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي




    3 ـ الإدراك:

    أ ) عملية الإدراك تدور في إطار المرجعية المادية الكامنة، ولذا فهي عملية اتصال بسيطة مباشرة (جسدية مادية؟) بين صفحة العقل البيضاء والواقع البسيط الخام (منبه فاستجابة)، وهي عملية محكومة مسبقاً بقوانين الطبيعة/المادة، تلك القوانين التي تسري على الإنسان سريانها على الأشياء.

    ب) وهي عملية تلقٍ موضوعية مادية تراكمية (ذرية) إذ يقوم العقل بتلقي الحقائق الصلبة والوقائع المحددة المتناثرة التي تأتي من الواقع الموضوع الطبيعي/المادي الذي يتراكم فوق عقل الإنسان.

    جـ) وبإمكان هذا العقل أن يقوم بعمليات تجريبية، أي أن يختار عناصر من الواقع ويستبعد عناصر أخرى ثم يربطها ببعضها البعض. ولكنه، حتى في نشاطه هذا، لا يمكنه أن يكون مستقلاً عن قوانين الطبيعة/المادة. ولذا، سيختار العقل (بشكل تلقائي أو آلي) الجوانب العامة والمشتركة والمتشابهة في الظواهر (فهي وحدها المحسوسة والقابلة للقياس والنظر العقلي) وهي التي تساعد على التوصل إلى القانون العام.

    د ) ونحن حين نقول «العقل يربط» فهـذا من قبيـل التـجاوز. فالأشياء ـ كمــا أسلفنا ـ مرتبطـة في الواقــع برباط السببية الواضح. والواقع والمعطيات الحسية ترتبط في عقل الإنسان من تلقاء نفسها، بشكل آلي، حسب قـوانين الترابط الماديــة الأليـة العـامة. إذ تترابط الأحاسيس الجزئية وتتحوَّل إلى أفكار بسيطة، ثم تترابط الأفكار البسيطة لتتحوَّل إلى أفكار مركبة تترابط بدورها لتصبح أفكاراً أكثر تركيباً، وهكذا حتى نصل إلى الأفكار الكلية.

    هـ) عملية الإدراك عملية عامة لا تتأثر بالزمان والمكان أو بموقع المدرك من الظاهرة.

    و) العقل قادر على زيادة التجريد إلى أن يصل إلى القوانين العامة للحركة ويصوغ هذه القوانين في لغة بسيطة عامة يُستحسن أن تكون لغة الجبر، حتى لا تختلف لغة الإفصاح من مدرك لآخر.

    4 ـ بعض نتائج الموضوعية )المادية:(

    تُلغي الموضوعية (المادية) كل الثنائيات، وخصوصاً ثنائية الإنسان والطبيعة، وتُرجِّح المرجعية الكامنة الموضوعية على المرجعية الكامنة الذاتية:

    أ ) تدور الموضوعية (المادية) في إطار الواحدية السببية (المرتبطة تمام الارتباط بوحدة [أي واحدية] العلوم)، فثمة سبب واحد أو عدة أسباب لتفسير كل الظواهر.

    ب) ثمة إيمان بضرورة الوصول إلى درجة عالية من اليقينية وشمولية التفسير تتفق مع الواحدية السببية.

    جـ) تنقل الموضوعية (المادية) مركز الإدارك من العقل الإنساني إلى الشيء نفسه، ولذا فإن هناك اتجاهاً دائماً نحو تأكيد الحتميات الموضوعية المادية المختلفة.

    د) تستبعد النماذج الموضوعية (المادية) الإنسان كعامل قادر على تَجاوُز المعطيات المادية حوله، بل ترده في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير لهذه المعطيات.

    هـ) الموضوعية (المادية) لا تعترف بالخصوصية، ومنها الخصوصية الإنسانية، فهي تُركِّز على العام والمشترك بين الإنسان والطبيعة، ولذا فإن الفكر الموضوعي يُعبِّر عن نفور عميق من الهوية والخصوصية.

    و ) لا تعترف الموضوعية (المادية) بالغائيات الإنسانية ولا بالقصد، فالغائيات لا يمكن دراستها أو قياسها، كما أنها مقصورة على الإنسان دون عالم الطبيعة، ولذا تستبعد الموضوعية فكرة المعنى.

