صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 19
 
  1. #1
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي قذائف الحق ومؤامرات ضد الإسلام فاحترسوا


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    هذا الموضوع يحتوي مصائب وكوارث تكشف عن نوايا أعداء الإسلام من يهود ونصارى مثلها لنا العالم والمفكر الإسلامي الكبير محمد الغزالي رحمه الله
    وأكثر ما لفت نظري
    هو قرارات شنودة التي قال بها في خطابه للكنيسة المرقصية في عام 1973
    هذا الرجل رأس الفتنة في مصر يصدر في اجتماع سري نواياه الخبيثة التي طلب من شعب الكنيسة تنفيذها ضد مسلمي مصر

    قاتلك الله أيها الأفاك

    هذا الكتاب مُنِعَ من النشر حتى أنه تم إيقافه في موقع الشيخ الغزالي نفسه
    لكن وجدت من الشباب من قام بتفريغه على النت فجزاه الله خيراً


    وأتعجب من مجتمعات عقيمة تدعو إلى الحرية الفكرية ثم تحجر على كتاب هذا المفكر الإسلامي
    أهذه الحرية المزيفة التي تنادون بها؟
    أم أن لقب حرية اخترعتموه فقط لتعطوا لأنفسكم تصريحاً بالإساءة والخطأ في الأقوال وإذا قال أحد كلمة حق تحجرون على فكره

    لا حول ولا قوة إلا بالله

    الموضوع عبارة عن كتاب للمفكر الإسلامي الكبير محمد الغزالي رحمه الله

    الكتاب موجود هنا على شكل اسكريبت

    http://www.scribd.com/doc/2634130/-

    وسوف أنقله مكتوباً هنا إن شاء الله فهو ليس بالكبير


    يحتوي الكتاب على :


    المقدمة
    الباب الأول
    ـ العقل أولاً .. ثم ننظر فيما يقال
    ـ الله يتعب ويجهل ويندم ويأكل ويصارع
    ـ هل يترك المسلمون القرآن لهذه الأقوال عن الله ؟
    ـ العهد القديم وافتراءاته على المرسلين بعد افتراءاته على ربهم
    ـ نوح السكير وأسرته، لوط الزانى، إبراهيم الديوث، يعقوب المحتال
    ـ هدف اليهود من تزوير التوراة
    ـ لماذا نرتد عن ديننا ؟ وماذا نختار بدله، أنستبدل الذى هو أدنى بالذى هو خير ؟
    الباب الثانى
    ـ تحرك ضد عقيدة التوحيد يتعرض له أبناؤنا
    ـ حول صلب عيسى
    ـ المنشورات وما تضمنت من أوهام
    ـ الإسلام أقوى بكثير من هذه التفاهات
    ـ قصة " الله محبة " وموقف شتى الأناجيل منها
    ـ تجليات العذراء، الرمح المقدس، الحقيقة العلمية المطاردة
    الباب الثالث
    ـ ماذا يريدون ؟
    ـ تقرير رهيب
    ـ الحقائق تتكلم
    ـ نحن نريد الحفاظ على وحدة مصر الوطنية
    الباب الرابع
    ـ الإسلام وجماعة الإخوان
    ـ تقرير يفضح النيات المبيتة للإسلام
    ـ صور من الهجوم على الإسلام ذاته ـ تحقير الماضى ـ تزوير التاريخ
    ـ القومية العربية ومعناها
    ـ فتح المجال على مصراعيه لضرب الإسلام
    ـ العدالة العربية
    ـ صفحات من مذكرات معتقل
    الباب الخامس
    شبهات من كل مكان
    ـ غلطة فلكية !
    ـ الكسوف والخسوف
    ـ غلطة جغرافية !
    ـ الشهاب الراصد
    ـ خزان المياه
    ـ فهم عجيب
    ـ حد السرقة
    ـ نبى مرعب
    ـ كذب على رسول الله ( عليه الصلاة والسلام )
    ـ نماذج لتحريف الكلم
    ـ المداد القرآنى
    ـ حديث الذباب
    ـ أساطير العهد القديم
    الباب السادس
    ـ الدعوة الإسلامية وسياسة بعض الحكام
    ـ الذئب الأغبر
    ـ الإسلام فى كوريا
    ـ أندونيسيا المسلمة
    ـ سماسرة الفاتيكان
    ـ قبرص
    ـ العقيد الناصرى
    الباب السابع
    مع التيار الشيوعى والإلحادى
    ـ لابد للإسلام من خطة إيجابية يواجه الغزو الثقافى بها
    الباب الثامن
    ـ لا دين حيث لا حرية
    ـ يا للرجال بلا دين
    ـ مشهورون ومجهولون
    ـ التنادى بالجهاد المقدس
    ـ دين زاحف رغم كل العوائق
    ـ قال الإنسان وقال الحيوان
    ـ حول خرافة تحديد النسل
    ـ محنة الضمير الدينى هناك
    ـ هذه المقررات لا نريد أن تنسى
    ـ أسئلة وأجوبة

    انتهى
    وإليكم الكتاب بالتفصيل

    يتبع إن شاء الله

    r`hzt hgpr ,lchlvhj q] hgYsghl thpjvs,h











  2. #2
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي


    المقدمة
    من خمسين سنة، عندما عقلت ما يجرى حولى، أدركت أن نصف الإسلام ميت أو مجمد، وأن نصفه الآخر هو المأذون له بالحياة أو الحركة إلى حين !!
    وأحسست أن هنالك صراعاً يدور فى الخفاء أحياناً، وعلانية حيناً بين فريقين من الناس :
    ـ فريق يستبقى النصف الموجود من الإسلام، ويدفع عنه العوادى، ويحاول استرجاع النصف المفقود، ويلفت الأنظار إلى غيابه .
    ـ وفريق يضاعف الحجب على النصف الغائب، ويريد ليقتله قتلاً، وهو فى الوقت نفسه يسعى لتمويت النصف الآخر وإخماد أنفاسه وإهالة التراب عليه .
    .. وكلما طال بى العمر كنت ألحظ أن المعركة بين الفريقين تتسع دائرتها وتشترك فيها إذاعات وأقلام، وجماعات وحكومات، ومناقشات ومؤامرات ..
    .. وكانت الحرب سجالاً، وربما فقد المؤمنون بعض ما لديهم، وربحوا بعض ما أحرزه خصومهم، وربما كان العكس، وفى كلتا الحالتين تنضم إلى معسكر الحق قوى جديدة وتنضم إلى معسكر الباطل قوى جديدة، ويزداد الصراع حدة وشدة كلما لاح أن الساعة الحاسمة تقترب ..
    ونحن نصدر هذا الكتاب فى ظروف شديدة التعقيد :
    أعداء الإسلام يريدون الانتهاء منه، ويريدون استغلال المصائب التى نزلت بأمته كى يبنوا أنفسهم على أنقاضها ..
    يريدون بإيجاز القضاء على أمة ودين ..
    وقد قررنا نحن أن نبقى، وأن تبقى معنا رسالتنا الخالدة، أو قررنا أن تبقى هذه الرسالة ولو اقتضى الأمر أن نذهب فى سبيلها لترثها الأجيال اللاحقة ..
    من أجل ذلك نرفض أن نعيش وفق ما يريد غيرنا أو وفق ما تقترحه علينا عقائد ونظم دخيلة .
    من حق المسلمين فى بلادهم أن يحيوا وفق تعاليم دينهم، وأن يبنوا المجتمع حسب الرسوم التى يقدمها الإسلام لإقامة الحياة العامة .
    والإسلام ليس عقيدة فقط، إنه عقيدة وشريعة !
    .. ليس عبادات فقط، إنه عبادات ومعاملات .
    .. ليس يقيناً فردياً فقط، إنه نظام جماعى إلى جانب أنه إيمان فردى .
    إنه كما شاع التعبير : دين ودولة ..
    وإذا كان هناك فى ربوع الأرض الإسلامية من يعتنق اليهودية أو النصرانية فلن يضيره ذلك شيئاً . إذ إن حرية التدين من صلب التعاليم الإسلامية، وقد ازدهرت هذه الحرية فى أرجاء العالم الإسلامى جمعاء، عندما كانت مطاردة فى أقطار أخرى لا حصر لها ..
    والتاريخ شاهد صدق على ذلك .
    .. ثم إن اليهود والنصارى رضوا بالعيش فى ظل حكم مدنى يبيح الزنا والربا والخمر وأنواع المجون، بل عاشوا فى ظل نظم يسارية ترفض الإيمان من أصله، فلا يسوغ أن يتضرروا من حكم إسلامى ينصف نفسه وينصفهم على السواء ..
    وأياً ما كان الأمر فنحن المسلمين مستمسكون بحقنا فى تطبيق شريعتنا والاستظلال براية الإسلام فى شئوننا كافة، ولن نقبل نظاماً يسارياً ملحداً، ولا نظاماً مستورداً يسوى بين الأضداد، بين الكفر والإيمان، بين العفة والعهر، بين المعبد والخان، باسم الحرية .
    وقد لاحظنا ـ محزونين غاضبين ـ أن اتفاقاً تم بين اليهودية العالمية، وبين أقوى الدول النصرانية على ضرب الإسلام وإذلال أمته والقضاء الأخير على معالمه وتاريخه ..
    وأثبتت الأحداث أن الضمير الدينى عند " أهل الكتاب " قد فقد عدالته وطهارته نهائياً [ راجع الباب الثامن : " محنة الضمير الدينى هناك " . ففيه تفصيل شاف لهذه القضية ] ..
    فاليهود الذين مرنوا على أكل السحت وثبوا على أرضنا ليأكلوها بما فيها ومن فيها، ووراءهم أمداداً هائلة من المال والسلاح تجيئهم من أمريكا وغير أمريكا ..
    والكنائس الغربية تبارك هذا السطو، وتعده تحقيقاً لأحلام العهد القديم، ومن أجل ذلك تحذف لعن اليهود من صلواتها ـ كما أمر البابا بعدما أول الأناجيل، وبرأ اليهود من دم المصلوب .
    إن الضمير الدينى عند إخواننا " أهل الكتاب " ابتلع أكبر فضيحة عالمية عندما سوغ العدوان على العرب، والتهام دورهم وأموالهم وتاريخهم، ولم ير فى ذلك شيئاً يستحق النكير ..
    إن الحقد التاريخى على الإسلام جعل رؤساء البيت الأبيض يشاركون فى ذبحنا بسرور ورغبة، ويساعدون الغزاة بإسراف وحماس .. أما ساسة إنجلترا وفرنسا فقد أعانوا اللص أولاً على رب البيت حتى تمكن من اقتحامه، ثم عندما شرع رب البيت فى المقاومة قالوا : يمنع السلاح عن الطرفين المتساويين (!) ويقسم البيت بينهما . [ وذلك ما أقره مجلس الأمن ! ورضى به المستضعفون !! ]
    هذا منطق الضمير الدينى عند اليهود والنصارى !! عند حملة رسالات السماء !!
    إن احتقار الناس للدين والمتدينين إنما يجىء من هذه المسالك الهابطة .
    وعندما يظفر " الإلحاد الأحمر " بشىء من الحفاوة والقبول فلأن مسلكه كان أقرب إلى الشرف وأدنى إلى العدالة المجردة ! وصدق الله العظيم " إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله " . [ التوبة : 34 ]
    والواقع أن نجاح الشيوعية فى آسيا وأوربا يعود إلى تبلد الضمير الدينى عند اليهود والنصارى جميعاً، وقدرة هؤلاء الناس على المصالحة بين أهوائهم ومراسم العبادة التقليدية ..
    وقد انضم إلى الهجوم العسكرى على الإسلام هجوم ثقافى يتسلل خفية إلى السرائر والعقول مليئاً بالدس والختل، وجبهة الهجوم تشمل الآن أطراف العالم الإسلامى وصميمه، وتتذرع بكل شىء لتدمير العقائد الإسلامية وإهالة التراب على معالم الإسلام كلها ..
    ولما كان العرب هم دماغ الإسلام وقلبه فلا بد أن يتضخم نصيبهم من هذا الهجوم المحموم ..
    وهنا ـ فى خطة الصليبية الغربية ـ يجىء دور النصارى العرب الذين يجب أن يسهموا فى ضرب الإسلام وكسر شوكته ومنع دولته .. !!
    ترى : أيؤدون هذا الدور بدقة ويطعنوا مواطنيهم من الخلف ؟
    الحق أن عدداً كبيراً منهم رفض الاستجابة لهذه الخيانة، وفى معارك فلسطين حمل السلاح جنباً إلى جنب مع إخوانه المسلمين .
    بيد أن استمرار العرض الغادر، والهزائم التى أصابت المسلمين فى ميادين شتى، والفراغ العقلى لدى خريجى التعليم المدنى، وسيل الشهوات الدافق من هنا وهناك، كل ذلك جعل الأوضاع تتغير، وأغرى بعض الرؤساء الدينيين فى الشام ومصر بفعل أمور ذات بال !!
    وذلك ما دفعنى إلى تأليف هذا الكتاب ..
    لقد أحسست أن خطوطنا الدفاعية مهددة من خلفها، وأن المؤامرة على الإسلام وأمته الغافلة قد أخذت أبعاداً جديدة مخوفة .. وأن المصارحة هنا أجدى فى رد الخطر وقتل بوادر الشر قبل أن تستفحل !
    لقد وهنت قوى الإسلام إثر الضربات المادية والأدبية التى تناولته من كل جانب .. وسمع من يقول : ما الذى جاء بالإسلام إلى مصر ؟ وإلى متى يبقى ؟ ولماذا لا تكون بدل مصر إسرائيل أخرى أو أسبانيا أخرى ؟
    ألا ما أشد غربة الإسلام فى بلاده ..
    وأمسى الإلحاد ذكاء والإيمان غباء !!
    والتوحيد جموداً والشرك تقدماً ووعياً !!
    ومن يسمون رجال الدين الإسلامى موضع التندر والسخرية .
    لا من وسائل الإعلام الرسمية وحدها، بل من مسئولين كبار " جداً " .
    أما كهان اليهودية والنصارنية فحولهم تهاويل، ولهم مكانة لا تمس !!
    وشاركت مراكز القاهرة مراكز لبنان فى مهاجمة القرآن، ومخاصمة نبيه، وتزوير تاريخه .. وانسابت من جحورها أفاع ما عرفت الصفو يوماً تريد أن تنفث سمومها علناً، وأن تخذل القضايا الإسلامية فى كل مكان ..
    إذا قلنا : يجب أن يعلم الدين فى جميع المراحل، وأن يختبر فيه الطلاب اختباراً يؤثر فى مستقبلهم .. قيل : والنصارى ؟
    نجيب : أن نعلمهم الإسلام بداهة، ولهم أ، يتعلموا دينهم، ولا نكلف الدولة أن تختبرهم فيه .. وتوضع نسبة دقيقة تضمن لغير المسلمين أن يأخذوا طريقهم إلى درجات التعليم كلها دون حساسية ..
    هل من شروط الوحدة الوطنية أن يتم تجهيل المسلمين فى دينهم ؟ [ نحن نرفض أن تبتر أجزاء من الإسلام أو يدحرج عن مكانته الطبيعية باسم الوحدة ]
    إذا قلنا : يجب الحكم بما أنزل الله، سمعت صوتاً خبيثاً يقول : والنصارى ؟
    نجيب : تبقى لهم الأحكام المقررة فى دينهم ـ وهى تتصل بالأحوال الشخصية، أما بقية القوانين فلا بد أن تطبق على الكل، نعتبرها نحن ديناً، ويعتبرها غيرنا تشريعات عادية كسائر التشريعات التى تحكم إخوانهم فى سائر أقطار العالم، ماذا فى ذلك ؟
    هل من شروط الوحدة الوطنية أن يكفر المسلمون بشريعتهم ؟!
    لكن الاستعمار العالمى الذى استعان بالكنائس الغربية على إذلال الإسلام واستباحة حماه، يوسع اليوم دائرته ليضمن تعاون الكنيسة الشرقية معه .
    ومن ثم بدأت تصرفات مجنونة، ومطالب لا أساس لها تظهر على ألسنة بعض المسئولين وغير المسئولين .
    ونحن فى هذا الكتاب نلتزم جانب الدفاع ومستعدون لوقف المعركة إذا توقف المعتدون .
    إن المؤتمرات التبشيرية العالمية تجد صدى لها فى نشاط محلى ينطلق على الأرض العربية .
    وقد أفلح هذا النشاط فى تنصير عدد من الطلاب لا يؤبه له، ولكن دلالته تصرخ بما فيها من التحدى والخيانة.
    ولم يكن بد من أن نتحرك لنحق الحق ونبطل الباطل .
    وعسى أن يرعوى المقامرون ويكفونا مزيداً من القول ..
    وإن كنا يائسين من أن يوجد للغل الصليبى دواء .
    أكتب هذه الصحائف وأنا فى " رباط الفتح " عاصمة المغرب الشقيق .. وأنباء القتال الدائر بين العرب واليهود تصل إلينا ساعة بعد ساعة، آذاننا صاغية إلى أجهزة " الراديو " تتنسم خبراً يفرح ..
    لكن ما هذا ؟ جسر جوى بين الولايات المتحدة وإسرائيل يعوضها عن كل سلاح تخسره، ويمنحها من القدرة ما تذل به رؤوسنا ! ومتطوعون من شتى العواصم يقول عنهم مراسل صحيفة إنجليزية :
    لقد ولوا وجوههم شطر إسرائيل بالروح التى كانت تدفع الرجال قديماً إلى الاشتراك فى الحروب الصليبية !!
    أما لهذا الغل من آخر ؟!
    وقال صديق مغربى خبير بعلل القوم : إنهم يقاتلون العرب لأنهم مسلمون .
    وقلت : إن القتال الآن قومى لا دينى .. ليكن، ما دام العرب عرباً، وما دام القرآن أهم كتاب فى لسانهم، وما داموا قد انبعثوا به قديماً فيجوز أن ينبعثوا به حديثاً، إذن لا بد من إبادتهم وإحلال جنس آخر محلهم !
    هذا ما انتهى إليه الضمير الدينى صاحب شعار " الله محبة " ! [ سترى أن هذه اللافتة تخفى وراءها حقائق دينية لا يمكن إنكارها توصى بالجبروت مع الأعداء ] .
    وإلى جانب هذه المؤازرة الخسيسة كنت أسمع أن " الروس " أقاموا جسراً مقابلاً، وأنهم سوف يضعون فى يد العرب ما يردون به العدوان ويسترجعون به الأرض ويغسلون به العار !
    إننى أكره الإلحاد والملحدين، بيد أنى وجدت نفسى أمام موقف فاتن، إننى فقير إلى هذا السلاح ! وعسى أن يسعفنى ويتماسك فى يدى . سآخذه مقدراً اليد التى أسدته، سآخذه لأكسر به شوكة المعتدين الذين أفقدهم الحقد كل أثارة من عدل وعقل .
    وسأدفع ثمنه ولو كان مضاعفاً، وسأذكر الجميل فأعاون الشعب الروسى على ضرب الاستعمار الغربى يوم يتحرك هذا الاستعمار بغرائزه الشرسة ويحاول الإساءة إلى الشعوب الأخرى ..
    على أن مشكلتى الحقيقية مع سماسرة الغزو الثقافى فى بلادنا، وضحاياه الذين نسوا الإسلام أو تناسوه .
    المشكلة مع الجيل المهجن الذى ورث الإسلام أسماء وأشكالاً فارغة ورفضه :
    ـ تربية معينة، ..
    ـ وقوانين محددة، ..
    ـ وقيماً مضبوطة، ..
    ـ وأهدافاً ثابتة، ..
    هؤلاء المتعاقلون العجزة هم وراء كل المحن التى لحقتنا، ولقد امتلكوا ناصية التوجيه المادى والأدبى فى سراء الأمة وضرائها، فلم تجن الأمة منهم إلا الشتات والآلام ..
    ماذا يريد هؤلاء ؟ إنهم يعالنون بعدم العودة إلى الكتاب والسنة، ويبشرون بحكم مدنى يخسر الإسلام فيه أصوله وفروعه، وتظفر فيه نزعات الإلحاد أو الشرك بكل المغانم ..
    وسوف يقرأون هذا الكتاب ويتميزون غيظاً لما جاء به من حقائق كانوا يودون كتمانها، وحوار لا يحبون أن يدور ..
    ونريد أن نقول لهؤلاء : إنكم غرباء على أمتنا ودينها وتاريخها .. إن أمتنا يوم تملك البت فى أمورها فستختفون فوراً من جوها ..
    وإلى أن تملك الأمة أمرها أيسكت رجال الإسلام عن قول الحق ورفض الإفك ؟؟ كلا، إن الله أخذ الميثاق على حملة الوحى أن يعالنوا به، ويكشفوا للناس حقائقه، وأكد عليهم ذلك فى قوله :
    " لتبيننه للناس ولا تكتمونه " ( آل عمران : 178 )
    فما بد من البيان وعدم الكتمان
    وأعلم أن ذلك قد يعرض لمتاعب جسام، ولكنى أقول ما قاله صديقنا " عمر بهاء الدين الأميرى " :
    الهول فى دربى وفى هدفى
    وأظل أمضى غير مضطرب
    ما كنت من نفسى على خور
    أو كنت من ربى على ريب
    ما فى المنايا ما أحاذره
    الله ملء القصد والأرب
    " ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين " [ آل عمران : 147 ].
    " ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم " [ الممتحنة : 4، 5 ].
    محمد الغزالى

