8 ـ ويرتبط بقضية المنظوروالدوافع والتوقعات والمعنى قضية حدود الآخر. فنحن، حينما ندرس الآخر، عادةً مانسقط في عملية اختزالية:
أ ) نسقط فيما أسميه «النصوصية»، أي أن يفترضالباحث أن ما ورد في الكتب المقدَّسة لليهود يكفي أن يكون نموذجاً تفسيرياً لسلوكاليهود.
ب) عادةً ما نأخذ تصـريحات الإسـرائيليين باعتبـارها تعـبيراً عندوافعهم وخططهم الحقيقية وليست مجرد مزاعم وآمال. ثم تتشيأ النصوص المقدَّسةوالتصريحات وتتحول من الدوافع الكامنة، والمُخطَط المُبيَّت، لتصبح القوة الذاتيةوأخيراً الواقع الموضوعي. وبذا، تتم المساواة بين الزعم والآمال وبين التوقعاتوالواقع. كل هذا يؤدي إلى إهمال حقيقة بديهية وهي أن الآخر قد يفشل في إدراك دوافعهالحقيقية (بسبب التزامه الأيديولوجي)، وأنه قد يعني ما يقول ويصدقه ولكنه مع هذا لايعبِّر عن دوافعه الكامنة الحقيقية التي تحركه لأنه لا يستطيع أن يواجه نفسه. وهناك، إلى جانب ذلك، الادعاء الواعي إذ قد يكون من صالح الشخص أن يعلن مزاعمهويخبئ دوافعه حتى يخدم مصلحته. فقد يزعم المهاجر اليهودي أنه هاجر بسبب رغبتهاليهودية العارمة النبيلة في العودة إلى أرض الميعاد ليخبئ دوافعه الخسيسة في الهربمن البطالة والبحث عن الحراك الاجتماعي والحصول على الدعم الصهيوني السخي لمنيستوطن في صهيون. وقل نفـس الشـيء عن القـوة الذاتية. فمزاعم الآخر عن قوته قد تكونخاطئة تماماً وقد تكون تزييفاً واعياً. وحينما صرح الصهاينة أن عدد المهاجريناليهود من الاتحاد السوفيتي في موجة الهجرة الأخيرة سيصل إلى الملايين، فلعلهمكانوا مخلصين فيما يقولون ولكنهم فشلوا في تقييم موقف اليهود السوفييت وعوامل الطردوالجذب العامة والخاصة التي تتجاذبهم، ولعل آمالهم الأيديولوجية قد ضللتهم. وهناكاحتمال أن يكون الصهاينة قد قاموا بتضليل الجميع عن عمد حتى يتم تخويف العرب (فيسرعوا إلى مائدة المفاوضات) وحتى تزيد الولايات المتحـدة (ومن ورائها يهودالعـالم) من دعمها المادي والسـياسي. ومن المعروف أن الملايين المزعومة منالمهاجرين لم تصل.
وقل نفس الشيء عن مخططات الاستيطان في الضفة الغربيةالتي كانت تطمح إلى توطين مئات الألوف (على أمل أن يصل عدد المسـتوطنين إلى ثلاثةأرباع المليون). وقد حرص الصهاينة على إعلان هذه المخططات على المـلأ. ولكن منالمعروف أن هذه المخططات لم تتحقق. فلعل من أدلوا بهذه التصريحات لم يدركوا أنمصادر الهجرة اليهودية في العالم قد بدأت تجف، وأن يهود العالم مستقرون في بلادهممندمجون فيها، وخصوصاً في العالم الغربي، وأن الولايات المتحدة تمثل نقطة الجذبالكبرى لمن يريد أن يهاجر منهم، وأن كل هذا يضع قيوداً بنيوية على تحقيق المخططاتويؤدي إلى إفشالها. ومن المحتمل أنهم كانوا مدركين تماماً لأبعاد الموقف وأصدرواالتصريحات بهدف التخويف وجمع الأموال أيضاً.
ولذا، فإن من المهم بمكان أننقرر ما إذا كان الزعم الصهيوني يُعبِّر عن آمال الصهاينة بإخلاص أم أنه ادعاءصهيوني كاذب وواع، فلو كان أملاً فسيؤثر في خطة عمل صهيونية، أما إذا كان ادعاءًواعياً أو أكذوبة فلابد أن يسقط من الاعتبار لأن الهدف منه هو تضليلنا. وعلينا بعدذلك أن نقرر إن كانت الآمال تتطابق مع الواقع أم لا، ومدى إمكان تحقيقها، وذلكبدلاً من السقوط في قبضة تشيؤ المزاعم والتصريحات والنصوص المقدَّسة.
المفضلات