    ز ) لا تعترف الموضوعية (الماديـة) بالإبهـام، فهـي تُفضِّل الدقـة الكميـة التي يمكــن استخدامها في دراسة كلٍّ من الإنسـان والطبيعـة، ولذا فهـي تستــبعد،بقـدر الإمكان، عناصر الإبهام وعدم التحدد في الطبيعة والإنسان.

    ح) تفضل الموضوعية (المادية) البراني (فهذا هو المشترك بين الإنسان والحيوان) وتهمل الجواني.

    ط) دوافع الإنسان بسيطة واضحة برانية مستمدة إما من البيئة الاجتماعية أو من العناصر الوراثية، وهي دوافع يمكن رصدها ببساطة.

    ي) المعرفة نتاج تراكم براني للمعلومات.

    ك) يمكن تفسير سلوك الإنسان وأفكاره في إطار التأثير والتأثر (البراني) لا التوليد أو الإبداع (الجواني).

    ل) تفضل الموضوعية الاستمرار (استمرار عالم الطبيعة والإنسان كعنصر أساسي في وحدة العلوم) وترفض الانقطاع (أي تَميُّز الإنسان عن الطبيعة)، أو تنظر له بكثير من الشك.

    م ) الالتزام بالموضوعية (المادية) يعني أن يتجرد الباحث من ذاتيته وخصوصيته الحضارية بل الإنسانية، ومن عواطفه وحواسـه وحسه الخلقي وكليته الإنسـانية، بحيث يمكنه أن يُسجِّل ويصـف بحياد شديد لدرجة تموت معها الأشياء، ويتشـيأ الإنسـان ويُرصَد من الخارج كما تُرصَد الأشياء. فالالتزام يُعبِّر عن موقف مسـبق قد يؤثر في الرؤية الموضوعية، كما أنه يفترض غائية إنسانية لا أساس لها في الطبيعة/المادة.







  8. #108
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي



    5 ـ الموضوعية (المادية) والنموذج التراكمي:

    النموذج الكامن في الرؤية الموضوعية (المادية) نموذج تراكمي:

    أ ) فثمة إيمان بأن كل المشتركين في العلوم (إن توافرت لهم الظروف الموضوعية) يفكرون بنفس الطريقة ويسألون نفس الأسئلة، وهذا يعني أن ثمة حقيقة موضوعية ثابتة واحدة نحاول الوصول إليها جميعاً وبنفس الطريقة، وهو ما يؤدي إلى تراكم الإجابات وتشابكها على مستوى الجنس البشري بأسره، وهذا التراكم والتشابك سيؤدي إلى تزايد رقعة المعلوم تدريجياً ويؤدي بالتالي إلى تَقلُّص رقعة المجهول.

    ب) عملية التراكم ستوصلنا إلى نموذج النماذج، القانون العام، الإجابة الكلية (النهائية)، فما هو مجهول في الطبيعة (المادية والبشـرية) هو أمر مؤقت، إذ سـيصبح من خـلال تراكم المعلومات معلوماً، وتتراجع رقعة المجهول، وسيؤدي تزايد رقعة المعلوم والتراكم المعرفي المستمر إلى سد كل الثغرات والتحكم الكامل أو شبه الكامل وإلى معرفة الطبيعة البشرية المادية معرفة كاملة أو شبه كاملة بحيث تصبح كل الأمور (إنسانية كانت أم طبيعية) أموراً نسبية مادية معروفة ومحسوبة ومبرمجة، ويصبح العالم مادة استعمالية لا قداسة لها.

    جـ) يُحكَم على المعرفة من منظور مدى قُربها أو بُعدها من النقطة النهائية الواحدية التي يتحقق فيها القانون العام وتتطابق الكليات مع الجزئيات.

    د ) هدف الإنسان من الكون هو عملية التراكم والتحكم هذه، وهدف العلم هو السيطرة على الأرض وهزيمة الطبيعة وتسخير مواردها وتحقيق الهيمنة الكاملة للإنسان على الطبيعة. ولتحقيق هذا، لابد من إدخال كل الأشياء (الإنسان والطبيعة) في شبكة السببية الصلبة والمطلقة حتى يتم شرحها وإخضاعها للقوانين الطبيعية. ويعني تزايد الدراسة الموضوعية تزايُّد التحكم وصولاً إلى الفردوس الأرضي ونهاية التاريخ أو على الأقل إلى النظام العالمي الجديد.

