وفي العالم العربي يسود تصوُّر مفاده أن بعض المفكرين العرب (وخصوصاً مسيحيي الشام) قام "بنقل" الأفكار العلمانية الغربية وأنهم "تسببوا" بذلك في نشر العلمانية في بلادنا. بل يذهب البعض إلى أن عملية نقل وتطبيق الأفكار العلمانية تتم من خلال مخطط محكم (أو ربما مؤامرة عالمية يُقال لها أحياناً «صليبية» أو «يهودية» أو «غربية»). ويذهب دعاة هذه الرؤية إلى أن الأفكار العلمانية ظهرت في أوربا المسيحية بسبب طبيعة المسيحية باعتبارها عقيدة تفصل الدين عن الدولة، وبسبب فساد الكنيسة وسطوتها ولولا فساد الكنيسة لما ظهرت العلمانية. فالعلمانية من ثم ظاهرة مسيحية مرتبطة ارتباطاً كاملاً بالغرب المسيحي، لا علاقة للإسلام والمسلمين بها. ولذا تصبح مهمة من يود الحرب ضد العلمانية هي البحث عن الأفكار العلمانية والممارسات العلمانية (الواضحة) وعن القنوات التي يتم من خلالها نقل الأفكار والانغماس في الممارسات العلمانية. ومهمة من يبغى الإصلاح هي ببساطة استئصال شأفة هذه الأفكار والممارسات، يساعده في هذا البوليس السري والمخابرات العامة.
ولا يمكن أن نقلل أهمية الأفكار والممارسات العلمانية الواضحة، فهي تساعد ولا شك على تَقبُّل الناس للمُثُل العلمانية، وخصوصاً إذا أشرف على عملية نقل الأفكار وفرض الممارسات مؤسسة ضخمة مثل الدولة المركزية. ولكن مع هذا يظل تَصوُّر العلمانية باعتبارها مجموعة أفكار وممارسات واضحة تصوراً ساذجاً، ويشكل اختزالاً وتبسيطاً لظاهرة العلمانية وتاريخها، وللظواهر الاجتماعية على وجه العموم.
المفضلات