البابالثانى: إشكالية الوحدة اليهودية والنفوذ اليهودي
الوحدة اليهودية
Jewish Unity
«الوحدة اليهودية» عبارة تفترض أن ثمة وحدة تربط بين أعضاء الجماعات اليهودية كافة في كل زمان ومكان، وأن هذه الوحدة تتمثل في وحدة الهوية والشـخصية والسـلوك، وفي أشـكال مختلفة من التضامن، وفي نهاية الأمر في القومية اليهودية وفي الشعب اليهودي الواحد ذي الهوية الواحدة المستمرة وكذلك في التاريخ اليهودي الواحد. ويذهب البعض إلى القول بوجود عرْق يهودي واحد. وينتهي هذا الافتراض إلى أن اليهود حافظوا على هذه الوحدة منذ خروجهم من مصر الفرعونية حتى يومنا هذا. وقد فُسِّر مصدر هذه الوحدة تفسيرات عدة، فالصهاينة الدينيون يرون أن مصدر الوحدة هو حلول الروح الإلهية أو الشخيناه وكمونها في الشعب اليهودي، فهي تَقطُن وسطهم، وهي التي تُحوِّلهم إلى شعب من الكهنة والقديسين، بينما يرى الصهاينة اللادينيون أن مصدر وحدة اليهود هو الجوهر اليهودي الكامن في كل اليهود، أو هو نزعة معاداة اليهود في مجتمعات الأغيار، أو تَميُّز اليهود وظيفياً واضطرارهم إلى الاضطلاع بدور الجماعة الوظيفية الوسيطة وبالأعمال التجارية والربوية. ويميل الخطاب الصهيوني في الوقت الحاضر إلى تأكيد أن هذه الوحدة هي تعبير عن تَطلُّع قومي في حالة اللادينيين، وعن تَطلُّع قومي ديني في حالة الدينيين.
ولكن النموذج الصهيوني الاختزالي يختلف عن بنية الواقع التاريخي المُركَّب المتعيِّن لأعضاء الجماعات اليهودية، وهو واقع لا يتسم بالوحدة. فمن الناحية الدينية، تأخذ اليهودية شكل تكوين جيولوجي تراكمي غير متجانس تتعايش فيه العناصر المختلفة جنباً إلى جنب أحياناًً وتتفجر أحياناًً أخرى. وقد حدثت تَفجُّرات وانقسامات كثيرة من البداية، من أهمها ما كان يحدث داخل المملكتين العبرانيتين (المملكة الشمالية والمملكـة الجنوبية) من صراع بين عبادة يهوه وعبادة بعل، وصراع بين عبادة مملكة الشمال وعبادة مملكة الجنوب. وعند عودة بعض اليهود من بابل إلى فلسطين، حدث انقسام حاد بينهم وبين اليهود المقيمين الذين جاء منهم فريق السامريين. وقد انقسم اليهود دينياً بعد ذلك إلى صدوقيين وفريسـيين وأسـينيين، ثم ظهر الاحتجاج القرّائي على اليهودية الحاخامية، كما ظهرت الحركات المشيحانية المختلفة (وآخرها الحركة الحسيدية)، وهي حركات احتجاج ضد المؤسسة الحاخامية تنفي مفهوم الوحدة تماماًً. كما انفصلت بعض الجماعات اليهودية مثل الفلاشاه ويهود الهند عن اليهودية الحاخامية، وأصبح لها صيغ يهودية مختلفة جوهرياً عن الصيغة الحاخامية. وفي العصر الحديث، انقسمت اليهودية إلى فرق: اليهودية الإصلاحية، واليهودية المحافظة، واليهودية التجديدية، واليهودية الأرثوذكسية، واليهودية الأرثوذكسية الجديدة. وهناك، بطبيعة الحال، الانقسام بين الإشكناز والسفارد على المستوى الديني. وكثير من هذه الفرق قد تُكفِّر بعضها البعض وقد تجد أن الانقسام من الحدة بحيث تُقاطع الواحدة منها الأخرى، وهو ما يجعل الحـديث عن الوحـدة اليهودية أمراً صعباً. ومما زاد من تعميق هذا التفتت، غياب سلطة مركزية يهودية جماعية، دينية أو دنيوية، تُحدِّد المعايير لأعضاء الجماعات اليهودية.
المفضلات