    هـ) العقل قادر على إعادة صياغة الإنسان وبيئته المادية والاجتماعية في ضوء ما تراكم عنده من معرفة وبما يتفق مع القوانين الطبيعية العامة التي أدركها الإنسان من خلال دراسته الموضوعية لعالم الطبيعة والأشياء (وهذا ما يسمى عملية الترشـيد، أي تنمـيط الواقع من خـلال فرض الواحدية المادية عليه حتى يمكن التحكم الكامل فيه ثم حوسلته، أي تحويله إلى وسيلة ومادة استعمالية يمكن توظيفها بكفاءة عالية كما يمكن تعظيم فائدتها(.

    ويُلاحَظ أن ثمة استقطاباً حاداً في كل المنظومات الحلولية الكمونية المادية. يتضح هذا في الاستقطاب بين الموضوعية (في تأليهها للكون وإنكارها للذات) والذاتية (في إنكارها للكون وتأليهها للذات). فالموضوعية تَفترض أن الواقع معقول وأنه مكمن الحقيقة وأنه يمكن معرفته وتفسيره في ضوء القوانين العامة التي يستخلصها الإنسان من خلال إذعان الذات للموضوع. أما الذاتية فترى أن الواقع غير موجود أو لا يمكن الوصول إليه ولا يمكن إدراكه أو تفسيره ولا يمكن التوصل إلى أية قوانين أو حقائق عامة، ومن ثم تصبح علاقة الذات بالموضوع واهية، وقد تختفي تماماً.







  9. #109
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي




    وقد واجه الفلاسـفة مشكـلة الاسـتقطاب الحـاد بين الذات والموضوع (الواحدية الذاتية والواحدية الموضوعية)، وطُرحت القضية التالية: هل الذات قادرة على معرفة الموضوعات، أم أن الموضوعات برانية بحيث لا يمكن الوصول إليها؟ وهل الذات هي مقياس حقيقة الأشياء (أي معقوليتها) أم أن الموضوع يحتوي نظامه (ومعقوليته) دون ارتباطه بالذات الإنسانية؟ وقد حاول كثير من فلاسفة القرن العشرين حل إشكالية ثنائية الذات والموضوع عن طريق إلغائها تماماً، فقالوا بعدم انفصال الذات عن الموضوع، فالموضوع ليس شيئاً مستقلاً عن الإرادة البشرية وإنما هو الفعل الناجم عن ممارسة القوة (فلسفات القوة). وقال البعض الآخر إن الفعل ليس هو في ذاته ولكنه نتائج وآثار الفعل (الفلسفة البرجماتية). والأمر عند فريق ثالث لا هذا ولا ذاك وإنما هو ما يتجه نحوه الوعي (الفلسفة الفينومينولوجية). ومن ثم، فإن الذات لا وجود لها خارج الموضـوع، وهي تستمد وجودها من تقابلها معه.

    ولكن، ورغم الاستقطاب الشديد، فإن ثمة نقط تشابه بين الذاتية والموضوعية، فكلاهما يدور في إطار الحلولية الكمونية التي تفترض وجود مركز الكون داخله (الذات أو الموضوع)، ومن ثم فإن كليهما واحدي يُلغي المسافة وإمكانية التجاوز. وتؤكد الموضوعية (المادية) أن الأشياء المحسوسة مادية ولها وجود موضوعي. ولكن هل العلاقة بين هذه الأشياء المحسوسة علاقة مادية وموضوعية تماماً أم أن رصدها يتطلب إجراء عمليات عقلية (ذاتية) تختلف من شخص لآخر؟ وجوهر الموضوعية هو الاستقراء، أي التعميم من عدد من الحالات الموضوعية، ولكن يمكننا أن نسأل: كيف يَحق للإنسان أن ينتقل من عدد من الظواهر الفردية إلى كل الظواهر التي تندرج تحت هذا النوع في الماضي (الذي لم يرصده الإنسان) والحاضر (الذي رصد بعض حالاته) والمستقبل (المجهول تماماً)؟ ألا يشكل هذا الانتقال شكلاً من أشكال الإيمان بالثبات؟ وإذا كانت الحواس الفردية للإنسان مصدر المعرفة، فهل هي مصدر يمكن الاعتماد عليه؟ كل هذا يُبيِّن أن الحديث عن معارف كلية يقينية (نتوصل إليها من خلال عمليات الربط والتعميم) أمر يتنافى مع الموضوعية، وأن أي حديث عن معرفة نتوصل إليها من خلال الحواس يفتقد إلى المصداقية، ولذا تنحل الموضوعية في اتساقها مع نفسها وتسقط في ذاتية كاملة إذ أن كل واحد فينا (حسب الرؤية الموضوعية المادية نفسها) حبيس حواسه وحبيس التفاصيل التي يرصدها.

