ويرى دعاة هذا النظام أن بوسعه أن يحقق قدراً معقولاً من النجاح بسبب وسائل الإعلام الغربية (العالمية على حد قولهم) التى حوَّلت العالم (كما يظنون) إلى قرية صغيرة. فتدفُّق المعلومات يجعل المعلومات متاحة للجميع، الأمر الذي يحقق قدراً كبيراً من الانفتاح فى العالم وقدراً كبيراًمن ديموقراطية القرار. وقد أدَّى انهيار المنظومة الاشتراكية والتلاقي (كونفيرجنس convergence) بين المجتمعات الغربية الصناعية، واختفاء الخلاف الأيديولوجي الأساسي فى العالم الغربي، إلى تقوية الإحساس بأن ثمة نظاماً عالمياً جديداً وإلى أنه لم تعد هناك خلافات أيديولوجية تستعصي على الحل.
ويرى المدافعون عن هذا النظام أن الخطر الذى يتهدد الأمن لا يأتي من الخارج وإنما من الداخل، من قوى تقف ضد الديموقراطية وضد تأسيس المجتمع على أسس اقتصادية وعلى أسس التكيف مع النظام العالمي. هذه القوى هى التى تجر الداخل القومي إلى صراع مع الخارج الدولي بدعوى الدفاع عن الكرامة أو الاستقلالية أو الشخصية القومية أو الرغبة فى التنمية المستقلة. وهى تكلف الداخل ثمناً فادحاً. ومن المنطقي أن يتصوَّر المبشرون بهذا النظام أن القيادة فيه لابد أن تكون للقوة الاقتصادية العظمى، أى للمجتمع الصناعى الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية. وبالتالي، فإن الدول كلها يجب أن تنضوي تحت هذه القيادة. وثمة افتراض كامن بأن المجتمع الأمريكي (الذى يفترض أن الدافع الأساسي فى سلوك البشر هو الدافع الاقتصادي) لابد أن يصبح القدوة والمثل الأعلى.
هذا الكلام البسيط الجميل لابد أن تكون وراءه رؤية معرفية كاملة، فهذه هي طبيعة الخطاب الإنساني. وهنا قد يتعلل دعاة النظام العالمي الجديد بأنهم «عصريون نسبيون» لا يميلون إلى إطلاق التعميمات، ولا يؤمنون بأىة قيم ثابة أو مطلقات، ولا يتوجهون إلى الأسئلة المعرفية الكلية ولا يعترفون بوجود كليات، فكيف يمكن أن تُحدَّد أبعاده المعرفية النهائية إذن؟. وقد يقولون: "إننا دخلنا عصر ما بعد الأيديولوجيا وما بعد الحداثة وما بعد التاريخ بل ما بعد الإنسان؛ عصر الما بعديات السائلة التى تحل محل الماقبليات الجامدة المطلقة، فثمة سيولة فكرية في الفكر الحديث تتناقض بطبيعتها مع فكرة النسق الفكري المتكامل والقيم الكلية".
المفضلات