    يتبع إن شاء الله










  3. #3
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي


    الباب الأول

    العقل أولاً ثم ننظر فيما يقال

    شعرت بحاجة إلى أن أمسح عيونى وأنظم رموشها، ثم نظرت إلى أصابعى بعد ذلك فوجدت بينها بضعة أهداب عالقة، نفختها فطارت إلى حيث لا أدرى .
    وما لبثت أن تساءلت : أين وقعت ؟ وكان الجواب : على الأرض حيث تفنى ..
    ولكن المعانى تداعت : وما يدريك أنها ستأخذ دورة أخرى فى الحياة فتكون سماداً لحبوب متراصة فى سنبلة قمح أو كوز ذرة ؟
    ولم تقف عند ذلك : لعلها تعود إلى كيان آخر لإنسان مثلى !
    ترى ماذا ستكون فى هذا الكيان الجديد ؟!
    .. رموشاً تظلل العين كما كانت عندى، أو عنصراً آخر فى عظمة وفحمة ؟
    وزادت المعانى تداعياً : من الذى يشرف عليها فى هذه الرحلة ؟
    إنه ليس إشراف علم ورقابة . إنه إشراف كينونة وتغيير وتنقيل من أعلى لأدنى أو من أدنى لأعلى ..
    وزادت المعانى تداعياً : إن هذه الملاحقة الماسة لا تعنينى وحدى .. إننا ـ أبناء آدم ـ نبلغ قرابة أربعة آلاف مليون على ظهر هذه الكرة الطائرة، والخلاق العليم وراء كل قطرة دم تتدفق فى العروق، ومن وراء كل ثمرة تنبت فى الجلود والرءوس والجفون، من وراء كل زفير أو شهيق تعلو به الصدور وتهبط .. !!
    ذاك فى كياننا المادى، أما فى كياننا المعنوى فقد تصورت هذا الإشراف الأعلى على هواجس الفكر فى الأدمغة، أدمغة الخلق فى كل قارة، فى كل شبر معمور، وعلى كل تيارات الحس المختلفة من حزن وسرور، من يأس أو رجاء، من نشاط أو استرخاء ..
    عجباً ! أهو إشراف رقابة من بعيد ؟ كلا، إنه إشراف ملابس متغلغل من واهب الحياة ومسير الأحياء فى البر والبحر .
    وزادت المعانى تداعياً : لكن هذه الأرض ليست حكراً لنا وحدنا . إن أصنافاً أخرى من الخلائق تعيش فوقها زاحفة أو طائرة لها أرزاقها ومساربها، ومستقرها ومستودعها، ويقظتها ومنامها .
    .. والعناية المحيطة تمد أجنحتها لتشمل ما نرى وما لا نرى من ذلك كله، ثم ما عالم الجماد فى هذه الكرة المعلقة الطائرة فى جو السماء ؟
    إن أغلب سطحها ماء مشحون بعوالم أخرى ! ومن تحت الماء وحوله يابسة تختفى فى قشرتها معادن خسيسة وكريمة .. !!
    ترى بالضبط أين البترول الذى ينقبون عنه ولا يهتدون إليه ؟ وأين الذهب الذى تهيج له أعصاب، وتتحلب له أفواه ؟ إن الله وحده هو الذى يدرى ..
    وتحت القشرة الباردة وما ضمت من رطب ويابس توجد نار مستعرة، وباطن ملتهب، ما هذا كله ؟
    وعدت إلى نفسى وأنا فى هذه الجولة الفكرية لأتساءل : ثم ما نحن فى هذا العالم الكبير ؟
    وسمعت الإجابة على هذا السؤال من رائد الفضاء الأمريكى الذى يقول :
    " .. عندما وقع علي الاختيار لبرنامج الفضاء، كان بين أوائل الأشياء التى أعطيت لى كتيب صغير يحوى الكثير من المعلومات عن الفضاء، وكان بين محتوياته فقرتان تنطقان بضخامة الكون أثرتا في تأثيراً بالغاً ..
    " ولكى ندرك هاتين الفقرتين يجب أن نعرف أولاً ما هى السنة الضوئية : إن الضوء يسير بسرعة تبلغ 300 ألف كيلو متر فى الثانية ـ أى ما يعادل الدوران حول الأرض حوالى سبع مرات فى الثانية ـ فإذا أطلقت هذا الشعاع من الضوء وجعلته يستمر لمدة عام فإن المسافة التى يقطعها ـ وتبلغ حوالى 9.5 مليون مليون كيلو تر ـ هى السنة الضوئية ! ..
    " وإنى أقتبس هنا ما ورد فى الكتيب عن حجم الكون الذى نعيش فيه : ( عندما نذكر أن المجرة التى تضم كوكبنا يبلغ قطرها حوالى 100 ألف سنة ضوئية نشعر بدهشة، ولما كانت الشمس نجماً لا يعتد به يقع على مسافة حوالى 30 ألف سنة ضوئية من مركز المجرة، ويدور فى مدار خاص به كل 200 مليون سنة أثناء دوران المجرة فإننا ندرك مدى صعوبة القياس الهائل للكون الواقع وراء المجموعة الشمسية، بل إن الفضاء الذى يقع بين النجوم فى مجرتنا ليس نهاية هذا الكون، فوراءه ملايين من المجرات الأخرى تندفع جميعاً فيما يبدو متباعدة عن بعضها البعض بسرعات خيالية، وتمتد حدود الكون المرئى بالمجهر مسافة 2000 مليون سنة ضوئية على الأقل فى كل اتجاه ) ..
    " إن هذا الوصف يظهر مدى ضخامة الكون الذى نعيش فيه ..
    " ولنعد الآن إلى ما نعرفه عن تكوين الذرة وهى أصغر جسم حتى الآن فنجد أن هناك تشابهاً كبيراً بين الذرة ومجموعتنا الشمسية فى الكون ..
    " ذلك أن هذه الذرات لها الكترونات تدور حول النواة بصورة منتظمة كدوران الأسرة الشمسية حول أمها الشمس ..
    " والآن ماذا أريد أن أقول ؟ أريد التحدث عن نظام الكون بأسره من حولنا ..
    " من أصغر تكوين ذرى إلى أضخم شىء يمكن تصوره .. مجرات تبعد ملايين السنين الضوئية، كلها يسير فى مدارات مرسومة محددة تضبط علاقة كل منها بالأخرى . فهل يمكن أن يكون ذلك كله قد حدث اتفاقاً ؟ ..
    " أكانت مصادفة أن حزمة من نفايات الغازات الطافية بدأت فجأة فى صنع هذه المدارات وفقاً لاتفاقها الخاص ؟ ..
    " إننى لا أستطيع تصديق ذلك .. بل إن ذلك مستحيل، والمؤكد أن ذلك تم وفق خطة مرسومة محددة .. وهذا واحد من الأشياء الكثيرة فى الفضاء التى تبين لى أن هناك إلهاً، وأن قوة ما قد وضعت كل هذه الأشياء فى مدارات وأبقتها هناك تؤدى وظيفتها العتيدة ..
    " ولنقارن السرعة فى مشروعنا ( عطارد ) مع بعض هذه الأشياء التى نتحدث عنها : ..
    " إننا نظن أحياناً أن المشروع على ما يرام، فقد بلغنا سرعة تصل إلى حوالى 29 ألف كيلو متر فى الساعة فى الدوران حول الأرض ـ أى حوالى 8 كيلو مترات فى الثانية ـ وهى سرعة كبيرة حقاً بالنسبة لمقاييسنا الأرضية، كما أنها سرعة مرتفعة إلى حد مناسب ونحن على ارتفاع يزيد قليلاً على 160 كيلو متر ..
    " أما بالنسبة لما يجرى فعلاً فى الفضاء فإن مجهوداتنا هذه تعد ضئيلة جداً " ا.هـ .
    وصدق رائد الفضاء فى كلمته تلك، فإن ما يصل إليه الإنسان بجهده وفكره شىء محدود القيمة بالنسبة إلى ما يقع فى العالم حوله، وأذكر أننى تجولت فى مصانع السكر، ورأيت الأنابيب الطافحة بالعصير، والأفران المليئة بالوقود، والآلات التى تغطى مساحة شاسعة من الأرض، لقد قلبت البصر هنا وهنالك ثم قلت : سبحان الله ! إن بطن نحلة صغيرة يؤدى هذه الوظيفة .. وظيفة صنع السكر دون كل تلك الأجهزة الدوارة والضجيج العالى !
    وخيل إليّ أن المخترعات البشرية لا تعدو أن تكون إشارة ذكية إلى ما يتم فى الكون بالفعل من عجائب دون وسائط معقدة وأدوات كثيرة .
    ولو أن البشر أرادوا بناء مصنع للف الحبات النضيدة فى سنبلة قمح بالقشرة التى تحفظ لبابها لاحتاج الأمر إلى حجرة كبيرة تحت كل عود !
    لكن ذلك يحدث فى الطبيعة فى صمت وتواضع !
    والمقارنة التى عقدناها هنا تجاوزنا فيها كثيراً، فإن الإنسان المخترع هو بعض ما صنع الخلاق، والمواهب الخصبة فيه بعض ما أفاء الله عليه ..
    وكأنما أراد الله الجليل أن يعرف ذاته وعظمته للإنسان الذى أنشأه، فهداه إلى بعض المخترعات ؛ ليدرك مما بذل فيها كيف أن الكون مشحون بما يشهد للخالق بالاقتدار والمجد .
    .. إن ميلاد برتقالة على شجرة أروع من ميلاد " سيارة " من مصنع سيارات يحتل ميلاً مربعاً من سطح الأرض . ولكن الناس ألفوا أن ينظروا ببرود أو غباء إلى البدائع لأنها من صنع الله، ولو باشروا هم أنفسهم ذرة من ذلك ما انقطع لهم ادعاء ولا ضجيج ..
    إننى عرفت الله بالنظر الواعى إلى نفسى وإلى ما يحيط بى، وخامرنى شعور بجلاله وعلوه وأنا أتابع سننه فى الحياة والأحياء .
    وبدا لى أن أستمع إلى ربى فى الوحى الذى أنزله .. إذ لا بد أن يكون هذا الوحى حديثاً ناضجاً بما ينبغى له من إعزاز وحمد !
    كان أقرب وحى إلى هو القرآن الكريم لأننى مسلم، فلما تلوته وجدت التطابق مبيناً بين عظمة الله فى قوله، وعظمته فى عمله .
    سمعته يقول :
    " الله خالق كل شىء، وهو على كل شىء وكيل، له مقاليد السموات والأرض .. " [الزمر : 62، 63]
    " الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تفيض الأرحام وما تزداد، وكل شىء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة، الكبير المتعال .. " [الرعد : 8، 9]
    " الله الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً " [ غافر : 61 ]
    " الله الذى جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم " [ غافر : 64 ]
    " بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة، وخلق كل شىء وهو بكل شىء عليم، ذلك الله ربكم، لا إله إلا هو خالق كل شىء وهو على كل شىء وكيل، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير " [ الأنعام : 101، 102 ]
    وآيات أخرى كثيرة كثيرة، كلها شواهد على أن ما وقر فى نفسى عن الله بطريق العقل قد أيده النقل تأييداً مطلقاً، وجعلنى أستريح إلى الإسلام فكراً وضميراً .
    ومع ذلك فإن حب الاستطلاع دفعنى إلى أن أطالع ما بأيدى الآخرين من كتب منسوبة إلى السماء، وقلت : ربما أضافت جديداً إلى ما عندى .
    .. ومددت يدى إلى " الكتاب المقدس " وشرعت أقرأ بدء الخلق، وقصة الحياة كما رواها العهد القديم .
    ولست أحب التجنى والإثارة، إننى سوف أذكر ما لدى من مقررات عقلية أيدتها النقول الإسلامية، ثم أضع بين يدى الناس وجهة نظر " العهد القديم " فى هذه القضايا، مكتفياً بنقل نصوص معروفة لدى أصحابها، ويستطيع كل امرىء أن يقرأها فى مظانها .
    الله يتعب ويجهل ويندم ويأكل ويصارع
    هل يمكن أن يتعب الله، وأن يأخذه الإعياء بعد عمل ما ؟
    القرآن الكريم يجب على هذا السؤال : " أو لم يروا أن الله الذى خلق السموات والأرض ولم يعى بخلقهن بقادر على أن يحيى الموتى ؟ بلى إنه على كل شىء قدير " ( الأحقاف : 33 )
    ومن البدائه أن يكون الخلاق الكبير فوق الإجهاد، وذهاب القوة : " وسع كرسيه السموات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلى العظيم " ( البقرة : 255 ) .
    ولذلك يقول مثبتاً هذه الحقيقة : " ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام وما مسنا من لغوب" ( ق : 38 )
    لكن العهد القديم يذهب غير المذهب، ويصف الله فيقول :
    " وفرغ الله فى اليوم السادس من عمله فاستراح فى اليوم السابع من جميع عمله الذى عمل، وبارك الله السابع وقدسه، لأنه فيه استراح من جميع عمله الذى عمل الله خالقاً " ( سفر التكوين : الاصحاح الثانى )
    ودعك من الركاكة التى صيغت بها هذه العبارات، فقد يكون المترجم هابط الأسلوب فى التعبير عن معنى ما، لكنك لا تستطيع أن تفهم معنى آخر من هذا الكلام، إلا أن الله " استراح " من جميع أعماله فى اليوم السابع، هذه الأعمال التى أداها بوصفه خالقاً .
    واليهود يحرمون العمل يوم السبت، ويقدسونه، وجاء فى التوراة أن موسى أمر بأن يقتل رجماً أحد الحطابين الذين أبوا إلا الكدح فى هذا اليوم !
    كيف جرى الحديث عن الله بهذه الكلمات ؟ لعلها غلطة ناقل، لكن الحديث عن عجز الله تبعه حديث آخر عن جهله !!
    واسمع إلى وصف العهد القديم لآدم وزوجه بعدما أكلا من الشجرة :
    " وسمعا صوت الرب الإله ماشياً فى الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله فى وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم وقال له : أين أنت ؟ فقال : سمعت صوتك فى الجنة فخشيت لأنى عريان فاختبأت . فقال : من أعلمك أنك عريان، هل أكلت من الشجرة التى أوصيتك أن لا تأكل منها ؟ .. " ( سفر التكوين : الاصحاح الثالث )
    ما هذا ؟ كان الإله يتمشى فى الجنة خالى البال مما حدث، ثم تكشفت له الأمور شيئاً فشيئاً، فعرف أن آدم خالف عهده، وأكل من الشجرة المحرمة !
    تصوير ساذج يبدو فيه رب العالمين وكأنه فلاح وقع فى حقله ما لم ينتظر !
    ما أبعد الشقة بين هذا التصوير وبين وصف الله لنفسه فى القرآن العظيم : " ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " ( ق : 16 ) " وما تكون فى شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه " ( يونس : 61 )
    وقد أعقب هذا " الجهل الإلهى " قلق غريب، فإن الله يبدو وكأن ملكه مهدد بهذا التمرد الآدمى .
    لقد أكل آدم من الشجرة ـ شجرة المعرفة ـ وارتفع بهذا العصيان إلى مصاف الآلهة فقد أدرك الخير والشر، وكان الرب عندما خلقه حريصاً على بقائه جاهلاً بهما .
    ومن يدرى ربما ازداد تمرده وأكل من شجرة الخلد وظفر بالخلود، إنه عندئذ سوف ينازع الله حقه، إذن فليطرد قبل استفحال أمره .
    جاء فى العهد القديم :
    " وقال الرب الإله : هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر، والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً، ويأكل ويحيا إلى الأبد، فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التى أخذ منها، وطرد الإنسان وأقام شرقى جنة عدن الكروييم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة " ( التكوين : الاصحاح الثالث )
    لكن سيرة آدم وأبنائه على ظهر الأرض لم تكن مرضية لله . إن منهجه فى الحياة ضل بالآثام والمتاعب، ولم يكن الله حين خلقه يعرف أنه سيكون شريراً إلى هذا الحد، لقد فوجئ بما وقع، ومن أجل ذلك حزن الرب وتأسف فى قلبه أن خلق آدم وأبناء آدم .. قال العهد القديم :
    " فحزن الرب أنه عمل الإنسان، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم، فحزن الرب أنه عمل الإنسان الذى خلقته، .. الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء، لأنى حزنت أنى عملتهم .. " ( التكوين : الاصحاح السادس )
    الحق أننى أدهش كل الدهشة للطفولة الغريرة التى تضح من هذا الحديث الخرافى عن الله جل جلاله .
    إن الإله فى هذه السياقات الصبيانية كائن قاصر .. متقلب .. ضعيف .
    وما أشك فى أن مؤلف هذه السطور كان سجين تصورات وثنية عن حقيقة الألوهية وما ينبغى لها ..
    وأول ما نستبعده حين نقرأ هذه العبارات أن تكون وحياً، أو شبه وحى ..
    ومع ذلك فإن اليهود والنصارى يقدسون ذلك الكلام، ويقول أحد القساوسة : " الكتاب المقدس ـ يعنى العهدين معاً ـ هو صوت الجالس على العرش، كل سفر من أسفاره أو اصحاح من اصحاحاته أو آية من آياته هو حديث نطق به الكائن الأعلى ! " .
    والمرء لا يسعه إلا أن يستغرق فى الضحك وهو يسمع هذا الكلام ! إنه إله أبله هذا الذى ينزل وحياً يصف فيه نفسه بالجهل والضعف والطيش والندم .
    ونحن المسلمون نعتقد أن الكتاب النازل على موسى برىء من هذا اللغو، أما التوراة الحالية فهى تأليف بشرى سيطرت عليه أمور ثلاثة :
    الأول : وصف الله بما لا ينبغى أن يوصف به، وإسقاط صورة ذهنية معتلة على ذاته " سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً " .
    الثانى : إبراز بنى إسرائيل وكأنهم محور العالم، وأكسير الحياة، وغاية الوجود .. فهم الشعب المختار للسيادة والقيادة لا يجوز أن ينازعوا فى ذلك .
    الثالث : تحقير الأمم الأخرى، وإرخاص حقوقها، وإلحاق أشنع الأوصاف بها وبأنبيائها وقادتها .
    وقد تتخلل هذه الأمور بقايا من الوحى الصادق، والتوجيهات المبرأة، بيد أن الأسفار الشائعة الآن تغلب عليها الصبغة التى لاحظناها .
    وها نحن أولاء نسوق الأدلة على ما قلنا مكتفين بالشواهد من سفر التكوين وحده، لأن الانتقال إلى غيره يطيل حبل الحديث .
    فى هذا السفر أعلن الله ندمه على إغراق الأرض بالطوفان .
    وقال لنوح : لن أرتكب هذه الفعلة مرة أخرى ! وسأضع علامة تذكرنى بذلك حتى لا أعاود إهلاك الحياة والأحياء، وهاك النص :
    " وكلم الله نوحاً وبينه معه قائلاً : .. أقيم ميثاقى معكم فلا ينقرض كل ذى جسد أيضاً بمياه الطوفان، ولا يكون أيضاً طوفان ليخرب الأرض، وقال الله : هذه علامة الميثاق الذى أنا واضعه بينى وبينكم وبين كل ذوات الأنفس الحية التى معكم إلى أجيال الدهر، وضعت قوسى فى السحاب فتتكون علامة ميثاق بينى وبين الأرض، فيكون متى أنشر سحاباً على الأرض وتظهر القوس فى السحاب .. فمتى كان القوس فى السحاب أبصرها لأذكر ميثاقاً أبدياً بين الله وبين كل نفس حية فى كل جسد على الأرض .. " ( الاصحاح التاسع من سفر التكوين )
    هذا هو التفسير لقوس قزح، وتحلل اللون الأبيض إلى عناصره المعروفة بألوان الطيف، كما شرح ذلك علماء الطبيعة .. قوس قزح هى قوس الله يبرزها فى الأفق إشارة إلى العهد الذى أخذه على نفسه كى لا يغرق الأرض مرة أخرى، إنه يرى هذه القوس فيتذكر، حتى لا يتورط فى طوفان آخر !!
    ورأيى أن الطوفان القديم كان عقوبة لقوم نوح وحدهم، وأنه ليس غرقاً استوعب سكان القارات الخمس . فما ذنب هؤلاء المساكين ونوح رسالته محلية لا عالمية، اللهم إلا إذا كان المعمور يومئذ من هذا الكوكب ديار نوح وحسب .
    وأياً ما كان الأمر، فإن وصف الله بالضيق لما ارتكب من إغراق الأرض، وتعهده ألا يفعل ذلك، أمر يليق بالخلق لا بالخالق .. بالناس لا برب الناس .
    على أن هذه القصة أيسر من دعوة الله إلى ضيافة نبيه إبراهيم، لقد قدم الله فى شكل رجل مع اثنين من ملائكته، وأقام لهم إبراهيم وليمة دسمة، فأكلوا منها جميعاً !!
    وكان إبراهيم حريصاً على إحراز هذا الشرف، شرف أن يأكل الله فى بيته، فلما لبى الله الدعوة أسرع الرجل الكريم فى إعداد مائدة مناسبة ! وهاك القصة كما رواها سفر التكوين :
    " وظهر له الرب .. ونظر وإذا ثلاثة رجال .. وقال : يا سيد ( يقصد الله ) إن كنت قد وجدت نعمة فى عينيك فلا تتجاوز عبدك .. فأسرع إبراهيم إلى الخيمة إلى سارة وقال : اعجنى واصنعى خبز ملة، ثم ركض إبراهيم إلى البقر وأخذ عجلاً رخصاً وحيداً وأعطاه للغلام فأسرع ليعمله ثم أخذ زبداً ولبناً والعجل الذى عمله ووضعها قدامهم وإذا كان هو واقفاً لديهم تحت الشجرة أكلوا، وقالوا له : .. ويكون لسارة امرأتك ابن .. فضحكت سارة فى باطنها قائلة : بعد فنائى يكون لى تنعم وسيدى قد شاخ ! فقال الرب لإبراهيم : لماذا ضحكت سارة .. ؟ هل يستحيل على الرب شىء ؟ " ( الاصحاح الثامن عشر من سفر التكوين )
    ونتجاوز هذه المائدة الدسمة التى أكل منها الرب وملائكته، لنقف بإزاء قصة أخرى من أغرب وأفجر ما اختلق الروائيون !!
    القصة الجديدة تحكى مصارعة بين " الله " وعبده " يعقوب " !
    .. وهذه المصارعة دامت ليلاً طويلاً، وكاد يعقوب يفوز فيها لولا أن الطرف الآخر فى
    المصارعة ـ وهو الله !! ـ لجأ إلى حيلة غير رياضية هزم بعدها يعقوب !
    ومع ذلك فإن يعقوب تشبث بالله وأبى أن يطلقه حتى نال منه لقب " إسرائيل " !!
    ومنحه الله هذا " اللقب الفخرى " ثم تركه ليصعد إلى العرش ويدير أمر السماء والأرض، بعد تلك المصارعة الرهيبة !!
    أى سخف هذا، وأى هزل ؟؟
    أى عقل مريض أوحى بهذا القصص السفيه ؟؟
    ولكن اليهود يريدون أن يرفعوا مكانة جدهم الأعلى، ولا عليهم أن يختلقوا ما يستغربه الخيال، وهاك القصة بأحرفها من سفر التكوين :
    " فبقى يعقوب وحده وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر، ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه فانخلع حق فخذ يعقوب فى مصارعته معه، وقال : أطلقنى ! .. فقال : لا أطلقك إن لم تباركنى ! فقال له : ما اسمك ؟ فقال : يعقوب، فقال : لا يدعى اسمك فى ما بعد يعقوب بل إسرائيل .. وسأل يعقوب وقال : أخبرنى باسمك
    فقال : لماذا تسأل عن اسمى ؟ وباركه هناك . فدعا يعقوب اسم المكان " فينيئل " قائلاً : لأنى نظرت الله وجهاً لوجه ونجيت نفسى .. لذلك لا يأكل بنو إسرائيل " عرق النسا " الذى على حق الفخذ إلى هذا اليوم لأنه ( الله ) ضرب حق فخذ يعقوب على عرق النساء !! " ( سفر التكوين الاصحاح : 32 )
    .. نعم تخليداً لذكرى هذه المصارعة نشأ حكم فقهى بتحريم العمل يوم الراحة الإلهية .
    وكم يفخر اليهود إذ كان أبوهم بهذه المثابة من القوة التى عاجزت الإله، وكادت توقع به الهزيمة !!
    العهد القديم وافتراءاته على المرسلين بعد افتراءاته على ربهم
    وهنا ننتقل إلى " الأمر الثانى " فى بناء التوراة وهو :
    إفراد بنى إسرائيل بالنسب العريق، والعلاقة الفذة على حساب غيرهم من الأمم .
    .. اليهود يكرهون العرب كما يكرهون غيرهم من الأجناس الأخرى فيجب أن تعتمد هذه الكراهية على أساس دينى يصبح العرب بعده ملعونين فى الأرض والسماء ..
    فكيف يتوصلون إلى هذا الغرض ؟
    إنهم يثبتون قصة طريقة يزعمون فيها أن نوحاً نبى الله والمدافع الأول عن دينه والناجى بأهله من الطوفان الطام العام، هذا النبى سكر من كثرة ما أفرط فى شرب الخمر، ثم استلقى على الأرض كاشفاً سوأته، وأن أحد أبنائه رآه كذلك فضحك منه وشهر به .
    فلما أفاق نوح من سكرته، وعلم بما وقع، لم يخجل من نفسه وتبذله، بل استنزل لعنة الله على من سخر منه، وهاك النص :
    " وشرب ( يعنى نوح ) من الخمر فسكر وتعرى فى خبائه، فأبصر " حام " أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجاً، فأخذ " سام " و " يافث " الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء، وسترا عورة أبيهما، فلما استيقظ " نوح " من خمره علم ما فعل ابنه الصغير، فقال : ملعون " كنعان "، عبد العبيد يكون لإخوته، وقال : مبارك الرب إله " سام "، وليكن كنعان عبداً لهم، ليفتح الله ليافث فيسكن فى مساكن سام وليكن " كنعان " عبداً لهم .. " ( تكوين : اصحاح 9 )
    يقول " عصام الدين ناصف " : ومعنى ما تقدم أن الإسرائيليين الساميين يريدون أن يتخذوا الكنعانيين عبيداً لهم، وقد كان العدل والمنطق يقتضيان ذلك النبى الجليل ألا يصب تلك اللعنة الحامية على حفيده البرىء " كنعان " بل يصبها على ابنه الخاطئ " حام "، وأنى له ذلك والكنعانيون هم المقصودون بأعيانهم لأنهم أصحاب فلسطين التى لبث الإسرائيليون دهوراً يحلمون بها ويتوقون إلى غشيان مروجها الزاهرة وجنى زروعها الناضرة " .
    أى أن مؤلف التوراة مهتم بتزكية بنى إسرائيل على حساب تجريح غيرهم، ومن ثم استنزل اللعنة على كنعان، حتى تبقى الشعوب المنسوبة إليه فى منزلة زرية .
    ولا بأس من اختلاق سبب لهذه اللعنة تذهب فيه كرامة نبى ومكانته .
    إذن ليشرب نوح الخمر حتى يفقد وعيه ويكشف عورته .
    ثم ليدع على حفيده بما دعا به، والحفيد المسكين لا جريرة له .
    المهم أن الكنعانيين أصبحوا جنساً ملعوناً لأن دعوة " السكران " مستجابة !!
    وكما رأى كاتب التوراة أن يُسكر نوحاً ليصل إلى هذه النتيجة، رأى أن يُسكر لوطاً ليصل إلى نتيجة مشابهة.
    إن تلويث الأنبياء شىء سهل على من هونوا الألوهية نفسها، ولكن مزور العهد القديم هنا بلغ من الإسفاف دركاً سحيقاً، فهو لم يكتف بأن جعل لوطاً سكيراً بل جعله عاهراً .
    وبمن يزنى ؟ بابنتيه : إحداهما بعد الأخرى، فى ليلتين حمراوين، وهاك النص :
    " .. فسكن ( يعنى لوط ) فى المغارة هو وابنتاه، وقالت البكر للصغيرة : أبونا قد شاخ، وليس على الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض ! هلم نسقى أبانا خمراً ونضطجع معه، فنحيى من أبينا نسلاً !! فسقتا أباهما خمراً فى تلك الليلة، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، وحدث فى الغد أن البكر قالت للصغيرة : إنى قد اضطجعت مع أبى، نسقيه خمراً الليلة أيضاً فادخلى اضطجعى معه، وقامت الصغيرة واضطجعت معه، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، فحبلت ابنتا لوط من أبيهما، فولدت البكر ابناً، ودعت اسمه " موآب " وهو أبو الموآبيين إلى اليوم " ( تكوين : اصحاح 19 )
    يقول عصام الدين حفنى ناصف : " وهذا هو مربط الفرس ! لقد عرف شعبا موآب وبنى عمون بصلابة الرأس وصعوبة المراس ..
    " وما انفكا منذ القدم ينصبان لحرب بنى إسرائيل ويدحرانهم وينزلان بهم أكبر الخسائر ..
    " فوجب على كتاب التوراة أن " يتلقحوا " عليهما [ أى يرمون الناس بالباطل ] ويطلقوا ألسنتهم فى أعراضهما ويلصقوا بهما أقبح المثالب " ..
    وفى سبيل ذلك لا حرج على اليهود أن يسيئوا إلى نبى كريم، وأن ينسبوا إليه وإلى ابنتيه ما يتورع عنه الحشاشون والرعاع .
    المهم عندهم أن يجرحوا أعداءهم، وأن يسقطوا أنسابهم، وأن يعتمدوا فى ذلك على وحى سماوى معصوم، لا يجرؤ على تكذيبه أحد !!
    " وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب، ويقولون هو من عند الله، وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون " ( آل عمران : 78 )
    يقول عصام الدين حفنى ناصف : " وصفوة القول أن كتاب التوراة لم يدونوا هذه القصص المسلسلة اعتباطاً، بل إنهم ابتدعوها ورتبوها ليصلوا بها إلى غاية لهم وضعوها نصب أعينهم، هى أن الله خلق الكون من أجل الأرض، وخلق الأرض من أجل بنى آدم، وأنه أباد بنى آدم وقطع دابرهم ما عدا نوحاً وبنى نوح، واستبقى هؤلاء ليختار من بينهم ساماً ثم يختار من حفدته إسرائيل وبنى إسرائيل " .
    ولقد آمن بنو إسرائيل بهذه الخزعبلات، وانتفخت أوداجهم غروراً وتبجحاً فتوهموا أنهم شعب مقدس .
    جاء فى سفر التثنية هذا النص : " لأنك أنت شعب مقدس للرب إلهك، إياك قد اختار الرب إلهك، لتكون له شعباً أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض " ( تثنية : 7 : 6 )
    وهذا الاعتداد القوى بالجنس والشعب هون عند اليهود كثيراً من القيم والفضائل، فإن طمأنينتهم إلى شرف الأرومة، ونبل الجرثومة جعلهم لا يبالون شيئاً عندما يقولون أو يفعلون، فهم ـ على أية حال ـ " الأسباط " أولاد الأنبياء، وجلية الدنيا !!
    ولا بأس عندهم من اقتراف الدنايا، أو افترائها ما دام ذلك يحقق ما يشتهون، والغية تبرر الوسيلة .
    ولقد نظرت إلى قصصهم عن زيارة إبراهيم الخليل لمصر فرأيتهم بسهولة يصفون الرجل الكبير بأنه ديوث ! وفى سبيل حرصه على الحياة والمنافع الدنيئة يقدم امرأته إلى من يملكون النفع والضر ..
    والتحقت زوجة إبراهيم ببيت فرعون الذى أهداه فى نظير ذلك بعض الغنم والحمير !!
    قبحكم الله " إن إبراهيم كان أمة " ( النحل : 120 ) كان إنساناً يساوى الألوف من الرجال، وفى سبيل الله حارب الوثنية، وحطم الأصنام، وتعرض لنيران الجحيم، وربى جيلاً من الموحدين الحراص على مرضاة الله .
    فهل هذا الرجل هو الذى يغرى امرأته بالذهاب إلى بيت فرعون من أجل الظفر بزريبة غاصة بالغنم والحمير ؟ لكن كاتب التوراة لم ير فى ذلك حرجاً، وهاك النص :
    " .. وحدث لما قرب ـ أى ابرام ـ إلى مصر أنه قال لساراى امرأته : إنى قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر، فيكون إذا رآك المصروين أنهم يقولون : هذه امرأته، فيقتلوننى ويستبقونك، قولى إنك أختى ليكون لى خير بسببك وتحيا نفسى من أجلك . فحدث لما دخل أبرام إلى مصر أن المصريين رأوا المرأة أنها حسنة جداً، ورآها رؤساء فرعون، ومدحوها لدى فرعون، فأخذت المرأة إلى بيت فرعون، فصنع إلى ابرام خيراً بسببها، وصار له غنم، وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال، فضرب الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة .. فدعا فرعون ابرام وقال : ما هذا الذى صنعت بى، لماذا لم تخبرنى أنها امرأتك ؟ خذها واذهب " ( تكوين : 21 )
    ولنتجاوز هذه القصة الهابطة إلى قصة أخرى عن يعقوب نفسه الأب المباشر لليهود، والذى أخذ لقب إسرائيل بعد معركة حامية مع الله نفسه ظلت ليلاً طويلاً، والذى سمى اليهود دولتهم القائمة على أنقاض العرب باسمه .
    إن هذا النبى عندنا نحن المسلمين إنسان جليل نبيل، شارك أباه فى الدعوة إلى الله، ونبذ الوثنية، ورفع علم التوحيد وإقامة الملة السمحة " ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " .
    لكنه عند اليهود شخص محتال، سرق النبوة من أخيه البكر بطريقة منحطة .
    ويظهر أن الفكر اليهودى يحسب النبوة ميراثاً دنيوياً يمكن الاستيلاء عليه بالشطارة والمهارة، وليست هبة عليا يمنحها رب العالمين من يصطفيهم من أهل الطهارة والنضارة .
    وكان اليهود يخصون الابن البكر بالتركة كلها مادية كانت أو أدبية، وعلى هذا كان " عيسو " الابن الأكبر لإسحاق هو الذى سيرث اللقب والمال ـ مثلما كان يحكم القانون الإنجليزى ـ ولكن أم يعقوب تفاهمت مع ولدها على غير هذا، وانتهزت أن " عيسو " خرج ليحضر الطعام إلى أبيه المكفوف ثم نفذت خطتها، وهاك التفاصيل كما حكاها سفر " التكوين " .. تفاصيل سرقة نبوة !! :
    " .. وكانت رفقة سامعة إذ تكلم إسحاق مع عيسو إبنه، فذهب عيسو إلى البرية كى يصطاد صيداً ليأتى به، وأما رفقة فكلمت يعقوب ابنها قائلة إنى قد سمعت أباك يكلم عيسو أخاك قائلاً : ائتنى بصيد واصنع لى أطعمة لآكل وأباركك أمام الرب قبل وفاتى، فالآن يا ابنى اسمع لقولى فيما أنا آمرك به : اذهب إلى الغنم وخذ لى من هناك جديين جيدين من المعزى فاصنعهما أطعمة لأبيك كما يحب، فتحضرها إلى أبيك ليأكل حتى يباركك قبل وفاته، فقال يعقوب لرفقة أمه : هو ذا عيسو أخى رجل أشعر وأنا رجل أملس، ربما يجسنى أبى فأكون فى عينيه كمتهاون وأجلب على نفسى لعنة لا بركة فقالت له أمه : .. اسمع لقولى فقط .. وأخذت رفقة ثياب عيسو ابنها الأكبر الفاخرة التى كانت عندها فى البيت، وألبست يعقوب ابنها الأصغر، وألبست يديه وملاسة عنقه جلود جديى المعزى .. فدخل إلى أبيه وقال : يا أبى فقال : ها أنذا، من أنت يا بنى ؟ فقال يعقوب لأبيه : أنا عيسو بكرك، قد فعلت كما كلمتنى، قم اجلس وكل من صيدى لكى تباركنى نفسك .. فقال إسحق ليعقوب : تقدم لأجسك يا بنى .. أأنت هو ابنى عيسو أم لا .. فجسه وقال : الصوت صوت يعقوب ولكن اليدين يدا عيسو .. فباركه .. وقال : .. فليعطك الله من ندى السماء ومن دسم الأرض .. لتستعبد لك شعوب وتسجد لك قبائل . كن سيداً لإخوتك، وليسجد لك بنو أمك، ليكن لاعنوك ملعونين ومباركوك مباركين " ( تكوين : 27 )
    وهكذا تمت سرقة رسالة سماوية .
    .. أنا أفهم أن تختطف الطائرات فى الجو، وأن تغتصب المناصب فى الأرض، أما أن يفرض شخص نفسه على الله، ويعتبر نفسه نبياً، ويحول رسالة سماوية إليه بطريق التدليس والنصب، فهذا هو العجب العجاب، ولكنه منطق مؤلفى العهد القديم .
    ويظهر أن شريعة الاحتيال أخذت امتدادها فى التصرفات التى نسبها العهد القديم إلى يعقوب وأبنائه .
    وأمامى الآن قصة زنا وقعت لابنة " يعقوب " !
    وما أكثر قصص الزنا التى تقع فى بيوت الأنبياء، كما يفترى هؤلاء الأفاكون .
    والقصة لفتاة اسمها " دينة " بنت يعقوب عليه السلام ! من إحدى زوجاته، أعجب بها ابن رئيس المدينة المجاورة واتصل بها، ثم رأى أن يجعل هذه العلاقة مشروعة، فلاطف الفتاة وقرر الزواج بها وكلم أباه كى يمضى فى إجراءات العقد ..
    وذهب رئيس القبيلة يعرض على يعقوب مصاهرته . وتظاهرت الأسرة بقبول المصاهرة، وكانت شروط الصلح مقبولة، وطلب أبناء يعقوب من أصهارهم الجدد أن يختتنوا حتى يتم الزواج، وتتسع دائرة العلاقات بين بنى إسرائيل وأهل المدينة جميعاً .
    وفى اليوم الثالث لإجراء الختان بين ذكور المدينة أغار أولاد يعقوب عليها وهى آمنة، فقتلوا الذكور كلهم وسبوا كل الأطفال والنساء ونهبوا ما وجدوه من ثروات .
    ولم يذكر سفر التكوين أن يعقوب علق بشىء على هذه المأساة، بل يشتم من السياق أن المؤامرة تمت بموافقته.
    وهكذا يفعل الأنبياء !!
    إن مبدأ ( الغاية تبرر الوسيلة ) لم يؤخذ من الساسة " الزمانيين " .. إن مصدره من هنا، وإليك النص :
    " وخرجت دينة ابنة ليئة التى ولدتها ليعقوب .. فرآها شكيم ابن حمور الحوى رئيس الأرض وأخذها واضطجع معها وأذلها، وتعلقت نفسه بدينة ابنة يعقوب، وأحب الفتاة، ولاطف الفتاة، فكلم شكيم حمور أباه قائلاً خذ لى هذه الصبية زوجة، وسمع يعقوب أنه نجس دينة ابنته .. فسكت حتى جاءوا ( أى أبناؤه ) [ ثم بعد أن عرض عليهم حمور مصاهرتهم ] .. فأجاب بنو يعقوب شكيم وحمور أباه بمكر ..، فقالوا لهما : لا نستطيع أن نفعل هذا الأمر : أن نعطى أختنا لرجل أغلف .. إن صرتم مثلنا بختنكم كل ذكر نعطيكم بناتنا ونأخذ لنا بناتكم .. واختتن كل ذكر .. فحدث فى اليوم الثالث إذ كانوا متوجعين ( أى بسبب الختن ) أن ابنى يعقوب : شمعون ولادى أخوى دينة أخذا كل واحد سيفه وأتيا على المدينة بأمن وقتلا كل ذكر وقتلا حمور وشكيم بحد السيف .. ونهبوا المدينة، وسبوا ونهبوا كل ثروتهم وكل أطفالهم ونساءهم وكل ما فى البيوت .. " ( تكوين : 34 )
    أين شرف المعاملة فى هذه الروايات المليئة بالفسق وسفك الدم ؟
    ولنا أن نسأل :
    ـ كيف ضاع عرض ابنة نبى على هذا النحو الغامض ؟
    ـ وإذا كان غلام أثيم قد اغتصبها كرهاً فلم لم يعاقب وحده ؟
    ـ وإذا كان يعقوب وبنوه قد قبلوا إصلاح الخطأ بإتمام الزواج فلماذا أغاروا على المدينة، واستباحوها وأزهقوا أرواح الأبرياء، واسترقوا الأطفال والنساء ؟
    ـ هل هذه سيرة أنبياء وأولاد أنبياء ؟ أم سيرة قطاع طرق ؟
    لكن مؤلف التوراة وقر فى نفسه أن اليهود شعب مختار، فصور الألوهية والنبوة وعلاقة اليهود بالناس أجمعين على الصورة التى أبرزنا لك ملامحها، لم نستعن فى توضيحها إلا بالنصوص الواردة فى الكتاب المقدس !!
    أكرهت نفسى على قراءة سفر التكوين بأناة، ثم تملكنى الضجر وأنا أقرأ الأسفار الأُخَر فاكتفيت بنظرات عابرة .
    إن جمهرة الفلاسفة والعلماء المؤمنين بالله يرفضون كل الرفض أن يوصف بالانحصار والجهالة والتسرع، كما يرفضون كل الرفض أن يسىء اختياره لسفرائه إلى خلقه فلا يقع إلا على السكارى والمنحرفين .
    بل إن عرب الجاهلية المشركين كانت نظرتهم إلى خالق الكون أرقى وأرحب .
    وما أوخذوا به أنهم تزلفوا إليه بآلهة أرضية لا أصل لها يحسبون أنه أكبر أو أنهم أقل من أن يتصلوا به اتصالاً مباشراً .
    أما وصف الله أو الحديث عنه بالعبارات المدونة فى العهد القديم فهو خبال فى الفكر يتنزه المولى الجليل عنه ..
    بيد أن النصارى قبلوا هذه الأسفار على علاتها وجعلوها شطر الكتاب المقدس !
    لماذا ؟ .. لأنها تخدم قضيتين تقوم عليهما النصرانية الشائعة :
    الأولى : قضية تجسد الإله، وإمكان أن يتحول رب العالمين إلى شخص يأكل ويصارع ويجهل ويندم .. الخ .
    الثانية : قضية أن البشر جميعاً أرباب خطايا وأصحاب مفاسد وأنهم محتاجون لمن " ينتحر " من أجلهم كى تغفر خطاياهم .
    وقد رفض الإسلام كلتا القضيتين، وتنزل القرآن الكريم مفيضاً الحديث عن تنزيه الله وسعته وقدرته وحكمته وعلمه، كما أفاض الحديث عن الناس ومسئوليتهم الشخصية عما يقترفون من خير أو شر .
    وذكر القرآن الكريم أن لله عباداً تعجز الأبالسة عن غوايتهم، وأنهم من نقاوة الصدر وشرف السيرة ورفعة المستوى بحيث يقدمون من أنفسهم نماذج للإيمان والصلاح والتقوى، تتأسى بها الجماهير .
    " إن عبادى ليس لك عليهم سلطان . وكفى بربك وكيلاً " ( الإسراء : 65 )
    فإن لم يكن نوح ولوط وإبراهيم ويعقوب من هؤلاء النبلاء الكرام فمن هم إذن الصالحون الفضلاء ؟
    وإذا كان أنبياء الله سكارى وزناة ومحتالين فلماذا يلام رواد السجون وأصحاب الشرور ؟؟
    ولا عذر للنصارى فى تصديق هذا اللغو، بل لا عذر لهم فى ادعاء أن الله ولد أو أن له ولداً، إلى آخر ما يهرفون به ..
    أحياناً فى هدأة الليل أرمق النجوم الثاقبة وأبعادها السحيقة، ثم أتساءل : أليس بارئ هذا الملكوت أوسع منه وأكبر ؟ فكيف يحتويه بطن امرأة ؟
    وأحياناً أرمق الأمواج ذوات الهدير وهى تضرب الشاطىء وتعود دون ملل أو كلل . إن أربعة أخماس الأرض مياه، ويبرق فى رأسى خاطر عابر، هل رب هذا البحر العظيم كان جنيناً فرضيعاً .. فبشراً قتيلاً ؟
    وأهز رأسى مستنكراً وأنا أتلو هذه الآيات :
    " قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ؟ سيقولون لله، قل أفلا تذكرون "
    " قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ؟ سيقولون لله، قل أفلا تتقون "
    " قل من بيده ملكوت كل شىء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون ؟ سيقولون لله، قل فأنى تسحرون " ( المؤمنون : 84 ـ 89 )
    " ما اتخذ الله من ولد، وما كان معه من إله " ( المؤمنون : 91 )
    " رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً " ..
    * * * * *
    .. فى هذا القرن المشئوم سقطت الخلافة الإسلامية، ونكست راية الإسلام، واختفت من الصعيد العالمى كل علاقة تشير إلى وجود سياسى لهذا الدين الحنيف ..
    نعم كانت هناك أمم إسلامية كبيرة تنتشر على رقع واسعة من الأرض . لكن هذه الأمة لاذت بقومياتها الخاصة، ولبست أزياء مدنية مائعة، وأغلبها استبعد الدين من الحياة العامة، وأماته تربية وقانوناً ومسلكاً وشعاراً .
    وربما سمح له بوجود فى بعض العبادات الفردية، لكن هذا الوجود مؤقت بطبيعته إلى أن تجرف تيارات الحياة الجديدة مخلفات الماضى البعيد ..
    وفى الوقت نفسه، كانت تعاليم العهد القديم ـ التى سقنا لك مثلاً منها ـ تصنع أمة جديدة .
    كان اليهود يتجمعون فى فلسطين ليقيموا مملكة " يهوه " على الأرض وفق مراسمهم الموروثة ..
    وكانت الصليبية الحقود تعينها بما تملك من قوة، احتضنتنها أملاً مستبعداً، وما زالت ترعاها حتى جعلتها حقيقة قائمة ..
    وهكذا أفلحت القوى الشريرة فى ضرب الحق، وتغيير معالم الدنيا، وقيل فى كل مكان : بدأت نهاية الإسلام تقترب ! يوشك أن يوارى فى الثرى !
    شاهت الوجوه ! هم يحسبونها النهاية ونحن سنجعلها بداية الصعود كرة أخرى .
    .. إن حقائق القرآن لن تتلاشى، والأساطير التى كذبت على الله وعلى الناس لن تخلد ..
    .. إن الصراط المستقيم لن تطمس شاراته أو تضيع آياته، وعلى مسلمى الحاضر والقادم أن يواجهوا قدرهم ويؤدوا واجبهم ..
    الأعداء كثيرون، والعوائق صعبة، والكفاح طويل، وربما صاح المرء وهو يودع محنة ويستقبل أخرى : أما لهاذ الليل من آخر ؟
    إن الفجر سيطلع حتماً، ولأن يطوينا الليل مكافحين أشرف من أن يطوينا راقدين .
    " من خاف أدلج، ومن أدلج نجا، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة " ( البخارى وغيره ).