    ويمكن أن تحل الموضوعية (المادية) هذه الإشكالية بأن تُضيِّق نطاقها بقدر المستطاع فتقتصر وظيفتها على تعريف الظواهر ووصفها واكتشاف قوانينها (المادية) وترتيب القوانين من الخاص إلى العام، وتحل الملاحظة محل الخيال والتأمل والاستدلال النظري، وتقوم التجربة المادية مقام التصورات والافتراضات. ثم تضيق الحلقة وتصبح الموضوعية (المادية) هي تسجيل التفاصيل والحقائق المتناثرة. وفي هذه الحالة، تصبح الموضوعية موضوعية متلقية سلبية لا تستطيع التمييز بين مختلف المعطيات الحسية والمعطيات العقلية. ويصبح الرصد الموضوعي رصداً لأمور غير مهمة وربما تافهة ولكنها، مع هذا، "موجودة" موضوعياً ومادياً في الواقع. ويمكن أن يكون الرصد أفقياً بمعنى أن تُوضَـع كل التفاصيل جنباً إلى جنب دون ربط أو ترتيب هرمـي. كما يمكن أن تصبح الموضوعية (المادية) احتمالية تماماً، تضع الحقائق والتعليمات دون أن تَنسب لها أي ثبات. ولهذا يجب ألا يُطرَح السؤال على هذا النحو: هل الحقائق موجودة بالفعل أم لا؟ وإنما يجب أن يُطرَح بهذه الطريقة: ما دلالة الحقائق ومعناها وأهميتها؟ وهل تستحق التسجيل أم لا؟ فإن قلنا مثلاً إن الأساتذة الجامعيين يلبسون بذلاً زرقاء أما غيرهم فيلبسون بذلاً خضراء، فهل يصلح هذا أساساً لتصنيف أساتذة الجامعة؟






  10. #110
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي



    إن أساس اختيار الحقائق أكثر أهمية ودلالة من الحقائق في ذاتها. وكم المعلومات (مهما تضخَّم) لا علاقة له بالصدق أو الدلالة، فالصدق والكذب ليسا كامنين في الحقائق الموضوعية (أي من حيث هي كذلك) وإنما في طريقة تناولها وفي القرار الخاص باختيارها أو استبعادها. ومن هنا قولي بأن الحقائق شيء والحقيقة شيء آخر والحق شيء ثالث. فالحقائق أشياء مادية صرفة تُوجَد في الواقع على هيئة تفاصيل متناثرة منعزلة عن ماضيها التاريخي وسياقها الحاضر وعن الحقائق الأخرى، أما الحقيقة فهي لا توجد في الواقع وإنما يقوم العقل المبدع بتجريدها واستخلاصها من خلال عمليات عقلية تُجرَى على كم المعلومات والوقائع والحقائق المتناثرة فيقوم العقل بربط الوقائع والحقائق والتفاصيل ببعضها البعض الآخر ويراها في علاقتها بالحقائق المشابهة ومعارضتها للحقائق الأخرى كما يربطها بماضيها التاريخي وواقعها الاجتماعي ثم يربطها بحقائق وأنماط مماثلة حتى يصل إلى النموذج التفسيري الذي يُفسِّر أكبر قدر ممكن من الحقائق المتناثرة (أما الحق، فهو ينتمي إلى عالم المُثُل والإيمان وهو يشكِّل المنظور الأخلاقي [المطلق] الذي لا يجده الإنسان جاهزاً في الواقع المادي وإنما يُحاكم على أساسه كلاًّ من الحقائق المادية والحقيقة الفكرية العقلية).

