ويُلاحظ ماركوز أن الديباجات الفردية التي تستخدمها الإعلانات هي قناع ماكر يخبئ عملية فرض الأنماط الاستهلاكية الجمعية التي توحي للمستهلك بأن يقلد الآخرين وأن يتبع الموضات وآخر الصيحات، فكأن الفردية هنا هي قناع لعملية ترشيد كاملة لباطن الإنسان تُدخل في روعه أن هذا الحلم هو حلمه وحده، وأن هذه السلعة سبيله الوحيد لتحقيق ذاته، مع أنه في واقع الأمر وسيلة تجعل تطلعاته وأحلامه مثل تطلعات وأحلام الآخرين، وبذا يمكن للآلة الاستهلاكية الاستمرار في الدوران. إن المستهلك أحادي البُعد هو شيء أنيق الملبس يستهلك كل السلع المطلوب منه أن يستخدمها، داخل إطار مجتمع يتم إدارته من الداخل والخارج بطريقة هندسية رشيدة غير ديموقراطية. ومع هذا (وهنا تكمن قوة المجتمعات الاستهلاكية)، يظن الإنسان أنه يمارس حريته وفرديته، فمجال الاختيار في عالم السلع واسع لأقصى حد. ولكن هذا يخبئ الحقيقة الأساسية وهو أن مجال الاختيار في الأمور المهمة (المصيرية والإنسانية والأخلاقية) قد تقلص تماماً واختفى، وأن هذا الإنسان فقد مقدرته على التجاوز وعلى نقد المجتمع وأصبحت عنده مقدرة عالية على التكيف وقبول الأمر الواقع والإذعان له. ويسمي ماركوز هذه المجتمعات «مجتمعات ديموقراطية لا تتمتع بالحرية»، أي مجتمعات شمولية نجحت في أن تجعل الجماهير تستبطن الرؤية السائدة في المجتمع وتسلك حسبها دون قمع بوليسي براني، بحيث يرى الإنسان أن الهدف من الحياة هو تَزايُد التحكم في الطبيعة وتَراكُم السلع وبذا يسود ضرب من " غياب الحرية في إطار ديموقراطي سلس معقول " (بالإنجليزية: سموث ريزنابل ديموكراتيك أنْ فريدم smooth reasonable democratic unfreedom).
ويرسم هوركهايمر صورة للإنسان الحديث لا تختلف عن تلك التي رسمها ماركوز. فهو يرى أن الإنسان الحديث تم تحريره من المعايير المطلقة للمجتمع التقليدي، ولكن الثمرة لم تكن إيجابية إذ ظهر إنسان تم تنقيته من كل المبادئ باستثناء مبدأ السعادة وإمتاع الذات، وتم تفـريغه من كل المقاصـد والقـيم إلا مقـصد البقاء وحفظ النفس، وأصبح إنساناً مفرغاً من كل محتوى ومعيار باستثناء تلك المتعلقة بحساب الوسائل، وأصبح عاجزاً تماماً عن تقـييم الخـيارات المطروحة أو إدراك حقـيقة التشوهات الحـاصلة بغية تصويب الأخطاء وتصحيح الحلول. بذلك لم تَعُد لديه أية قدرة على تجاوز ذاته الضيقة أو الظروف المحيطة به ولم تَعُد لديه المقدرة على النظر إليها بشكل نقدي، وأصبحت المقدرة الأساسية عنده هي القدرة على التكيف مع القوى الاجتماعية المهيمنة وأداء الوظيفة الموكلة له، ولم يعد لديه من حريات سوى حرية اختيار بديل من البدائل المتوافرة التي يقع اختياره عليها بعد الانغماس في حسابات رشيدة تدور داخل الإطار المُعطَى، ولذا فهي حسابات رشيدة إجرائية لا علاقة لها بالمضمون ولا بالأهداف النهائية.
والإنسان ذو البُعد الواحد هو ذاته الإنسان الطبيعي (الإنسان الاقتصادي والجسماني)، وهو إنسان بسيط يعيش داخل نطاق الطبيعة لا يملك لها تجاوزاً، يسري عليه ما يسري عليها من قوانين، إنسان فقد تماماً العقل النقدي المُتجاوِز، وهو أيضاً الإنسان الوظيفي الذي يُعرَّف في ضوء وظيفته التي تُوكَل إليه، وهو الإنسان الذي تم ترشيده وتدجينه في إطار العقلانية المادية التكنولوجية. ورغم أن ماركوز يخصص أحياناً ويتحدث عن الإنسان ذي البُعد الواحد باعتباره ظاهرة رأسمالية، إلا أنه، في معظم الأحيان، يراه باعتباره ظاهرة خاصة بالمجتمع الحديث ككل.
المفضلات