  4. #4
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي


    الباب الثانى

    تحرك ضد عقيدة التوحيد يتعرض له أبناؤنا


    لا يستطيع عاقل أن يقول : إن يوم النصرانية فى أوربا وأمريكا طيب، فالإلحاد شائع، والزنا والربا أشيع، والركض فى أودية الحياة ابتغاء المتاع العاجل هو السمة الظاهرة، وبدع الشباب المادية والأدبية لا حصر لها .
    ولولا الحياء لغلقت تسعة أعشار الكنائس أبوابها .. من الفراغ .
    أما فى ربوع العالم الإسلامى كله، والأقطار العربية خاصة، فالحال على العكس : النصرانية تنتعش والكنائس تكثر، وطوائف الشباب والشيوخ تتلاقى عليها، والأموال الدافقة تجىء من منابع شتى لتدعم الطوائف المسيحية وترجح كفتها فى ميادين العلم والإنتاج .
    وأوربا وأمريكا من وراء هذا العون الواسع تخدمان به آمالها العريضة فى القضاء على الإسلام، وإعادته إلى الصحراء من حيث جاء !
    ومن يدرى ؟ ربما قضيا عليه فى الصحراء نفسها، كذلك يؤملون ! ولذلك يفعلون !!
    ومن ربع قرن وأنا ألاحق الهجوم الثقافى والسياسى على أمتنا وديننا .. والطلائع المؤمنة فى كل مكان تشتبك معه وتحاول صده .
    غير أن النتائج إلى الآن لا تسر، لقد سقطت جماهير كبيرة من الدهماء، وأعداد وفيرة من المتعلمين فى براثن هذا الغزو المزدوج، وتاحت الفرص أمام الطوائف غير المسلمة، فأطلت برأسها تريد أن تشارك فى الإجهاز على الفريسة.
    وفى مصر رأيت عملاً مريباً منظماً يكاد يعالن بأنه يريد وضع الطابع النصرانى على التراب الوطنى فى هذا الوادى المحروب .
    ولا ريب فى أن قوى خارجية تكمن وراء هذا النشاط وتغذيه .. وفى هذه الصحائف نريد أن نواجه حرب المنشورات التى شنت بغتة على الشباب المسلم، مكتفين بدحض الشبهات، ورد المفتريات، عالمين أن هناك نصارى كثيرين يريدون العيش مع إخوانهم المسلمين فى سلام وتراحم، وأن محاولة البعض طعن الإسلام من الخلف هى تصرفات فردية يحمل وزرها أصحابها وحدهم .
    ونحب قبل أن نبدأ النقاش فى هذه القضية الأساسية أن نسجل مسلكاً إسلامياً مقرراً : إن اختلاف الأديان لا يستلزم أبداً إيغار الصدور وتنافر الود، وأنه فى ظل مشاعر البر وقوانين العدالة يمكن لأتباع عقيدتين مختلفتين أن يعيشوا فى وئام وتراحم !!
    والانسجام المنشود بين أولئك الأتباع لا يعنى بداهة أن الفروق بين عقائدهم تلاشت ..
    وقد كان العرب الأولون يؤمنون بالله الواحد " ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن : الله .. " ( العنكبوت : 61 )
    " ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن : الله " ( العنكبوت : 63 )
    ولكنهم مع هذا الاعتراف بالله الواحد نسبوا إليه ولداً يقصدون إليه ويتشفعون به ! فرفض القرآن هذا النسب المختلق، وعد ذلك شركاً، وأنكره ـ فى سورة مريم ـ أشد الإنكار " وقالوا اتخذ الرحمن ولداً .. لقد جئتم شيئاً إداً . تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً، أن دعوا للرحمن ولداً . وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولداً . إن كل من فى السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً .. " ( مريم : 88 ـ 93 )
    ومع هذا النكر الشديد لعقيدة التعدد فى الآلهة، فقد أمر الله صاحب الرسالة أن يقول للمشركين " لكم دينكم ولى دين " ( الكافرون : 6 )
    إذن نستطيع أن نوجد تلاقياً ما بين أصحاب الأديان المختلفة، أما تذويب الفوارق بين التوحيد والتعدد كليهما، فذاك مستحيل ..
    كتب بعض الناس كلاماً يريد عقد لقاء بين عقيدة التوحيد الإسلامية وعقيدة التثليث المسيحية، فنفى أن يكون الله ثالث ثلاثة ـ كما ذكر القرآن الكريم ـ وقال إن الله الواحد هو جملة الأقانيم الثلاثة .
    ولما كان كل أقنوم ـ على حدة ـ يسمى إلهاً، فإن الكاتب أراد أن يوضح هذا الغموض، ولا نقول يكشف هذا التناقض !! فقال ـ والكلام منقول عن مجلة توزع على طلاب كلية الهندسة بجامعة القاهرة ـ نثبته هنا بنصه :
    " إذن كيف نوفق بين هذا وذاك ؟ بين ثلاثة ثم واحد ؟ ..
    " إن هذا هو بيت القصيد وفحوى الحديث ! وسوف أذكر مثالاً .. ماذا تعرف عن الشمس، الشمس الواحدة ؟ أعرف أنها قرص، وحرارة، وأشعة .. وأى شىء من هذه الثلاثة هو الشمس ؟ هل القرص، أم الحرارة، أو الأشعة ثلاثتهم يكونون الشمس ! إذن الشمس واحدة، وهكذا الله سبحانه واحد، مع فارق التشبيه العظيم من حيث المكانة .. " .
    ونقف قليلاً لنذكر رأينا فى هذا الكلام، إن الكائن الواحد قد تكون له عدة صفات، قد يكون طويل القامة أسمر اللون ذكى العقل .. ويمكن أن تنسب إليك صفات أخرى، فهل قلة الصفات أو كثرة الصفات تعنى تعدداً فى الذات ؟ وهل يجوز أن يطلق شخصك نفسه على صفة الطول أو السمرة أو الذكاء ؟ وهل يتصور أن تنفصل إحدى الصفات المذكورة ليطلق عليها الرصاص، أو تتدلى من حبل المشنقة أو تسمر على خشبة الصليب ؟
    إن الشمس واحدة، ولكن استدارتها وحرارتها وإضاءتها وكثافتها .. إلخ صفات لها، أعراض لذاتها، والصفة لا تسمى ابناً ولا خالاً ولا عماً، ونحن نثبت للإله الواحد عشرات الأوصاف الجليلة، بيد أن إثبات الأوصاف شىء بعيد كل البعد عن القول بأن الأب هو الابن وهو الصديق، وأن خالق الكون هو هو الذى صلب على خشبة فى أرضه .
    إن التمثيل بالشمس وأوصافها الكثيرة لا يخدم قضية التثليث ولا التربيع فى ذات الله .. والأمر لا يعدو لوناً من اللعب الألفاظ .
    إن الله ـ خالق هذا العالم ـ واحد، وما عداه عين له أوجده من الصفر، ولن تنفك صفة العبودية عن أى موجود آخر، سواء كان " عيسى " أو " موسى " أو " محمد " أو غيرهم من أهل الأرض والسماء .
    ونريد أن نسأل هذا : إذا كانت الشمس هى القرص والحرارة والأشعة فهل يمكن القول بأن الحرارة مثلاً ثلث الشمس ؟
    لا يقول هذا عاقل، لأن الصفة لا تكون قسيماً للذات بتاتاً، هل يمكن القول بأن القرص شكا للأشعة ما نزل به من بلاء مثلاً !
    ذاك ما لا يتصوره ذو لب .. !!
    إن هذا الكلام ـ كما قلت ـ لون من اللعب بالألفاظ، ولا يصور العلاقة بين أفراد الأقانيم الثلاثة كما رسمتها الأناجيل المقدسة ..
    وذكرت المجلة التى توزع على الطلاب " بكلية الهندسة " دليلاً آخر على أن التثليث هو التوحيد . قال الكاتب:
    " أقول لك أيضاً عن إنسان اسمه إبراهيم ـ إبراهيم هذا فى بيته ووسط أولاده يدعى رباً لأسرته وينادونه " يا أبانا يا إبراهيم "، هذا ذهب يوماً إلى البحر، فإذا الجموع محتشدة وإنسان يغرق وليس من ينقذه، فما كان منه إلا أن خلع ملابسه، وارتدى لباس البحر وأسرع وأنقذ الغريق، فهتف المتجمهرون : ليحيا المنقذ إبراهيم ..
    " ذهب بعد ذلك إلى عمله، وإذ كان يعمل بالتدريس ويشرح للتلاميذ وصاروا ينادونه : المعلم إبراهيم . فأيهم إبراهيم : الأب أم المنقذ أم المعلم ؟ ..
    " كلهم إبراهيم وإن اختلفت الألقاب مع الوظائف، وهكذا أيضاً الله خلق فهو الأب الله، الله أنقذ فهو الابن، الله يعلم فهو الروح " !!
    نقول : هذا الكلام أوغل من سابقه فى خداع النظر، فإن الضابط قد يرتدى فى الجيش ملابسه العسكرية، وقد يرتدى فى عطلته الملابس المدنية، وقد يرتدى فى بيته ملابس النوم . ولم يقل مجنون ولا عاقل أن هؤلاء ثلاثة، وأنهم واحد، ولا يتصور أحد أن الضابط بزيه العسكرى يصدر حكماً بالإعدام على الضابط نفسه بزيه المدنى، وأن هذا المدنى يقول للعسكرى : لماذا قتلتنى أو لماذا تركتنى .
    إن المعلم إبراهيم أو المنقذ إبراهيم أو الخالق إبراهيم يستحيل أن يكونوا ثلاثة أقانيم على النحو المألوف فى المسيحية، وإنما المعقول أن يقال : الله الواحد يوصف بالقدرة والعلم والرحمة والحكمة مثلاً، وهذا يذكره الإسلام فالله ذات واحدة، لا تقبل التعدد بتة، والروح القدس وهو جبريل عبد مخلوق له، والمعلم المرشد الصالح عيسى عبد مخلوق له، وما دام العقل البشرى موجوداً فلن يسيغ إلا هذا .. أما الفرار من التناقض الحتم إلى التلاعب بالألفاظ فلا جدوى منه .
    وإذا كان خالق السماء هو هو المقتول على الصليب فمن كان يدير العالم بعدما قتل خالقه ؟ بل كيف يبقى العالم بعد أن ذهب موجده ؟ والعالم إنما يبقى لأنه يستمد وجوده لحظة بعد أخرى من الحى القيوم جل جلاله .
    إن القرآن الكريم ينصح أصحاب عقيدة التثليث فيقول لهم : " يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق، إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة، انتهوا خيراً لكم، إنما الله إله واحد سبحانه أنى يكون له ولد، له ما فى السموات وما فى الأرض وكفى بالله وكيلاً . لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون .. " ( النساء : 171، 172 )
    وإنه ليسرنا أن تكون عقيدة التوحيد محور العلاقة بين الناس جميعاً وبين الله الواحد الأحد، لكن من المضحك المبكى أن يحاول البعض التشبث بالثالوث وبألوهية كل فرد من أفراده ثم يزعم بطريقة ما أن الثلاثة هم فى الحقيقة واحد .
    قيل فى باب الفكاهة أن رجلاً جلس على قهوة ثم طلب " ينسوناً " وقبل أن يتناوله تركه وطلب بدله " شاياً " شربه ثم قام لينصرف .. فلما طولب بثمن الشاى الذى شربه قال : إنه بدل الينسون، فلما طولب بثمن الينسون قال : وهل شربته حتى أدفع ثمنه ؟!
    ويظهر أن هذا الاستدلال الفكاهى انتقل من ميدان المشروبات إلى ميدان العقائد، ليطمس الحقيقة ويسيغ المتناقضات ..
    وقصة ثالثة تنشرها المجلة المعلقة بكلية الهندسة ـ جامعة القاهرة هى عجيبة العجائب نثبتها
    هنا ـ على طولها ـ بعد النقلين الموجزين السابقين !!
    عنوان القصة : " أنت تعبان والله مرتاح .. " !!
    والعنوان المذكور يحكى إجابة طريفة عن سبب الصلب .
    والسؤال التقليدى فى هذا الموضوع : لماذا قتل الإله الآب الإله الابن ؟!
    والجواب المعروف لدى إخواننا المسيحيين هو : الفداء لخطايا الخليقة .
    لكن الكاتب الذكى ـ تمشياً منه مع أن الواحد ثلاثة والثلاثة واحد ـ جعل القصة تدور حول هذا السؤال : لماذا قتل الإله نفسه ؟ ولنذكر القصة برمتها :
    " انتهت الحياة، وتزاحم الملايين من البشر فى واد كبير أمام عرش الله، وكانت المقدمة من جماعات تتكلم بامتثال شديد دون خوف أو خجل، ولكن بطريقة عدوانية، حتى تقدمت الصفوف فتاة تصرخ : كيف يستطيع الله أن يحاكمنى ؟! وماذا يعرف هو عن الآلام التى عانيتها ؟! ..
    " قالت هذا وهى تكشف عن رقم على ذراعها مدموغ بالحرق فى أحد معسكرات التعذيب والإبادة النازية، ثم أردفت : لقد تحملت الضرب والتعذيب بل والقتل أيضاً ..
    " وعلا صوت هادر من مجموعة أخرى قائلاً : وما رأيكم فى هذا . وعلى أثر ذلك أزاح صاحب الصوت ـ وهو زنجى ـ ياقة قميصه كاشفاً عن أثر بشع لحبل حول عنقه وصاح من جديد : شنقت لا لسبب إلا أنى أسود .. لقد وضعنا كالحيوانات فى سفن العبيد، بعد انتزاعنا من وسط أحبائنا، واستعبدنا، حتى حررنا الموت ..
    " وعلى امتداد البعد كنت ترى المئات من أمثال هذه المجموعات، كل منها له دعوى ضد الله : بسبب الشر والعذاب اللذين سمح بهما فى عالمه . كم هو مرفه هذا الإله ! فهو يعيش فى السماء حيث كل شىء مغلف بالجمال والنور، لا بكاء ولا أنين، لا خوف ولا جوع ولا كراهية، فماذا يعرف هو عما أصاب الإنسان وتحمله مكرهاً فى هذا العالم ؟ ..
    " حقاً، إن الله يحيا حياة ناعمة هانئة لا تعرف الألم ..
    " وهكذا خرج من كل مجموعة قائد، كل مؤهلاته أنه أكثر من قاسى وتألم فى الحياة، فكان منهم يهودى وزنجى وهندى ومنبوذ وطفل غير شرعى، وواحد من هيروشيما وآخر عبد من معسكرات المنفى والسخرة ..
    " هؤلاء جميعاً اجتمعوا معاً يتشاورون، وبعد مدة كانوا على استعداد لرفع دعواهم، وكان جوهرها بسيطاً جداً، قبل أن يصبح الله أهلاً لمحاكمتهم، عليه أن يذوق ما ذاقوا !! ..
    " وكان قرارهم الحكم على الله أن يعيش على الأرض كإنسان، ولأنه إله، وضعوا شروطاً تضمن أنه لن يستخدم قوته الإلهية ليساعد نفسه، وكانت شروطهم :
    " ينبغى أن يولد فى شعب مستعمر ذليل ..
    " ليكن مشكوكاً فى شرعية ميلاده، فلا يعرف له أب، وكأنه وليد سفاح ..
    " ليكن صاحب قضية عادلة حقيقية، لكنها متطرفة جداً حتى تجلب عليه الكراهية والحقد والإدانة بل والطرد أيضاً من كل سلطاته الرئيسية التقليدية، ليحاول أن يصف للناس ما لم يره إنسان أو يسمع به، ولا لمسته يداه، ليحاول أن يعرف الإنسان بالله ..
    " ليجعل أعز وأقرب أصدقائه يخونه ويخدعه، ويسلمه لمن يطلبونه، ليجعله يدان بتهم كاذبة، ويحاكم أمام محكمة متحيزة غير عادلة، ويحكم عليه قاض جبان ..
    " ليذق ما معنى أن يكون وحيداً تماماً بلا رفيق فى وسط أهله، منبوذاً من كل أحبائه، كل الأحباء ..
    " ليتعذب ليموت .. نعم يموت ميتة بشعة محتقرة مع أدنى اللصوص ..
    " كان كل قائد يتلو الجزء الذى اقترحه فى هذه الشروط، وكانت همهمات الموافقة والاستحسان تعلو .. ولكن ما أن انتهى آخرهم من نطلق الحكم حتى ساد الوادى صمت رهيب وطويل، ولم يتكلم إنسان أو يتحرك ..
    " فقد اكتشفوا جميعاً ـ فجأة ـ أن الله قد نفذ فيه هذا الحكم فعلاً .. لكنه أخلى نفسه، آخذاً صورة عبد، صائراً فى شبه الناس، وإذ وجد فى الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت .. موت الصليب .. " .
    ولنا بعد هذه المطالعة المفيدة عن سر " الانتحار الإلهى " أن نسأل :
    أ ـ هل كان العبيد الثائرون يعرفون أن الله عديم الإحساس بآلامهم المبرحة، فأحبوا أن يشعر شخصياً بمرارتها حتى يرق لحالهم، وبذلك حكموا بقتله ؟
    ب ـ هل انقطعت هذه الآلام بعد الصلب أم بقيت تتجدد على اختلاف الزمان والمكان ؟ وبذلك لم تؤد قصة الصلب المنشود منها، فينبغى أن تكرر ؟
    جـ ـ ما هى درجة السلطة التى يمتلكها هذا الإله فى العالم ؟ وهل هى من الهوان بحيث تسمح لثورة بيضاء أو حمراء أن تنفجر مطالبة بشنقه أو صلبه ؟ وهل يحمل هذا الإله مسئولية المآسى العالمية ؟!
    د ـ وإذا كان الصلب لفداء الخطايا، فهل هذا الفداء يتناول صانعى الشرور والآثام والمظالم أم يتجاوزهم ؟ أم هو لتصبر الضحايا على ما ينزل بها ؟
    ونحن لا نريد إجابات على هذه الأسئلة، فعقيدتنا نحن المسلمين أن الله العظيم فوق هذه التصورات الهازلة .
    إن هذا الكلام الذى قرأنا من أسوأ وأغرب ما وصف به الله، وما كنا نحن نتصور أن يصل الإسفاف فى الحديث عن الله جل جلاله إلى هذا الدرك المعيب، ولكن صاحب الفم الذهبى ـ لا فض فوه ـ يأبى إلا أن يستغل مهارته الصحافية فى تسطير هذا اللغو ونشره بين الطلاب المسلمين، لأنه يعتقد أن القرآن يقبل التعاليم المسيحية وأن التوحيد ينسجم مع التثليث .
    وقد كتب فى رمضان الأسبق مقالاً فى مجلة الهلال يحاول فيه إثبات هذا الهراء، ويريد به أن يختل المسلمين عن توحيدهم وسلامة معتقدهم .
    وكم نود أن نقول لهذا الكاتب ومن وراءه من الحاقدين على الإسلام : " يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل " ( المائدة : 77 )
    وأعود إلى ما بدأت به هذا الحديث : إن أتباع الأديان المختلفة يستطيعون أن يعيشوا أصدقاء، والوحدة القومية بين العرب المسلمين والنصارى موضح احترام الجميع .
    لكن الانسياق مع التعصب الأمريكى ضد الإسلام يجب أن يختفى فوراً . إن كل محاولة لإهانة الإسلام وإحراج أهله لا يمكن أن تكون موضع احترام، والمال الأمريكى المبذول فى هذا السبيل يجب أن يذهب هدراً .










  5. #5
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي


    حول صلب عيسى

    لا أعرف قضية طال فيها اللجاج دون سبب يعقل مثل قضية الصلب والفداء، ولعلها أصدق شاهد يساق لقوله تعالى : " وكان الإنسان أكثر شىء جدلاً " . ولا أزال أذكر حكاية القسيس الألمانى الذى زارنى يوماً فى مكتبى، وشاء له سوء حظه أن يحدثنى فيها، فقلت له ضاحكاً : أترى هذا الثوب الأبيض الذى ألبسه ؟ أرأيت إذا وقعت عليه نقطة حبر أتزول إذا غسلت أنت ثوبك ؟ قال : لا . قلت : فلم يزول خطئى إذا اعتذر عنه آخر ؟
    عندما ألوث نفسى بخطأ دق أو جل، فأنا المسئول عنه، أغسل أنا نفسى منه، أشعر أنا بالندم عليه، أقوم أنا من عثرتى إذا وقعت، ثم أعود أنا إلى الله لأعترف له بسوء تصرفى وأطلب أنا منه الصفح .
    أما أن العالم يخطئ فيقتل الله ابنه كفارة للخطأ الواقع فهذا ما يضرب الإنسان كفاً بكف لتصوره !!
    هذا أول الأسطورة، أما آخرها فلا بد أن نعرف : من القاتل ومن القتيل ؟؟
    إن المسيحيين يقولون : إن الله " الابن " صلب، لكنهم يقولون كذلك : إن الآب هو الابن، هما ـ والروح القدس ـ جميعاً شىء واحد .
    إن كان الأمر كذلك فالقاتل هو القتيل !! وذاك سر ما قاله أحد الفرنجة المفكرين :
    " خلاصة المسيحية أن الله قتل الله لإرضاء الله !! "
    ولمن شاء أن يقنع نفسه بهذه النقائض، وأن يفنى عمره فى خدمتها، أما أن يجىء إلينا نحن المسلمين ليلوينا بالختل أو بالعنف عن عقيدتنا الواضحة ويحاول الطعن فيها فهذه هى السماجة القصوى .
    وبين يدى الآن نحو عشر نشرات وزعت خارج الكنائس للدعوة إلى أسطورة الفداء، قرأتها كلها وشعرت بالرثاء لكاتبيها .
    وكما يحاول قروى ساذج إقناع العلماء أن القنبلة الذرية مصنوعة من كيزان الذرة يحاول هؤلاء " المبشرون " العميان إقناعنا بأنهم على حق .
    المنشورات وما تضمنت من أوهام
    اقرأ معى هذه السطور الصادرة عن كنيسة " مار مرقص " بمصر الجديدة، يقول الكاتب : " ربما لم أقابلك شخصياً لكن هناك شيئاً يجب أن أقوله لك، إنه أمر فى غاية الأهمية حتى أننى سأكون مقصراً إن لم أخبرك به " .
    حسناً، هات ما عندك، ولا تكن من المقصرين !!
    يقول الكاتب : " دعنى أخبرك بإخلاص أنها رسالة شخصية لك، لا يمكنك أن تهرب منها، وهذه هى الرسالة من إنجيل يوحنا ( 3 : 16 ) :
    " لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل " ابنه " الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية " .
    هذا هو الخبر الخطير ! تمخض الجبل فولد فأراً !!
    لماذا يقتل الله ابنه الوحيد البرىء من أجل ذنوب الآخرين ؟
    وإذا كان الإله رب أسرة كبيرة فلم يقتل أبناءه كلهم أو جلهم من غير جريرة ؟
    أليس الأعقل والأعدل أن يقول هذا الإله للمذنبين :
    تطهروا من أخطائكم وتوبوا إلىّ أقبلكم ؟!
    ولا قتل هناك ولا لف ولا دوران ؟
    هكذا فعل الإسلام وأرسى قواعد العلاقة الصحيحة بين الله وعباده " ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً " ( النساء : 110 )
    أما قصة أن لله ولداً وحيداً أو غير وحيد فكذب صارخ . إن الولادة شىء يتوقع بين بعض الأحياء، ولا مكان لهذه المفاهيم عند تصور الألوهية " وقل الحمد لله الذى لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك فى الملك، ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيراً " ( الإسراء : 111 )
    " يا ربى لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك " .
    وهاك سطوراً من نشرة أخرى تحت عنوان " حقائق مخفية " بدأها كاتبها قائلاً : " حقائق أنت أحوج إلى إدراكها من الهواء الذى تتنفسه " !!
    شىء مدهش، ما هذه الحقائق التى نفتقر إليها على هذا النحو ولم نشعر بفقدانها من زمن بعيد ؟
    يقول الكاتب : " تعال إلى الرب يسوع الآن كما أنت، لا تسع فى إصلاح نفسك (!) لأنه هو يستطيع أن يخلق منك شخصاً جديداً طاهراً " ولكن لماذا لا أسعى فى تزكية نفسى ورفع مستواى المادى والمعنوى ؟
    يقول كاتب النشرة : " احذر أن يكون مثلك مثل المتسول مع الرسام ..
    " ذلك أن رساماً أراد أن يرسم رجلاً فى منتهى الذل والمسكنة، فرأى متسولاً يتعثر فى أسمال بالية، فطلب منه أن يحضر فى ميعاد عينه له، على أن يعطيه أجراً .. لكن ذلك المتسول خجل من أسماله البالية فاستعار لباساً يدفع به عن نفسه الخجل، ثم أتى إلى الرسام فى الميعاد، فلما نظر إليه الرسام قال : إنى لا أعرفك . فأجاب الرجل : ألا تذكر شحاذاً فقيراً اتفقت معه على أن يجيئك فى هذا الميعاد . قال : إنى لا أذكر إلا رجلاً فى أسمال بالية أما أنت فلا أذكرك ..
    " إن الرب ـ يعنى يسوعاً ـ يطلبك فى حالتك السيئة، وما عليك إلا أن تعترف بكل الشرور التى أنت مستعبد لها، وتقبله مخلصاً شخصياً لك، إذا فعلت ذلك فإن حمل خطاياك ينطرح عن ظهرك " .
    ونحن المسلمون نقرأ هذا الكلام ونستغرب أن ننقل صفات الله إلى شخص آخر .. إننا مكلفون ـ كسائر البشر ـ بتزكية أنفسنا وصقلها وتربيتها " ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها " .
    فإذا أخطأ أحدنا، ذهب إلى ربه يستغفره ويستهديه ويستعينه على العودة إلى الصواب " وهو الذى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله " ( الشورى : 25، 26 )
    ما دخل آدم أو عيسى أو محمد فى ذلك، إنهم كلهم بشر يحتاجون إلى المغفرة، ويطلبون من ربهم النجدة .
    ولكى يحس القارئ بما حوت هذه النشرة من خلط ننقل هذه العبارة من كلامه : " هب أنه طلب منك أن تشترك فى جريمة صلب ربك، وأن تقل مع من هزءوا به، أكنت ترضى ؟ يقيناً لا .. ولكنك ما دمت لم تختبر قوة صلب المسيح فى خلاص نفسك من الخطيئة، فإنك بخطاياك تشترك فى جريمة صلب ربك " !
    هذا الهراء هو الذى نحتاج إليه كما نحتاج إلى الهواء الذى نتنفسه ..
    عبيد يستطيعون صلب ربهم، ومع ذلك يطلبون منه المغفرة والرضا .. هلا طلبوا ذلك من الله الذى طلب منه المسيح نفسه النجاة، وعاتبه أن تركه للأعداء كما يقولون !!
    وهاك نشرة أخرى تحت عنوان " متجدد أم متدين " ؟ بدأت بهذه الكلمات : " الوردة الطبيعية جميلة الشكل زكية الرائحة، فيها حياة . والوردة الصناعية جميلة الشكل عديمة الرائحة ليس فيها حياة . إن الوردة الطبيعية تمثل المتجدد، أما الوردة الصناعية فتشبه أولئك الذين قال عنهم بولس : " لهم صورة التقوى ولكنهم ينكرون قوتها " .
    ولا أفهم بالضبط ما يعنى بولس، أيقصد المرائين ؟ ربما .. المهم أن كاتب النشرة يختمها بهذه العبارات " دعنى أسألك أيها العزيز : هل أنت متجدد أم متدين . إذا كنت قد حصلت على الولادة من فوق فطوبى لك، أثبت إذن فى المسيح .. أما إذا كنت متديناً فأسرع بتسليم حياتك الآن للمسيح .. فتنال الحياة الجديدة التى حصلت عليها المرأة الخاطئة حين غسلت قدمى الرب يسوع بدموعها ومسحتها بشعر رأسها، والتى قال لها الرب : مغفورة لك خطاياك، إيمانك قد خلصك " .
    هذه النشرة من مثيلاتها مصرة على تسمية المسيح الرب، ووصفه بأنه الغفار .
    ونحن نقبل المسيح مبلغاً عن الله كإخوانه الأنبياء لا يزيد ولا ينقص ونقتدى به وبهم جميعاً فى التقرب إلى الله بالعمل الصالح .
    والتدين يهب لنا حياة عقلية ووجدانية راقية، أما التجديد الذى تتحدث عنه النشرة فضرب من الهوس يستهوى الصبية، ومن يحسبون الدين أوهاماً وتهاويل " وجعلوا له من عباده جزءاً، إن الإنسان لكفور مبين " [الزخرف : 15]
    التجديد ليس أن تعجن الخالق والمخلوق فى أقنوم مائع، ثم تلف حوله حارقاً البخور، نافخاً فى المزمور، كلا، إن التجديد أولاً وآخراً عقل يرفض الخرافة، وقلب يتعشق الكمال ويتطلبه ..
    وهذا منشور آخر من " لبنان " يدور كذلك حول يسوع المصلوب غفار الذنوب يقول كاتبه : " أيها الأخ العزيز خطاياك موضوعة على يسوع لتنال سلاماً مع الله وتشفى نفسك من جروحها . إن تقدمت إلى المصلوب المحبوب وسلمته خطاياك تختبر أن دمه يطهرك من كل إثم حتى ولو كنت قاتلاً أو متعصباً أو حالفاً بالله كذباً، ومهما كانت خطاياك كبيرة أو صغيرة فإن المسيح هو يغفرها جميعاً " !!!
    ويجاوبه منشور آخر من القاهرة يرد فيه هذا التساؤل : " لكنك تقول توجد آراء كثيرة فكيف أعرف من هو على حق ؟ ..
    " كل من يرشدك إلى المسيح قارب النجاة فهو على حق، وكل من يبقيك فى السفينة العتيقة ـ المشرفة على الغرق ـ يخدعك ويضلك، هل أنت مجتهد بشتى الوسائل فى إصلاح السفينة العتيقة، أى طبيعتك البشرية الساقطة ؟ اعلم أنك إذن إذا استمررت على هذه الحال فلا بد أن تغطس إن عاجلاً وإن آجلاً .. " .
    أى أن كل تهذيب وتأديب منتهيان بصاحبهما حتماً إلى الغرق، ما لم يعتقد أن المسيح صلب من أجله، وأنه هو وحده فداء خطاياه ..
    مهما أتيت ربك بقلب سليم بل لو أتيته بضمير فى طهر السحاب وضياء الشروق فلا وزن لهذا كله، ما لم تؤمن أن عيسى قتل من أجل أن يفتدى خطاياك، ويخلصك من ذنوبك ؟!
    هذه هى خلاصة المنشورات التى حررها بنفسه أو أشرف على تحريرها صاحب الفم الذهبى رئيس إخواننا الأقباط، وعمل على توزيعها فى أوسع نطاق ..
    " وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شىء، إنهم لكاذبون، وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون " ( العنكبوت : 12، 13 )
    الإسلام أقوى بكثير من هذه التفاهات
    إننا معشر المسلمين نحب عيسى ونوقره ونعد أنفسنا أتباعه، ونرفض بغضب كل ريبة توجه إليه أو إلى السيدة البتول أمه، بل نحن أولى بعيسى من أولئك الذين ينتمون إليه ويغالون فيه .
    وليس خلافنا مع النصارى أنه قتل أو لم يقتل، الخلاف أعمق من ذلك .. الخلاف : أهو " إنسان " كما نقول أو " إله " كما يزعمون ؟
    أكل امرىء بما كسب رهين ؟ أم أن هناك قرباناً قدمه الله من نفسه لمحو خطايا البشر ؟
    هم يرون أن الله فى السماء ترك ابنه الوحيد على خشبة الصليب ليكون ذلك القربان ..
    ونتساءل : أكان عيسى يجهل ذلك عندما قال : إلهى لماذا تركتنى ؟
    وثم سؤال أخطر : هل المنادى المستغيث فى الأرض هو هو المنادى المستغاث به فى السماء، لأن الأب والابن شىء واحد كما يزعمون ؟؟
    هذا كلام له خبئ معناه : ليست لنا عقول !!
    الحق أن هذه العقيدة النصرانية يستحيل أن تفهم .
    قرأت مقالاً للدكتور " ميشيل فرح " فى جريدة " لميساجى " الصادرة فى القاهرة فى 16 / 9 / 1973 م يشرح هذه العقيدة بطريقة عقلانية قال : " الكتاب المقدس ينبئ أن الله سوف يظهر نفسه، أى أن الكلمة المجردة ستأخذ جسداً ولحماً (!) وهذا هو الحدث الجديد . عمانوئيل . الله معنا . الله يصبح بشرى سارة، الله يعلن ويخبر . وهذا الظهور أساس كل شىء . هو الرد على سؤال توفيق الحكيم فى قصته المشهورة " أرنى الله " . ها هو الله . شىء ما حدث وحصل ووقع وتأنس " .
    هذا الكلام المبهم المضطرب الذى لا يعطى معنى هو التفسير العقلانى للعقيدة المسيحية !
    رب المشارق والمغارب ظهر فى إهاب " بشر " ليراه الناس، ثم من فرط رحمته بهم " ينتحر " من أجلهم !
    من يكلفنى بهضم هذا القول ؟
    هل أعتنق هذا وأترك القرآن الذى يقرر العقيدة على هذا النحو : " قل لمن ما فى السموات والأرض، قل لله، كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ..
    .. الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون " ( الأنعام : 12 )
    " ألا إن لله من فى السموات ومن فى الأرض وما يتبع الذين من دون الله شركاء .. إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون " ..
    " هو الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً . إن فى ذلك لآيات لقوم يسمعون . قالوا : اتخذ الله ولداً سبحانه هو الغنى له ما فى السموات وما فى الأرض . إن عندكم من سلطان بهذا . أتقولون على الله ما لا تعلمون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون " ( يونس : 66 ـ 69 )
    هكذا خاصم الإسلام الخرافة وأعلن إباءه التام للون مقنع من الشرك، وسد الطريق فى وجه القرابين الوثنية وهى تتسلل فى خبث لتطمس معالم التوحيد .
    لم كرمنا الله بالعقل إذا كان مفروضاً أن نطرحه ظهرياً عندما نختار أهم شىء فى الحياة وهو الإيمان والسلوك ؟
    إن العقل يجزم بأن عيسى بشر وحسب، ويرفض أن يكون " إلهاً " ابناً مع " إله " مع " إله " آخر روح قدس، وثلاثتهم واحد مع تعددهم، وتعددهم حتم، لأن أحدهم ترك الآخر يصلب ..
    هذا كلام يدخل فى باب الألغاز، ولا مجال له فى عالم الحق والتربية ..
    ومع ذلك فنحن المسلمين نقول لمن يصدقه : عش به ما شئت " لا إكراه فى الدين " ( البقرة : 256 ) فهل الرد على هذا المنطق إثارة كل هذا الدخان فى آفاقنا، ومحاولة ختل الشباب ونشر الفتنة ؟
    قصة " الله محبة " وموقف شتى الأناجيل منها
    وقال لى أحدهم وهو يحاورنى : إننا نرى أن الله محبة !! على عكس ما ترون .. فأجبت ساخراً، كأننا نرى الله كراهية ؟ إن الله مصدر كل رحمة وبر، وكل نعمة وخير .. وصحيح أننا نصفه بالسخط على الفجار والظلمة، والأمر فى ذلك كما قال جل شأنه " ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين " أفليس الأمر كذلك لديكم ؟ إنكم تخدعون العالمين بذكر هذه الكلمة وحدها ووضع ستائر كثيفة على ما عداها من كلمات تصف الجبروت الإلهى بأشد مما ورد فى الإسلام، بل إن تعامل بعضكم مع البعض، وتعاملكم جميعاً مع الخصوم لا يقول إلا على هذه الكلمات الأخرى التى تخفونها، وما أكثرها لديكم .
    قال " ايتين دينيه " المستشرق المسلم : " بيد أن المسيح نفسه ـ وهو سيدنا وسيد المسيحيين ـ يعلن : " ولا تظنوا أنى جئت أنشر السلام على الأرض، إننى لم آت أحمل السلام وإنما السيف " (متى:الاصحاح العاشر:34) ..
    " ويقول السيد المسيح : " إننى جئت لألقى النار على الأرض، وماذا أريد من ذلك إلا اشتعالها " ( لوقا : الاصحاح الثانى عشر، 49 ) ..
    " ويقول السيد المسيح : " إذ إنى جئت لأفرق بين الولد وأبيه، والبنت وأمها، وبين زوجة الابن وأمه " ( متى : الاصحاح العاشر : 35 ) ..
    " ويقول السيد المسيح : " إن كان أحد يأتى ولا يبغض أباه وأمه، وامرأته وأولاده، وإخوته وأخواته، حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون لى تلميذاً " ( لوقا : الاصحاح الرابع عشر : 26 ) ..
    " أين من هذا ما جاء به النبى العربى الكريم من سلام حقيقى وحب كامل بين الأخ وأخيه، وبين الزوجة وزوجها، وبين الأب وولده، وبين الأم وفلذة كبدها، وبين الجار وجاره مسلماً كان أو غير مسلم، وبين الأرحام والأقرباء، وبين المشتركين فى الإنسانية الذين يتوفر لديهم مدلول الإنسانية فى بنى الإنسان " .
    إننا ـ نحن المسلمين ـ نتقرب إلى الله عز وجل برحمة الناس وغير الناس والبذل من مالنا وجهدنا ووقتنا فى سبيل نفعهم، ولنا على كل شىء من ذلك أجر فى ميزان الله الذى لا يختل عنده ميزان .
    وما أصدقها شهادة تلك التى بعث بها البطريرك ( النسطورى الثالث ) إلى البطريرك " سمعان " زميله فى المجمع بعد ظهور الإسلام حيث قال فى كتابه : " إن العرب الذين منحهم الرب سلطة العالم وقيادة الأرض أصبحوا معنا، ومع ذلك نراهم لا يعرضون النصرانية بسوء، فهم يساعدوننا ويشجعوننا على الاحتفاظ بمعتقداتنا، وإنهم ليجلون الرهبان والقسيسين، ويعاونون بالمال الكنائس والأديرة " .
    وما أصدق ما يقوله المؤرخ العالمى ( هـ . ج . ويلز ) فى كتابه : " معالم تاريخ الإنسانية " لقد تم فى
    " 125 عاماً أن نشر الإسلام لواءه من نهر السند إلى المحيط الأطلسى وأسبانيا، ومن حدود الصين إلى مصر العليا ولقد ساد الإسلام لأنه كان خير نظام اجتماعى وسياسى استطاعت الأيام تقديمه، وهو قد انتشر لأنه كان يجد فى كل مكان شعوباً بليدة سياسياً : تسلب وتظلم وتخوف، ولا تعلم ولا تنظم، كذلك وجدت حكومات أنانية سقيمة لا اتصال بينها وبين أى شعب . فكان الإسلام أوسع وأحدث وأنظف فكرة سياسية اتخذت سعة النشاط الفعلى فى العالم حتى ذلك اليوم، وكان يهب بنى الإنسان نظاماً أفضل من أى نظام آخر " .
    تجليات العذراء، الرمح المقدس، الحقيقة العلمية المطاردة
    تقتعد خوارق العادات المكانة الأولى فى الأديان البدائية، وكلما وَهى الأساس العقلى لدين ما زاد اعتماده على هذه الخوارق، وجمع منها الكثير لكهنته وأتباعه .
    والمسيحية من الأديان التى تعول فى بقائها وانتشارها على عجائب الشفاء، وآثار القوى الخفية الغيبية .
    وبين يدى الآن نشرة صغيرة، على أحد وجهيها صورة العذراء وهى تقطر وداعة ولطفاً، وعلى ذراعها الطفل الإله يسوع يمثل البراءة والرقة . أما الوجه الآخر للصورة فقد تضمن هذا الخبر تحت عنوان " محبة الآخرين وخدمتهم "، وتحته هذه الجملة " حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع " ( غل 6 : 10 ) " كانت السيدة زهرة ابنة محمد على باشا بها روح نجس، ولما علم أبوها أن " الأنبا حرابامون " أسقف المنوفية قد أعطاه الله موهبة إخراج الأرواح النجسة استدعاه . ولما صلى لأجلها شفيت فى الحال، فأعطاه محمد على باشا صرة بها أربعة آلاف جنيه، فرفضها قائلاً : إنه ليس فى حاجة إليها لأنه يعيش حياة الزهد، وهو قانع بها " .
    هذا هو الخبر الذى يوزع على الجماهير ليترك أثره فى صمت .
    وموهبة استخراج العفاريت من الأجسام الممسوسة موهبة يدعيها نفر من الناس، أغلبهم يحترف الدجل، وأقلهم يستحق الاحترام، وأعرف بعض المسلمين يزعم هذا، وأشعر بريبة كبيرة نحوه .
    ومرضى الأعصاب يحيرون الأطباء، وربما أعيا أمرهم عباقرة الطب، ونجح فى علاجهم عامى يكتب " حجاباً " لا شىء فيه غير بعض الصور والأرقام .
    وليس يعنينى أن أصدق أو أكذب المأسوف على مهارته أسقف المنوفية، وإنما يعنينى كشف طريقة من طرق إقناع الناس بصدق النصرانية، وأن الثالوث حق، والصلب قد وقع، والأتباع المخلصين يأتون العجائب ..
    والمسيحية أحوج الأديان لهذا اللون من الأقاصيص، هى فقيرة إليها فى سلمها لإثبات أصولها الخارجة على المنطق العقلى، وفقيرة إليه فى قتالها لتبرير عدوانها على الآخرين .
    وتدبر معى هذه القصة من قصص الحروب الصليبية المشهورة بقصة " الرمح المقدس " منقولة من كتاب " الشرق والغرب " :
    " دفع الصليبيون من أجل عبور آسيا الصغرى ثمناً باهظاً، إذ فقدوا أفضل جنودهم وخيرة عساكرهم، بينما استولى اليأس والفزع على البقية الباقية ..
    " وبدأ الخوف من تفكك الجيش وفرار الجنود يساور القادة، فعمدوا إلى بعض الحيل الدينية لصد هذا الخطر وربط الجنود برباط العقيدة . ومن تلك الحيل التى روجوا لها ما رواه المؤرخون عن ظهور المسيح والعذراء أمام الجنود الهيابين ووعدهم بالصفح عن الخطايا والخلود فى الجنة إذا ما استماتوا فى معاركهم ضد المسلمين ..
    " غير أن هذا الأسلوب النظرى لم يلهب حماس الجنود، ولم يحقق الغرض الذى ابتدعه الصليبيون من أجله، فكان لا بد من أسلوب آخر ينطوى على واقعة مادية يكون من شأنها إعادة الإيمان إلى القلوب التى استبد بها اليأس، وتقوية العزائم التى أوهنتها الحرب . وهنا أذيع بين الجنود قصة اكتشاف الرمح المقدس ..
    " تلك الواقعة التى روى تفاصيلها المؤرخ " جيبون " فضلاً عن غيره من المؤرخين المعاصرين . قال : ..
    " إن قساً يدعى بطرس بارتلمى من التابعين لأسقفية " مارسيليا " منحرف الخلق ذا عقلية شاذة، وتفكير ملتو معقد زعم لمجلس قيادة الحملة الصليبية، أن قديساً يدعى " أندريه " زاره أثناء نومه، وهدده بأشد العقوبات إن هو خالف أوامر السماء، ثم أفضى إليه بأن الرمح الذى اخترق قلب عيسى عليه السلام مدفون بجوار كنيسة القديس بطرس فى مدينة " انطاكيا "، فروى " بارتلمى " هذه الرؤيا لمجلس قيادة الجيش، وأخبرهم بأن هذا القديس الذى طاف به فى منامه قد طلب إليه أن يبادر إلى حفر أرض المحراب لمدة أيام ثلاثة، تظهر بعدها " أداة الخلود " التى " تخلص " المسيحيين جميعاً، وأن القديس قال له : ابحثوا تجدوا .. ثم ارفعوا الرمح وسط الجيش، وسوف يمرق الرمح ليصيب أرواح أعدائكم المسلمين ..
    " وأعلن القس " بارتلمى " اسم أحد النبلاء ليكون حارساً للرمح، واستمرت طقوس العبادة من صوم وصلاة ثلاثة أيام دخل فى نهايتها اثنا عشر رجلاً ليقوموا بالحفر والتنقيب عن " الرمح " فى محراب الكنيسة (!) ..
    " لكن أعمال الحفر والتنقيب التى توغلت فى عمق الأرض اثنى عشر قدماً لم تسفر عن شىء . فلما جن الليل أخلد " النبيل " الذى اختير لحراسة الرمح إلى شىء من الراحة، وأخذته سنة من النوم، وبدأت الجماهير التى احتشدت بأبواب الكنيسة تتهامس ..! ..
    " فاستطاع القس " بارتلمى " فى جنح الظلام أن ينزل إلى الحفرة، مخفياً فى طيات ثيابه قطعة من نصل رمح أحد المقاتلين العرب، وبلغ أسماع القوم رنين من جوف الحجرة، فتعالت صيحاتهم من فرط الفرح، وظهر القس وبيده النصل الذى احتواه بعد ذلك قماش من الحرير الموشى بالذهب، ثم عرض على الصليبيين ليلتمسوا منه البركة، وأذيعت هذه الحيلة بين الجنود وامتلأت قلوبهم بالثقة، وقد أمعن قادة الحملة فى تأييد هذه الواقعة بغض النظر عن مدى إيمانهم بها أو تكذيبهم لها .. " .
    على هذا النحو، ولمثل هذا الغرض جرت أسطورة ظهور العذراء فى كنيسة عادية، وكاهنها ـ فيما علمت ـ رجل فاشل لا يتردد الأقباط على دروسه .
    وبين عشية وضحاها أصبح كعبة الآلاف، فقد شاع وملأ البقاع أن العذراء تجلت شبحاً نورانياً فوق برج كنيسته، ورآها هو وغيره فى جنح الليل البهيم ..
    وكأنما الصحف المصرية كانت على موعد مع هذه الإشاعة، فقد ظهرت كلها بغتة، وهى تذكر النبأ الغامض، وتنشر صورة البرج المحظوظ، وتلح إلى حد الإسفاف فى توكيد القصة ..
    وبلغ من الجرأة أنها ذكرت تكرار التجلى المقدس فى كل ليلة .
    وكنت موقناً أن كل حرف من هذا الكلام كذب متعمد، ومع ذلك فإن أسرة تحرير مجلة " لواء الإسلام " قررت أن تذهب إلى جوار الكنيسة المذكورة كى ترى بعينيها ما هنالك ..
    وذهبنا أنا والشيخ " محمد أبو زهرة " وآخرون، ومكثنا ليلاً طويلاً نرقب الأفق، ونبحث فى الجو، ونفتش عن شىء، فلا نجد شيئاً البتة .
    وبين الحين والحين نسمع صياحاً من الدهماء المحتشدين لا يلبث أن ينكشف عن صفر .. عن فراغ .. عن ظلام يسود السماء فوقنا .. لا عذراء ولا شمطاء ..
    وعدنا وكتبنا ما شهدنا، وفوجئنا بالرقابة تمنع النشر ..
    وقال لنا بعض الخبراء : إن الحكومة محتاجة إلى جعل هذه المنطقة سياحية، لحاجتها إلى المال، ويهمها أن يبقى الخبر ولو كان مكذوباً ..
    ما هذا ؟!
    ولقينى أستاذ الظواهر الجوية بكلية العلوم فى جامعة القاهرة، ووجدنى ساخطاً ألعن التآمر على التخريف وإشاعة الإفك، فقال لى : أحب أن تسمع لى قليلاً، إن الشعاع الذى قيل برؤيته فوق برج الكنيسة له أصل علمى مدروس، واقرأ هذا البحث .
    وقرأت البحث الذى كتبه الرجل العالم المتخصص ( الأستاذ الدكتور محمد جمال الدين الفندى )، واقتنعت به، وإنى أثبته كاملاً هنا .. :
    " ظاهرة كنيسة الزيتون ظاهرة طبيعية ..
    " عندما أتحدث باسم العلم لا أعتبر كلامى هذا رداً على أحد، أو فتحاً لباب النقاش فى ظاهرة معروفة، فلكل شأنه وعقيدته، ولكن ما أكتب هو بطبيعة الحال ملخص ما أثبته العلم فى هذا المجال من حقائق لا تقبل الجدل ولا تحتمل التأويل، نبصر بها الناس، ولكل شأنه وتقديره ..
    " ولا ينكر العلم الطبيعى حدوث هذه الظاهرة، واستمرارها فى بعض الليالى لعدة ساعات، بل يقرها ولكن على أساس أنها مجرد نيران أو وهج أو ضياء متعددة الأشكال غير واضحة المعالم، بحيث تسمح للخيال أن يلعب فيها دوره، وينسج منها ما شاءت الظروف أن ينسج من ألوان الخيوط والصور . إنها من ظواهر الكون الكهربائية التى تحدث تحت ظروف جوية معينة، تسمح بسريان الكهرباء من الهواء إلى الأرض عبر الأجسام المرتفعة نسبياً المدببة فى نفس الوقت، شأنها فى ذلك مثلاً شأن الصواعق التى هى نيران مماثلة، ولكن على مدى أكبر وشدة أعظم، وشأن الفجر القطبى الذى هو فى مضمونه تفريغ كهربى فى أعالى جو الأرض، ولطالما أثار الفجر القطبى اهتمام الناس بمنظره الرائع الخلاب، حتى ذهب بعضم خطأ إلى أنه ليلة القدر، لأنه يتدلى كالستائر المزركشة ذات الألوان العديدة التى تتموج فى مهب الريح ..
    " ومن أمثلة الظواهر المماثلة لظاهرتنا هذه أيضاً ـ من حيث حدوث الأضواء وسط الظلام ـ السحب المضيئة العالية المعروفة باسم " سحاب اللؤلؤ "، وهذا السحاب يضىء ويتلألأ وسط ظلام الليل، لأنه يرتفع فوق سطح الأرض، ويبعد عنها البعد الكافى الذى يسمح بسقوط أشعة الشمس عليه رغم اختفاء قرص الشمس تحت الأفق، وتضىء تلك الأشعة ذلك السحاب العالى المكون من أبر الثلج، فيتلألأ ويلمع ضياؤه ويترنح وسط ظلام الليل ونقاء الهواء العلوى فيتغنى به الشعراء ..

    " وتذكرنا هذه الظاهرة كذلك بظاهرة السراب المعروفة، تلك التى حيرت جيوش الفرنسيين أثناء حملة نابليون على مصر، فقد ظنوا أنها من عمل الشياطين حتى جاءهم العالم الطبيعى " مونج " بالخبر اليقين، وعرف الناس أنها من ظواهر الطبيعة الضوئية ..
    " وظاهرتنا التى تهمنا وتشغل بال الكثيرين منا تسمى فى كتب العلم " نيران القديس المو " أو " نيران سانت المو "، ونحن نسوق هنا ما جاء عنها فى دائرة المعارف البريطانية التى يملكها الكثيرون ويمكنهم الرجوع إليها : النص الإنجليزى فى : Handy Volume Essue Eleventh Edition الصحيفة الأولى من المجلد الرابع والعشرين تحت اسم : St. Elms Firs .. وترجمة ذلك الكلام حرفياً : ..
    " نيران سانت المو : هى الوهج الذى يلازم التفريغ الكهربى البطىء من الجو إلى الأرض . وهذا التفريع المطابق لتفريغ " الفرشاة " المعروف فى تجارب معامل الطبيعة يظهر عادة فى صورة رأس من الضوء على نهايات الأجسام المدببة التى على غرار برج الكنيسة وصارى السفينة أو حتى نتوءات الأراضى المنبسطة، وتصحبها عادة ضوضاء طقطقة وأزيز ..
    " وتشاهد نيران سانت المو أكثر ما تشاهد فى المستويات المنخفضة خلال موسم الشتاء أثناء وفى أعقاب عواصف الثلج ..
    " واسم سانت المو هو لفظ إيطالى محرف من سانت " رمو " وأصله سانت أراموس، وهو البابا فى مدة حكم دومتيان، وقد حطمت سفينته فى 2 يونيو عام 304، ومنذ ذلك الحين اعتبر القديس الراعى لبحارة البحر المتوسط الذين اعتبروا نيران سانت الموا بمثابة العلاقة المرئية لحمايته لهم، وعرفت الظاهرة لدى قدماء الإغريق . ويقول بلن Biln فى كتابه " التاريخ الطبيعيى " أنه كلما تواجد ضوءان كانت البحارة تسميهما التوأمان، واعتبر بمثابة الجسم المقدس ..
    " على هذا النحو نرى أن أهل العلم الطبيعى لا يتحدثون عن خوارق الطبيعة، وإنما يرجعون كل شىء إلى قانونه السليم العام التطبيقى، أما من حيث انبعاث ألوان تميز تلك النيران، فيمكننا الرجوع إلى بعض ما عمله العلماء الألمان أمثال جوكل Gockel من تفسير الاختلاف فى الألوان، فهو يبين فى كتابه Das gewiter من التجارب التى أجراها فى ألمانيا أنه أثناء سقوط الثلج تكون الشحنة موجبة ( اللون الأحمر )، أما أثناء تساقط صفائح ثلج فإن الشحنة ليست نادرة، ويصحبها أزيز، ويغلب عليها اللون الأزرق ..
    " وفى كتاب الكهرباء الجوية Atmospheric Electricity لمؤلفه شوتلاند صفحة 38 نجده يقول : ..
    " تحت الظروف الملائمة فإن القسم البارز على سطح الأرض كصوارى السفن إذا تعرضت إلى مجالات شديدة من حالات شحن الكهرباء الجوية يحصل التفريغ الوهجى ويظهر واضحاً ويسمى نيران سانت المو ..
    " قارن هذا بالأوصاف التى وردت فى جريدة الأهرام بتاريخ 6 / 5 / 1968 .. ( هيئة جسم كامل من نور يظهر فوق القباب الأربع الصغيرة لكنيسة الزيتون أو فوق الصليب الأعلى للقبة الكبرى أو فوق الأشجار المحيطة بالكنيسة .. الخ .. ) ..
    " .. (.. أما الألوان .. فقد أجمعت التقارير حتى الآن على أنها الأصفر الفاتح المتوهج والأزرق السماوى )..
    " وعندما نرجع بالذاكرة إلى الحالة الجوية التى سبقت أو لازمت الرؤية الظاهرة، نجد أن الجمهورية كانت تجتاحها فى طبقات الجو العلوى موجة من الهواء الباردة جداً الذى فاق فى برودته هواء أوربا نفسها، مما وفر الظرف الملائم لتولد موجات كهربية بسبب عدم الاستقرار، ولكن فروق الجهد الكهربى يمكن أن تظل كافية مدة طويلة ..
    " ويضيف ملهام Milham عالم الرصد الجوى البريطانى فى كتابه " المتيرولوجيا " صفحة 481 ( أنه أحياناً تنتشر رائحة من الوهج .. ) وتفسيرنا العلمى للرائحة أنها من نتائج التفاعلات الكيماوية التى تصحب التفريغ الكهربى وتكون مركبات كالأوزون ..
    " وخلاصة القول أنه من المعروف والثابت علمياً أن التفريغ الكهربى المصحوب بالوهج يحدث من الموصلات المدببة عندما توضح فى مجال كهربى كاف، وهو يتكون من سيال من الأيونات التى تحمل شحنات من نفس نوع الشحنات التى يحملها الموصل ..
    " والتفريغات الكهربية التى من هذا النوع يجب أن تتوقع حدوثها من أطراف الموصلات المعرضة على الأرض، مثل النخيل والأبراج ونحوها، عندما يكون مقدار التغير فى الجهد الكهربى كافياً، بشرط أن يكون ارتفاع الجسم المتصل بالأرض ودقة الأطراف المعرضة ملائمة، ومن المؤكد أن الباحثين الأول أمثال فرنكلين لاحظوا مجال الجو الكهربى حتى فى حالات صفاء السماء ..
    " وتحت الظروف الطبيعية الملائمة التى توفرها الأطراف المدببة للأجسام المرتفعة فوق سطح الأرض قد يصبح وهج التفريغ ظاهراً واضحاً ..
    " وقد ذكر " ولسون " العالم البريطانى فى الكهربائية الجوية أن التفريغ الكهربى البطىء للأجسام المدببة يلعب دوراً هاماً فى التبادل الكهربى بين الجو والأرض، خصوصاً عن طريق الأشجار والشجيرات وقمم المنازل وحتى حقول الحشائش . وليس من اللازم أن ينتهى الجسم الموصل بطرف مدبب أو يبرز إلى ارتفاعات عظيمة ..
    " وقد يتساءل الناس : ..
    " ـ .. إن الظاهرة خدعت الأقدمين من الرومان قبل عصر العلم، ثم فى عصر العلم فسر العلماء الظاهرة على أنها تفريغ كهربى، لكن التاريخ يعيد نفسه، فقد خدعت نفس الظاهرة الطبيعية أهل مصر، فأطلقوا عليها نفس الاسم الذى تحمله الكنيسة التى ظهرت النيران فوقها، ومن هنا ظن القوم خطأ أنها روح مريم عليها السلام ..
    " ـ .. الظاهرة الطبيعية تحدث فى الهواء الطلق أعلى المبانى والشجر ولا تحدث داخل المبانى، وهو عين ما شوهد، ولو أنها كانت روح العذراء لراحت تظهر داخل الكنيسة بدلاً من الظهور على الأشجار والقباب ..
    " ـ .. الظاهرة الجوية يرتبط ظهورها ومكثها بالكهربائية الجوية، وعموماً بالجو وتقلباته، فهل إذا كانت روحاً يرتبط ظهورها بالجو كذلك ؟؟ ..
    " ـ .. الظاهرة الطبيعية لا تشاهد إلا عندما يخيم الظلام، بسبب ضعف ضوء الوهج بالنسبة إلى ضوء الشمس الساطع . ولكن ما يمنع الأرواح الطاهرة أن تظهر بالنهار ؟؟ ..
    " ـ .. إذا كانت نفس الظاهرة تشاهد فى أماكن أخرى فى مصر فما الموضوع ؟ " .
    وحاول الدكتور محمد جمال الدين الفندى أن ينشر بحثه فى الصحف فأبت، والغريب أنه لما نشر فى مجلة الوعى الإسلامى " الكويتية منع دخولها مصر ..
    والأغرب من ذلك أن الأوامر صدرت لأئمة المساجد ألا يتعرضوا للقصة من قريب أو بعيد !
    وذهب محافظ القاهرة " سعد زايد " ليضع تخطيطاً جديداً للميدان، يلائم الكنيسة التى سوف تبنى تخليداً لهذا الحدث الجليل .. وعلمت بعد ذلك من زملائى وتلامذتى أن لتجليات العذراء دورات منظمة مقصودة .
    فقد ظهرت فى " الحبشة " قريباً من أحد المساجد الكبرى فاستولت عليه السلطة فوراً، وشيدت على المكان كله كنيسة سامقة !!
    وظهرت فى " لبنان " فشدت من أزر المسيحية التى تريد فرض وجودها على جباله وسهوله مع أن كثرة لبنان مسلمة .
    وها هى ذى قد ظهرت فى القاهرة أخيراً لتضاعف من نشاط إخواننا الأقباط كى يشددوا ضغطهم على الإسلام ..
    وقد ظلت جريدة " وطنى " الطائفية تتحدث عن هذا التجلى الموهوم قريباً من سنة، إذ العرض مستمر، والخوارق تترى، والأمراض المستعصية تشفى، والحاجات المستحيلة تقضى ..
    كل ذلك وأفواه المسلمين مكممة،وأقلامهم مكسورة حفاظاً على الوحدة الوطنية .
    وسوف تتجلى مرة أخرى بداهة عندما تريد ذلك المخابرات المركزية الأمريكية . ولله فى خلقه شئون ..










  6. #6
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي


    الباب الثالث
    ماذا يريدون ؟


    إذا أراد إخواننا الأقباط أن يعيشوا كأعدادهم من المسلمين فأنا معهم فى ذلك، وهم يقاربون الآن مليونين ونصف، ويجب أن يعيشوا كمليونين ونصف من المسلمين ..
    لهم ما لهم من حقوق، وعليهم ما عليهم من واجبات، أما أن يحاولوا فرض وصايتهم على المسلمين، وجعل أزِمَّة الحياة الاجتماعية والسياسية فى أيديهم فلا ..
    إذا أرادوا أن يبنوا كنائس تسع أعدادهم لصلواتهم وشعائرهم الدينية فلا يعترضهم أحد .. أما إذا أرادوا صبغ التراب المصرى بالطابع المسيحى وإبراز المسيحية وكأنها الدين المهيمن على البلاد فلا ..
    إذا أرادوا أن يحتفظوا بشخصيتهم فلا تمتهن وتعاليمهم فلا تجرح فلهم ذلك، أما أن يودوا " ارتداد " المسلمين عن دينهم، ويعلنوا غضبهم إذا طالبنا بتطبيق الشريعة الإسلامية، وتعميم التربية الدينية فهذا ما لا نقبله ..
    إن الاستعمار أوعز إلى بعضهم أن يقف مراغماً للمسلمين، ولكننا نريد تفاهماً شريفاً مع ناس معقولين ..
    إن الاستعمار أشاع بين من أعطوه آذانهم وقلوبهم أن المسلمين فى مصر غرباء، وطارئون عليها، ويجب أن يزولوا، إن لم يكن اليوم فغداً .
    وعلى هذا الأساس أسموا جريدتهم الطائفية " وطنى " !
    ومن هذا المنطلق شرع كثيرون من المغامرين يناوش الإسلام والمسلمين، وكلما رأى عودة من المسلمين إلى دينهم همس أو صرخ : عاد التعصب، الأقباط فى خطر !!
    ولا ذرة من ذلك فى طول البلاد وعرضها، ولكنها صيحات مريبة أنعشها وقواها " بابا شنودة " دون أى اكتراث بالعواقب .
    وقد سبقت محاولات من هذا النوع أخمدها العقلاء، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كتابات القمص " سرجيوس " الذى احتفل " البابا شنودة " أخيراً بذكراه .
    ففى العدد 41 من السنة 20 من مجلة المنارة الصادر فى 6 / 12 / 1947 كتب هذا القمص تحت عنوان : " حسن البنا يحرض على قتال الأقليات بعد أن سلح جيوشه بعلم الحكومة " : يقول :
    " نشرنا فى العدد السابق تفسير الشيخ " حسن البنا " لآية سورة التوبة قوله : " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " ( التوبة : 29 ) ..
    " قال : وقد قال الفقهاء، وتظاهرت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة : أن القتال فرض عين إذا ديست أرض الإسلام، أو اعتدى عليها المعتدون من غير المسلمين، وهو فرض كفاية لحماية الدعوة الإسلامية وتأمين الوطن الإسلامى، فيكون واجباً على من تتم بهم هذه الحماية وهذا التأمين ..
    " .. وليس الغرض من القتال فى الإسلام إكراه الناس على عقيدة، أو إدخالهم قسراً فى الدين، والله يقول : " لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى " ( البقرة : 256 ) كما أنه ليس الغرض من القتال كذلك الحصول على منافع دنيوية أو مغانم دينية، فالزيت والفحم والقمح والمطاط ليست من أهداف المقاتل المسلم الذى يخرج عن نفسه وماله ودمه لله بأن له الجنة " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً فى التوراة والإنجيل والقرآن " ( التوبة : 111 ) ..
    " حكم قتال أهل الكتاب : ..
    " وأهل الكتاب : ( يقاتلون كما يقاتل المشركون تماماً، إذا اعتدوا على أرض الإسلام، أو حالوا دون انتشار دعوته .. ) ..
    " الرد : للشيخ ( حسن البنا ) أسلوبه الخاص فى الكتابة والتفسير وفى الفتاوى، ويعرف بالأسلوب المائع إذ يترك دائماً الأبواب مفتوحة، ليدخل متى شاء فى ما أراد دون أن يتقيد أو يمسك، ومن آيات ميوعته أنه يقول أن القتال يكون فرض عين إذا ديست أرض الإسلام، أو اعتدى عليها المعتدون من غير المسلمين، دون أن يبين أو يحدد ما هى أرض الإسلام أو الوطن الإسلامى : هل هى الحجاز فقط أم هى كل بلد من بلاد العالم يكون فيها المسلمون أغلبية أو أقلية أو متعادلين ؟ ..
    " وكان فى عدم تحديده لأرض الإسلام أو الوطن الإسلامى ماكراً سيئاً ؛ ليكون حراً فى إعلان القتال على من يشاء من المستضعفين من المسيحيين واليهود الذين يقوى على محاربتهم فى أى بلد كان، وكان أحرى به أن يقولها كلمة صريحة أن أرض الإسلام هى الحجاز، أى الأرض التى نشأ عليها الإسلام ـ أى الدين الإسلامى ـ وليست البلاد التى يعيش فيها المسلمون فى العالم . وسواء كانت أرض الإسلام أو وطن الإسلام هى الحجاز أم هى كل بلد من بلاد العالم يعيش فيه المسلمون، فلا يمكن العمل بما يقول به الشيخ ( حسن البنا ) بأن القتال فرض عين أو فرض كفاية على المسلمين إذا ديست أرض الإسلام أو اعتدى عليها المعتدون من غير المسلمين " .
    وأنا أسأل أى قارئ اطلع على تفسير " حسن البنا " : هل اشتم منه رائحة تحريض على الأقباط أو اليهود ؟
    وأسأل أى منصف قرأ الرد عليه : هل وجد فيه إلا التحرش والرغبة فى الاشتباك دون أدنى سبب ؟
    إن هذا القمص المفترى لا يريد إلا شيئاً واحداً : إبعاد الصفة الإسلامية عن مصر، واعتبار الحجاز وحده وطناً إسلامياً . أما مصر فليست وطناً إسلامياً لأن سكانها المسلمين فوق 92 % من جملة أهلها .
    ولماذا تنفى الصفة الإسلامية عن مصر مع أن هذه الصفة تذكر لجعل الدفاع عنها فريضة مقدسة ؟
    هذا ما يسأل عنه القمص الوطنى، والذين احتفلوا بذكراه بعد ربع قرن من وفاته ..
    إن الدفاع عن مصر ضد الاستعمار العالمى ينبغى أن تهتز بواعثه وأن تفتر مشاعره .. !!
    لقد كانت مصر وثنية فى العصور القديمة، ثم تنصر أغلبها، فهل يقول الوثنيون المصريون لمن تنصر : إنك فقدت وطنك بتنصرك ؟
    ثم أقبل الإسلام فدخل فيه جمهور المصريين، فهل يقال للمسلم : إنك فقدت وطنك بإسلامك ؟
    ما هذه الرقاعة ؟!
    بيد أن الحملة على الإسلام مضت فى طريقها، وزادت ضراوة وخسة فى الأيام الأخيرة، ثم جاء " الأنبا شنودة " رئيساً للأقباط، فقاد حملة لا بد من كشف خباياها، وتوضيح مداها ؛ حتى يدرك الجميع : مم نحذر ؟ وماذا نخشى ؟
    وما نستطيع السكوت، ومستقبلنا كله تعصف به الفتن، ويأتمر به سماسرة الاستعمار .
    تقرير رهيب
    كنت في الإسكندرية، في مارس من سنة 1973، وعلمت ـ من غير قصد ـ بخطاب ألقاه البابا شنودة في الكنيسة المرقصية الكبرى، في اجتماع سرى، أعان الله على إظهار ما وقع فيه .
    وإلى القراء ما حدث، كما نقل مسجلا إلى الجهات المعنية :
    " بسم الله الرحمن الرحيم ..
    " نقدم لسيادتكم هذا التقرير لأهم ما دار في الاجتماع بعد أداء الصلاة و التراتيل : ..
    " طلب البابا شنودة من عامة الحاضرين الانصراف، ولم يمكث معه سوى رجال الدين وبعض أثريائهم بالإسكندرية، وبدأ كلمته قائلاً : إن كل شئ على ما يرام، ويجري حسب الخطة الموضوعة، لكل جانب من جوانب العمل على حدة، في إطار الهدف الموحد، ثم تحدث في عدد من الموضوعات على النحو التالي : ..
    " أولا : عدد شعب الكنيسة : ..
    " صرح لهم أن مصادرهم في إدارة التعبئة والإحصاء أبلغتهم أن عدد المسيحيين في مصر ما يقارب الثمانية مليون ( 8 مليون نسمة )، وعلى شعب الكنيسة أن يعلم ذلك جيداً، كما يجب عليه أن ينشر ذلك ويؤكده بين المسلمين، إذ سيكون ذلك سندنا في المطالب التي سنتقدم بها إلى الحكومة التي سنذكرها لكم اليوم ..
    " والتخطيط العام الذي تم الاتفاق عليه بالإجماع، والتي صدرت بشأنه التعليمات الخاصة لتنفيذه، وضع على أساس بلوغ شعب الكنيسة إلى نصف الشعب المصري، بحيث يتساوى عدد شعب الكنيسة مع عدد المسلمين لأول مرة منذ 13 قرنا، أي منذ " الإستعمار العربي والغزو الإسلامي لبلادنا " على حد قوله، والمدة المحددة وفقاً للتخطيط الموضوع للوصول إلى هذه النتيجة المطلوبة تتراوح بين 12 ـ 15 سنة من الآن ..
    " ولذلك فإن الكنيسة تحرم تحريماً تاماً تحديد النسل أو تنظيمه، وتعد كل من يفعل ذلك خارجاً عن تعليمات الكنيسة، ومطروداً من رحمة الرب، وقاتلاً لشعب الكنيسة، ومضيعاً لمجده، وذلك باستثناء الحالات التي يقرر فيها الطب و الكنيسة خطر الحمل أو الولادة على حياة المرأة، و قد اتخذت الكنيسة عدة قرارات لتحقيق الخطة القاضية بزيادة عددهم : ..
    " 1 ـ تحريم تحديد النسل أو تنظيمه بين شعب الكنيسة ..
    " 2 ـ تشجيع تحديد النسل وتنظيمه بين المسلمين ( خاصة وأن أكثر من 65 % [!] من الأطباء والقائمين على الخدمات الصحية هم من شعب الكنيسة ) ..
    " 3 ـ تشجيع الإكثار من شعبنا، ووضع حوافز ومساعدات مادية ومعنوية للأسر الفقيرة من شعبنا ..
    " 4 ـ التنبيه على العاملين بالخدمات الصحية على المستويين الحكومي و غير الحكومي كي يضاعفوا الخدمات الصحية لشعبنا، وبذل العناية والجهد الوافرين، وذلك من شأنه تقليل الوفيات بين شعبنا ( على أن نفعل عكس ذلك مع المسلمين ) ..
    " 5 ـ تشجيع الزواج المبكر وتخفيض تكاليفه، وذلك بتخفيف رسوم فتح الكنائس ورسوم الإكليل بكنائس الأحياء الشعبية ..
    " 6 ـ تحرم الكنيسة تحريماً تاماً على أصحاب العمارات والمساكن المسيحيين تأجير أي مسكن أو شقة أو محل تجاري للمسلمين، وتعتبر من يفعل ذلك من الآن فصاعداً مطروداً من رحمة الرب ورعاية الكنيسة، كما يجب العمل بشتى الوسائل على إخراج السكان المسلمين من العمارات والبيوت المملوكة لشعب الكنيسة، وإذا نفذنا هذه السياسة بقدر ما يسعنا الجهد فسنشجع و نسهل الزواج بين شبابنا المسيحي، كما سنصعبه و نضيق فرصه بين شباب المسلمين، مما سيكون أثر فعال في الوصول إلى الهدف، و ليس بخافٍ أن الغرض من هذه القرارات هو انخفاض معدل الزيادة بين المسلمين و ارتفاع هذا المعدل بين شعبنا المسيحى ..
    " ثانياً : اقتصاد شعب الكنيسة : ..
    " قال شنودة : إن المال يأتينا بقدر ما نطلب وأكثر مما نطلب، وذلك من مصادر ثلاثة : أمريكا، الحبشة، الفاتيكان، ولكن ينبغي أن يكون الاعتماد الأول في تخطيطنا الاقتصادي على مالنا الخاص الذي نجمعه من الداخل، وعلى التعاون على فعل الخير بين أفراد شعب الكنيسة، كذلك يجب الاهتمام أكثر بشراء الأرض، و تنفيذ نظام القروض و المساعدات لمن يقومون بذلك لمعاونتهم على البناء، وقد ثبت من واقع الإحصاءات الرسمية أن أكثر من 60 % من تجارة مصر الداخلية هي بأيدي المسيحيين، وعلينا أن نعمل على زيادة هذه النسبة ..
    " وتخطيطنا الاقتصادي للمستقبل يستهدف إفقار المسلمين ونزع الثروة من أيديهم ما أمكن، بالقدر الذي يعمل به هذا التخطيط على إثراء شعبنا، كما يلزمنا مداومة تذكير شعبنا والتنبيه عليه تنبيها مشدداً من حين لآخر بأن يقاطع المسلمين اقتصادياً، وأن يمتنع عن التعامل المادي معهم امتناعاً مطلقاً، إلا في الحالات التي يتعذر فيها ذلك، ويعني مقاطعة : المحاميين ـ المحاسبين ـ المدرسين ـ الأطباء ـ الصيادلة ـ العيادات ـ المستشفيات الخاصة ـ المحلات التجارية الكبيرة و الصغيرة ـ الجمعيات الاستهلاكية أيضا ( ! )، وذلك مادام ممكنا لهم التعامل مع إخوانهم من شعب الكنيسة، كما يجب أن ينبهوا دوماً إلى مقاطعة صنّاع المسلمين وحرفييهم والاستعاضة عنهم بالصناع و الحرفيين النصارى، و لو كلفهم ذلك الانتقال و الجهد و المشقة ..
    " ثم قال البابا شنودة : إن هذا الأمر بالغ الأهمية لتخطيطنا العام في المدى القريب و البعيد ..
    " ثالثاً : تعليم شعب الكنيسة : ..
    " قال البابا شنودة : إنه يجب فيما يتعلق بالتعليم العام للشعب المسيحي الاستمرار في السياسة التعليمية المتبعة حالياً مع مضاعفة الجهد في ذلك، خاصة و أن بعض المساجد شرعت تقوم بمهام تعليمية كالتي نقوم بها في كنائسنا، الأمر الذي سيجعل مضاعفة الجهد المبذول حالياً أمراً حتمياً حتى تستمر النسبة التي يمكن الظفر بها من مقاعد الجامعة وخاصة الكليات العملية . ثم قال : إني إذ أهنئ شعب الكنيسة خاصة المدرسين منهم على هذا الجهد وهذه النتائج، إذ وصلت نسبتنا في بعض الوظائف الهامة والخطيرة كالطب والصيدلة والهندسة وغيرها أكثر من 60% (!) إني إذ أهنئهم أدعو لهم يسوع المسيح الرب المخلص أن يمنحهم بركاته و توفيقه، حتى يواصلوا الجهد لزيادة هذه النسبة في المستقبل القريب ..
    " رابعاً : التبشير : ..
    " قال البابا شنودة :كذلك فإنه يجب مضاعفة الجهود التبشيرية الحالية، إذ أن الخطة التبشيرية التي وضعت بنيت على أساس هدف اتُّفق عليه للمرحلة القادمة، وهو زحزحة أكبر عدد من المسلمين عن دينهم والتمسك به، على ألا يكون من الضروري اعتناقهم المسيحية، فإن الهدف هو زعزعة الدين في نفوسهم، وتشكيك الجموع الغفيرة منهم في كتابهم وصدق محمد، ومن ثم يجب عمل كل الطرق واستغلال كل الإمكانيات الكنسية للتشكيك في القرآن و إثبات بطلانه و تكذيب محمد ..
    " وإذا أفلحنا في تنفيذ هذا المخطط التبشيري في المرحلة المقبلة، فإننا نكون قد نجحنا في إزاحة هذه الفئات من طريقنا، و إن لم تكن هذه الفئات مستقبلاً معنا فلن تكون علينا ..
    " غير أنه ينبغي ان يراعي في تنفيذ هذا المخطط التبشيري أن يتم بطريقة هادئة لبقة وذكية ؛ حتى لا يكون سبباً في إثارة حفيظة المسلمين أو يقظتهم ..
    " وإن الخطأ الذي وقع منا في المحاولات التبشيرية الأخيرة ـ التي نجح مبشرونا فيها في هداية عدد من المسلمين إلى الإيمان و الخلاص على يد الرب يسوع المخلص (!) ـ هو تسرب أنباء هذا النجاح إلى المسلمين، لأن ذلك من شأنه تنبيه المسلمين و إيقاظتهم من غفلتهم، و هذا أمر ثابت في تاريخهم الطويل معنا، و ليس هو بالأمر الهين، ومن شأن هذه اليقظة أن تفسد علينا مخططاتنا المدروسة، وتؤخر ثمارها وتضيع جهودنا، ولذا فقد أصدرت التعليمات الخاصة بهذا الأمر، وسننشرها في كل الكنائس لكي يتصرف جميع شعبنا مع المسلمين بطريقة ودية تمتص غضبهم وتقنعهم بكذب هذه الأنباء، كما سبق التنبيه على رعاة الكنائس والآباء والقساوسة بمشاركة المسلمين احتفالاتهم الدينية، وتهنئهم بأعيادهم، وإظهار المودة والمحبة لهم ..
    " وعلى شعب الكنيسة في المصالح و الوزارات والمؤسسات إظهار هذه الروح لمن يخالطونهم من المسلمين . ثم قال بالحرف الواحد : ..
    " إننا يجب أن ننتهز ما هم فيه من نكسة ومحنة لأن ذلك في صالحنا، ولن نستطيع إحراز أية مكاسب أو أي تقدم نحو هدفنا إذا انتهت المشكلة مع إسرائيل سواء بالسلم أو بالحرب " ..
    " ثم هاجم من أسماهم بضعاف القلوب الذين يقدمون مصالحهم الخاصة على مجد شعب الرب و الكنيسة، وعلى تحقيق الهدف الذي يعمل له الشعب منذ عهد بعيد، وقال إنه لم يلتفت إلى هلعهم، و أصر أنه سيتقدم للحكومة رسمياً بالمطالب الواردة بعد، حيث إنه إذا لم يكسب شعب الكنيسة في هذه المرحلة مكاسب على المستوى الرسمي فربما لا يستطيع إحراز أي تقدم بعد ذلك ..
    " ثم قال بالحرف الواحد : وليعلم الجميع خاصة ضعاف القلوب أن القوى الكبرى في العالم تقف وراءنا ولسنا نعمل وحدنا، ولا بد من أن نحقق الهدف، لكن العامل الأول والخطير في الوصول إلى ما نريد هو وحدة شعب الكنيسة و تماسكه و ترابطه .. و لكن إذا تبددت هذه الوحدة و ذلك التماسك فلن تكون هناك قوة على وجه الأرض مهما عظم شأنها تستطيع مساعدتنا ..
    " ثم قال : ولن أنسى موقف هؤلاء الذين يريدون تفتيت وحدة شعب الكنيسة، وعليهم أن يبادروا فوراً بالتوبة وطلب الغفران والصفح، وألا يعودوا لمخالفتنا ومناقشة تشريعاتنا وأوامرنا، والرب يغفر لهم ( وهو يشير بذلك إلى خلاف وقع بين بعض المسئولين منهم، إذ كان البعض يرى التريث وتأجيل تقديم المطالب المزعومة إلى الحكومة ) ..
    " ثم عدد البابا شنودة المطالب التي صرح بها بأنه سوف يقدمها رسمياً إلى الحكومة : ..
    " 1 ـ أن يصبح مركز البابا الرسمي في البروتوكول السياسي بعد رئيس الجمهورية وقبل رئيس الوزراء ..
    " 2 ـ أن تخصص لهم 8 وزارات ( أى يكون وزراؤها نصارى ) ..
    " 3 ـ أن تخصص لهم ربع القيادات العليا في الجيش والبوليس ..
    " 4 ـ أن تخصص لهم ربع المراكز القيادية المدنية، كرؤساء مجالس المؤسسات والشركات والمحافظين ووكلاء الوزارات والمديرين العامين ورؤساء مجالس المدن ..
    " 5 ـ أن يستشار البابا عند شغل هذه النسبة في الوزارات و المراكز العسكرية و المدنية، و يكون له حق ترشيح بعض العناصر و التعديل فيها ..
    " 6 ـ أن يسمح لهم بإنشاء جامعة خاصة بهم، وقد وضعت الكنيسة بالفعل تخطيط هذه الجامعة، و هي تضم المعاهد اللاهوتية الكليات العملية و النظرية، وتمول من مالهم الخاص ..
    " 7 ـ يسمح لهم بإقامة إذاعة من مالهم الخاص ..
    " ثم ختم حديثه بأن بشّر الحاضرين، وطلب إليهم نقل هذه البشرى لشعب الكنيسة، بأن أملهم الأكبر في عودة البلاد والأراضي إلى أصحابها من " الغزاة المسلمين " قد بات وشيكاً، وليس في ذلك أدنى
    غرابة ـ في زعمه ـ وضرب لهم مثلاً بأسبانيا النصرانية التي ظلت بأيدي " المستعمرين المسلمين " قرابة ثمانية قرون (800 سنة )، ثم استردها أصحابها النصارى، ثم قال وفي التاريخ المعاصر عادت أكثر من بلد إلى أهلها بعد أن طردوا منها منذ قرون طويلة جداً ( واضح أن شنودة يقصد إسرائيل ) وفي ختام الاجتماع أنهى حديثه ببعض الأدعية الدينية للمسيح الرب الذي يحميهم و يبارك خطواتهم " .
    بين يدى هذا التقرير المثير لا بد من كلمة، إن الوحدة الوطنية الرائعة بين مسلمى مصر وأقباطها يجب أن تبقى وأن تصان، وهى مفخرة تاريخية، ودليل جيد على ما تسديه السماحة من بر وقسط .
    ونحن ندرك أن الصليبية تغص بهذا المظهر الطيب وتريد القضاء عليه، وليس بمستغرب أن تفلح فى إفساد بعض النفوس وفى رفعها إلى تعكير الصفو ..
    وعلينا ـ والحالة هذه ـ أن نرأب كل صدع، ونطفئ كل فتنة، لكن ليس على حساب الإسلام والمسلمين، وليس كذلك على حساب الجمهور الطيب من المواطنين الأقباط .
    وقد كنت أريد أن أتجاهل ما يصنع الأخ العزيز " شنودة " الرئيس الدينى لإخواننا الأقباط، غير أنى وجدت عدداً من توجيهاته قد أخذ طريقه إلى الحياة العملية .
    الحقائق تتكلم
    ـ فقد قاطع الأقباط مكاتب تنظيم الأسرة تقريباً .
    ـ ونفذوا بحزم خطة تكثير عددهم فى الوقت الذى تنفذ فيه بقوة وحماسة سياسة تقليل المسلمين .. وأعتقد أن الأقباط الآن يناهزون ثلاثة ملايين أى أنهم زادوا فى الفترة الأخيرة بنسبة ما بين 40 %، 50 % !!
    ـ ثم إن الأديرة تحولت إلى مراكز تخطيط وتدريب ـ خصوصاً أديرة وادى النطرون التى يذهب إليها بابا الأقباط ولفيف من أعوانه المقربين، والتى يستقدم إليها الشباب القبطى من أقاصى البلاد لقضاء فترات معينة وتلقى توجيهات مريبة ..
    ـ وفى سبيل إضفاء الطابع النصرانى على التراب المصرى، استغل الأخ العزيز " شنودة " ورطة البلاد فى نزاعها مع اليهود والاستعمار العالمى لبناء كنائس كثيرة لا يحتاج العابدون إليها ـ لوجود ما يغنى عنها ـ فماذا حدث ؟
    لقد صدر خلال أغسطس وسبتمبر وأكتوبر سنة 1973 خمسون مرسوماً جمهورياً بإنشاء 50 كنيسة، يعلم الله أن أغلبها بنى للمباهاة وإظهار السطوة وإثبات الهيمنة فى مصر .
    وقد تكون الدولة محرجة عندما أذنت بهذا العدد الذى لم يسبق له مثيل فى تاريخ مصر ..
    لكننا نعرف المسئولين أن الأخ العزيز " شنودة " ! لن يرضى لأنه فى خطابه كشف عن نيته، وهى نية تسىء إلى الأقباط والمسلمين جميعاً ..
    وقد نفى رئيس لجنة " تقصى الحقائق " أن يكون هذا الخطاب صادراً عن رئيس الأقباط .
    ولما كان رئيس اللجنة ذا ميول " شيوعية " وتهجمه على الشرع الإسلامى معروف، فإن هذا النفى لا وزن له، ثم إنه ليس المتحدث الرسمى باسم الكنيسة المصرية ..
    ومبلغ علمى أن الخطاب مسجل بصوت البابا نفسه ومحفوظ ويوجد الآن من يحاول تنفيذه كله .
    نحن نريد الحفاظ على وحدة مصر الوطنية
    ونحن نناشد الأقباط العقلاء أن يتريثوا وأن يأخذوا على أيدى سفهائهم وأن يبقوا بلادنا عامرة بالتسامح والوئام كما كان ديدنها من قرون طوال ..
    وإذا كانت قاعدة " لنا ما لكم وعلينا ما عليكم " لا تقنع، فكثروا بعض ما لكم، وقللوا بعض ما عليكم شيئاً ما، شيئاً معقولاً، شيئاً يسهل التجاوز عنه والتماس المعاذير له !!
    أما أن يحلم البعض بإزالتنا من بلدنا، ويضع لذلك خطة طويلة المدى، فذلك ما لا يطاق، وما نرجو عقلاء الأقباط أن يكفونا مؤونته، ونحن على أتم استعداد لأن ننسى .. وننسى ..










  7. #7
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي


    الباب الرابع
    الإسلام وجماعة الإخوان


    انتسبت لجماعة الإخوان فى العشرين من عمرى، ومكثت فيها قرابة سبع عشرة سنة، كنت خلالها عضواً فى هيئتها التأسيسية، ثم عضواً فى مكتب الإرشاد العام ..
    وشاء الله أن يقع نزاع حاد بينى وبين قيادة الجماعة، انتهى بصدور قرار يقضى بفصلى وفصل عدد آخر من الأعضاء .
    وبعد عدة شهور من ذلك الحدث صدر قرار حكومى بحل الجماعة كلها والإجهاز على جميع أنشطتها .
    وأريد أن أكون منصفاً، فإن الزعم بأن جميع الإخوان أشرار سخف وافتراء، والزعم بأن الجماعة كلها كانت معصومة من الخطأ غرور وادعاء ..
    وليس ذلك ما يعنينى هنا، إنما الذى يعنينى أمر آخر هو الأهم والأخطر، عند الله وعند الناس، أمر الإسلام نفسه .
    قال لى أحد الناس : ليذهب الإخوان إلى الجحيم !
    قلت له : اسمع، مصاير الناس بيد الله وحده، وليذهب من شاء إلى الجحيم .. لكن هل يذهب الإسلام إلى الجحيم معهم ؟
    قال : لا .
    قلت : دعنى من العناوين ولنتحدث فى الموضوع . هل نترك كتاب ربنا وسنة نبينا أم نتشبث بهما ونحرص عليهما ؟
    فأجاب بعد تريث : لا نترك ديننا !
    قلت : هل ننفذ من ديننا ما نحب ونهمل ما نكره، أم نطيع الله فى كل ما أمر به ونهى عنه ؟ إن هناك نصوصاً فى الكتاب والسنة معطلة محكوماً عليها بالموت، ونصوصاً أخرى تنفذ جزئياً ولا يؤذن بتطبيقها على وجه كامل، فهل تبقى هذه الأوضاع أم ينبغى إصلاحها ؟
    قال : لكن هذا ما يقوله الإخوان المسلمون !!
    قلت له : دعنى من جماعة الإخوان، فقد نفضت يدى من العناوين، أنا أتحدث عن الإسلام نفسه، وعن المنحدر الذى وقع فيه، وعن الأمة الكسيرة التى تنتمى إليه، ألم نتفق على ضرورة التمسك بكتاب ربنا وسنة نبينا ؟
    قال : بلى !!
    قلت : وذاك ما نريد أن نتعاون على بلوغه، ونرسم الخطة المثلى لتحقيقه !
    ولعلك ترى معى بعد ذلك أن الانتساب للإسلام ليس جريمة، وأن الجريمة هى تشويه نهجه وإنكار هديه وترك أعدائه أحراراً فى النيل منه ..
    قال : أشعر أنك تجرنى بدهاء إلى جماعة الإخوان !!
    قلت له : يا أخى تخل عن هذه العقدة التى تحكمك .. إننى أريد أن أعمل للإسلام الذى رفع علمه خاتم الأنبياء محمد ، وخلفه على مواريثه أبو بكر وعمر وعثمان وعلى .. هذا المصحف المهجور فى دواوين السلطة، وفى أرجاء المجتمع، نريد أن نؤنس وحشته ونرفع شعاره .
    دعنى من أى تجمع حدث فى هذا العصر، ولننس الأشخاص الذين اشتهروا، ولنطو صحائفهم بما فيها من خطأ وصواب ولنعمل للإسلام وحده ..
    فسكت متردداً حائراً .
    قلت له : اسمع، إن هناك قوماً يكرهون الإسلام ذاته ويخدمون بكراهيته القوى الثلاث التى تجمعت ضده اليوم:
    الشيوعية، الصهيونية، الصليبية، وهؤلاء يريدون أن يجعلوا من كلمة " الإخوان " سيفاً مصلتاً على عنق كل مخلص له عامل فى حقله، وأنا أرفض هذا الخلط ..
    إن إرهاب المجاهدين فى سبيل الله بوصفهم إخواناً، ووضع العوائق أمام النهضة الإسلامية بزعم أن ذلك منع لعودة الجماعة المنحلة، إن هذا وذاك خيانة عظمى، وارتداد عن الملة ..
    لقد أصبح التجمع على الإسلام ضرورة حياة فى وجه اليهود الذين احتلوا أجزاء حساسة من أرضنا، ويوشك أن تكون لهم وثبة أخرى ربما كانت نحو عواصمنا وبقية مقدساتنا، فاصطياد الريب لهذا التجمع لا أستطيع وصفه إلا بأنه عمل لمصلحة بنى إسرائيل ..
    إن الخطة التى وضعت لمحاربة جماعة الإخوان لا يسوغ أن تستفل لمحاربة الله ورسوله .
    ويسوءنى أن الذين رسموا هذه الخطة يحاولون أن يقضوا بها على الدين نفسه، والفرق واضح بين دين له قداسته ونفر من الناس لهم خطؤهم وصوابهم .
    تقرير يفضح النيات المبيتة للإسلام
    اقرأ معى هذا التقرير .. :
    تقرير اللجنة المؤلفة برياسة السيد " زكريا محيى الدين " رئيس الوزراء فى حينه، بشأن القضاء على تفكير الإخوان، بناء على أوامر السيد الرئيس بتشكيل لجنة عليا، لدراسة واستعراض الوسائل التى استعملت، والنتائج التى تم التوصل إليها، بخصوص مكافحة جماعة الإخوان المسلمين المنحلة، ولوضع برنامج لأفضل الطرق التى يجب استعمالها فى مكافحة الإخوان بالمخابرات، والمباحث العامة، لبلوغ هدفين :
    أ ـ غسل مخ الإخوان من أفكارهم .
    ب ـ منع عدوى أفكارهم من الانتقال إلى غيرهم .
    اجتمعت اللجنة المشكلة من :
    1 ـ سيادة رئيس مجلس الوزراء
    2 ـ السيد / قائد المخابرات العامة
    3 ـ السيد / قائد المباحث الجنائية العسكرية
    4 ـ السيد / مدير المباحث العامة
    5 ـ السيد / مدير مكتب السيد المشير عبد الحكيم عامر
    وذلك فى مبنى المخابرات العامة بكوبرى القبة، وعقدت عشرة اجتماعات متتالية وبعد دراسة كل التقارير والبيانات والإحصائيات السابقة، أمكن تلخيص المعلومات المجتمعة فى الآتى :
    1 ـ تبين أن تدريس التاريخ الإسلامى فى المدارس للنشء بحالته القديمة يربط السياسة بالدين فى لا شعور كثير من التلاميذ منذ الصغر ويتتابع ظهور معتنقى الأفكار الإخوانية .
    2 ـ صعوبة واستحالة التمييز بين أصحاب الميول والنزعات الدينية وبين معتنقى الأفكار الإخوانية، وسهولة وفجائية تحول الفئة الأولى إلى الفئة الثانية بتطرف أكبر .
    3 ـ غالبية أفراد الإخوان عاش على وهم الطهارة، ولم يمارس الحياة الجماعية الحديثة، ويمكن اعتبارهم من هذه الناحية " خام " .
    4 ـ غالبيتهم ذوو طاقة فكرية وقدرة تحمل ومثابرة كبيرة على العمل، وقد أدى ذلك إلى اطراد دائم وملموس فى تفوقهم فى المجالات العلمية والعملية التى يعيشون فيها وفى مستواهم الفكرى والعلمى والاجتماعى بالنسبة لأندادهم رغم أن جزءاً غير بسيط من وقتهم موجه لنشاطهم الخاص بدعوتهم المشئومة .
    5 ـ هناك انعكاسات إيجابية سريعة تظهر عند تحرك كل منهم للعمل فى المحيط الذى يقتنع .
    6 ـ تداخلهم فى بعض، ودوام اتصالهم الفردى ببعض وتزاورهم، والتعارف بين بعضهم البعض يؤدى إلى ثقة كل منهم فى الآخر ثقة كبيرة .
    7 ـ هناك توافق روحى، وتقارب فكرى وسلوكى يجمع بينهم فى كل مكان حتى ولو لم تكن هناك صلة بينهم .
    8 ـ رغم كل المحاولات التى بذلت منذ عام 1936 لإفهام العامة والخاصة بأنهم يتسترون وراء الدين لبلوغ أهداف سياسية إلا أن احتكاكهم الفردى بالشعب يؤدى إلى محو هذه الفكرة عنهم، رغم أنها بقيت بالنسبة لبعض زعمائهم .
    9 ـ تزعمهم حرب العصابات سنة 1948 والقتال سنة 1951 رسب فى أفكار بعض الناس صورهم كأصحاب بطولات وطنية عملية، وليست دعائية فقط، بالإضافة إلى أن الأطماع الإسرائيلية والاستعمارية والشيوعية فى المنطقة لا تخفى أغراضها فى القضاء عليهم .
    10 ـ نفورهم من كل من يعادى فكرتهم جعلهم لا يرتبطون بأى سياسة خارجية سواء كانت عربية أو شيوعية أو استعمارية، وهذا يوحى لمن ينظر فى ماضيهم أنهم ليسوا عملاء .
    وبناء على ذلك رأت اللجنة أن الأسلوب الجديد فى المكافحة يجب أن يشمل أساساً بندين متداخلين وهما :
    أ ـ محو فكرة ارتباط الدين الإسلامى بالسياسة .
    ب ـ إبادة تدريجية مادية ومعنوية وفكرية للجيل القائم فصلاً من معتنقى الفكرة .
    ويمكن تلخيص أسس الأسلوب الواجب استخدامه لبلوغ هذين الهدفين فى الآتى :
    أولاً : سياسة وقائية عامة :
    1 ـ تغيير مناهج تدريس التاريخ الإسلامى والدين فى المدارس وربطها بالمعتقدات الاشتراكية كأوضاع اجتماعية واقتصادية وليست سياسية . مع إبراز مفاسد الخلافة خاصة زمن العثمانيين وأن تقدم الغرب السريع إنما كان عقب هزيمة الكنيسة وإقصائها عن السياسة .
    2 ـ التحرى الدقيق عن رسائل وكتب ونشرات ومقالات الإخوان المسلمين فى كل مكان ثم مصادرتها وإعدامها .
    3 ـ يحرم بتاتاً قبول ذوى الإخوان وأقربائهم حتى الدرجة الثالثة فى القرابة من الانخراط فى السلك العسكرى أو البوليس أو السياسة، مع سرعة عزلة الموجودين من هؤلاء الأقرباء من هذه الأماكن أو نقلهم إلى الأماكن الأخرى فى حالة ثبوت ولائهم .
    4 ـ مضاعفة الجهود المبذولة فى سياسة العمل الدائم على إفقاد الثقة بينهم وتحطيم وحدتهم بشتى الوسائل، وخاصة عن طريق إكراه البعض على كتابة تقارير عن زملائهم بخطهم، ثم مواجهة الآخر بما معها مع العمل، على منع كل من الطرفين من لقاء الآخر أطول فترة ممكنة لنزيد هوة انعدام الثقة بينهم .
    5 ـ بعد دراسة عميقة لموضوع المتدينين من غير الإخوان، وهم الذين يمثلون " الاحتياطى " لهم وجد أن هناك حتمية طبيعية عملية لالتقاء الصنفين فى المدى الطويل، ووجد أنه من الأفضل أن يبدأ بتوحيد معاملتهم بمعاملة الإخوان قبل أن يفاجئونا كالعادة باتحادهم معهم علينا .
    ومع افتراض احتمال كبير لوجود أبرياء منهم إلا أن التضحية بهم خير من التضحية بالثورة فى يوم ما على أيديهم .
    ولصعوبة واستحالة التمييز بين الإخوان والمبتدئين بوجه عام فلا بد من وضع الجميع ضمن فئة واحدة ومراعاة ما يلى :
    أ ـ تضييق فرص الظهور والعمل أمام المتدينين عموماً فى المجالات العلمية والعملية .
    ب ـ محاسبتهم بشدة وباستمرار على أى لقاء فردى أو زيارات أو اجتماعات تحدث بينهم .
    جـ ـ عزل المتدينين عموماً عن أى تنظيم أو اتحاد شعبى أو حكومى أو اجتماعى أو طلابى أو عمالى أو إعلامى.
    د ـ التوقف عن السياسة السابقة فى السماح لأى متدين بالسفر للخارج للدراسة أو العمل حيث فشلت هذه السياسة فى تطوير معتقداتهم وسلوكهم، وعدد بسيط جداً منهم هو الذى تجاوب مع الحياة الأوربية فى البلاد التى سافروا إليها . أما غالبيتهم فإن من هبط منهم فى مكان بدأ ينظم فيه الاتصالات والصلوات الجماعية أو المحاضرات لنشر أفكاره .
    هـ ـ التوقف عن سياسة استعمال المتدينين فى حرب الشيوعيين واستعمال الشيوعيين فى حربهم بغرض القضاء على الفئتين، حيث ثبت تفوق المتدينين فى هذا المجال، ولذلك يجب أن نعطى الفرص للشيوعيين لحربهم وحرب أفكارهم ومعتقداتهم، مع حرمان المتدينين من الأماكن الإعلامية .
    و ـ تشويش الفكرة الشائعة عن الإخوان فى حرب فلسطين والقتال وتكرار النشر بالتلميح والتصريح عن اتصال الإنجليز بالهضيبى، وقيادة الإخوان، حتى يمكن غرس فكرة أنهم عملاء للاستعمار فى أذهان الجميع .
    ز ـ الاستمرار فى سياسة محاولة الإيقاع بين الإخوان المقيمين فى الخارج وبين الحكومات العربية المختلفة وخاصة فى الدول الرجعية الإسلامية المرتبطة بالغرب، وذلك بأن يروج عنهم فى تلك الدول أنهم عناصر مخربة ومعادية لهم وأنهم يضرون بمصلحتها، وبهذا تسهل محاصرتهم فى الخارج أيضاً .
    ثانياً :
    استئصال السرطان الموجود الآن، وبالنسبة للإخوان الذين اعتقلوا أو سجنوا فى أى عهد من العهود يعتبرون جميعاً قد تمكنت منهم الفكرة كما يتمكن السرطان فى الجسم ولا يرجى شفاؤه، ولذا تجرى عملية استئصالهم كالآتى :
    المرحلة الأولى :
    إدخالهم فى سلسلة متصلة من المتاعب تبدأ بالاستيلاء أو وضع الحراسة على أموالهم وممتلكاتهم، ويتبع ذلك اعتقالهم وأثناء الاعتقال تستعمل معهم أشد أنواع الإهانة والعنف والتعذيب على مستوى فردى ودورى حتى يصيب الدور الجميع ثم يعاد وهكذا .
    وفى نفس الوقت لا يتوقف التكدير على المستوى الجماعى بل يكون ملازماً للتأديب الفردى .
    وهذه المرحلة إذا نفذت بدقة ستؤدى إلى :
    بالنسبة للمعتقلين :
    اهتزاز الأفكار فى عقولهم وانتشار الاضطرابات العصبية والنفسية والعاهات والأمراض بينهم .
    بالنسبة لنسائهم :
    سواء كن زوجات أو أخوات أو بنا فسوف يتحررن ويتمردن لغياب عائلهن، وحاجتهن المادية قد تؤدى لانزلاقهن .
    بالنسبة للأولاد :
    تضطر العائلات لغياب العائل ولحاجتها المادية إلى توقيف الأبناء عن الدراسة وتوجيههم للحرف والمهن، وبذلك يخلو جيل الموجهين المتعلم القادم ممن فى نفوسهم أى حقد أو أثر من آثار أفكار آبائهم .
    المرحلة الثانية :
    إعدام كل من ينظر إليه بينهم كداعية، ومن تظهر عليه الصلابة سواء داخل السجون أو المعتقلات أو بالمحاكمات، ثم الإفراج عنهم بحيث يكون الإفراج عنهم على دفعات، مع عمل الدعاية اللازمة لكى تنتشر أنباء العفو عنهم ليكون ذلك سلاحاً يمكن استعماله ضدهم من جديد فى حالة الرغبة فى إعادة اعتقالهم .
    وإذا أحسن تنفيذ هذه المرحلة مع المرحلة السابقة فستكون النتائج كما يلى :
    1 ـ يخرج المعفو عنه إلى الحياة فإن كان طالباً فقد تأخر عن أقرانه، ويمكن أن يفصل من دراسته ويحرم من متابعة تعليمه .
    2 ـ إن كان موظفاً أو عاملاً فقد تقدم زملاؤه وترقوا وهو قابع مكانه .
    3 ـ إن كان تاجراً فقد أفلست تجارته، ويمكن أن يحرم من مزاولة تجارته .
    4 ـ إن كان مزارعاً فلن يجد أرضاً يزرعها حيث وقعت تحت الحراسة أو صدر قرار استيلاء عليها .
    وسوف تشترك الفئات المعفو عنها جميعها فى الآتى :
    1 ـ الضعف الجسمانى والصحى، والسعى المستمر خلف العلاج والشعور المستمر بالضعف المانع من أية مقاومة .
    2 ـ الشعور العميق بالنكبات التى جرتها عليهم دعوة الإخوان وكراهية الفكرة والنقمة عليها .
    3 ـ انعدام ثقة كل منهم فى الآخر، وهى نقطة لها أهميتها فى انعزالهم عن المجتمع وانطوائهم على أنفسهم .
    4 ـ خروجهم بعائلاتهم من مستوى اجتماعى أعلى إلى مستوى اجتماعى أدنى نتيجة لعوامل الإفقار التى أحاطت بهم .
    5 ـ تمرد نسائهم وثورتهن على تقاليدهم، وفى هذا إذلال فكرى ومعنوى لكون النساء فى بيوتهن يخالف سلوكهن أفكارهم، ونظراً للضعف الجسمانى والمادى لا يمكنهم الاعتراض .
    6 ـ كثرة الديون عليهم نتيجة لتوقف إيراداتهم واستمرار مصروفات عائلاتهم .
    النتائج الإيجابية لهذه السياسة هى :
    1 ـ الضباط والجنود الذين يقومون بتنفيذ هذه السياسة سواء من الجيش أو البوليس سيعتبرون فئة جديدة ارتبط مصيرها بمصير هذا الحكم القائم حيث يستشعرون عقب التنفيذ أنهم ( أى الضباط والجنود ) فى حاجة إلى نظام الحكم القائم ليحميه من أى عمل انتقامى قد يقوم به الإخوان للثأر .
    2 ـ إثارة الرعب فى نفس كل من تسول له نفسه القيام بمعارضة فكرية للحكم القائم .
    3 ـ وجود الشعور الدائم بأن المخابرات تشعر بكل صغيرة وكبيرة وأن المعارضين لن يستتروا وسيكون مصيرهم أسوأ مصير .
    4 ـ محول فكرة ارتباط السياسة بالدين الإسلامى .
    انتهى ويعرض على السيد الرئيس جمال عبد الناصر
    إمضاء
    السيد / رئيس مجلس الوزراء
    السيد / قائد المخابرات
    السيد / قائد المباحث الجنائية العسكرية
    السيد / مدير المباحث العامة
    السيد / شمس بدران
    أوافق على اقتراحات اللجنة .
    جمال عبد الناصر

    هذا تقرير ردىء، وقع فى الخلط الذى حذرنا منه، ونلاحظ عليه ثلاثة أمور :
    ـ أن الخصومة بلغت حد اللدد والعنت، وسنؤخر الحديث فى حقيقة ما وقع إلى آخر هذا الفصل .
    ـ أن عاطفة التدين أمست موضع اتهام، وأن المتدينين جملة لا يرتاح إليهم .
    ـ أن باب المسخ والتحريف الإسلامى نفسه انفتح على مصراعيه، والمتأمل فى أسماء واضعى التقرير يرى أن أغلبهم يسارى النزعة، وهم فى السجون الآن لمحاولات آثمة ارتكبوها ضد حركة التصحيح التى قادها الرئيس أنور السادات ..
    لقد اتجه الهدم إذن إلى أعمدة الفكر الإسلامى نفسه، وانفسح المجال أمام كل أفاك ليقول ما عنده وهو آمن، على حين احتبست أصوات المؤمنين فى حلوقهم .
    ولم يتحرك فى ميدان الدين كله إلا واحد من رجلين : إما مسلم منحرف يضر الإسلام ولا ينفعه، أو نصرانى ذكى اهتبل الفرصة فامتد إلى ما قصرت عنه آمال أسلافه من ألف عام ..
    وظهر المسلمون وكأنهم فى أعقاب غارة عاتية أكلت الأخضر واليابس .
    ولنشرع فى إيضاح الأمور التى لاحظناها على التقرير الآنف بادئين بآخرها الذى يمس التاريخ الإسلامى .
    صور من الهجوم على الإسلام ذاته، تحقير الماضى، تزوير التاريخ
    ظهرت حركة تحقير " للماضى " وصرف للشباب عنه وعن القيم التى يحتويها .
    ترجم الدكتور زكى نجيب محمود عن ذلك فى مقال نشرته جريدة " الأهرام " جاء فيه أن بناء الإنسان العربى فى العصر الحديث لا يجوز أن يعتمد على ما كان أى على قال فلان وروى علان .. !!
    من المقصود بهذا الكلام المرسل ؟
    من الذين يعتمدون على القول والرواية فى مجتمعنا ؟
    إن الرجل يطلب فى إجمال ترك القرآن والسنة، وإذا لم يصرح بذلك فلأنه حدد هدفه وصرح به فى مقال آخر عندما أوصى بقراءة كتاب " رأس المال " لكارل ماركس .
    ونحن المسلمين تعلمنا فى كتابنا احترام " الحقيقة " بغض النظر عن زمان ماض أو قادم، فلا الحقيقة يشينها أنها من نتاج الأوائل، ولا الخرافة يزكيها أنها من إنتاج المعاصرين ..
    ومن بيع الماء للسقائين ـ كما يقول العامة ـ أن ينصح ناصح الإسلام والمسلمين بعدم التعويل على الماضى عند وزن الحقائق، كيف والقرآن الكريم يعيب المقلدين الجامدين فيقول :
    " وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون " ( المائدة : 104 )
    ولكن الماضى يعاب يوم يكون أمجاد الإسلام وهداياته، ويترك ليؤثر فى الكيان الدولى يوم يكون إقامة لإسرائيل وإحياء لترهات العهد القديم !!
    أما الدكتور " فؤاد زكريا " فيربط بين تقديس الماضى والنظام الإقطاعى فيقول : " إن زمام السيطرة فى هذا المجتمع يقع فى قبضة أناس يتجهون بحكم وضعهم الاجتماعى إلى تكريم الأسلاف والإشادة بماضيهم، فلذلك الإقطاعى الكبير يدين بثروته ونفوذه فى معظم الأحيان للوراثة ..
    " وهكذا فإن أمجاده كلها مرتبطة بالماضى، وكل قيمة للحاضر إنما تستمد ـ فى نظره ـ من علاقته بهذا الماضى . ولما كان الأعيان الإقطاعيون هم المسيطرين فى هذا المجتمع فإن طرق تفكيرهم وقيمهم الأخلاقية هى التى تنتشر وتطبع صورتها على المجتمع ككل ! ..
    " ومن هنا تتعلق الأذهان فى مثل هذا المجتمع بالماضى، وتنظر إلى المستقبل بعين الارتياب، بل إنها لا ترضى عن الحاضر ذاته إلا بقدر ما يكون انعكاساً للماضى .. " .
    إننى تحيرت فى بواعث هذا الكلام، هل الشكوى من التعلق بالماضى تعود إلى تشبث الملاك الكبار والصغار بوسائل عقيمة فى الإنتاج ؟
    واقع بلادنا ينطق بغير هذا .
    إذن ما القصد من مهاجمة الماضى ورفض امتداده فى الحاضر ؟
    ومضيت فى قراءة كتاب " الجوانب الفكرية للنظم الاجتماعية " الذى ألفه الدكتور " فؤاد زكريا " فإذا هو يتحدث عن تأثير المصالح الإقطاعية فى التصورات الدينية فيقول إنها " أسهمت بدورها فى تشكيل عقول الأفراد بصورة مميزة : تلك هى إدخال نوع من التفاوت أو التسلسل فى المراتب فى المجال الروحى ذاته . فهناك مجتمعات تتصور الألوهية عالية مترفعة عن عالم البشر، وتقيم نوعاً من تدرج المراتب بين هذه الألوهية وعام الناس، فبعد الله يأتى الأنبياء والقديسون، ثم كبار الكهنة ورجال الدين، ويندرج الترتيب بعد ذلك حتى يصل آخر الأمر إلى الإنسان العادى . ولا بد فى الارتقاء إلى كل مرحلة من هذه المراحل من المرور بالمراحل السابقة، أى أن الإنسان العادى لا يستطيع مثلاً أن يتقرب إلى الله أو يحظى بالشفاعة من أحد القديسين إلا عن طريق الكاهن الذى يتوسط بينه وبينهم ..
    " بالتدرج وتفاوت المراتب أن هناك نظرات أخرى إلى الدين تختفى فيها هذه الحواجز، ويشيع فيها التقارب بين الله والإنسان !! إذ يعد الله قريباً من البشر مستجيباً ومعيناً لهم، بل إن بعض المذاهب الدينية تؤكد حلول الله فى العالم، وإمكان اتحاد الإنسان به إذا هو ارتقى إلى مستوى معين من الروحانية !! هذه الفكرة الأخيرة ترتبط بنظرة أكثر ديمقراطية إلى المجتمع ..
    " والدليل على أن هذه النظرة إلى الدين انعكاس لنظام اجتماعى يتسم بالديمقراطية على حين أن فكرة تسلسل المراتب من الأعلى إلى الأدنى كانت البشرى لأنها لا ترتكز على تأكيد الفوارق فى المرتبة بين الموجودات .. وبالفعل سادت هذه النظرة فى العصور التى كانت أقرب إلى روح مقترنة بالفوارق التى هى أولى خصائص المجتمع
    الإقطاعى .. " .
    أى أن الدين قد يكون إنتاجاً إقطاعياً أو إنتاجاً ديمقراطياً !! فحيث توجد فوارق بين الله والناس فالدين اختراع الإقطاعيين، أما حيث تقل الفوارق ويمكن أن يتحد الإنسان مع الله فالدين اختراع الديمقراطيين !!
    هذه هى فكرة أستاذ فلسفة عن الدين يقدمها لطلابه فى كلية آداب عين شمس .
    فما تكون إذن تصورات الأطفال والبله عن حقائق الأديان ؟؟
    ظاهر أن الدكتور شيوعى، وأن حديثه الغامض عن الماضى وتقديس الأسلاف إنما هو لصرف الطلاب المسلمين عن النهر الذى يستقون منه، لأن منابعه هناك فى الماضى القديم .
    هل الأمانة العلمية تقتضى تدريس الباطل وحده ؟ أم يدرس الحق والباطل معاً ويترك للطلاب حرية الموازنة والاختيار .
    لكن أساتذة الفلسفة الذين ذكرناهم هنا لم يجشموا أنفسهم عبء الاطلاع على الفكر الإسلامى فى مظانه المعروفة وانطلقوا فى طريقهم يدمرون مستقبل أمة وهم آمنون .
    بل لعلهم كانوا يفعلون ذلك وهم ينفذون خطة مرسومة، ويرقبون من ورائها الرضا والانتفاع .
    وشعبة أخرى حاذت هذه الشعبة الفلسفية فى نبذ الماضى . علام تقوم ؟ تقوم على تزوير التاريخ الإسلامى والسيرة النبوية أجمع ابتداء من دولة الخلافة إلى يوم الناس هذا ..
    وهدف هذه الشعبة الفكرية إبراز " محمد " إنساناً عادياً، أو قائد انقلاب اقتصادى يسارى على نحو ما صنع أو حاول أن يصنع " جيفارا " .
    وقد كتب السيد عبد الرحمن الشرقاوى ـ وهو شيوعى معروف ـ سيرة على هذا النسق حشاها بالدس والتدليس العلمى وتوجيه الأحداث بعنف فى غير مسارها .
    وأصدرت مجلة الأزهر عدداً يحتوى جملة مقالات فضحت هذه السيرة السيئة، وحذرت منها دون جدوى .
    وقد تعرض السيرة الشريفة من خلال نظرات استشراقية واتهامات تبشيرية من غير كشف لتهافت هذه النظرات والاتهامات .
    ولا بأس أن يعرض الفتح الإسلامى، وكأن العرب أسراب جراد منطلق فى الأودية اليانعة ليأتى على ما فيها .. أما تحريرهم للشعوب المسترقة وتحطيمهم للقوتين العظيمتين المنتفختين بالجبروت والاستعلاء فهذا ما لا يقال ؟!
    وقد ينسب للعرب ـ امتناناً عليهم ـ أنهم نقلوا حضارة الأقدمين إلى العصور الوسطى، أما أنهم أصحاب حضارة مقدورة ورسالة هادية ومدنية راقية فلا ..
    وفى كلية آداب عين شمس كان التاريخ يدرس على هذا النحو !!
    مساكين طلابنا الذين راحوا ضحية هذا الإرهاب الفكرى فى مرحلة " جأر " فيها الضلال " وخرس " فيها الحق !!
    كتب أخونا " على عبد العظيم " هذا التقرير عن كتاب ألفه الدكتور " عبد المنعم ماجد " وأسماه " التاريخ السياسى للدولة العربية " ننشر نصه كاملاً لما له من دلالة . قال :
    " المؤلف من أعضاء هيئة التدريس بكلية الآداب بجامعة عين شمس، وكان عليه أن يقدر المسئولية وأن يرعى الأمانة العلمية، وأن يعتمد فى أبحاثه ودراساته على المراجع التاريخية الأصلية التى عاصر مؤلفوها الأحداث أو نقلوها بأمانة عمن عاصرها وشارك فى أحداثها، ولكنه اعتمد على المبشرين والمستشرقين المتعصبين الذين تمتلئ قلوبهم بالأحقاد المتوارثة على الإسلام والمسلمين والذين أعمتهم العصبية الحمقاء فأضلتهم سواء السبيل ..
    " ومن الغريب أنه يسرد آراءهم دون مراجعة أو تمحيص، وينقلها كأنها حقائق ثابتة، ويلقنها لتلاميذه ويلزمهم بها كأنها أحكام صحيحة لا تحتمل البحث أو الجدال، وليس هذا شأن الأساتذة الجامعيين الذين يرعون الأمانة ويقدرون المسئولية ويتحرون الحقائق من مصادرها الأصيلة، ويراجعون أنفسهم مراجعة دقيقة قبل إصدار الأحكام الحاسمة التى تشوه التاريخ العربى وتلطخ القيم الإسلامية العليا بأبشع الأكاذيب والمفتريات ..
    " ولو كان الأمر مقصوراً على كتاب يؤلفه صاحبه ويحشوه بما يشاء من آراء المنحرفين المتعصبين لهان الأمر، ولكنه كتاب جامعى مفروض على طلبة الكلية فرضاً منذ سنوات يتلقاه الطلبة عن أستاذهم واثقين به ليرددوا ما فيه ـ بعد ذلك ـ على عشرات الآلاف من تلاميذهم فى التعليم العام عاماً بعد عام " .
    والمؤلف يعلم أن هناك مستشرقين منصفين، درسوا الحضارة الإسلامية والتاريخ العربى دراسة علمية عميقة بعيدة عن الهوى والتعصب، وأنصفوا العرب والمسلمين، وعززوا آراءهم بالأدلة الحاسمة والبراهين القاطعة معتمدين على الآثار الإسلامية الباقية والتراث العربى الخالد، ولكن المؤلف تحاماهم جميعاً واستباح لنفسه أن يسرد آراء المتعصبين الحاقدين دون دليل أو برهان كأنه يشفى غليلاً فى نفسه أو يشيع ما حملته طبيعته من بواعث الهدم والتدمير، ومن الخير أن نسوق بعض الأحكام التى ملأ بها الكاتب صفحات كتابه دون نقد أو تمحيص :
    أولاً :
    صفحة 60، 61 من الجزء الأول : " كان بعض الأعراب يذبحون الكلاب كقبيلة أسد أو يأكلون لحوم الناس كقبيلة هذيل .. كما أن بعض الأعراب كانوا يأكلون الحيات والعقارب والجعلان والخنافس أو حتى القمل " .
    ثانياً :
    يذكر المؤلف فى صفحة 94، 95 أن تاريخ ميلاد الرسول غير معروف بالضبط، ويتشكك فى ربطه بعام الفيل، ويوحى بأن ذلك ناشىء عن محاولة الربط بين مولده وهذا الحادث القومى بالنسبة لقريش، ومن الغريب أن يعتمد فى ذلك على معجم البلدان لياقوت، وهو كتاب متأخر ويعتبر من الكتب الجغرافية لا التاريخية، كما يعتمد على ثلاثة مراجع فرنسية، يفعل هذا على حين يترك المصادر التاريخية المتقدمة الأصيلة مثل تاريخ الطبرى وسيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد وفتوح البلدان والروض الأنف ..
    ثالثاً :
    فى صفحة 198 من الجزء الأول يقول المؤلف : " وفجأة فى سن الأربعين يملك محمد موهبة النبوة " وهذا التعبير غير لائق بجلال النبوة، فإنها ليست موهبة فطرية كالمواهب الأخرى، ولكنها اصطفاء من الله للأخيار الذين اجتباهم من عباده المخلصين .
    رابعاً :
    يستبيح المؤلف لنفسه أن يسرد عبارات تصف القرآن بأنه من صياغة محمد مثل قوله فى صفحة 99 من الجزء الأول : " ومع ذلك فلم يرد على لسان النبى فى القرآن .. " ويقول فى صفحة 125 : " وقد أناب فيه أبا بكر صديقه ليقرأ عليهم سورة براءة التى يتبرأ فيها محمد ممن يحج من المشركين " وكأن محمداً هو الذى ألف هذه السورة ليتبرأ فيها من المشركين مع أن أول السورة " براءة من الله ورسوله " .
    خامساً :
    فى صفحة 250 يصدر المؤلف حكماً غريباً يهدم الشريعة الإسلامية من أساسها، حيث يقرر أن الوحى كان يتم فى المنام، وكأنه أضغاث أحلام فيقول عن الوحى : " إنه كان ينزل عليه وهو نائم " .
    سادساً :
    يدعى فى صفحة 250 أن النبى ـ ـ " كان ينسخ بعض الآيات ويأتى بأخرى محلها " وكأنه هو الذى ألف القرآن ثم أجرى فيه بعض المحو والأثبات، وكأنه ليس وحياً سماوياً منزلاً .
    على أن موضوع النسخ فى القرآن محل جدل بين علماء المسلمين، وعلى فرض ثبوته فهو من عند الله وحده وهو تدرج فى التشريع موحى به من عند الله لا من عند محمد ـ . : " ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين "[الحاقة : 44ـ47]
    سابعاً :
    يذكر المؤلف فى صفحة 127، 128 من الجزء الأول عن رسالة النبى فيقول : " وهو وإن كان أرسل إلى العرب إلا أنه اعتبر نفسه أنه مرسل إلى العرب وحدهم ولكنه تجاوز حده واعتبر نفسه رسولاً إلى كافة الناس " .. وكأنما الأمر متروك إليه يقرر فيه ما يشاء من دلالة النصوص القرآنية وتواتر الأحاديث النبوية على رسالته إلى جميع الناس " ليكون للعالمين نذيراً " ( الفرقان : 1 ) .
    ثامناً :
    فى صفحة 127 يذكر المؤلف أن رسالة المسيحية عامة وليست خاصة كاليهودية، والمؤلف هنا يخالف القرآن الكريم فى قوله تعالى : على لسان عيسى عليه السلام " ورسولاً إلى بنى إسرائيل " ( آل عمران : 49 ) كما يخالف العهد الجديد حيث جاء فى إنجيل متى " لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة " ( الاصحاح 15 : 24 ) فالمؤلف ينقل آراء المستشرقين والمبشرين دون نقد أو تمحيص ولو خالفت القرآن الكريم والحديث الشريف .
    تاسعاً :
    يتحدث المؤلف فى صفحة 128 وما بعدها عن قضية البعث والحساب فيصوغها فى عبارات توحى بالسخرية والشك فيما رواه القرآن الكريم فيقول مثلاً : " ويخرج الأموات من قبورهم ليقفوا أمام الله والملائكة ليحاكموهم " وكأنها محكمة جماعية يتبادل فيها القضاة الآراء ويحكمون برأى الأغلبية، ولنا أن نتساءل ما علاقة هذا بالدراسة التاريخية ؟
    والمؤلف متأثر بما كتبه صاحب كتاب " الفن القصصى فى القرآن الكريم " الذى رفضت جامعة القاهرة قبوله رسالة للدكتوراه، وكأنه مولع بنقل آراء الحائدين عن الصواب من شرقيين وغربيين .
    عاشراً :
    يقول المؤلف فى صفحة 123 أن الزكاة فى الإسلام ليست نوعاً من التضامن الاجتماعى كما فى وقتنا، وإنما هى حث على الشفقة والرحمة واستغلال فى الجهاد ونشر الدين، فهل الشفقة تتعارض والتضامن الاجتماعى ؟
    إن القرآن الكريم لم يعتبر الزكاة إحساناً وإنما جعلها حقاً مفروضاً للسائل والمحروم، وقد حدد الإسلام مصارف الزكاة وليس فيها نص على الجهاد وحده ونشر الدين فحسب، وإنما هما يدخلان فى أحد وجوه الصرف الثمانية كما ذهب إليه بعض المفسرين .
    حادى عشر :
    ينفى المؤلف فى صفحة 134 أن " الدين الإسلامى عالج نظم الحياة بنصوص صريحة " وكل من له العلم بالتشريع الإسلامى يدرك بأدنى ملاحظة النصوص الصريحة التى تناولت جميع شئون الحياة من بيع وشراء وهبة ودين ووصية وزواج وميراث كما حددت الفضائل والرذائل والعلاقات الاجتماعية والنظم السياسية وشئون الحرب والسلام، كما تناولت أساليب الحكم والقضاء وحددت الجرائم والقصاص والحدود .. كما تناولت حقوق الإنسان قبل أن تحدده هيئة الأمم بأكثر من 13 قرناً .
    ثم يكرر هذا الاتهام فى صفحة 138 فيقول : " والواقع أن الإسلام لم يدع أنه بنى مجتمعاً فى غاية التنظيم " !!! لقد كان العرب قبائل متناحرة متنافرة يحارب بعضها بعضاً لأتفه الأسباب، وما كان يمكن أن تتألف منها وحدة تامة، وما كان القرآن الكريم ينفذ إلى قلوب أفرادها حتى أصبحت أمة قوية متماسكة كالجسد الواحد أو البنيان المرصوص، : " وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما فى الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف
    بينهم " وما تفرق شملهم إلا بعد أن تهاونوا فى التمسك بدينهم القويم وكتابهم الكريم .
    ثانى عشر :
    سرد المؤلف فى صفحة 134 ما يلوكه المبشرون من تعدد الزوجات دون مراجعة أو مناقشة أو تمحيص، وكأنه بوق يردد أصداء الحاقدين .
    ثالث عشر :
    فى صفحة 136 يذكر أن الإسلام حرم الربا لأن معظم القائمين به هم اليهود وكأن التشريع الإسلامى يقوم على الأغراض الشخصية وليس وحياً سماوياً يستهدف الصالح العام لجميع العالمين، ومن العجيب أن المؤلف يتناول الآيات القرآنية ويفسرها تفسيراً يدل على عدم فهمه لأسلوب القرآن العربى المبين فقد فسر المؤلف قوله تعالى : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس " ( البقرة : 275 ) وقد فسرها المؤلف بأن الآية تشبه " آكل الربا بالشيطان " ( جزء 2، ص 275 ) مع أن الآية الكريمة واضحة بينة يفهمها العامة قبل الخاصة، ولكن سوء الفهم حجبه عن أنوار القرآن الكريم .
    رابع عشر :
    فى صفحة 145 يقول المؤلف : " ولا ريب أن النبى نفسه تعب من استهتار العرب بالدين وعدم ميلهم إليه " وهو تعبير يجافى الذوق السليم إزاء النبى الذى قضى حياته مكافحاً مناضلاً يتقدم الصفوف ويقود المسلمين فى مواطن الخطر دون أن يدركه ملل أو كلل ودون أن يخشى فى الله لومة لائم فكيف يتعب من الدعوة إلى الله .
    خامس عشر :
    لاحظنا أن المؤلف يلتزم نقل آراء المستشرقين ويتحمس لها، ولكنهم إذا أنصفوا الإسلام فى موقف ما أسرع إلى مخالفتهم وكأنه موكل بتشويه صفحة الإسلام الوضاءة وتلويث تراثه المجيد فنجده فى صفحة 163 يقول : " لا نوافق بعض المستشرقين فى قولهم أن العرب كانوا مدفوعين نحو الفتوح بالحماس الدينى .. ولكن من غير المعقول أن يخرج البدوى ـ وهو الذى لا يهتم بالدين (!) ـ لنشر الإسلام " .
    ومن العجيب أن يقرر المستشرقون الحقيقة وينصفوا الفتوحات الإسلامية، ولكن المؤلف المسلم يخالفهم على غير عادته فيزعم أن الصحابة لا يهتمون بالدين، وأن الفتوحات الإسلامية كانت قائمة على النهب والسلب لا على نشر الإسلام .
    سادس عشر :
    ينكر المؤلف كعادته آثار التسامح الإسلامى فى تحرير الشعوب من أغلالها فيخالف آراء جميع المؤرخين العرب كما يخالف آراء جمهرة المستشرقين، ويكتفى برأى يوحنا النقيوس الذى انفرد بذكر مقاومة الأقباط فى مصر للفتح الإسلامى مدة 12 عاماً دون مناقشة أو دليل ليخلص من هذا إلى أن الفتوح الإسلامية كانت قائمة على النهب والسلب وإشباع شهوة سفك الدماء ( ص 221 ـ 223 ) .
    سابع عشر :
    يذكر فى صفحة 180 أنه " كان لانتصار المسلمين فى أجنادين وقع عظيم بحيث اعتقد المسلمون أن هذا النصر من عند الله "، وهى عبارة تصدم العقيدة الإسلامية فى الصميم، لقد انتصر المسلمون قبل أجنادين، فهل كانوا يعتقدون أن هذا النصر من عندهم لا من عند الله ؟
    ولقد كانوا يحفظون القرآن الكريم وفيه قوله تعالى : " وما النصر إلا من عند الله " ( الأنفال : 10 )، ولو كان للمؤلف الأغر أدنى معرفة بالعقيدة الإسلامية لعلم أن النفع والضر بيد الله وحده وأن الإنسان لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله، فهل كان الصحابة ينكرون هذا ولم يعتقدوه إلا بعد انتصارهم فى أجنادين !!
    ثامن عشر :
    فى صفحة 227، 230 يرمى المؤلف الصحابة بالوحشية والإجرام فى فتوحاتهم الإسلامية، ويزعم أنهم كانوا قساة القلوب غلاظ الأكباد، لا يكتفون بحرق المزارع وهدم البيوت، وإنما يحاولون قهر الشعوب المفتوحة، وإرغامهم على دفع الجزية حتى ولو أسلموا، مخالفاً بذلك النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وإجماع المؤرخين، ثم يشتط فى أحكامه فيزعم أن العرب فى فتحهم لبرقة وطرابلس اكتفوا بفرض الجزية وأجازوا لأهلها بيع أبنائهم ليدفعوا الجزية، ولو رجع إلى المصادر الوثيقة لعلم أن الجزية لا تفرض إلا على القادرين ـ من غير المسلمين ـ على دفعها، وأنها تقابل فريضة الزكاة عند المسلمين، وأنها تنفق لتحقيق الصالح العام للجميع لا للغزاة الفاتحين، ولكنه لا يريد أن يعلم وإنما يلتزم الباطل التزاماً . ومن هذا ما زعمه من أن المسلمين " أرغموا أهل النوبة على أن يحملوا كل سنة إلى ولاة مصر 260 رأساً من الرقيق غير المعيب المتوسط العمر !! ولو كان للمؤلف الأغر أدنى إلمام بالثقافة الإسلامية لعلم حرص الإسلام الشديد على تحرير الرقاب وأنه أهاب بالمسلمين أن يتقربوا إلى الله بتحرير الرقيق أى الرقاب، وأنه جعل هذا العتق كفارة بعض الذنوب وأنه رصد جزءاً من صدقات المسلمين لإنفاقها فى تحرير الرقاب : " فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة : فك رقبة .. " ( البلد : 11 ـ 13 ) ولكن المؤلف يجهل أحياناً ويتجاهل فى معظم الأحيان .
    المؤلف مولع بتشويه صفحات الفتوحات الإسلامية بكل الوسائل، وهو يستبيح فى سبيل إشباع شهوته نقل الأساطير الوهمية، وهو يسوقها دون مناقشة أو جدال كما قال فى صفحة 204 من الجزء 2 عن فتح المسلمين للأندلس " قيل إنهم طبخوا أول من قتلوه فى القدور " ولو كان المؤلف مؤرخاً حقاً لدرس الفتح الأندلسى دراسة جادة، فعلم أن الأهالى ساعدوا العرب مساعدة قيمة للتخلص من حكم طاغيتهم المستبد لذريق، ولو كان المؤلف جاداً فيما يكتب ما اعتمد على الأساطير والخرافات، ولعلم أن المسلمين حريصون على تحرير الشعوب، ولكنه حريص على أن يصور المسلمين وحوشاً مفترسة من آكلى البشر، ولو كان المؤلف قد نال قسطاً يسيراً من الثقافة الإسلامية لتذكر وصية النبى للمجاهدين من الصحابة ومن تلاهم : " لا تقطعوا شجراً ولا تقتلوا طفلاً ولا امرأة ولا شيخاً ولا تهدموا بيتاً " ويظهر أن المؤلف الأغر لا يأخذ بالقرآن الكريم ولا بالحديث الشريف وإن ذكرهما فى مصادره للتمويه والتضليل .
    عشرون :
    المؤلف مهتم كل الاهتمام بتشويه سيرة الصحابة رضوان الله عليهم، فهو يرمى عمر بأنه كان يخشى الرجال الأشداء فينحيهم عن مناصب القيادة ( صفحة 183 ) ويكرر هذا فى صفحة 200 ليبرر عزله خالداً أو المثنى بن حارثة، ونسأل المؤلف الأغر : هل نحى عمر أبا عبيدة وسعد بن أبى وقاص وعمرو بن العاص وغيرهم من كبار القادة الأقوياء عن مناصبهم ؟
    وشبيه بهذا ما ذكره عن الإمام الحسن رضى الله عنه ناقلاً ما ذكره خصومه من الأمويين وطائفة من المبشرين والمستشرقين حيث يقول فى صفحة 2 من الجزء الثانى : " فلعل وفاة الحسن كانت بسبب إسرافه فى حياة
    اللهو .. " ويتناسى أنه سبط الرسول وسيد شباب أهل الجنة، وأن الله سبحانه وتعالى أنزل فيه وفى أسرته : " يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً "، نعم يتناسى أن هناك رأياً قوياً فى التاريخ الإسلامى مؤداه أن معاوية أغوى امرأة الحسن بسمه على أن يزوجها ابنه يزيد فلما أقدمت على فعلتها النكراء واتته تستنجزه وعده راغ منها وأرضاها ببعض المال، فالحسن على هذه الرواية قتيل السياسة الأموية الدنيوية لا قتيل الشهوات الدنية . لكن مصادر الإسلام الصحيحة والراجحة من قرآن وسنة وخبر صادق وراجح لا ترقى لمستوى مطاعن المبشرين والمستشرقين عند هذا المؤرخ " المسلم " !
    واحد وعشرون :
    يستبيح المؤلف لنفسه أن يهب النبوة لمن يشاء ويسلبها ممن يشاء، فهو يمنح " زرادشت " النبوة دون سند حيث يقول فى صفحة 194 من الجزء الأول " وكان رسول هذه الديانة نبى اسمه زرادشت " على حين ينكر النبوة على إدريس عليه السلام جاهلاً أو متجاهلاً قوله تعالى : " واذكر فى الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبياً ورفعناه مكاناً علياً " ( مريم : 56 ) .
    اثنان وعشرون :
    المؤلف يلتزم التعبير المجافى للذوق السليم، فضلاً عن مجافاته للتعبير، فهو يذكر " الفتح العربى " بدلاً من الفتح الإسلامى، ويذكر " الدين العربى " بدلاً من الدين الإسلامى، وكأن الفتح الإسلامى كان مقصوراً على العرب وحدهم ولم يكن موجهاً إلى العالمين، وما سمح لنفسه قط أن يتبع ذكر محمد بالعبارة المأثورة " " والله تعالى يقول : " إن الله وملائكته يصلون على النبى، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " ( الأحزاب : 56 ) وإذا كان المؤلف لا يعد نفسه من " الذين آمنوا " فهو يخاطب قوماً مؤمنين، فإن فاته أدب الإيمان فلا يفوتنه أدب الخطاب !
    وقد حرص المؤلف الأغر على طبع كتابه فى بيروت خشية أن يلاحقه الرقيب فى مصر، وفرضه على تلاميذه منذ خمس سنوات، وفاته أن عين الله لا تغفل وأن الذين يلحدون فى آياته لا يخفون عليه .
    ولعل هناك صلة بين كتابه وكتب التبشير الصادرة فى بيروت، ولو اجتهد المؤلف فأخطأ مرة وأصاب مرات لالتمسنا له العذر ولكنه ـ وا أسفاه ـ لا يجتهد ولا يبحث، وإنما هو ناسخ فحسب، يتعمد نقل ما يشوه القيم الإسلامية المثالية ويرتمى على أقدام المبشرين والمستشرقين المتعصبين، ويمعن كل الإمعان فى التفاهة والضلال .
    وكأنه يعيش فى دولة غير إسلامية ينص دستورها على أن دينها هو الإسلام وينادى رئيسها بشعار " دولة العلم والإيمان " .
    إن بقاء هذا المؤلف بين أعضاء هيئة التدريس بكلية آداب عين شمس خطر على البحث العلمى والأمانة التاريخية والفضائل الخلقية والتراث الإسلامى المجيد " .
    " على عبد العظيم "

    وندع هذا التحامل الجهول على تراثنا وتاريخنا، ونستعرض لوناً آخر من تزوير الحقائق وتضليل الأجيال وتحريف الكلم عن مواضعه لخدمة الإلحاد والاستعمار بدعوى القومية العربية أو الوطنية المصرية .
    القومية العربية ومعناها
    عندما أغار الاستعمار الحديث على العالم الإسلامى كان عقله الباطن والواعى طافحاً بالحقد على الإسلام وأمته المترامية الأطراف .
    كان عقله الباطن والواعى مستغرقاً فى المكر بهذا الدين والقضاء عليه، وكان اتجاهه إلى الاغتيال شاملاً للعقيدة والشريعة على سواء أو للقلب النابض والمظاهر المتحركة جميعاً .
    إلا أن عمله لثقب الصدور وتفريغ الإيمان منها وإبقائها جوفاء فارغة كان أحظى وأسرع لإبلاغه مأربه من أى تغيير آخر لأنماط الحياة وأشكالها، ومن ثم استمات فى محاربة الإيمان، وإنشاء أجيال جاهلة بربها ورسولها أى بكتابها وسنتها .
    يقول شوقى مناجياً النبى وباكياً تلك الحال :
    شعوبك فى شرق البلاد وغربها
    كأصحاب كهف فى عميق سبات

    بأيمانهم نوران : ذكر وسنة
    فما بالهم فى حالك الظلمات ؟

    والحقيقة أن الاستعمار جرد أيدى المسلمين من الذكر الحكيم والسنة المطهرة، وبنى الثقافات التى احتضنها والنضهات التى أقرها على أن تكون بعيدة كل البعد عن الكتاب والسنة .
    وبناء الأمم على غير عقيدة لا يساوى شيئاً .. إن العقيدة فى الكيان الاجتماعى كالقلب فى الجسد الإنسانى، وكالتيار فى المصباح الكهربائى وكالوقود فى الآلة الدوارة .
    واجتياح عقيدة فى أمة ما، معناه إبقاؤها على الأرض مجموعة من الناس لا تصلح فى سلم ولا حرب، ولا تكترث إلا لملذاتها الفردية، ولا تصير فى الأسرة الدولية إلا عضواً زرياً يحسن الأكل والسفاد وحسب .
    وقد اجتهد الاستعمار أن يوقع بالمسلمين هذه النكبة الماحقة عندما هبط أرضهم، واستباح عرضهم، وقرر سراً وعلناً أن يفتنهم عن دينهم، وألا يسمح لهم بالعيش فى ظله .
    يقول الأستاذ أحمد موسى سالم فى كتابه " الإسلام وقضايانا المعاصرة " أنه منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وإلى اليوم ظهرت دعوات وصيغ كثيرة فى بناء القومية العربية، أو فى العمل على تقويضها وتفتيت فكرتها، بعض هذه الدعوات أوحى به الاستعمار، وبعضها أفرزه التخلف وشجعه الشعور المهين بالتبعية الثقافية للغرب، وبعضها يمكن أن يصحح نفسه ويتطور ويقترب من الاتجاه الصحيح .
    وفيما يلى نستعرض فى إيجاز عابر صوراً دقيقة بقدر الإمكان لهذه الدعوات أو الصيغ التى يتداولها الفكر فى المجتمع العربى من الخليج إلى المحيط، فى إطار الدعوة للقومية العربية، وذلك منذ سقط الصرح البالى للإمبراطورية العثمانية عن هذا الوليد العربى القوى الغنى الذى يصرخ بطلب الحياة، بينما تمتد مخالب كثيرة لأعدائه تدعى أمومته أو أبوته لتصنع منه عبداً، وتفرض عليه وصاية من خلال حضانتها له بفكر سياسى خاطىء وإن كان له بريق :
    1 ـ دعوة قديمة حديثة ترفض الإقليمية والقومية معاً وتنادى بالفكرة العالمية الغربية، وهذه تتردد فى أفكار فردية، أو مدارس فكرية مقنعة، تتحرك هنا وهناك فى مباحث ثقافية ذات طابع تحررى، وهى دعوة تشجعها الصهيونية والاستعمار من قرب أو من بعد .
    2 ـ دعوة إقليمية ترفض القومية العربية إيثاراً لوطنيات ضيقة باسم الفرعونية أو الفينيقية أو الآشورية، وهى أثر من آثار التحرك الاستعمارى العاجل عقب سقوط الدولة العثمانية لقتل أى احتمال بظهور وانتشار فكرة القومية العربية بمعناها المقبول .
    3 ـ دعوة لاتحاد العالم الإسلامى ترفض القومية العربية، وهى أثر من آثار وتراكمات الوجود التركى فى الوطن العربى، ودعوة يجند لها الاستعمار الجديد كل قواه لتفتيت الصمود العربى أما إسرائيل ( لنا رأى فى هذا الكلام سوف نذكره )، وهو يحاول من خلال جماعات إسلامية كثيرة ووسائل إعلام ملتوية أن يبث بها المخاوف من القومية العربية فى قلوب علماء الدين .
    4 ـ دعوة للقومية العربية أوربية الشكل والمضمون، وهى دعوة ينفثها الاستعمار ـ مع جهوده المتنوعة لقتل القومية العربية ـ داخل الجماعات الرجعية وقيادتها المثقفة التى تؤمن بمجتمع " الكبراء والصغراء "، وتريد أن تفرض تصورها للقومية العربية بالشكل الذى يحمى نظرية التفوق والدم وامتيازات رأس المال .
    5 ـ دعوى للقومية العربية ترفض الدين وتشترط هذا الرفض، وهى دعوى تمتزج فيها المؤامرات الثقافية الخارجية بالانعكاسات المحلية لجيوب دينية وطنية .
    6 ـ دعوى لاتحاد وتضامن العرب تتجاوز إرادة الشعوب إلى علاقات الحكومات وتتمثل فى جامعة الدول العربية التى تأسست سنة 1944 بهدف " توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيهاً تحقيقاً للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها كما جاء فى ميثاقها " .
    7 ـ دعوى للقومية العربية يتبناها التقدميون الماركسيون يضعون فى مقوماتها التجانس العقلى والثقافى ووحدة النظرة إلى الكون بدلاً من الدين، والأممية بدلاً من الإنسانية " .
    ولنا تعليق على الطيف الثالث من هذه الأطياف السبعة فإن العالم الإسلامى المركب من أجناس شتى يحترم العرب ويقدس لغتهم، ويعلم أن العرب هم دماغ الإسلام وقلبه، وأنه يستحيل وجود إسلام من غير أمة عربية سيدة ما دام القرآن عربى الآيات، وما دام النبى عربى التراث، وما بقيت مكة فى مكانها من أرض الله، فالعرب إن اكتشفوا ذاتهم واحترموا مكانتهم هم جزء من الرسالة الخاتمة، ولن يتبرم بوضعهم مؤمن أو يفتات على حقهم منصف .
    ولكن يوم ينسى العرب هذه الحقيقة الدينية والتاريخية فسينطبق عليهم قول الحقائق :
    إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها
    هواناً بها كانت على الناس أهونا

    والمؤلف الكبير ذكر أن هناك عرباً تجردوا من تاريخهم ورسالتهم، أو بتعبير أصرح جردهم الاستعمار من ذلك كله، وأغراهم برفع راية العروبة وحدها على نحو ما شرح فى الطيف الرابع والخامس والسابع، ولكى يعرف الناس حقيقة هؤلاء الخادعين المخدوعين ننقل كلامهم ( من كتابات " ميشيل عفلق " و " ساطع الحصرى " و " قسطنطين زريق " وآخرين ) بالتفصيل :



    ملحوظة هامة جداً : إلى هنا انتهى كلام الشيخ الغزالى رحمه الله، وانتهى بذلك الباب الرابع، ويبدأ بعده الباب الخامس ( شبهات من كل مكان ) .. مع حاجة الكلام إلى بقية قد تطول .. ولكنها للأسف ليست مثبتة بالنسخة التى نقلنا منها .










  8. #8
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي


    الباب الخامس
    شبهات أخرى


    أتانا وافد من " أسيوط " بوريقات تضمنت عشرات المطاعن ضد الإسلام، كتبها شخص يدعى " كميل جرجس " وجمع عليها بعض طلاب الجامعة !
    وتصفحت على عجل مختلف الموضوعات التى تعرض لها الكاتب، ورأيت أنها تحتاج إلى رد وبيان، وسيعرف القراء قيمتها عندما نذكرها .
    وقد أسافر إلى أسيوط لأحسم العلة من جذورها، ويكفى هنا أن أسوق أمثلة لما يشاع عن ديننا، ويجد طريقه ممهوداً إلى أدمغة القاصرين !!
    غلطة فلكية !
    كذَّب الكاتب قوله تعالى : " والشمس تجرى لمستقر لها " وزعم أن ذلك يخالف العلم ..
    أى علم ؟!
    .. إن جريان الشمس من أسرتها المعروفة فى فضاء الله الواسع مقرر فلكياً، لم ينكره أحد قط، ولكن " عبقرى أسيوط " يريد تكذيب القرآن، فحكى دورة الأرض حول محورها، ودورتها حول أمها الشمس، ثم قال : " من هذا يتضح أن الشمس لا تجرى ولا تذهب لتسجد تحت العرش، وأنها لا تغرب فى عين حمئة .. " .
    والاستنتاج مضحك فقد فهم العبقرى أن دوران الأرض حول الشمس يعنى أن الشمس ثابتة، وفهم من قوله تعالى : " وجدها تغرب فى عين حمئة " أن الشمس تغطس فى الماء يومياً ثم تخرج !!
    ولم يدرك ما يعرفه الأطفال عندنا أن اختفاء قرص الشمس فى الماء إنما هو فى عين الرائى لا فى حقيقة الأمر !!
    أما أن الشمس تسجد لربها، فإن الجماد والنبات والحيوان والكائنات جمعاء خاضعة لله، تسبح بحمده، وتهتف بمجده، وتلبى أمره، وهى طوع مشيئته ..
    ويوم لا يأذن للشمس فى الشروق، وينهى أمر الدنيا، ويفتح يوم الحساب، فمن الذى يعصيه ؟
    ويظهر أن المسكين فهم من سجود الشمس أنها تصلى ركعتين كسائر البشر !! " ألم تر أن الله يسجد له من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس . وكثير حق عليه العذاب . ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء " ( الروم : 24 ) .
    الكسوف والخسوف
    قال الكاتب : " جاء فى سورة الروم : " ومن آياته يريكم البرق خوفاً وطمعاً، وينزل من السماء ماء فيحيى به الأرض بعد موتها، إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون " .
    " وروى البخارى فى صحيحه عن أبى موسى الأشعرى قال : خسفت الشمس فقام النبى فزعاً يخشى أن تقوم الساعة فأتى المسجد فصلى بأطول قيام وركوع وسجود، ما رأيته قط يفعله، وقال : " هذه الآيات التى يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا حياته، ولكن يخوف الله بها عباده، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره " . ( البخارى ) .
    وبعد أن ذكر الكاتب التفسير العلمى للبرق، والكسوف، والخسوف كما هو مقرر فى الكتب المدرسية قال : " إذن فالواضح أنه ليس الهدف من البرق أن يخوف الله البشر، أو الهدف من الكسوف ما ظنه البعض بجهالة أنه لموت إبراهيم ( ابن النبى )، أو خشية قيام الساعة بل الأمر مجرد ظواهر طبيعية عادية، وهذا هو فضل العلم الحديث على البشرية جمعاء، ولكنهم لم يكونوا يدركون ذلك بعد، وكان تفسيرهم لتلك الظواهر نابعاً من استنتاجات محدودة " .
    ونقول : هذه الظواهر الطبيعية العادية كما يسميها الكاتب هى آيات الله فى منطق المؤمنين به .. فحياة الأرض بعد نزول الماء آية وإن سماها ظاهرة طبيعية، والتفريغ الكهربى الناشئ من تلاقى السحب آية سواء أحدث صوت الرعد أم ضوء البرق .
    ورجاء الناس فى أن تهمى هذه السحب طمع فى محله لا يستغرب، وخوفهم أن يكون البرق وليد سحاب جهام لا خير فيه خوف فى محله لا يستنكر . ولو خشوا أن يتحول التيار الكهربائى إلى صواعق مهلكة فخشيتهم طبيعية لا نكير عليها ..
    أما تصور الكاتب أن الناس تخاف البرق لأن عفريتاً يصنعه فهذا تصور أطفال، والآية التى أوردها عن البرق والمطر واحدة من ثمانى آيات متتابعة تصف ما يسميه ظواهر طبيعية وصفاً جليلاً رائعاً يحييه العلماء من قلوبهم .
    أما قصة الكسوف فلا ندرى مقدار العمى الذى كان صحب الكاتب وهو يذكرها، لقد وهل الناس أن الشمس كسفت لموت إبراهيم بن النبى عليه الصلاة والسلام، فقام النبى ينفى ذلك بشدة مؤكداً أن الكسوف والخسوف آيات إلهية، أو بالتعبير الحديث ظواهر طبيعية .
    وزهد صاحب الرسالة فى المجد الذى أتاحته الظروف !! وكان فى وسعه أن يسكت تاركاً هذا الظن يستقر، ولكنه أبى، وأمر أتباعه بالصلاة تحية لرب الأرض والسماء، وانحناء أمام عظمة مسير الكواكب فى الفضاء .
    أهذا مسلك يعاب ؟! شاهت الوجوه ..
    ومعروف فى سيرة النبى الكريم أنه كان شديد الرقابة لله، شديد الخشية منه، وربما تعصف الريح فيقلق خشية أن تكون ريحاً مدمرة يعذب الله بها المتمردين عليه، فهل قالوا : إن هبوب الريح من علامات الساعة ؟
    وهل خوف النبى من أن يكون الكسوف إيذاناً باقتراب الساعة يدل على شىء أكثر من شعوره الحى بقرب لقاء الله .
    ولنترك ما حكاه " أبو موسى الأشعرى " فى ذلك ولنتدبر ماذا قال الرسول نفسه عن الكسوف والخسوف ؟ قال عنهما : آيتان من آيات الله .. وحسب ..
    فأى اعتراض علمى على هذا ؟
    ويقول الكاتب : " يحدد لنا العلم أن الكسوف للشمس، والخسوف للقمر "، وليس كما جاء فى الحديث : " خسفت الشمس " .
    الجواب : ليس هذا تحديداً علمياً، وإنما هى اصطلاحات تواضع عليها بعض الناس لا تؤثر فى طبيعة اللغة العربية التى تسمح باستعمال الكسوف والخسوف للشمس على سواء .
    إن كلمة " التبشير " شاعت فيما يفرح، ولكنها لغة تستعمل فيما يسر، وفيما يسوء .
    وكلمة " أصاب " أو " مصيبة " تستعمل فى الآلام والمتاعب، ولكنها لغة تستعمل كذلك فى الأفراح " ما أصابك من حسنة فمن الله " ( النساء : 79 ) و " نصيب برحمتنا من نشاء " ( يوسف : 56 ) .
    ولكن عبقرى أسيوط الذى لا يعرف من لغة العرب إلا نزراً يريد أن يتصيد أخطاء لغوية لرجال البلاغة العربية.
    غلطة جغرافية !
    وننقل هذه " النكتة " ليتفكه بها القراء :
    روى البخارى بسنده أن النبى ـ ـ ذكر مواقيت الحج : قرناً لأهل نجد، وذا الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام، ويلملم لأهل اليمن " وذكر العراق فقال : لم يكن يومئذ عراق .. " .
    وليس يعنينا : من سأل ولا من أجاب وبديهى أن معنى " لم يكن يومئذ عراق " أنه لم يكن حجيج وافدون من العراق ..
    لكن أخصائى الشبه قال : " ولكن الواقع العلمى يثبت ويؤكد أنه كان يومئذ عراق، ولكن القوم لم يكونوا قد ذهبوا إليه !! أو سمعوا عنه !! .. " .
    العرب فى الجزيرة والشام لم يكونوا يعرفون أن هناك قطراً مجاوراً لهم اسمه العراق .
    لقد كان سكان العراق عرباً، وكانت علاقاتهم بسكان الجزيرة قائمة، وكان العرب إذا ذهبوا إلى فارس أو الهند مروا طبعاً بالعراق .
    ولقد وصف النبى قصور " الحيرة " كبرى مدن العراق يومئذ للمسلمين، وهم محصورون وراء الخندق، وبشرهم بأنهم سيفتتحونها، فكيف يقول أبله : إن العرب كانوا يجهلون وجود العراق لأن " علم الجغرافيا " لم يكن تأسس بعد !!
    الشهاب الراصد
    ويتحدث الكاتب عن الشهب الساقطة فيكذب ما ورد فى القرآن من أنها رجوم للشياطين .
    جاء فى سورة الجن : " وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً، وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً " ( الجن : 8، 9 ) .. ونقول : أجمع علماء الكون على رحابته، واتساع آفاقه، والسؤال الذى نورده : هل أبناء آدم وحدهم هم العقلاء الذين يحيون فيه ؟! . أيبنى رجل قصراً من سبعين ألف طبقة ثم يسكن غرفة منه ويدع الباقى تصفر فيه الريح ؟ فلم بناه بهذه الضخامة ؟
    الواقع أن هناك غيرنا يسكن هذا الكون، ومن هؤلاء " الجن " الذين تحدثت عنهم الأديان، فإذا حاول أحدهم التمرد، وإفساد الهداية النازلة لأهل الأرض فما المانع من إرسال شهاب وراءه يحرق كيانه ؟
    ولم يقل القرآن الكريم إن " كل " شهاب يلمع فهو وراء شيطان سارق ! لم يرد هذا القصر فى القرآن قط، فقد تتساقط الشهب لأمور أخرى لا ندريها ولم يعرف العلم المعاصر عنها شيئاً .
    ومن هنا فإن القول بأن القرآن " أصبح يتناقض مع العلم فى قصة الشهب " لغو لا أصل له .
    خزان المياه
    ويكذب الكاتب النابغ قوله تعالى " وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين " ( الحجر : 22 ) فيقول :
    أصبحنا بعد إقامة السد العالى من أكبر الخازنين لمياه الأمطار .
    وبذلك تكون الآية كاذبة !!
    فإن خزن المياه فى " الأزيار " أو فى " الصهاريج " أو وراء السدود لم يكن معروفاً فى الدنيا حتى بنى سد أسوان .
    أرأيت هذا العمى ؟؟
    إن خزن مياه الأمطار على هذا النحو معروف للأولين والآخرين .
    والآية تشير إلى معنى رائع فإن الزروع تحتاج إلى الماء لتنمو، والناس والدواب تحتاج إلى الماء لتحيا، وقد تكفل الله بإعداد المقادير من الماء الصالح لسد هذه الحاجات كلها، ورتب لذلك عمليات البخر وتكون السحب وسقوط الأمطار، وتفجر الينابيع أو جريان الأنهار ..
    وستذوى أعواد النبات وتفنى أجساد البشر، ويعود ما فى هذه وتلك وغيرهما من ماء، ليأخذ دوره البخر والسحب والأمطار .. الخ وهكذا دواليك . [ أكدت هذا المعنى آية أخرى " وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه فى الأرض، وإنا على ذهاب به لقادرون " ] .
    وتوفر العذوبة للماء، وحفظ القدر الذى تحتاج الدنيا له، هما معنى الاختزان الوارد فى الآية .
    وما فهم ذكى ولا غبى أن الناس عاجزون عن خزن المياه لأنفسهم فى قلة أو زير أو مستودع
    صغير أو كبير .. !!
    فهم عجيب
    وتصفحت الكراسة التى بين يدي، وهى مليئة بلغو ممل، لأتبين حدود الهجوم على القرآن الكريم، فوجدت الكاتب يتحدث عن ابنى آدم اللذين قتل أحدهما أخاه .
    والقصة معروفة : أخ صالح تقرب إلى الله بقربان فقبله منه، وأخ شرير تقرب كذلك فرفض الله قربانه، فتوعد الشرير أخاه بالقتل، ولكن الأخ الطيب نصح أخاه الفاشل قائلاً : " إنما يتقبل الله من المتقين " أى اتق الله ليقبل منك عملك، كما قبل منى، ولم تجد النصيحة، وافترس الشرير أخاه .
    وقد تناول عبقرى أسيوط هذه القصة، وذكر أنها واردة فى التوراة .
    لماذا ؟ .. يقول : هذه القصة لو تمت على هذه الصورة لكان القاتل بريئاً ؛ إذ تعرض بسبب رفض قربانه لحالة نفسية قاسية نتيجة شعوره بعدالة ما كان يرنو إليه من قبول، ثم يقول : " إن القصة تشير بأصابع الاتهام إلى المحرض على القتل، وهو الذى رفض قبول القربان " .
    ثم يقول المغفل عن الله : " إنه لو كان قبل القربان ما تمت الجريمة " .
    حد السرقة
    ووقعت عيناى على هذه العبارات فى أثناء هجوم الكاتب على " حد السرقة " يقول : " أما عن تحريم الأديان للسرقة فقد كان الغرض منه ترضية الأغنياء وتأمينهم على مالهم وضمان تأييدهم، إذ المفروض بداهة ألا يسرق إلا الفقير " !!
    ويقول : " التأميم هو اغتصاب شرعى لما سبق أن اغتصب ظلماً من الجماهير الكادحة فهو تصحيح للأوضاع وإزالة للظلم التاريخى المتأصل " .
    وقد يلومنى بعض القراء لاهتمامى بذكر هذه السخافات والرد عليها، ولو علموا ما تركته من آثار بين طلاب الجامعة فى أسيوط لعذرونى .
    إن هؤلاء الطلاب لم يعرفوا عن الإسلام شيئاً، والخطة الموضوعة " لتخريجهم " باعدت بينهم وبين الثقافة الإسلامية الناضجة، والسليقة الأدبية العالية، حتى إذا تركوا الجامعة بعد نيل " إجازاتها " خدموا كل شىء إلا دينهم، وأصبحوا فريسة سهلة لمبشرين محتالين أو أفاكين من النوع الذى قرأت هنا شبهاته ضد القرآن الكريم ..
    وما وقع فى " أسيوط " وقع قريب منه فى " الإسكندرية " ونتج عنه ارتداد بعض الفتية والفتيات .
    إنهم مساكين غير محصنين بشىء ضد الإلحاد أو الشرك .
    ولما كانت كتب السنة قد تضمنت أشياء تحتاج إلى بيان وتمحيص وكشف فلا بد من الوقوف قليلاً أمام ما أثاره هؤلاء الفتانون .
    نبى مرعب
    قال لى طالب جامعى بالإسكندرية : لقد أرونى كتاب البخارى، وقرءوا لى منه حديث " نصرت بالرعب " وتضاحكوا وهم يقولون : " نبى مرعب " ينشر دينه بالإرهاب، والاعتراف سيد الأدلة !!
    وقلت للطالب : إن البخارى وغيره رووا هذا الحديث، وأريد أن أشرح لك المعنى الوحيد له مستعرضاً مواضع هذه الكلمة لا فى السنة الشريفة، بل فى القرآن الكريم، لتعلم أنها أتت فى سياق حرب " دفاعية " عن الحق " هجومية " على الباطل، لا عدوان فيها ولا إرهاب ..
    بعد هزيمة المسلمين فى أحد نزلت هذه الآية : " سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين " ( آل عمران : 151 ) .
    وهزيمة أحد كانت فى أعقاب خروج المشركين من مكة، وشنهم الهجوم على الإسلام وأمته فى المدينة .
    وقد استطاع المشركون إيقاع خسائر جسيمة بالمدافعين عن الدين وموطنه الجديد مما ترك آثاراً سيئة فى النفوس ..
    فأراد الله أن يواسى جراحهم، وأن يشعرهم أن القتال القادم سيكون لمصلحتهم، وأنه سيقذف الرعب فى قلوب المعتدين عندما يكررون هجومهم . فماذا فى ذلك من عيب ؟
    وجاءت هذه الكلمة عندما خان يهود بنى النضير عهدهم، وحاولوا قتل النبى ، فجرد عليهم حملة ليؤدبهم، ولكن القوم ـ دون قتال ـ حل بهم الفزع، وقرروا الجلاء عن المدينة " ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم من حيث لم يحتسبوا وقذف فى قلوبهم الرعب " ( الحشر : 2 ) .
    وأخيراً ذُكرت هذه الكلمة عندما انضم يهود بنى قريظة إلى الأحزاب التى أحاطت بالمدينة تبغى دكها على من فيها، وأعلنت حصاراً رهيباً عليها .
    وكان بنو قريظة قد أعطوا العهد من قبل على أن يعيشوا مع المسلمين فى سلام شريف، واعترف رئيسهم بأنه لم يجد من النبى إلا خيراً، ومع ذلك فقد انتهز الفرصة التى سنحت وأعلن الحرب الغادرة، وظن أنه سيقاسم المشركين الغنايم بعد الإجهاز على محمد وصحابته . ولكن قدر الله كان أغلب، لقد فض الله جموع المحاصرين " وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف فى قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً " ( الأحزاب : 26 ) .
    أإذا وقعت حرب الآن بيننا وبين إسرائيل، حرب جادة يستعلن فيها الإسلام وتتحد الكلمة ويتقدم ليوث محمد يطلبون إحدى الحسنيين : إما النصر وإما الشهادة، وفزع اليهود لهذا الزحف الجديد، الواثق العنيد، أإذا حدث ذلك وسرى الرعب فى قلوب أعدائنا قيل عنا إننا إرهابيون ؟
    إن تحريف الكلم عن موضعه شىء مألوف عند أعداء الإسلام .
    لقد نصر الله نبيه محمداً بالرعب كما قال : فهلا قيل نصره فى أى قتال ؟
    إن أشرف قتال وقع على ظهر الأرض هو القتال الذى خاضه محمد وأصحابه ..
    ولقد شعرت بشىء غير قليل من الضيق وأنا أقرأ قول الكاتب الأسيوطى " توفى محمد عن ثلاث وستين سنة بعدما رفرفت راية التوحيد وطهرت الأرض من الوثنية فى أعقاب غزوات ضارية، متعددة بلغت تسع عشرة غزوة ـ كما يقول البخارى ـ هى على التوالى : العشيرة، بدر، أحد، الرجيع، رعل وذكوان، الخندق، بنو قريظة، ذات الرقاع، بنو المصطلق، الحديبية، خيبر، مؤتة، تبوك، الفتح، حنين، الطائف، ذات السلاسل، سيف البحر " .
    وبغض النظر عن الترتيب التاريخى، ما رأى القارئ إذا قلت له : إن عشراً منها على الأقل لم يقتل فيها أكثر من عشرة أشخاص هم مجموع خسائر المشركين !!!
    وأن جملة الوثنيين فى شتى المعارك الكبرى تتجاوز المائتين قليلاً .
    وأن خسائر اليهود فى صراعهم مع الإسلام عدة مئات من القتلى ..
    هذه هى الغزوات الضارية المتعددة التى نشرت الإسلام كما يزعم الأفاكون ! : خسائرها الحربية عشر، بل نصف عشر الفتنة التى وقعت بين الكاثوليك والبروتستانت فى عيد " سان بارتلميو " .
    .. خسائرها قطرة دم أريقت لمنع العدوان، نعم قطرة بالنسبة لحمامات الدم التى صحبت تطبيق الشيوعية، وتوطيد سلطانها .
    قطرة بالنسبة للألوف المؤلفة الذين ذبحوا فى صمت أو ضجة لدعم الحكم الفردى المطلق .
    وبعد أن أحرقت رفات الضحايا سمعت أغرب صيحة فى العالم : إن الشيوعية تدعو للسلام !
    والشيوعية فى هذا النفاق الفاجر تقلد الصهيونية والصليبية .. المتهم المسكين هو ديننا وحده !!
    كذب على رسول الله ( عليه الصلاة والسلام )
    ونعود إلى ذكر الأحاديث التى هاجمها المستشرقون والمبشرون وسماسرتهم .
    روى الكاتب الأسيوطى أن رسول الله قال : " إذا غضب الله على قوم أمطرهم صيفاً " [ لم أجده حتى فى كتب الموضوعات المشهورة !! ] ..
    وبنى على هذا الحديث جهل قائله بالحقائق الجغرافية .. ونقول : ما رواه الكاتب كذب، والحديث باطل موضوع .
    وروى عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه حرم الثوم تحريماً قاطعاً مع ما فيه من فوائد غذائية وطبية .
    ونقول : هذا كذب، فأكل الثوم والبصل والفجل جائز، وهذه المواد مباحة كلها، ولكن على آكلها ألا يؤذى المجتمع برائحة فمه، ويستطيع أن يبتعد عن غيره ويقوم بأى عمل انفرادى، وتسقط عنه صلاة الجماعة بل إن الأبخر تسقط عنه صلاة الجماعة، رحمة بالآخرين ..
    وروى الكاتب حديث " الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء " [ الحديث رواه البخارى، والترمذى، وابن ماجه : كلهم فى : الطب، ورواه مسلم فى : السلام، والدارمى من : الرقائق، ومالك وأحمد . وهو صحيح كما بين شيخنا ]
    وكذبه قائلاً : الحمى ليست من فيح جهنم، بل هى من فيح الأرض وما فيها من قاذورات تساعد على تولد الجراثيم ..
    والكاتب كاذب والحديث صحيح، وما قاله ليس رداً، فإن الحمى مهما كان سببها ترفع درجة الحرارة، وتكاد تصدع الرأس بآلامها فإذا شبهها النبى بعذاب جهنم، وأوصى أن تخفض درجة الحرارة بالمبردات، فهو محق .
    نماذج لتحريف الكلم
    وذكر الكاتب الحديث القدسى " إذا ابتليت عبدى بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة " [ رواه أحمد : 2 / 144 ط الحلبى، والبخارى فى كتاب الرضى، والدارمى فى الرقاق، والترمذى فى الزهد ]، يريد عينيه . ثم علق عليه بهذه الكلمات الحمقاء :
    الرأى متروك لأطباء العيون ليقرروا هل فقد البصر ابتلاء من الله أم هو ناتج عن أمراض معينة ؟
    ثم قال بعد لغو طويل : " إذن المسألة ليست الصبر أو التعويض عن فقد العينين بالجنة !! المسألة كلها نقص فى المستوى العلمى آنذاك !! " .
    والمرء يتحير فى هذا الغباء ! هل يقال لمن أصيب بانفصال فى الشبكية مثلاً : انتحر فقد فقدت نور الحياة، أم يقال له اصبر واحتسب ؟!
    وهل الوصية بالصبر تعنى عدم التماس العلاج إن وجد إليه سبيل ؟
    لقد أمرنا رسول الله بالتداوى والتماس العافية من أى سبيل ميسور .
    لكن ما العمل إذا لم ينفع الدواء ؟ أيقول الأنبياء للمرضى : موتوا بغيظكم . أم : اصبروا على قضاء ربكم، يأجركم يوم اللقاء بما يطيب خاطركم .
    وذكر الكاتب حديث رسول الله فى الطاعون ثم أخذ يتخبط فى التعليق عليه، وتعليمات النبى فى ذلك تحصر الوباء فى أضيق نطاق ممكن لأنه يقول : إذا سمعتم بالطاعون فى بلد فلا تسافروا إليها ولا تخرجوا منها ..
    ولا شك أن الباقى فى بلد تحدثه نفسه بالفرار نجاة بحياته، بيد أن النبى الكريم يوصيه بالبقاء ـ منعاً للعدوى ـ كما أسلفنا، ويجعل لمن مات مصاباً أجر شهيد، وهى مواساة كريمة، ووعد مصدوق ..
    وبديهى أن يكون هذا الأجر الأخروى لمن يؤمن بالآخرة وحده، إذ ماذا ينتظر من الله منكر لوجوده، أو مفتر الكذب عليه ؟!
    لكن هذا الأسيوطى المسكين يسوق حديث البخارى فى هذا الموضوع على هذا النحو :
    روت عائشة قالت : " سألت رسول الله عن الطاعون، فأخبرنى أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحد يقع الطاعون فى بلده فيمكث صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله إلا كان له أجر شهيد " ( رواه البخارى وأحمد ) .
    ثم يتساءل : " والآن لا نقول ما رأى الطب فى هذا القول ؟ بل ما رأى المثقف العادى ؟ " وبعد ثرثرة فارغة يقول : " أرجو كبار الأطباء أن ينظروا فى مراجعهم حتى يشرحوا نوع الشهادة التى رأى محمد أن يخص بها المسلمين فقط .. " .
    وما نجد شيئاً نعقب به على هذا الغباء ..
    ومعروف من تعاليم الإسلام أنه شديد الاهتمام بنظافة البدن، وتنقيته من كل درن، وما دام الإنسان يأكل الطعام فهو محتاج إلى إرشادات مهمة لاستقباله، والخلاص من فضلاته .
    ولم يؤثر عن أحد أنه أمر بتطهير الفم كما أثر ذلك عن محمد عليه الصلاة والسلام .
    ولم يؤثر عن أحد أنه أمر بالتطهر التام من آثار الفضلات الأدبية كما أثر ذلك عن الإنسان الطهور الوضىء محمد بن عبد الله فقد أوصى باستخدام الماء، بعد أن أوصى بإزالة القذى دون ملامسة اليد له، ولا بأس فى بيئة صحراوية من الاستعانة ببعض الحصى فى ذلك تنزيهاً لليد من مباشرة النجس !! ومع ذلك كله فقد أمر بدلك اليد بالتراب، أو بأى مزيل للروائح الكريهة ! ماذا يفعل أكثر من ذلك لتكريم الجسد الإنسانى ؟
    وفى الجنابة إذا كانت هناك آثار للسائل المنوى تغسل، وينقى منها البدن والثوب، مع أن السائل المنوى طاهر عند فريق من الفقهاء .
    غير أن عبقرى أسيوط دخل فى هذه القضية بفكر متعصب قذر، فذكر عن ميمونة ـ زوج النبى ـ أنه اغتسل من الجنابة فغسل فرجه بيده ثم دلك بها الحائط، ثم غسلها، ثم توضأ وضوءه للصلاة، فلما فرغ من غسله غسل رجليه " (رواه البخارى، ومسلم، والإسماعيلى فى مستخرجه وابن حبان، راجع تلخيص الحبير: 1 / 142).
    قال الكاتب : " فى هذا الحديث نقف عند جملة معينة هى : " فغسل فرجه بيده ثم دلك بها الحائط " أى مسح يده بالحائط، أليس هذا التصرف ناقلاً للعدوى لو أنا تابعناه .. إن الطب يؤكد أن أمراضاً كثيرة مثل الديدان المعوية والبلهارسيا تنتقل بهذا التصرف من المريض إلى السليم .. "
    وهذا كذب فى كذب ! من قال : إن أى زوج ينقى جسمه من آثار المباشرة الجنسية ينقل البلهارسيا وديدان الأمعاء ؟!
    والكاتب الذى يمد عينيه إلى هذه الشئون كيف ينسى ما عنده من تعاليم تجعل ما يخرج من
    جسمه ـ أياً كان ـ ليس نجساً .. أى الفريقين أطهر وأشرف ؟ هل نذكر له ما ورد فى الأناجيل من ذلك ؟
    [ يراجع كتابنا دفاع عن العقيدة والشريعة ] .
    إن التوجيهات المحمدية فى ذلك بلغت القمة، أما ما ينقل عن غيره فيثير الغثيان .
    وإذا لم يكن الكاتب نصرانياً وكان شيوعياً فهل يدلنا كيف كان ماركس يتطهر ؟ إن إبقاء الغطاء على هذا الموضوع أحفظ للمروءة وأصون للذوق العام !
    ويتهكم الكاتب بالطهارة الرمزية المعروفة فى الإسلام باسم التيمم . ونحن نقول له : إذا كنت تضيق أن يمس التراب بعض أعضاء الإنسان فما رأيك إذا كان الكتاب المقدس يأمر بابتلاع هذا التراب نفسه ؟ ( سنسوق النص بعد قليل عند الحديث عن الاعتراف ) .
    وينكر الكاتب وجود السماء قائلاً : إن الفكر البشرى أيام جهالته أخطأ فى فهم الزرقة التى تحيط بنا، فوصفها بأنها سقف الأرض وسماها سماء، ثم جاءت الأديان فأكدت ذلك، وزادت بأن حددت عدد طبقاتها، وظل هذا الاعتقاد سائداً حتى أبطله العلم .
    ونقول : تطلق السماء لغة على كل ما علا . وقد أطلق القرآن الكريم السماء على السحاب . : " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها " ( فاطر : 27 ) وفى آية أخرى : " ألم تر أن الله يزجى سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله .. " ( النور : 42 ) ـ أى المطر .
    ومن الآيتين معاً نعلم أن السماء هى السحاب .
    وأطلق القرآن السماء على السقف العادى، وكل ما ارتفع : " من كان يظن أن لن ينصره الله فى الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع .. " ( الحج : 15 ) .
    وتطلق السماوات السبع على طباق فوقنا لا نعرف : ما هى، ولا ما أبعادها، ولم يتحدث الدين عن مادتها، ولا عن طريقة بنائها، فماذا فى العلم يخالف ما أسلفنا بيانه ؟
    يقول هذا الكاتب : وراء النجوم فراغ لا نهائى، لا محدود ..
    ونقول هذا كذب، فالكون محدود، والوصف بالمطلق هو لله وحده، ولم يقل علماء الفلك أنهم استيقنوا من أن كوننا هذا لا نهائى ..
    ثم يجىء الكاتب إلى قوله تعالى : " أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما " فيزعم أن هذا الرأى يناقض جميع النظريات العلمية، كما يعرف ذلك طلاب المدارس ..
    لقد فهم الأحمق من الآية أن الأرض كانت ملزوقة فى الزرقة الفضائية قبل أن تنفصل وحدها .. وهذا ما لم يقله أحد .
    سئل ابن عباس عن هذه الآية فقال : فتق السماء بالمطر، وفتق الأرض بالنبات ..
    وهناك رأى علمى بأن المجموعة الشمسية كانت سديماً، ثم انفصلت عن الشمس وتوابعها على نحو ما نرى .
    ونحن لا نصدق ولا نكذب رأياً علمياً لم يستقر فى وضعه الأخير .. والمهم أن القرآن يستحيل أن يكون به ما يناقض حقيقة علمية مقررة .
    المداد القرآنى
    ومن سخافات المسكين أن يقول إن القرآن كله تتم كتابته بقطرات من محبرة، فكيف يجىء به " قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى .. " ( الكهف : 109 )
    إن كلمات الله تكثر كثرة ما يعلم، وقد وسع كل شىء علماً، إنها الكلمات المتصلة بتدبير الوجود كله، والقيام على أمره، إنها تتل بحياة كل ذرة فى الأرض والسماء .
    وليست بداهة ألفاظ القرآن، ولكن الجنون فنون ..
    ولا أريد أن أطيل السرد، والأخذ والرد مع شخص يهزل ويرى أنه يجد !!
    حديث الذباب
    أريد أن أقرر حقيقة إسلامية ربما جهلها البعض : هل رفض حديث آحاد لملحظ ما يعد صدعاً فى بناء الإسلام؟
    كلا فإن سنن الآحاد عندنا تفيد الظن العلمى، إنها قرينة تستفاد منها الأحكام الفرعية فى ديننا، فإذا وجد الفقيه أو المحدث أن هناك قرينة أرجح منها، تركها إلى الدليل الأقوى دون غضاضة .
    وتعريف الحديث الصحيح : " ألا تكون فيه علة قادحة "، فإذا بدت علة فى " سنده " أو " متنه " تلاشت صحته، ولا حرج .
    وأئمة الفقه الإسلامى بنوا اجتهادهم على هذا النظر الصائب .
    ـ فأبو حنيفة مثلاً رفض أن يترك المسلم إذا قتل كافراً دون قصاص وتجاوز حديث البخارى فى ذلك " لا يقتل مسلم فى كافر " واعتمد فى مذهبه على آية " النفس بالنفس " .
    ـ ومالك كره أن تنفل المصلى قبل فريضة المغرب، ولم يلتفت لما رواه البخارى فى ذلك من استحباب صلاة ركعتين لمن شاء، ورأيه هذا يرجع إلى أن عمل أهل المدينة أدل على السنة من حديث آحاد، وهم لا يتنفلون قبل المغرب، فاتباعهم أولى من رواية البخارى .