    ولنضرب مثلاً مثيراً من واقع أعضاء الجماعات اليهودية يبرهن على انعدام جدوى عملية الرصد الموضوعي (المتلقي) مهما بلغ من دقة وأمانة ونزاهة. ولنتخيل باحثاً (سنشير إليه بعبارة «الباحث الافتراضي») قرر أن يتخذ موقفاً موضوعياً تماماً من هجرة أعضاء الجماعات اليهودية وأن يرصدها بأمانة. سيبدأ هذا الباحث الافتراضي بعمل جدول يدرج فيه أسماء الجماعات اليهودية في العالم، وبجانب كل جماعة سيدرج الأرقام الخاصة بعدد اليهود الذين هاجروا منها ثم قد يضيف جدولاً آخر بأسماء البلاد التي هاجروا إليها. وقد يقرر أن يعمل جدولاً تاريخياً يضم أسماء الجماعات اليهودية وأسماء البلاد التي هاجروا إليها وتواريخ الهجرة والنسب المئوية المختلفة. وستكون النهاية أو الثمرة جدولاً ضخماً أو عدة جداول ضخمة أو متوسطة الحجم. ولا شك في أن مثل هذه الجداول، باختلاف أحجامها وأشكالها مرحلة أساسية في عملية الرصد. ولكن أن نكتفي بهذه الخطوة، فهذا هو التلقي السلبي بعينه، فالجدول قد يحتوي على كل شيء ولكنه لا يقول شيئاً، إذ يجب أن يُنظَر له باعتباره مادة خام، مجرد حقائق، يتعامل معها العقل لا كنهاية في حد ذاتها وإنما كي يفسرها ويجردها ويستخرج الأنماط منها حتى نصل إلى الحقيقة، ولكن لا يمكن أن نتصور أن المادة الخام هي النمط وأن الحقائق هي الحقيقة. ولكن صاحبنا، الباحث الموضوعي الافتراضي الذي أشرنا إليه، يكتفي بالرصد ولا يُعمل عقله ولا يجتهد ولا يسأل ولا يطرح الإشكاليات ولا يربط ولا يجرد ولا يبقي ولا يستبعد، ولعله لو فعل لاكتشف أن هجرة اليهود في العالم القديم لم تكن مجرد أرقام متراكمة بلا شكل أو اتجاه وإنما جزءاً من نمط، فقد كانت في معظم الأحيان هجرة من المناطق المتقدمة إلى المناطق المتخلفة، ولاكتشف أن هذا النمط انعكس مع بداية القرن السادس عشر. ولاكتشف أيضاً أن أعضاء الجماعات اليهودية لا يهاجرون والسلام وإنما يتحركون عادةً داخل حدود إمبراطورية ما، تُيسِّر لهم الحركة وتؤمِّنهم، وأن هذا ما حـدث لهم في العصر الحديث مع التشـكيل الاسـتعماري الإمبريالي (الإمبراطوري) الغربي، وأن ما يحدد حركتهم (هجرتهم) هو حركيات التشكيل الاستيطاني الغربي. ولذا هاجر 80% من المهاجرين اليهود في العالم الغربي إلى الولايات المتحدة (تماماً كما هاجر 85% من مهاجري العالم الغربي إليها). ولعل باحثنا الافتراضي هذا لو أعمل عقله قليلاً لاكتشف أن أعضاء الجماعات اليهودية لم يتحركوا داخل هذا التشكيل الاستعماري الغربي على وجه العموم وإنما داخل التشكيل الأنجلو ساكسوني على وجه التحديد، ومن هنا تواجدهم المكثف في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وجنوب أفريقيا، ومن هنا أيضاً إسرائيل، فهي ليست جزءاً من الحركة العامة لليهود وإنما هي جزء من التشكيل الاستعماري الأنجلو ساكسوني. الرصد الموضوعي سيُعطي كل البيانات ويُرهقنا تماماً (حقائق بلا حقيقة)، أما الاجتهاد فسيُعطينا الحقائق داخل أنماط قد لا تضم كل الحقائق وقد لا تنطق بكل الحقيقة ولكنها بلا شك ستُفسِّر لنا كثيراً من جوانب الواقع.

    والافتراضات التي يستند إليها الفكر الموضوعي تنبع من العقلانية المادية لعصر الاستنارة، وقد ثبت أنها افتراضات إما خاطئة تماماً أو بسـيطة إلى درجـة كبيرة، ولذا فمقـدرتها التفسـيرية ضعيفة. وهذا يعود لعـدة أسباب:







 

صفحة 11 من 54 الأولىالأولى ... 7891011121314152141 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء السادس
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 61
    آخر مشاركة: 2010-10-27, 05:20 AM
  2. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الخامس
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 60
    آخر مشاركة: 2010-10-26, 05:58 AM
  3. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الرابع
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 2010-10-25, 05:39 AM
  4. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الثالث
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 69
    آخر مشاركة: 2010-10-25, 05:31 AM
  5. اليهود واليهودية والصهيونية والصهاينة الجزء الثاني
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 96
    آخر مشاركة: 2010-10-25, 05:04 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML