بديع منير

2010 / 1 / 23

أشار برنابا ( الذي كان رفيقاً لبولس ) إلى إنجيل متى في رسالته سبع مرات، واستشهد به أغناطيوس سنة 107م في رسائله سبع مرات، فذكر حبل مريم العجيب، وظهور النجم الذي أعلن تجسُّد المسيح. وكان إغناطيوس معاصراً للرسل، وعاش بعد يوحنا الرسول نحو سبع سنين، فشهادته من أقوى البيانات على صحّة إنجيل متى. واستشهد بوليكاربوس (تلميذ يوحنا الرسول) بهذا الإنجيل في رسالته خمس مرات، وكان هذا الإنجيل منتشراً في زمن بابياس (أسقف هيرابوليس) الذي شاهد يوحنا الرسول. كما شهد كثير من العلماء المسيحيين الذين نبغوا في القرن الأول بأن هذا الإنجيل هو إنجيل متى، واستشهدوا بأقواله الإلهية، وسلَّمه السلف إلى الخلف.

وفي القرن الثاني ألّف تتيانوس كتاب اتفاق الأناجيل الأربعة وتكلم عليه هيجسيبوس، وهو من العلماء الذين نبغوا في سنة 173م، وكتب تاريخاً عن الكنيسة ذكر فيه ما فعله هيرودس حسب ما ورد في إنجيل متى، وكثيراً ما استشهد به جستن الشهيد الذي نبغ في سنة 140م، وذكر في مؤلفاته الآيات التي استشهد بها متى من نبوات إشعياء وميخا وإرميا. وقِسْ على ذلك مؤلفات إيريناوس وأثيناغورس وثاوفيلس الأنطاكي وأكليمندس الإسكندري الذي نبغ في سنة 164م وغيرهم.
وفي القرن الثالث تكلم عليه ترتليان وأمونيوس مؤلف اتفاق البشيرين ويوليوس وأوريجانوس واستشهدوا بأقواله وغيرهم.

وفي القرن الرابع اشتبه فستوس في نسبة هذا الإنجيل بسبب القول: وفيما يسوع مجتاز من هناك رأى إنساناً عند مكان الجباية اسمه متى، فقال له: اتبعني. فقام وتبعه (متى 9: 9). فقال فستوس: كان يجب أن يكون الكلام بصيغة المتكلم، ونسي أن هذه الطريقة كانت جارية عند القدماء. فموسى كان يتكلم عن نفسه بصيغة الغائب، وكذا المسيح ورسله، وزينوفون وقيصر ويوسيفوس في مؤلفاتهم، ولم يشكّ أحدٌ في أن هذه الكتب هي كتبهم. وفي القرن الرابع زاد هذا الانجيل انتشاراً في أنحاء الدنيا .
________________________________

في البداية أود أن أنبّه إلى أن القس منيس عبد النور يستغل الجهل وعدم المعرفة لدى الكثيرين
وأصبح كتاب شبهات وهمية مصدراً وعوناً للمسيحيين البسطاء الذين لا يعلمون مدى سذاجة حجج القس منيس الواهية ، فتراهم أول ما يروا اعتراضا على الكتاب المقدس يهرعوا إلى كتابه لطلب النجدة ، وينقلوا منه ( قال اغناطيوس وقال اريناوس وقال فلان .... ) ، وأغلبهم لا يعرف من هو هذا ولا من هو ذاك ولا سمعوا عنهم في حياتهم .

يبدأ القس منيس بقول المعترض ( لا يوجد سندٌ متَّصل لإنجيل متى ) ، ثم يحاول القس أن يوهم أن لإنجيل متى سند متصل ، والمصيبة أن القس منيس يستغل الجهل وعدم المعرفة لدى الكثيرين ، فهو يعرف أنّ الأغلبية الساحقة من القرّاء وخصوصاً المسيحيين لا يعرفون ما هو "السند المتصل" ، فيستغل القس هذا الجهل ويبدأ بزجّ الأقوال وتجميعها من هنا وهناك فيظن القارئ أن منيس قد أجاب وأثبت السند المتصل ..

علينا تعريف السند المتصل بشكل مبسّط يفهمه الجميع

السند المتصل لإنجيل متى هو مثلاً أن يخبر تلاميذ متى - أو من لقي متى ورآه أو سمع منه - أنهم شاهدوا متى يكتب إنجيله أو أنه هو أخبرهم بذلك ، ثم يقوم تلاميذه بنقل هذه المعلومة إلى تلاميذهم أو من هم دونهم ، ويجب على الأخيرين أن يصرحوا بكل وضوح وبكلام لا لبس فيه ، أنهم سمعوا من معلميهم ( الذين هم تلاميذ متّى ) أن القديس متّى هو كاتب هذا الإنجيل ، ثم يخبر هؤلاء من هم بعدهم وهكذا .

فهل ما قدّمه القس منيس يتوافق مع ما قلناه ؟؟؟
فهل أتى لنا القس بشخص واحد على الأقل يقول أنه رأى متّى يكتب إنجيله ؟؟؟
هل أتى بشخص واحد يقول أنّ متّى الرسول أخبره أنه كتب إنجيلاً ؟؟؟

لا لم يأت بشيء من هذا القبيل ، فكل ما فعله القس هو أن قال أن برنابا وإغناطيوس استشهدوا بإنجيل متى ....

والقارئ قد يغترّ بقول القس فيظنّ أنّ إغناطيوس يأتي إلى إنجيل متى ويقتبس منه ثمّ يقول ( هذا ما قاله إنجيل متى ) ، أو ( هذا ما قاله معلمنا متى في إنجيله ) ، وهذا لا وجود له أبداً لا في رسالة برنابا ولا في رسائل إغناطيوس ، فهما لم يذكرا إنجيل متى بالاسم قط ، بل لا وجود لاسم متى من الأصل في كل من رسالة برنابا ورسائل إغناطيوس ، وجلّ ما في الأمر هنا هو ورود عبارات في رسائلهم شبيهة لنصوص في إنجيل متى دون أن يقول أحدهما أنّ هذا مما اقتبسه من إنجيل متى .

فكلام القس منيس أن إغناطيوس و برنابا استشهدا بإنجيل متى يُوهم أنهما ذكرا إنجيل متى بالاسم ، وهذا تضليل واضح من القس ، ولا يُستبعد أبداً أنّه تعمّد ذلك ليوهم القرّاء .

هل نقل لنا القس قولاً عن أحد الذي لقوا متى بأن رأوا متى يكتب إنجيله أو أن متى أخبرهم أنه كتب هذا الإنجيل؟؟؟

فإغناطيوس لم يذكر لا متى ولا حتى إنجيله ، فكيف يحشر رسائله كدليل على السند المتصل ؟؟
ثم إنّ إغناطيوس لا يُعرف عنه أنه لقي متى أو عرفه ، فلذلك الاستشهاد به باطل من كل الجوانب .

أما بالنسبة لوجود عبارات في هذه الرسائل مشابهة لنصوص في إنجيل متى مثل ما جاء في رسالة برنابا ، الفصل الرابع : ( كثيرون يدعون وقليلون ينتخبون ).
وكما جاء في الفصل السادس ( سأجعل الآخرين أولين ) .
فهذا يُشبه ما ورد في متى [ 20 : 16 ] : ( هكذا يكون الآخرون اولين والاولون آخرين .لان كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون ) .

وكما جاء في الفصل الخامس من رسالة إغناطيوس إلى أهل افسس ( فإذا كان لأجل صلاة الواحد أو الاثنين ممن يملكون القوة ، يقوم المسيح بينهم ، فكم أكثر بكثير تكون صلاة أسقف الكنيسة المباركة ) ، وهذا يُشبه ما ورد في متى [ 18 : 19 ] ، ( 19 وأقول لكم أيضا إن اتفق اثنان منكم على الأرض في أي شيء يطلبانه فانه يكون لهما من قبل أبي الذي في السموات ، لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم ) .

إن وجود عبارات في مؤلفات الآباء الرسوليين بشكل تشبه في مضمونها ما جاء في إنجيل متّى لا تعني أن متّى هو كاتب الإنجيل ، فهذا يتطلب قول صريح منهم أنهم رأوا متّى يكتبه أو أن يقولوا أن متّى أخبرهم بذلك ، أو على الأقل يخبروا من أخبرهم بذلك ، كما أنّ تشابه هذه العبارات لا تعني بالضرورة أنها مقتبسة من إنجيل متّى ، فيُحتمل أنّهم جميعاً ( الآباء وكاتب إنجيل متّى ) اقتبسوا من نفس المصدر ، أو يُحتمل أنها مقتبسة من أقوال منتشرة كانت تحكى وتتردد على ألسنة البعض في ذلك الزمان ..
فالجزم بأن هذا التشابه دليل على أنهم اقتبسوا من إنجيل متى ليس في محله ، إذ لا يمنع أن يكون المصدر غير متى ، وخصوصاً أنّ هناك العديد من كتبوا عن المسيح كما يعترف بذلك كاتب لوقا في بداية إنجيله .

بهذا نكون نحن قد جارينا القس منيس كثيراً ، ولنا بعد ذلك أن نسأل من هو كاتب رسالة برنابا ؟

رسالة برنابا لا يُعرف لها كاتب ، تقول دائرة المعارف الكاثوليكية أنّ الرسالة لا تحتوي على أيّ دليل حول كاتبها ...
فرسالة برنابا لا يُعرف كاتبها ، وهو مجهول ، ولكن القس يُوهم القرّاء أنه معروف وأنه برنابا الذي رافق بولس ..

فالكاتب مجهول ، فكيف يُستدل على كاتب مجهول بكاتب هو الآخر مجهول ؟؟؟؟

أما الكلام عن بوليكاربوس فهو نفسه عن إغناطيوس ، فبوليكاربوس لم يذكر إنجيل متى بالاسم قط ، ولم يذكر متى على الإطلاق ، بل وإن القس يحاول التدليس على القرّاء قدر المستطاع ، فكل ما ورد في رسالة بوليكاربوس من عبارات شبيهة بنصوص من إنجيل متى لها شبيه أيضاً من إنجيل لوقا ومرقس ، وسأضرب بعض الأمثلة على ذلك :
ورد في رسالة بوليكاربوس الفصل السابع ( كما قال السيد : الروح نشيط والجسد ضعيف ) .
فهذه يراها علماء المسيحية تشبه ما ورد في إنجيل متى ( 26 : 41 )
(( اسهروا وصلّوا لئلا تدخلوا في تجربة .اما الروح فنشيط واما الجسد فضعيف )) .
ولكن هذه تشبه أيضاً ما ورد في إنجيل مرقس ( 14 : 38 ) :
(( اسهروا وصلّوا لئلا تدخلوا في تجربة اما الروح فنشيط واما الجسد فضعيف )) .

وهكذا حال الباقي ، كلّ له شبيه إما في إنجيل لوقا أو في أو إنجيل مرقس ، فإذا عرفنا هذا ، فلا يمكن الجزم أنّ بولكاربوس استشهد من إنجيل متى ، بل هناك احتمال أنه اقتبسها من إنجيلي لوقا ومرقس وليس من متى ، أو يُحتمل أنه لم يقتبسها لا من هذا ولا من ذاك بل من أقوال منتشرة معروفة يتناقلها الناس ، ومع كل هذه الإحتمالات يسقط الاستدلال .

أما قوله : ( وكان هذا الإنجيل منتشراً في زمن بابياس (أسقف هيرابوليس) الذي شاهد يوحنا الرسول ) .

أقول هذا الكلام مردود ، لأن بابياس نفسه لم يعرف هذا الإنجيل ، والدليل على ذلك روايته لموت يهوذا الاسخريوطي التي تغاير وتناقض إنجيل متّى بشكل صريح ، فمتّى يصف موت يهوذا هكذا :

( فطرح الفضة في الهيكل وانصرف.ثم مضى وخنق نفسه ) متى 27 : 5 .

بينما بابياس يقول :

Judas walked about in this world a sad example of impiety; for his body having swollen to such an extent that he could not pass where a chariot could pass easily, he was crushed by the chariot, so that his bowels gushed out.

ولقد أصبح يهوذا مثال سيء على عدم التقوى في هذا العالم , فلقد تضخّم جسده حتى أنّه لم يكن بمقدوره المرور حيث يمكن أن تمرّ عربة حنطور بسهولة , ولقد دُهس بعربة حنطور حتّى انسكبت أحشاؤه خارجاً .

( Fragments of Papias - chapter 3 ) .

فكيف يقول القس أن هذا الإنجيل كان منشراً في زمن بابياس ، وبابياس نفسه لا يعرفه؟

فلو عرفه ما خالفه في خبر موت يهوذا .

أما قول القس : ( كما شهد كثير من العلماء المسيحيين الذين نبغوا في القرن الأول بأن هذا الإنجيل هو إنجيل متى، واستشهدوا بأقواله الإلهية، وسلَّمه السلف إلى الخلف ) .
قلت : هذا تدليس كبير ، لا يليق برجل دين أن يصدر منه ذلك ، فلا يوجد أحد من القرن الأول من شهد لإنجيل متى ، لا بل لا يوجد أيّ دليل أنهم عرفوا هذا الإنجيل أو سمعوا به ، ولم يرد قط أي قول عن أحد من القرن الأول يذكر فيه إنجيل متى ، وأقصى ما يمكن أن يستدل به القس منيس هو هذه العبارات في رسائل آباء القرن الأول التي تتشابه مع بعض نصوص إنجيل متّى ، ولقد رددنا عليها بما فيه الكفاية ، فكيف يدّعي أن علماء الدين المسيحي في القرن الأول شهدوا أنّ هذا الإنجيل هو إنجيل متى؟

بصراحة القس يستغل جهل الكثيرين في هذا الجانب ، وعلى رجل الدين أن يكون أميناً فيما يقدّمه من معلومات ...
أما باقي كلام القس عن علماء القرن الثاني وما بعده ، فكلّه لا ينفع إن لم يكن له سند من القرن الأول ، فإذا لم يخبرنا أهل القرن الأول عن هذا الإنجيل أيأتي بعدها أناس ولدوا بعد موت متّى بعشرات السنين ليخبرونا بكلام مرسل أنّ متى كتب إنجيلاً ، فهذا مردود وباطل .

وهنا طرفة لطيفة ، وهو أنّ القس منيس عبد النور يقول في معرض كلامه عن لغة إنجيل متى الأصلية :
" والأغلب أن فكرة كتابة متى لإنجيله باللغة العبرية جاءت نتيجة ما اقتبسه المؤرخ يوسابيوس عن بابياس أسقف هيرابوليس سنة 116م قال: كتب متى إنجيله باللغة العبرية . غير أن بابياس لم يقل إنه رأى بعينيه هذا الإنجيل باللغة العبرية " .
يشترط القس هنا شرطاً حتى يكون كلام القديس بابياس صحيحاً ، وهو أن يكون رآى الإنجيل بعينه!
بينما عند الكلام على هوية الكاتب يستدل باغناطيوس وبوليكاربوس ورسالة برنابا ، ولكن الغريب أنه لم يشترط أن يكون أغناطيوس وبوليكاربوس رأوه بأعينهم يكتبه؟

هل لاحظتم الإزدواجية في المعايير؟

لمعرفة كاتب إنجيل متّى يتعلق بما هو أبعد من البعيد ، ويكفي أن يكون فلان لمّح تلميحاً بعبارة شبيهة بنص في إنجيل متى ليجعلها دليلا على هوية الكاتب ، ولا يحتاج أن يكون فلان رأى بعينه أم لم يرَ .
بينما القول أن لغة الكتاب هي العبرية شيء لا يعجب القس فيحاول دفعه بالرغم من القول الصريح لبابياس ، وحجته أنه لم يره بعينه
-----------------

ig gYk[dg ljn sk] ljwg- v]h ugn j]gds hgrs lkds uf] hgk,v- frglL f]du lkdv