    ـ وأبو حنيفة ومالك جميعاً يكرهون أن يصلى المرء تحية المسجد والإمام يخطب يوم الجمعة، ويردون ما رواه البخارى فى ذلك بردود شتى .
    ـ وأغلب الأئمة يرفض ما روى .. فى الصحيح من أن رضاعة الكبار تثبت حرمة المصاهرة، ويرون أن الرضاعة المثبتة المحرمة ما كان فى فترة الطفولة، أى ما أنبت اللحم وشد العظم .
    ولا نريد أن ننتقل إلى مباحث فقهية مفصلة، وإنما نريد أن نقول : هب أن رجلاً قال : لا أستطيع قبول رواية " إذا وقع الذباب فى شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن فى إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء " أيكون من الكافرين ؟ كلا !! فلم يقل أحد أن أركان الإسلام تضم الإيمان بالله واليوم الآخر وغمس الذباب فى الشراب إذا سقط فيه !
    وحيث الآحاد ليس مصدر عقيدة شرعية أو حكم قاطع، بيد أنى من باب استكمال البحث العلمى فقط
    أسأل : هل الحديث مردود ؟ إن بعض علماء الحشرات قرر أن هذه الحشرة تفرز الشىء والشىء المضاد له، فإن استقر هذا الرأى الفنى فالحديث صحيح، وإن ثبت قطعاً أن الذباب مؤذ فى جميع الأحوال التى تعرض له ومن بينها الحالة المروية فى الحديث رددته دون غضاضة .
    وليس بقادح هذا فى دينى ولا يقينى .
    وقد روى " البخارى " أحاديث صحيحة السند لكن أئمة الفقه عملوا بغيرها لأدلة أقوى عندهم منها .. وأنا شخصياً متوقف فى هذا الحديث، لم أنته فيه إلى حكم حاسم، وعلى أية حال فهو لا يتعلق بسلوك خاص أو عام ..
    إن قواعد الدين وعباداته وفضائله وقيمه ترتكز أولاً على القرآن الكريم ثم ما يشرحه من سنن استراح النقاد الأخصائيون لها ..
    ومنهج المحدثين فى تلقى التراث النبوى لا غبار عليه، بل إن هذا المنهج هو ما تحتاج إليه الديانات الأخرى لتكون موضع ثقة وقبول .
    وما دام هناك من يضرب رأسه بالجبل ليثبت أن فى الإسلام متناقضات فلنلق نحن نظرة خاطفة على تراث القوم ليرى القراء أين تقع التناقضات الحقيقية :
    أساطير العهد القديم
    إننا فى الفصل الأول من هذا الكتاب فضحنا الأسلوب الطفولى الماجن الذى تحدث به العهد القديم عن الألوهية، فلنسمع هذه الأخبار عن عدد بنى إسرائيل حين دخلوا مصر وحين خرجوا منها، يقول الأستاذ عصام الدين حفنى ناصف كاشفاً عن التزوير الذى اقترفه كتاب التوراة :
    " من ذلك ما زعموه أن يعقوب وأسرته وفدوا على مصر بدعوة من يوسف، وكانت عدتهم 70 شخصاً فما انصرمت 215 عاماً حتى كان عددهم قد ناهز 3000000 ( أى 3 مليون ) فلما نزحوا عن ديارنا كان بينهم " نحو ستمائة ألف ماش من الرجال عدا الأولاد " ـ هكذا سجل سفر الخروج ـ ( 12 : 37 ) .
    وقد أحصوا أبكارهم فكان جميع الأبكار الذكور بعدد الأسماء من ابن شهر فصاعداً، المعدودين منهم اثنين وعشرين ألفاً ومائتين وثلاثة وسبعين ( عدد 3 : 43 ) .
    فإذا ضاعفنا هذا الرقم كان جميع الأبكار من الجنسين نحو 45000، وبقسمة عدد الجماعة على عدد الأبكار نخلص إلى أن المرأة الإسرائيلية كانت تلد زهاء 65 وليداً !! " .
    هذه هى مقررات الكتاب المقدس .. دون تعليق !
    وظاهر أن اليهود كذبوا فى ذكر عددهم كذباً صارخاً، وأنهم أودعوا كذبهم هذا فى تضاعيف التوراة، وعلينا أن نصدق !!!
    يقول " عصام ناصف " : " إن هذه الملايين الثلاثة المزعومة من اليهود الآبقين من مصر لو أنها سارت فى صفوف عرضية متراصة يضم كل صف منها عشرين يهودياً، ويشغل الصف بين سابقه ولاحقه متراً واحداً لاستطال هذا القطار البشرى " الطابور " مسافة 150 كيلو متراً ـ أبعد من المسافة بين القاهرة وخليج السويس ـ ولتعذر على قائدهم موسى أن يبلغهم أوامره " !
    وعن كهنة الأديان السابقة وإغراقهم فى المتاع المادى يقول : " إن المال والجاه وإن كانا فى حقيقة أمرهما غرضاً يبتغى لذاته، هما كذلك وقبل ذلك وسيلة لفرض لا تكتمل المتعة إلا به، وهو قضاء الوطر من الناحية الجنسية، ومن ثم خولوا أنفسهم حق الاستماع إلى اعترافات النساء، فيما يتصل بأوثق علاقاتهن بالرجال ..
    " وقد اشترعوا لهذا الغرض ما أسموه " شريعة الغيرة " . فإذا استراب رجل بامرأته، وهجس فى صدره أنها خانته مع آخر " يأتى الرجل بامرأته إلى الكاهن ويأتى بقربانها معها، فيقعدها الكاهن ويوقفها أمام الرب، ويأخذ الكاهن ماء مقدساً فى إناء خزف ويأخذ الكاهن من الغبار الذى فى أرض المسكن ويجعله فى الماء " ( عدد 15 ـ 17 )
    ويخلو الكاهن بالمرأة ويشرع فى تلاوة بعض الألفاظ ويستحلف المرأة أن تقر بما كان منها ثم يجرعها الماء المشوب بالغبار .
    ومتى سقاها الماء فإن كانت قد تنجست وخانت رجلها يدخل فيها ماء اللعنة للمرارة فيرم ـ يتورم ـ بطنها وتسقط فخذها (!) فتصير المرأة لعنة فى وسط شعبها . وإن لم تكن المرأة قد تنجست بل كانت طاهرة تتبرأ وتحبل لزرع " ( عدد : 15 ـ 17 ) [ نقدم هذا النص لمن لم يرقهم " التيمم " بالغبار، ها هو ذا الغبار يشرب عندهم ]
    ومن المعلوم أن الماء لا يدخل المرارة، وأن وظائف الأعضاء لا تمت إلى المسلك الخلقى بسبب وثيق، ولكنها إجراءات خادعة تتخذ بتعزيز سلطان الكاهن على المرأة، فهو ينفرد بها فى خلوة ثم يخرج راضياً أو ساخطاً وينطق بالقول الفصل فيدينها بالموت مجللة بالعار، أو يدعها تنعم بالحياة مرفوعة الرأس ناصعة الجبين " .
    هذه توجيهات الكتاب المقدس، ومبدأ الاعتراف على هذا النحو أو على أى نحو آخر لا معنى له ولا أثر، اللهم إلا إفساد الدين والخلق ..
    ماذا على من أخطأ أن يتصل بربه لفوره فى دعاء النادم، ورجاء الخاشع، والله يبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار، وبابه يستقبل كل شخص رجلاً كان أو امرأة، شيخاً أو شاباً، عالماً أو جاهلاً ؟؟
    هذه توجيهات الإسلام، وهى نابعة من مبدئه العتيد : " كل امرئ بما كسب رهين " أما انفراد المرأة
    بكاهن ـ أو غير كاهن ـ فى خلوة فأمر لا تحمد عقباه، خصوصاً إذا كانت هذه الخلوة مع محروم من الزواج معلوف بأطايب الطعام !!
    هل الله جل شأنه مصدر هذه التعليمات ؟ كلا ..
    إن من المقطوع به أن عدداً من المؤلفين لا مؤلفاً واحداً أشرف على وضع الكتاب المقدس كله، ولا نزعم أنه خال من الوحى الإلهى من أوله إلى آخره، لا، بل نقرر أن خليطاً معقداً من أهواء الناس وهدايات الله .. تم التنسيق بينهما على النحو الذى نرى .
    بيد أن من المضحك أن الذى قام بتأليف التوراة نسى نفسه وهو يكتب، وذهل كل الذهول أنه سوف ينسب ما يكتب إلى موسى !!
    فأورد فى تضاعيف التوراة ـ النازلة على موسى فرضاً ـ هذه العبارات : " فمات هناك موسى عبد الرب فى أرض موآب حسب قول الرب، ودفنه فى الجواء فى أرض موآب مقابل بيت فغور، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم . وكان موسى ابن مائة وعشرين سنة حين مات . ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته، فبكى بنو إسرائيل فى عربات موآب ثلاثين يوماً، فكملت أيام بكاء مناحة موسى .. " .
    ما هذا ؟ موسى الذى أنزلت التوراة تتحدث عنه التوراة بهذا النعى والعزاء والمناحة ؟؟
    ما يستطيع عاقل إلا الإقرار بأن كاتب التوراة بعد موسى نسى نفسه ونسى الدور التمثيلى الذى يقوم به، وغلبت عليه صفة المؤرخ لا المؤلف فقال ما قال ليعرف المستغفلون ماذا يقرأون !!
    ونقرن هذا النص بخبر آخر نشرته جريدة الأهرام فى 3 مايو سنة 1973 ( 19 من ربيع الأول سنة 1392 ) تحت عنوان " وثائق دينية تاريخية تسلمها هولندا إلى الأردن " :
    " عمان : ـ سلم اليوم الدكتور " هانك بانكير " بالنيابة عن الحكومة الهولندية إلى الدكتور غالب بركات وزير السياحة الأردنى وثائق تاريخية تتضمن النصوص القديمة التى قال المؤرخون أنها تطلبت إعادة تقييم الإنجيل . وكانت بعثة أثرية هولندية قد اكتشفت هذه الوثائق فى عام 1967، وهى وثائق كتبت بالآرامية فى القرن السابع قبل الميلاد، وعثرت عليها البعثة فى وادى الأردن، وكانت البعثة قد حملت تلك الوثائق إلى هولندا لدراستها وحل رموزها بقصد حفظها . وقال الدكتور " هـ . فراكين " الذى رأس تلك البعثة : إن هذه الوثائق فريدة من نوعها، وقال : إن كل المعلومات التى وردت فى الإنجيل حول فلسطين والأردن فى نهاية العصر البرونزى وبداية العصر الحديث غير موثوق بها لأنها كانت محاولة قام بها قساوسة من القدس لجعل التاريخ يتناسب مع الآراء الدينية للقرن السابع للميلاد " .
    هذا الخبر الصغير نقطة فى بحر من الأوهام والترهات التى تغص بها هذه الصحائف .
    وما نعلم كتاباً حفته العناية العظمى، وصانته أجل صيانة من هذا القرآن الكريم .
    إن القارات الخمس ليس فيها ما يوصف بأنه وحى السماء إلا هذا الكتاب الفذ .
    فهل يؤدى المسلمون حقه ؟!
    تحقير التدين ومطاردة المتدينين لأدنى ملابسة خطوة إلى الارتداد الذى لا ريب فيه، وهو فى الظروف التى تواجهها أمتنا نوع من الخيانة العظمى أو هو الخيانة العظمى نفسها .
    وقد أفهم أن تشتبك السلطات الحاكمة مع أفراد أو جماعات ينازعونها السيادة لغرض سىء أو حسن ! لكن هل يقال : إن التاريخ الإسلامى يعين على تكوين جماعة الإخوان، فليمسخ هذا التاريخ ! .. أو : إن البيئات المتدينة مستودع يستمد منه الإخوان، فلتحارب هذه البيئات ؟؟
    إن هذا القول يعنى بداهة نقل الخصومة من ميدان إلى ميدان آخر، وأن الإسلام ذاته قد أصبح عرضة للعدوان.
    وقد هززت رأسى أسفاً وأنا أسمع شاباً يتبرأ من الانتساب إلى الإخوان فيقول لقضاته : أنا عمرى ما ركعتها، ويعلم صحبى أنى أشرب الخمر، وأفعل كذا وكذا !!
    وقد استمع الناس إلى أحد " نجوم الفكاهة " فى مصر يذكر أن امرأة اقتيد زوجها إلى السجن فسئلت : أهو من الإخوان ؟ فقالت : " فشر ! زوجى حرامى قد الدنيا " .
    وهكذا أصبحت اللصوصية شرفاً ! أو نسبة لا حرج فيها على الأقل !
    والواقع أنه مرت ببلدنا أيام كالحة الوجه، مشئومة العقبى كان التدين فيها تهمة تخرب البيوت، وكان عدد من الشبان المؤمنين يختفى بصلاته وتقواه، وقل تردده على المساجد لأنه أشيع أن نفراً من الذين صلوا الفجر فى مسجد كذا قد اعتقلوا ..
    وامتداداً لهذه السياسة ـ سياسة سوء الظن بكل ذى نزعة متدينة ـ وضعت المؤسسات الإسلامية الكبرى تحت رياسة عسكرية لها الكلمة العليا مثل " الجمعية الشرعية "، و " الشبان المسلمين "، و " المجلس الأعلى للشئون الإسلامية " و " مدينة البعوث الإسلامية " ..
    وذلك لضمان حصر عاطفة التدين داخل إطار معين :
    ـ فلا يسمع أى كلام عن تطبيق الشريعة الإسلامية .
    ـ ولا يقبل أى اتجاه للعودة بالأمة إلى الاصطباغ بدينها فى ظاهر أمرها وباطنه .
    ومن الإنصاف أن نذكر أن من بين هؤلاء العسكريين من ترك الشعور الإسلامى ينمو دون حرج، خصوصاً بعد أن تغيرت الظروف التى أملت بالتقرير المثبت فى هذا الكتاب [ راجع تقرير اللجنة التى شكلت من : زكريا محيى الدين، صلاح نصر، وشمس بدران لدراسة الظاهرة الإخوانية ] .
    على أن الشيوعيين والصليبيين قد انتهزوا فرصة هذه المطاردة المثيرة فأعلنوا حرباً على الشارات الإسلامية فى المجتمع ونجحوا فى تحقيرها وتأليب قوى شتى ضدها .
    وعن طريق المسرح وحده أمكن عرض روايات هازلة وجادة غرضها انتزاع كل مهابة لشيوخ الإسلام والمتحدثين باسمه .
    كما أن سماسرة الغزو الثقافى فى بلادنا استماتوا فى صرف الشباب عن الدين، وأغروه بفنون الشهوات لينسى ربه ودينه ونبيه .
    فلما تغلبت الفطرة الأصيلة وأخذ الشباب يعود إلى دينه فى صمت وظهرت الملابس الحشمة بين الطالبات الجامعيات جن جنون السماسرة من صحافيين وصحافيات وانطلقوا يفترون الكذب على العفيفات المحصنات، ووصفت امرأة ماجنة ملابس الفضيلة بأنها " أكفان موتى ! " وأخذت مع غيرها ينهشن بضراوة أعراض الطيبات الطاهرات .
    وقد تصفحت المجلة التى نشرت هذا اللغو فوجدت بها دعوة إلى الزنا والرضا به، والتحريض عليه، فى عدة مواضع .. !!
    ولا عجب فرئيسة تحرير المجلة هى التى ناقشت العقيد " القذافى " بسماجة نادرة، وسوغت أمامه انتشار الخنا فى شارع الهرم عندما نصر الرجل النساء بالتزام أحكام الإسلام .
    " الخيانة الزوجية " تعبير مخفف عن جريمة الزنا عندما يرتكبها رجل مغافلاً امرأته أو ترتكبها امرأة مخادعة زوجها .
    وأظن هذا التعبير مترجماً عن اللغات الأوربية حيث يعتبر اقتراف ذلك الإثم تفريطاً فى حق إنسانى عادى، أما نحن المسلمين، بل معشر المتدينين إجمالاً، فنرى الزنا تفريطاً فى حق الله قبل أن يكون تفريطاً فى حق عباده، وهو من الشخص المحصن أغلظ وأشنع ممن لم يسبق له زواج .
    لكن الأستاذة المعلمة " أمينة السعيد " لها وجهة نظر أخرى فى هذه القضية : لماذا ينظر إلى الزنا هذه النظرة السيئة ؟ بل لماذا تستبشع الخيانة الزوجية على هذا النحو الشائع بين الناس ؟ فنشرت فى صفحة 47 من مجلة حواء ( العدد 843 ـ 18 / 11 / 1972 م ) هذا الكلام تحت عنوان " أراحت نفسها " :
    " سألوها ( وهى زوجة فرنسية ) : هل تغارين ؟ أجابت : أعانى من الشعور بالوحدة عندما يبتعد عنى زوجى، لكن لا أغار، وأعتقد أن الغيرة شىء لا معنى له، ولذلك ينبغى ألا نستسلم له !!
    لكن سائلها لم تقنعه هذه الإجابة، فقال لها : اشرحى لى !
    قالت : إننى أقول لنفسى افرضى أنه الآن مع واحدة أخرى، هل من حقى أن أعترض ؟ إننى لم أتزوج قرداً أو نكرة وإنما تزوجت رجلاً " ملء ثوبه "، أحببته لهذا، ولا بد أن يعجب غيرى من النساء ! إننى لا أحمل له عاطفة الحب وحدها ولكن أيضاً الاحترام والتقدير !
    قاطعها السائل : لا أهمية عندك إذن للإخلاص والوفاء ؟
    قالت وهى تأخذ رشفة من فنجان القهوة : " اسمع ! أنا الآن أشرب هذه القهوة .. شعرت بحاجة إليها .. وها أنذا أستمتع بها .. هل يمانع أحد ؟ .. هل من حق زوجى إذا دخل الآن أن يلومنى قائلاً : لماذا شربت القهوة دون إذن منى ؟ أقصد أن الخيانة العابرة ليست أكثر من فنجان قهوة بالنسبة لى .. لماذا أجعل لها من الأهمية أكثر مما تستحق ؟ أليس من الجائز أن يستمتع هو فى غيابى أيضاً بقطعة موسيقى .. باستلقاءة فى الشمس .. بنكتة يسمعها من أحد زملائه ؟ هل يوجد فرق كبير حقاً بين الاثنين ؟ أقصد أن النزوات .. الغلطات العابرة ينبغى أن نتسامح فيها، فإذا تغير شعوره نحوى تماماً ونفض يده منى فهذا شىء آخر .. شىء يستحق حزنى، لكن حتى فى هذه الحالة لن تفيدنى الغيرة شيئاً ! " .
    والآن ( ما زال الكلام للمجلة ) هل أثارت دهشتك ردود هذه السيدة ؟! إنها زوجة فرنسية .. ولا أعتقد أن كل الزوجات الفرنسيات يعتنقن هذا الرأى الجرىء والذى عبرت عنه فى حديث أجرته صحيفة " مارى كلير " مع بعض الزوجات .. لكن الذى لا شك فيه أن فى كلامها حكمة تفتح نافذة على نوع من راحة البال يحتاج إليه كثير من المتزوجين " .
    وفى الصفحة رقم ( 5 ) من هذا العدد علاج مماثل لقضية الزنا أو الخيانة الزوجية كما شاع على الألسنة، وهذه الكلمة المكتوبة تعليق على رواية للصحافى المشهور " توفيق الحكيم " .. فإن هذا " التوفيق حكيم " منح الرجل حق الزنا أو حق خيانة زوجته، وضن على المرأة بهذا الحق !! فجاءت مجلة " حواء " لترفع راية المساواة بين الجنسين، ولتطلب من الفنان الخليع أن يعيد النظر فيما كتب لأنه يعالج موضوعاً " يتعرض للكثير من التغير بين جيل وجيل " .
    يقول المعلق الخسيس : " فأنا لا أقصد أن كل ما جاء فى الرواية فى حاجة لمراجعة، ولكن يكفى أن بعضها محتاج إلى ذلك، لكى يحمل رجل الاجتماع الذى يسكن فى أعماق الفنان أن يقول كلمة التطور والتغير اللذين أصابا المجتمع وبدلا من أوضاعه وأفكاره " .
    ما الرأى فيما قالته الزوجة فى تساؤلها : وإذا خان الزوج، أليس لها الحق أن تخونه ؟ .. وكان جواب " راهب الفكر " : لا، وكان تبريره لذلك أن الرجل هو الذى يعرق والمرأة هى التى تنفق، ثم يمضى قائلاً : اكدحى كما يكدح زوجك، اعرقى كما يعرق فإذا تساويتما فى التضحيات تساويتما فى الحقوق، فالرجل إذا خان خان من ماله، لكن الزوجة تخون من مال زوجها، لن تكون هناك مساواة مطلقة بينكن وبين الرجال فى هذا الإثم إلا إذا تطور الزمن تطوراً آخر فرأينا الزوجة تناضل فى الحياة وتكتسب بالقدر الذى يربحه الزوج ! .. أليس هذا المنطق بحاجة لمراجعة بعد أن تطور الزمن إلى ما نراه الآن ؟ .. إن ريح التغير قد أصابت بعض ما جاء فى هذه من أفكار، لكنها مع ذلك تظل قطعة فنية تحمل طابع زمنها وتتضوع بالأريج الذى يفوح دائماً من قلم فناننا الكبير المبدع " .
    هكذا تعالج مجلة حواء جريمة الزنا، وتطلب إعادة النظر فى جعلها حكراً على الزوج وحده كما يرى راهب الفكر، هذه هى رهبانية الفكر فى عالم الدواب .
    هل يستغرب من مجلة حواء ـ التى تتمرغ فى هذا الحضيض ـ أن تنشر مقالاً للسيدة محررتها تحمل فيه حملة شعواء على ملابس الفضيلة التى تستر بدن المرأة كله عدا الوجه والكفين ؟
    إن " المعلمة " التى تقود نشاطاً نسوياً فى بلادنا تشبه هذه الملابس الشرعية السابغة بـ " الكفن ! " .
    وقد لعب التصوير دوره فى هذه المأساة، ففى الصفحة الخامسة من العدد صورة امرأة مضطجعة على وسادتها تحلم بالحب .. إن هذا أمر سائغ لا يعاب، وفى الصفحة الحادية عشرة صورة طالبة جميلة الملابس مشوهة الوجه، بادية الحشمة، كئيبة الطلعة !!
    لم هذا التحامل ؟ .. ولحساب من ؟ .. الجواب معروف !
    وتبلغ الوقاحة قرارها السحيق عندما تصف رئيسة التحرير نفسها ـ وقد نقلنا نماذج من أخلاق مجلتها ـ فتقول إنها " من الوقورات المحتشمات المؤمنات بدينهن المتقيات لله الفاعلات للخير .. الخ " .
    وهذا أسلوب جديد فى الحرب المعلنة على الإسلام، يقول لك مستبيح الخمر والزنا والانحلال والاعوجاج : هل أنت بدعوتك إلى الصلاة والاستقامة مسلم ؟ .. لا، نحن أولى بالإسلام منك، إنك لا تعرف الإسلام، الإسلام تطور ومدنية، وليس المظاهر التى تتمسكون بها، نحن الصالحات الراقيات !
    ونذكر قول الشاعر :
    فياله من عمل صالح
    يرفعه الله إلى أسفل !!










