وقد يبدو هذا الحديث الفلسفي وكأنه غير ذي صلة بالتاريخالمتعيِّن. ولكن الأمر ليس كذلك، فهناك من يرى أن قيام النازية بإبادة الملايين (منالغجر والسلاف واليهود والأطفال المعوقين ومن المسنين) ممن صُـنِّفوا باعتبارهم "أفواهاً مستهلكة غير منتجة" (بالإنجليزية: يوسلس إيترز useless eaters) إنما هوأحد إنجازات العقلانية المادية التي "حرَّرت" النازية من أية أعباء أخلاقية مثالية (غير مادية) وتعاملت مع البشر بكفاءة بالغة وبمادية صارمة كما لو أنهم مادةاستعمالية نسبية تخضع لقوانين الطبيعة/المادة، فمن يحيد عنها (مثل الأطفال المعوقينوالرجال المسنين) لابد من التخلص منه في أسرع وقت وبأكثر الطرق كفاءة. أي أن العقلالمادي هنا قام بتفكيك البـشر بصـرامة بالغة وكفاءة مدهـشة، ونظر للجـميع بعيونزجـاجية وكأنه كمبيوتر متألِّه، يبلغ الغاية في الذكاء، لا قلب له ولا روح، يُحييويُميت.
ويمكننا القول بأن هناك نمطاً من الحكام الإرهابيين الثوريين لايختلفون كثيراً عن هتلر ويدورون في إطار العقلانية المادية؛ مثل روبسبيير الذي قامبتفكيك البشر في إطار «مصلحة الشعب» التي يقررها هو، فأباد الملايين من غيرالنافعين، ومثل ستالين الذي قام بتفكيكهم في إطار علاقات الإنتاج ومعدلات النموفأباد ملايين الفلاحين (الكولاك) الذين كانوا يعوقون عملية الإنتاج الماديةالحتمية. ويرى بعض مؤرخي الثورات التي تدور في إطار النماذج العقلانية المادية أنظهور مثل هذا الكمبيوتر المتأله مسألة حتمية، وأنه قد يأخذ (بعد استقرار الثورةوتحوُّلها إلى مؤسسات) شكل لجان خبراء ومستشارين. بل يرون أن هذه ظاهرة حتمية لصيقةبالمجتمعات الحديثة التي تُعرِّف النمو والتقدم والإنسان من منظور عقلاني مادي، وأنالتكنوقراطية ونظريات التلاقي ووحدة العلوم والاتجاه نحو التنميط والكوكلة والعولمةإنما هي تعبير عن هذا الاتجاه.
المفضلات