  9. #9
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي


    الباب السادس
    الدعوة الإسلامية والحكام الخونة


    المسلمون مكلفون بنشر دينهم فى القارات الخمس . ويجب أن تكون لديهم أجهزة متخصصة تعرف العالم كله : من محمد ؟ ورسالته ؟ ما الذى ينشده للناس كى يسعدوا فى معاشهم ومعادهم ؟
    يجب أن تكون تعاليم الإسلام تحت أبصار الناس قاطبة، فمن شاء قبلها، ومن شاء ردها، المهم أن يعرفها على حقيقتها، وأن يزول الجهل بها، وألا يكون الدخان الذى أطلقه أعداؤها حائلاً دون هذا الإدراك الواعى السليم ..
    وقد كانت " الخلافة " الكبرى مسئولة عن ذلك، إذ كانت رمزاً للإسلام، وشاخصاً عالمياً يلفت الأنظار إليه، ويذود الأعداء عنه .
    ومع أن " الخلافة " عندما تولاها الجنس التركى قد أصبحت شبحاً عليلاً، ومع أن الخلفاء الأتراك كانوا أقرب إلى السلاطين الجبابرة منهم إلى أمراء المؤمنين وحراس اليقين ودعاة الحق وهداة الخلق !! مع ذلك كله فإن وجود الخلافة فيهم كان له أثره فى وحدة المسلمين وتقليل الخسائر النازلة بهم من هنا وهناك .
    وحسبنا أن نشير إلى موقف السلطان " عبد الحميد " من فلسطين، فقد ساق إليه اليهود قناطير الذهب ليسمح بوجود يهودى فيها فأبى الرجل إباء قطع كل محاولات الإغراء، وأحبط جميع المؤامرات لشطر العالم الإسلامى بهذا العنصر الغريب ..
    ولما كان لوجود " الخلافة " من آثار مادية وأدبية بعيدة المدى فقد كان هم العالم الصليبى أن يجهز عليها، وقد استطاع أن يبلغ غرضه بعد الحرب العالمية الأولى مستغلاً أطماع القائد التركى " مصطفى كمال " الذى باع الإسلام والمسلمين من أجل البقاء رئيساً للدولة التركية الجديدة !!
    الذئب الأغبر
    إن الشروط الأربعة التى عرضها " الحلفاء " المنتصرون عليه هى أن يقطع صلة تركيا بالعالم الإسلامى وبالعرب خاصة، وأن يلغى نظام الخلافة، وأن يحكم الشعب بدستور تقدمى مبتوت الصلة بالدين .
    وفى سبيل الزعامة رضى القائد الخائن بهذه الشروط، وألبسته أوربا حلل المجد، ولو أنه بقى على دينه وبقيت الأمة على دينها لتقلص الاحتلال الصليبى فى الأناضول قبل أن يتقلص فى مصر والشام والجزائر والمغرب !! فقد كانت مقاومة الأتراك له أشد وأقسى ..
    ولكى تعرف من هو " مصطفى كمال " الحقيقى إليك بهذه الفذلكة الموجزة عنه : قال عنه " آرمسترونج " فى كتابه " الذئب الأغبر " :
    ـ إنه كان بفطرته ثائراً لا يحترم ديناً أو إنساناً أو وضعاً من الأوضاع، ولا يقدس شيئاً على الإطلاق .
    ـ وقال عنه أيضاً : إن الغازى لن يقود تركيا إلى حماقة من تلك الحماقات، أو ينصب نفسه بطلاً للشرق معادياً للغرب، وللإسلام ضد المسيحية، أو للأجناس المضطهدة ضد مضطهديها، ولكنه لن يكون إلا كما حدد برنامجه بقوله " ليس لنا إلا مبدأ واحد : هو أن ننظر إلى جميع المشكلات بالعين التركية ونصون مصالح تركيا " .
    ـ ونقل عنه قوله لممثل حكومة فرنسا : " تستطيعون أن تنالوا سوريا وبلاد العرب، ولكن كفوا أيديكم عن تركيا، نحن نطالب بحق كل شعب فى الحرية داخل حدود بلادنا الطبيعية، ولا نبغى شبراً واحداً أكثر من ذلك ولا أقل " .
    ـ ونقل عنه قوله فى الجمعية الوطنية التركية : " أنا لست مؤمناً بعصبة من جميع الدول الإسلامية ولا حتى بعصبة من الشعوب التركية " .
    ـ وقال عنه أيضاً إنه طالما أوضح لأصدقائه أنه يرى وجوب اقتلاع الدين من تركيا !!
    لندع هذه الذكريات الحزينة ولنخلص إلى ما نريد .. إن الدعوة إلى الإسلام قد سقط لواؤها العالمى، وكانت شعوب كثيرة يمكن أن تدخل فيه، ولكن من لها بالدعاة ؟ ومن الذى يهتم بذلك ؟
    الإسلام فى كوريا
    نشرت جريدة الأخبار تحت عنوان " مسئول كورى يشرح لماذا لم ينتشر الإسلام فى كوريا ؟ " قالت :
    " المسلم الذى يزور كوريا الجنوبية لاحظ مدى اهتمام حكومتها بتشجيع الأديان، فليس هناك أى قيد على أى مواطن يريد أن يعتنق ديناً آمن به أو يتبع مذهباً ارتضاه " .
    هناك نشاط كاثوليكى كبير إذ توجد 350 كنيسة، كما أنه توجد مستشفيات، وملاعب رياضية، وجامعات مسيحية فى أنحاء كوريا الجنوبية التى يدين معظم سكانها بالبوذية .
    أما النشاط الإسلامى فقد اقتصر حتى الآن على 4000 مواطن فقط ـ ليس لهم ما يجمع شتاتهم ـ فما سر هذه الظاهرة ؟
    يجيب مسئول حكومى : إن الفرصة سانحة لانتشار الإسلام فى كوريا الجنوبية لأسباب كثيرة .
    منها أن الرئيس الحالى " بارك سنج هى " ينادى بالحرية الدينية، وعلى من يهمهم نشر الإسلام أن يتحركوا بسرعة منتهزين سماحة هذا الرئيس، فقد يتغير ويجىء بعده رئيس جديد للجمهورية تكون له وجهة نظر أخرى فتضيع الفرصة على المسلمين .
    ثم إن الكوريين الجنوبيين يؤمنون منذ القدم " بهنانيم " وهى كلمة معناها : الإله الواحد الذى لا شريك له، ومن ثم فإن الدعاة إلى الإسلام لن يجدوا أية صعوبة فى نشر عقيدتهم بين الكوريين .
    والكورى الجنوبى لا يميل إلى الإلحاد وهو يمقت الشيوعية، ويرفض النزعات المادية المجردة، إنه يؤمن بالروح والعقل، بالدين الصحيح، والإسلام يملأ العقل بمبادئه ويتفق مع الفكر والزمان والتطور ـ هكذا يقول المسئول الكورى ـ وتسأل المسلمين فى كوريا عن أسباب عدم انتشار الإسلام فى أرض فتحت قلبها لكل الأديان ؟
    فتسمع من يقول : ليست لدينا إمكانات مادية كافية، نريد مسجداً كبيراً فى العاصمة " سيول، والأرض غالية الثمن !!
    لكن رئيس الجمهورية حل هذه المشكلة، فأهدى إلى المسلمين قطعة أرض يبنون عليها مسجدهم، وإلى الآن لم يجتمع لدى المسلمين المال الذى يبنون عليه مسجدهم الكبير !!
    والمنح الدراسية التى تصل إلى كوريا من الدول الإسلامية قليلة جداً . ويكفى أن تعلم أن عدد الكوريين الذين أرسلوا إلى الدول الإسلامية خلال عشر سنوات 29 طالباً .. !! " .
    هذه بيئة كاملة الصلاحية لازدهار الإسلام .
    لو وجدت دعاة مدربين لدخل أهلوها فى دين الله أفواجاً .
    لكن الإسلام دين يتيم ! من يهتم به على الصعيد العالمى .
    إن المنتسبين إليه يخضعون لحكومات تضيق به، أو تأبى الانتساب إليه أو تعجز عن إسداء خدمة له، وهم أولى الناس بما قال الله فى بنى إسرائيل : " وقطعناهم فى الأرض أمماً : منهم الصالحون ومنهم دون ذلك " ( الأعراف 168 ) .
    فى المجال الإنسانى الرحب ليست للإسلام راية تحتشد حولها الجهود وتهوى إليها الأفئدة .
    ومن هنا فنحن نقول آسفين : إن الدعاية الإسلامية العالمية صفر ..
    فلنتواضع ولنرجع إلى داخل العالم الإسلامى لنرى ما هنالك ..
    إن الغازى الهمام " مصطفى كمال " ليس أول حاكم ارتد عن الإسلام جرياً وراء الحكم، ففى أثناء الحروب الصليبية الأولى كفر حكام ليبقوا ملوكاً أو رؤساء كفروا وتعاونوا مع الغزاة فى ضرب الإسلام وأمته .
    قال الأستاذ " علال الفاسى " : بعد ضياع الأندلس تطلع الأسبان المسيحيون لاحتلال المغرب . وانتهز ملك قشتالة " فرديناد " الثالث أن " إدريس أبو العلا المأمون " طلب مساعدته على استعادة ملكه فى المغرب، فأمده بجيش من اثنى عشر ألف جندى مسيحى، وذلك مقابل الشروط الآتية التى التزم بها المأمون :
    ( 1 ) أن يعطى المأمون لفرديناد قواعد يختارها ملك قشتالة .
    ( 2 ) إذا فتح المأمون مدينة مراكش وجب عليه بناء كنيسة للمسيحيين .
    ( 3 ) للجنود الأسبان حق المجاهرة بشعائر دينهم، وأن يضربوا النواقيس لمناداة المصلين معهم .
    ( 4 ) ( إذا ) أراد بعض المسيحيين أن يسلم لا يسمح له بذلك ويتم تسليمه إلى النصارى كى يطبقوا عليه أحكامهم .
    ( 5 ) وإذا أراد بعض المسلمين أن يتنصر لم يتعرض له أحد !!
    هذه الحادثة التاريخية تبين كيف أن تهافت بعض الرؤساء على السلطة جعلهم يقبلون مثل هذا الشروط ..
    على أن هذا " المأمون " قضى عليه آخر الأمر، وأمكن طرد الجنود النصارى الذين استجلبهم، فلم ير فى المغرب بعد ذلك مسيحى .
    وما لنا ننبش الماضى البعيد لتفوح منه هذه الروائح العفنة ؟
    فلننظر إلى حاضرنا وما يحفه من أخطار جسام .
    إن الثقافة الإسلامية تنكمش والثقافات الدخيلة تمتد .
    والأنماط الإسلامية فى الحياة تتزعزع وتتلاشى، والأنماط الأجنبية تفرض نفسها وتستقر .
    والدعوة الإسلامية قد تعنى نصح منحرف من سواد الناس أو توصيته بالصلاة والزكاة، فإذا تطلعت إلى ما هو أبعد من ذلك لقيت العنت والتجهم !
    وقد أمر بعض الكبراء بنزع مكبرات الصوت فى المساجد المجاورة له حتى لا يسمع الأذان وقت الفجر !
    وواضح أن سائر الملل والنحل اتفقت على تكوين جبهة معادية للإسلام، فالكنائس الغربية والحكومات المسيحية ساندت إسرائيل ضد العرب المسلمين، والشيوعية والوثنية الهندوكية تعاونتا على سحق باكستان المسلمة، بينما وقفت الولايات المتحدة حليفتها السياسية ترمق المنظر متسلية .
    وفى مصر قلب العالم الإسلامى تتسابق النشرات الشيوعية والصليبية على خداع القراء وسرقة عقائدهم .
    وليت الأمر صراع كتابات، وحوار مجالس، إذن لخرج الإسلام من هذه الساحات كلها منتصراً .
    إن الحرية هى الصديق الأول لديننا، وعندما ينهض الحكم فى بلادنا على أساس الرضا الشعبى والتجاوب مع إرادة الجماهير، فلن يكون إلحاد ولا انحراف، سيكون الحكم إسلامياً حتمياً فتلك رغبة الكثرة الساحقة من أفراد الأمة .
    أتظن أن الغازى " مصطفى كمال " مثلاً لو عرض نفسه على الشعب التركى كان يظفر بـ ( 1 % ) من أصوات الناخبين ؟ إنه سوف يخرج من أى انتخابات حرة يجر أذيال الفشل ..
    إن الحكم الفردى المستبد هو وحده الذى يقهر الإسلام ويذل أمته، وقد عرفت أمريكا وروسيا ذلك فقررتا إحداث انقلابات عسكرية فى أرجاء العالم الإسلامى المترامى الأطراف .
    وعن هذا الطريق لا غير يمكن لي عنان الجماهير، وتجريعها الصاب والعلقم .
    والمضحك المبكى أن ذلك سيتم باسم الشعب نفسه، وقد سمى مصطفى كمال " أتاتورك " أى أبا الشعب، وهو فى خبيئته وعلانيته عدو الترك وكذلك أشباههم من الحاكمين المستبدين ..
    أندونيسيا المسلمة
    ولنضرب مثلاً من " أندونيسيا " المسلمة الحائرة التى بلغ سكانها الآن نحو " 120 " مليوناً، تسعة أعشارهم مسلمون، إنها فى ظل الاستعمار الهولندى تعرضت لحركة تنصير واسعة النطاق، إذ عزلت عن العالم الإسلامى، ومنعت الكتب الإسلامية إلا ما كان تافهاً قليل الغناء، بل إن الشعب الأندونيسى عزل بعضه عن بعض حتى يستطيع المبشرون افتراس كل جزء على حدة ..
    وقاوم المسلمون ببسالة هذا البلاء المبين، وأمكنهم أن يظفروا آخر الشوط بحريتهم فاستقلت أندونيسيا سياسياً، وقام فيها نظام نيابى ظفر فيه حزب " ماشومى " المسلم بكثرة الأصوات، وتألفت حكومة إسلامية يرأسها السيد " محمد ناصر " ..
    هل يترك الاستعمار العالمى مستقبل أندونيسيا المسلمة يتقرر على هذا النحو ؟
    كلا، لقد بحث عن شخص يستطيع تقليب الأمور، وتعكير الصفو، ووجد ضالته المنشودة فى " سوكارنو "، وهو رجل معروف بانحراف العقيدة، وسيطرة الغرائز البهيمية على حياته، وقد بدأ " سوكارنو " يعمل .
    قال الأستاذ " علال الفاسى " : " إن دسائس الهند وهولندا زودت سوكارنو وأنصاره بأموال ضخمة فى الانتخابات الثانية، فأصبح الحزب الوطنى الذى يرأسه صاحب الأغلبية، وانكشف سلوك سوكارنو مما حمل المسلمين المخلصين والاشتراكيين على الثورة والمناداة بحكم إسلامى سليم والتغلب على حزب " ماشومى " الإسلامى، قام سوكارنو بعقد اتفاق مع حكومة الصين الشعبية يقضى بأن يتجنس الصينيون المقيمون بأندونيسيا ـ وهم عدة ملايين ـ بالجنسية الأندونيسية، وأن يشدوا أزر الحزب الشيوعى فى البلاد، فأصبح بذلك القوة السياسية الثالثة بعد الحزبين الوطنى والإسلامى !
    وهكذا تحالف سوكارنو مع الشيوعيين، ثم شرع يضيق الخناق على النشاط الإسلامى باسم المحافظة على الأمن وإقرار النظام .. " .
    ويلعب الإغراء بعقول الشيوعيين، وأملى لهم سوكارنو الذى صرح أحياناً بأنه ماركسى، فحاولوا الانفراد بالحكم إثر مذبحة أوقعوها بالفئات الإسلامية ذهب ضحاياها عشرات الألوف .
    بيد أن الجيش تدخل مؤيداً الطلاب المكافحين والمجاهدين المسلمين فدحر الشيوعيين وقضى عليهم قضاء مبرماً.
    قال الأستاذ " علال " : " وكان الواجب يقضى برد الأمر إلى الشعب ليختار حكومته ونوابه " .
    لكن ذلك لم يحدث فقد تولى الجنرال سوهارتو السلطة وحكم البلاد بطريقة ترضى أمريكا، فولت الشيوعية الأدبار لتحل محلها الصليبية الزاحفة .
    ويقول تقرير وصل إلى " رابطة العالم الإسلامى " : إن حملة التنصير اليوم أشد وأقوى فى أندونيسيا مما كانت عليه أيام الحكم الهولندى، والتنافس شديد بين البروتستانت والكاثوليك على تحقيق هذا الهدف ..
    وقد شرحنا فى كتابنا " دفاع عن العقيدة والشريعة " الخطة الزمانية الموضوعة لذلك، والتى أرصد لها " بابا روما " وحده " كاردينالاً " وواحداً وعشرين أسقفاً وجيشاً كثيفاً من القساوسة .
    كل ذلك يعمل فى ظل حكم عسكرى قاهر يجور على المسلمين ويجبن أمام الغزاة والمستعمرين .
    والطريف أن " سوكارنو " قدم إلى مصر، فاستقبل أعظم استقبال وطلب الرئيس جمال عبد الناصر من الأزهر الشريف منحه أعلى شهاداته العلمية، فمنح " العالمية " الفخرية فى العقيدة والفلسفة من كلية أصول الدين !!!
    ولا أدرى لماذا لم يمنح العالمية فى تفسير القرآن وشرح السنة تمشياً مع القول النبوى الكريم : " إذا لم تستح فاصنع ما شئت " ؟!
    إن سوكارنو كان من ألد أعداء الإسلام، وكانت انحرافاته الجنسية الطافحة موضع القيل والقال، ولا ريب أن إعطائه أى وسام من الأزهر كان تحقيراً للأزهر نفسه !!
    والحق إنى حائر فى فهم جمال عبد الناصر، لقد كنت كما يعلم الناس من جماعة الإخوان المسلمين، وأقرر أن جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين بايعا فى ليلة واحدة على نصرة الإسلام ورفع لوائه، وقد كنت قريباً من مشهد مثير وقف فيه جمال عبد الناصر أمام قبر حسن البنا يقول :
    " نحن على العهد وسنستأنف المسيرة " ..
    كان ذلك عقب قيام الثورة بأشهر قلائل .
    وقد وضع كتاب مسلمون كبار مقدمات للرسائل التى كانت تصدر تحت عنوان " اخترنا لك " أمضاها جمال عبد الناصر وفيها أشرف ما يؤكده زعيم مسلم نحو أمته ودينه .
    لا أدرى ما حدث بعد ذلك ..
    إنه تغير رهيب فى فكر الرجل وسيرته جعله فى كل نزاع بين الإسلام وطرف آخر ينضم إلى الطرف الآخر :
    ـ انضم إلى الهند فى خصومتها المرة ضد باكستان المسلمة .
    ـ انضم إلى الحبشة فى عدوانها الصارخ على أرتريا .
    ـ انضم إلى تنجانيقا وأغضى عن المذبحة الشنعاء التى أوقعتها بشعب زنجبار المسلم، ورحب آخر ترحيب بنبربرى الذى يتظاهر بالاشتراكية وهو قسيس كاثوليكى !!
    ـ انضم إلى القبارصة اليونان فى نزاعهم مع القبارصة المسلمين، وجعل الأزهر يستقبل مكاريوس عدو الكيان الإسلامى للأتراك .
    ـ كان أسداً هصوراً فى قتال اليمن، وحملاً وديعاً فى قتال اليهود، حتى جعل اليهود ـ وهم أحقر
    مقاتلين فى العالم ـ يزعمون أنهم لا يقهرون فى حرب !!
    سريع إلى ابن العم يلطم خده
    وليس إلى داعى الندى بسريع !

    ـ ولقد ساند " البعث العربى " الحاقد على الإسلام، ورفض مساندة أى تجمع إسلامى، واخترع حكاية القومية العربية لتكون بديلاً عن العقيدة الإسلامية .. !!
    ومن الإنصاف أن نقول إن عدداً من رجال الثورة لم يكونوا راضين عن هذا الاتجاه الخاطئ .
    وعندما تولى الرئيس " أنور السادات " الحكم كشف عن الوجه الحقيقى لمصر المسلمة، ودفع سياسة البلاد إلى طريق أرشد، وقضى على مراكز القوة التى كانت تريد السير بمصر بعيداً عن الإسلام .
    لكن استنقاذ مصر مما ألم بها فى الماضى يحتاج إلى جهود مضاعفة خصوصاً بعد أن تحركت تيارات عديدة مناوئة للإسلام وظفرت بمكاسب ذات بال .
    لقد أكدنا فى مواطن شتى أن مصر الإسلامية لا تتعصب لدين، ولا تتعصب ضد دين، وأنا أعلن أن الأمة الإسلامية تستطيع استيعاب يهود العالم أجمعين بين ظهرانيها كافلة لهم حرية مطلقة فى البقاء على عقائدهم وأداء شعائرهم، على أن يكونوا بداهة مواطنين مسالمين ينفعون ولا يضرون، فهل يقبل اليهود ذلك ؟
    لا، إنهم وثبوا على فلسطين ولهم غرض هائل، استقوه من تعاليم دينية محرفة، يعبر عنه " مناحم بيجن " السفاح الشهير بقوله :
    " مهمتنا سحق الحضارة الإسلامية وإحلال الحضارة العبرية محلها، والمهمة شاقة " ..
    سماسرة الفاتيكان
    فى أثناء هذا الهجوم المطالب بدمنا وديننا نباغت بموقف شاذ خائن للكنائس الغربية، تعلن فيه صلحاً جذرياً مع اليهود، يقوم على تبرئتهم من صلب المسيح، برغم ما تقرره الأناجيل التى بأيدى القوم ..
    ونحن نعلم أن المسيح لم يصلبه يهودى ولا وثنى، ولكن إذا كانت الكنيسة تشهد بغير ذلك، وتنسب إلى اليهود ـ حسب روايات أناجيلها ـ أنهم متهمون خبثاء، وقتلة لؤماء، فما سر هذا الصلح المباغت ؟
    إنه اتفاق علينا وشد لأزر القتلة وهم يخربون ديارنا، ويمحون تاريخنا، وما نستطيع تجاهل هذا الاتفاق، ولا الإغضاء عن آثاره ونتائجه فى أكثر من ميدان، إنه جهد من سلسلة جهود متصلة لإساءة الإسلام وإهانة أمته .
    يقول الأستاذ " علال الفاسى " : وقف البابا دائماً من الاستعمار موقف المؤيد، وقد كانت بعض حكومات المغرب قد أملت خيراً فى بعض الباباوات عساهم يؤثرون على الدول الخاضعة لنفوذهم الروحى فيخففون من حملاتهم العدائية، وهيهات .
    قال : وأنا أحكى قصتين وقعتا لى ونحن فى أشد المواقف، أيام جهادنا لتحرير البلاد من الاستعمار الفرنسى ..
    ـ الأولى : توجهنا باسم حزب الاستقلال أنا وصديقى المجاهد " عبد الرحمن انجامى " إلى أمريكا الجنوبية لنتصل بشعوبها وحكوماتها شارحين قضيتنا راجين أن تصوت هذه الدول لمصلحتنا فى المحافل الدولية، فكان يتبعنا حيث اتجهنا ـ تارة يسبقنا وتارة يلحقنا ـ الوزير الفرنسى " بول رينو " مبعوثاً من قبل حكومته، كما كان يتبعنا قسيس لبنانى مبعوثاً من طرف الكنيسة !
    وعلمنا أن إرساله تم بطلب من فرنسا وموافقة من البابا، وقد قاما بجهود كبيرة ضدنا، ومع ذلك فقد انتصرت دعوتنا والحمد لله، وحصلنا على تأييد إخواننا العرب، وصوتت معنا كل الدول التى زرناها كالبرازيل والأرجنتين والشيلى .. وغيرها .
    ـ الثانية : دخلت سنة 1952 مستشفى " الأميرة فريال " لإجراء جراحة بالكلية اليسرى، وكنت أشكو من وجود أحجار بها، وبلغنى وأنا فى انتظار العملية نبأ اعتقال الفرنسيين للشيخ " عبد الواحد بن عبد الله " من علماء " الرباط " وكان يدعو فى دروسه إلى تقدير التضحية والاستبسال فى نصرة الحق، وتساءل لماذا يضيق الفرنسيون بكفاحنا لتحرير بلادنا، ويعدون ذلك جرماً وهم يقدسون السيدة " جان دارك " لأنها بذلت وسعها فى سبيل
    وطنها ؟ أليست لديهم مثالاً يحتذى ؟
    ولم يعجب هذا الكلام إدارة الحماية الفرنسية فقررت اعتقاله .. ووافق الاعتقال أن بعض الناس كان يدعو للتقارب بين المسيحية والإسلام، فكتبت رسالة للبابا بيوس الثانى عشر منبهاً إلى ما حدث، ومذكراً بأن عالماً مسلماً لديه هذا التفتح الفكرى لا يسوغ أن يلقى هذا المسلك، وأنه لن يعقب هذا إلا توسيع شقة الخلاف بين مسلمى المغرب والنصارى المقيمين فيه !
    وزارنى بعد تحرير الرسالة الأستاذ " ماسينيون " المعروف بتدينه وإخلاصه الشديد لمسيحيته، فأنعم النظر فيها ثم قال لى : هل أنت مخلص فيما تبديه من رغبة التقريب بين المسلمين والمسيحيين، على أساس القيم الأخلاقية المشتركة بين الدينين ؟
    قلت : نعم أيها السيد الجليل، ولو لم أكن مخلصاً ما كتبت هذه الرسالة فى وقت أتهيأ فيه لجراحة خطيرة قد ألقى فيها ربى، وأنا أتطلع إلى عفوه . قال : ثق أن البابا لن يستجيب لك ولا لغيرك لأنه يأخذ المال من الصهاينة . ولما رآنى استغربت قوله، قال لى : يا سيد علال لا تستغرب، وما يفعله البابا لا يجعلنى أتخلى عن مسيحيتى، كما أن قولى هذا لا يخرجنى عن دينى الذى تعلم مقدار تمسكى به .
    وقد صدق " ماسينيون "، فإن البابا لم يكلف نفسه عناء الرد على رسالتى .. " وماسينيون " مستشرق كبير، وكان عضواً فى مجمع اللغة العربية، وكان فيما أعلم مستشاراً لوزارة المستعمرات الفرنسية، وهو شديد التعصب للنصرانية .
    والبابا الذى تحدث عنه " ماسينيون " غير البابا الذى أصدر الوثيقة الشهيرة بتبرئة اليهود .
    ترى كم أخذ الأخير ؟
    المهم أن النصرانية فى الغرب اتفقت مع اليهودية على ضرب الإسلام، وأنها تحاول جر النصرانية فى الشرق إلى موقف مشابه، فهل ستجد لها عوناً على هذا العرض الخسيس ؟؟
    ما الذى دفع القسيس اللبنانى إلى عرقلة تحرير المغرب والجرى فى ركاب المستعمرين والسفر إلى الدول الأمريكية الجنوبية لإقناعها بالتصويت ضد استقلال بلد عربى مظلوم ؟
    ـ نحن نطلب من النصارى الذين يحيون فى ربوع العالم الإسلامى أن تقر أعينهم بالحرية الدينية المتاحة لهم دون مَنٍ ولا أذى .
    ـ ونطلب منهم أن يرعوا حقوق المواطنة وحرمات الجوار وقرابة الجنس واللغة وأعباء المشاركة الكريمة فى بناء حضارة لا حقد فيها ولا دس ولا تربص فيها ولا شماتة ..
    ـ ونطلب منهم أن يصموا آذانهم عن نداءات الغدر والتشفى إذا ما ألمت بالمسلمين ملمة .
    إنهم إن بطروا معيشتهم لم يفلتوا من عدالة السماء " وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً وكنا نحن الوارثين " ( القصص : 58 )
    ـ أما أن يروا مسجداً يبنى فيحاولوا أن تكون أبراج الكنايس أعلى من مئذنته !! فهذه محاولة منكورة .
    ـ أما أن تكفيهم لأداء العبادة كنيسة واحدة فيبنوا مثنى وثلاث ورباع فذلك ما لا مساغ له ..
    ـ أما أن يروا التبشير الأجنبى قد تعاون مع الاستعمار العالمى على تضليل المسلمين وإزاغة قلوبهم فيشاركوا هم أيضاً فى حرب المنشورات وفتنة السذج فتلكم خيانة ربما كانت تمهيداً لمثل ما فعله المعلم " يعقوب حنا " الذى خان مصر وانضم إلى الغزاة الفرنسيين !!
    لقد انتهز الفاتيكان فرصة هزيمة سنة 1967 فأرسل سماسرته ليشتروا الأرض من العرب المحرجين فى مدينة القدس، وهذا تصرف محقور .
    ونحن نعلم أن شوارع بأسرها تكاد تشترى فى مدن مصر وقراها لينكمش الإسلام فوق تربتها، ويتحول المسلمون عليها غرباء، فلم ذلك ولحساب من ؟
    إن حرب شراء الأراضى واحتكار المبانى بدأت فعلاً، ولكى نبصر المسلمين بنتائجها نذكر لهم قصة " قبرص " كما ذكرنا فى كتابنا " مع الله " وقصة سنغافورة التى كانت فيما مضى (!) مسلمة السكان والحكم، وأمست الآن لا صلة لها بالإسلام !!
    قبرص
    فتحت قبرص فى المد الإسلامى الأول على عهد الخلافة الراشدة، فتحها معاوية بن أبى سفيان حين كان والياً على الشام، وكانت شئونها الإدارية تتبع إحدى المحافظات السورية لموقعها شرقى البحر المتوسط .
    ومذ دخلها العرب ونشأ فيها الإسلام لم تتغير أوضاعها المعنوية ولا الإدارية، فقد أصبحت بلداً مسلماً منذ أربعة عشر قرناً .
    وبعد انتهاء الخلافة العربية ورثت الخلافة التركية قبرص فيما ورثت من ديار الإسلام الشاسعة، إلا أن الترك فى القرن التاسع عشر كانوا يترنحون تحت الفساد السياسى الذى نخر كيانهم والضغط الصليبى الذى قطع أوصالهم، فوثبت إنجلترا ـ أم الخبائث فى ميدان الاستعمار ـ على قبرص، وجعلتها قاعدة عسكرية لها بعدما أبرمت اتفاقاً مع العثمانيين بردها إليهم عندما تستغنى عنها (!)
    وبدأ الإنجليز يستقدمون العمال اليونانيين بكثرة ليخدموا فى القاعدة العسكرية، ثم بدأوا يغرونهم بالتوطن فى الجزيرة .
    فما هى إلا سنوات حتى كثر عددهم، وزاحموا المسلمين مزاحمة شديدة سواء كانوا تركاً أو عرباً فأخذ الميزان السكانى يتذبذب، ثم أصبح ربع السكان من المسلمين الأتراك،والثلاثة أرباع من اليونانيين المسيحيين ..
    وما أن شعر المسيحيون بتفوقهم العددى حتى طلبوا الاستقلال تمهيداً للانضمام إلى اليونان، ولم تكن الجزيرة يوماً تابعة لليونان .
    وكان جزع المسلمين شديداً لأن هناك مسلمين يونانيين فى إقليم " قولة " وما جاوره ذوبهم الاضطهاد والإذلال، وأخذوا فى الانقراض دون ضجة !
    ومن هنا طلب المسلمون أن تقسم الجزيرة بينهم وبين اليونانيين الوافدين، ولكن يرضى القتيل وليس يرضى القاتل، فإن السيد مكاريوس يريد فرض نفسه بوصفه صاحب الجزيرة .
    والمهم أن جمال عبد الناصر أيده كما نشرنا آنفاً، وأوعز إلى شيوخ الأزهر أن يقدموا له التحيات المباركات ..
    ولا أدرى كيف يقع هذا، ولكن الذى أدريه أن زعيم القومية العربية استبعد من علماء الأزهر أن
    يقولوا : لا ..
    وجعل على قمة المعهد اليائس من تعفنت ضمائرهم من طول البلى .
    وهكذا يموت الإسلام، وتنهزم قضاياه .
    العقيد الناصرى
    قلت لأحد قدامى الإخوان : ما رأيك فى العقيد القذافى ؟ [ نؤثر أن يعرفه القراء بـ " العقيد الناصرى " ]
    قال : نتمنى له التوفيق فى خدمته للإسلام، لقد جمع من خبراء الفقه والقانون من يعاونون على إعادة الشريعة الإسلامية إلى الحياة، وهذا سعى مشكور، وقد حسبته أول ما قام بثورته من جماعة الإخوان، لأنه تبنى أفكارهم ومبادئهم، ما انتقص منها ولا زاد عليها، ولما تناول الإخوان بالسوء قلت : لعلها تقية حتى يتركه الخصوم ـ خصوم الإسلام ـ يمضى فى طريقه دون اتهام ولا تعويق ..
    فرددت على هذا الأخ القديم : وهل لا زلت على رأيك الأول ؟ وهو يتهم جماعتكم بالتعاون مع الاستعمار، ويعتقل فى أنحاء ليبيا من يظن بهم الانتماء إلى الجماعة ؟
    قال : إننى فى حيرة، وما أحسبنى كنت واهماً عندما عددته من الجماعة، إنه ليس فقيهاً إسلامياً ولا مفكراً إنسانياً يمكن وصفه بأنه أتى من عند نفسه بما أتى به . إنه يردد كل ما كتبه الإخوان من نظرات اقتصادية وسياسية للشريعة الإسلامية .. وأنت خبير بأن ما نشر فى أرجاء العالم الإسلامى والعربى من هذه الكتابات هو لمؤلفى الإخوان أو لأصدقائهم العاملين معهم فى هذا الحقل، والمتعرضين معهم للاضطهاد والبلاء .. لقد تبناه العقيد القذافى بما فيه من خطأ أو صواب !!
    قلت : أى خطأ ؟
    قال : إنك أصدرت فى أوائل الأربعينات عدة كتب فى هذا الموضوع، ثم نشر الأستاذ " سيد قطب " رحمه الله فى أواخر الأربعينات كتاب " العدالة الاجتماعية "، ثم نشر الأستاذ " مصطفى السباعى " كتابه " اشتراكية الإسلام " فى أوائل الخمسينات، وفى هذه الغضون تمت ترجمة رسائل الأستاذ " أبى الأعلى المودودى "، وقد خلطتم الإسلام بالاشتراكية على نحو لا يرضى أعداداً من المسلمين !!
    قلت : إننا أرينا الأجيال الناشئة من ديننا ما يغنى عن استيراد الفلسفات الأجنبية الشاردة، وأنا شخصيا قد أكون تجوزت فى بعض العبارات لكن جوهر الموضوع إنصاف رائع لديننا الحنيف .
    قال : على أية حال، فمن هذه الكتابات كلها نقل " القذافى " ما أسماه بالنظرية الثالثة، وهى تسمية نرفضها ولو سلمنا بها فإن السؤال المحير هو : لماذا يستمد من الإخوان ثم يهاجمهم ؟
    واستأنف محدثى الكلام : إن الإخوان حاربوا ألوان الاستعمار جميعاً من قبل أن يولد الزعيم الشاب .. حاربوا اليهود سنة 1948 وردوهم على أعقابهم بعدما وصلوا العريش وكادوا يحتلون أجزاء من مصر، حاربوا الإنجليز على شواطئ القناة، وزلزلوا أقدامهم ونسفوا معسكراتهم، وأرغموهم على التفكير الجاد فى الجلاء نجاة بأنفسهم .. حاربوا الماركسية والإلحاد بعدما غمر الجامعات، واستحدثوا تياراً من الإيمان والاستعفاف جدد القيم فى المجتمع المصرى، وألقى الرعب فى صفوف أعداء الحق .
    ثم قال صاحبى فى حماس : إن اصطياد التهم للجماعة على هذا النحو الشائن لا يمكن أن يكون إلا لحساب الاستعمار، حتى لا يتكون جيل من المؤمنين الأحرار يقاوم الصهيونية، ويحمى الأمة المحروبة تيارات التخريب النفسى والخلقى ..
    قلت : ولعله عدم إلمام بالتاريخ القريب، أو لعل إشاعات سبقت إلى فكر الرجل من أناس خدع بهم فصدق دعواهم .. !!
    رأيى أن العقيد القذافى يمكن أن يتفاهم معه، وأن يراجع نفسه فى بعض الأحكام ..
    لقد استمعت إلى المحاضرة التى ألقاها فى مقر " اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى " بالقاهرة، والتى خلص منها إلى أن المسيحى رجل يعبد الله على طريقة عيسى بن مريم، فهو بذلك مسلم لأن أتباع عيسى مسلمون بنص القرآن الكريم .
    أما أن أصحاب عيسى الأوائل مسلمون، عبدوا الله الواحد، وصدقوا رسوله عيسى فهذا ما أجمع المسلمون عليه ..
    وأما الزعم بأن الذين عبدوا عيسى نفسه مسلمون، فهذا ما لم يقله أحد ! فإن الخصومة بيننا وبين النصارى أنهم لا يتبعون عيسى، عبد الله ونبيه إلى بنى إسرائيل، لا يتبعون الإنسان الذى قال : " إن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم " .
    إنهم يتبعون شيئاً اسمه ابن الله الوحيد، الذى ضحى به على الصليب قرباناً لتكفير الخطايا، وهو الرب يسوع المسيح، فهل هذا إسلام ؟
    لقد وصف الإسلام هذا القول بالكفر " وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين " (الزخرف:15)
    وليس يعطى كلام العقيد القذافى أية وجاهة أن مجلس قيادة الثورة أقره وتبناه !!
    أخشى أن يطرد القياس ويقال : إن اليهودى إنسان مسلم يعبد الله على طريقة موسى الكليم، وبذلك تنحل المشكلات القائمة بين العرب واليهود .
    فالكل حسب هذا المنطق مسلمون، ينبغى أن يتفسحوا فى المجالس والأوطان، وأن يسع بعضهم بعضاً دون شحناء ولا بغضاء .
    إن العقيد يظلم نفسه إذ يخوض فى هذه البحوث ويقرر هذه النتائج .. ثم يبقى بعد ذلك كله أمر مهم، هل للعدالة مكانها فى سلوك الحكام المسلمين أم لا ؟
    إن الله عز وجل يقول فى كتابه : " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا . اعدلوا هو أقرب للتقوى " ( المائدة : 8 )
    ومعنى ذلك أن يحكم العقل والإنصاف مشاعر الحقد والغضب .
    مهما كرهت فرداً أو جماعة فلا يجوز إذا كنت تقياً أن أسترسل مع هواى فى سجن خصومى أو تعذيبهم أو تهديد حاضرهم ومستقبلهم ..
    والمألوف فى أرض الله كلها ـ عدا الغابات وما إليها ـ أن يحقق مع المتهم، وأن يمنح حق الدفاع عن نفسه، وأن يمحص القاضى ما نسب إليه فى نزاهة، ثم يصدر الحكم فى أناة وتبصر بالإدانة أو التبرئة ..
    أما القذف بالناس فى السجون لأن الحاكم رأى ذلك فشىء منكر جعله القرآن الكريم قرين سفك الدم الحرام، وعابه على اليهود فى قوله : " ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان " ( البقرة 85 ) .
    لماذا يشرد الطالب عن داره فلا يتم تعليمه أو رب الأسرة عن بيته فتتعرض زوجته وأولاده للمآسى والمعاصى؟؟
    إن الحاكم الذى ينتسب إلى الإسلام يستحيل أن يتدلى إلى هذه المسالك ..
    إننى أحد الذين اعتقلوا يوم كنت منتسباً إلى جماعة الإخوان، وحتى بعد فصلى من الجماعة اعتقلت لأنى لم أتخل عن العمل الدينى .
    إننى ما سئلت عن شىء قبل أو بعد الاعتقال، لأنه لم يكن هناك ما أسأل عنه ! غير أن التجارب التى ذقتها والمشاهد التى رأيتها جعلتنى أزداد رسوخاً فيما كنت أقوله باستمرار : إن الحرية نعمة جليلة رائعة، وإن العدوان عليها سيئة مضاعفة الوزر شديدة العقاب .
    إن طراز الحكم فى العالم العربى إن لم يضبط داخل الإطار الإسلامى فسيكون معرة للإسلام تُنفِّر منه بل تثير السخريةَ به !!
    والذى " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " هو الله الواحد الذى لا معقب على حكمه، ومع ذلك الاقتدار للكبير المتعال فهو يقول :" يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا " ( رواه أحمد : 5/160، ومسلم فى كتاب البر وغيرهما )
    فهل ذلك ما يبيح لحكامنا أن يستغلوا سلطانهم الموقوت فى ضرب الناس وسجنهم دون ما سبب ؟
    ومن الذين يهانون ؟ متهمون بالدعوة إلى الإسلام ؟!
    " يا حسرة على العباد " .. !!!
    إن قلبى يتفطر عندما أرى الدم الإسلامى أرخص دم على الأرض .. لقد استباحه المجوس واليهود والنصارى والوثنيون والملحدون .. وحكام مسلمون !!
    ولا ريب أن المدافعين عن الإسلام تكتنفهم ظروف صعبة معقدة، غير أنه بين الحين والحين ينبجس من روح الله ندى يواسى الجراح ويهون الكفاح ويبشر بالصباح ..
    ومهما كانت الأوضاع محرجة فلا بد من بقاء الدعوة الإسلامية مرفوعة الراية واضحة الهداية تعلن الحق وتبسط براهينه وتلقف الشبه وتوهى إسنادها ..
    إن محمداً ليس وقفاً على عصر أو جنس، إن رسالته للقارات الخمس ما بقى الزمان وعلينا أن ننهض بهذا العبء ..
    وحتى تعود " الخلافة الإسلامية " ـ وإعادتها فرض عين ـ لتتولى هذه المهام يجدر بنا أن نتبع ما يأتى :
    ـ إعادة النظر فى مناهج تعليم الإسلام فى شتى مراحل الدراسة العامة .. وإعادة النظر فى مناهج التعليم الدينى نفسه لتخريج فئات أوسع دراية وأحد بصراً .
    ـ اختيار الدعاة وفق مواصفات أدق وأرقى مما يتبع الآن، وتوسيع آفاق الدعوة الإسلامية أو الإعلام الإسلامى بحيث تستوعب ميادين النشاط الإنسانى جميعاً .
    ـ إقامة حلقات اتصال بين الجامعات الإسلامية الموجودة الآن فى عواصم الإسلام كلها لتبادل الخبرة والمشورة العلمية والعملية ..
    ـ عقد مؤتمرات دورية متصلة لبحث مشكلات الدعوة ورصد الهجمات المنظمة ضد الإسلام ووضع الخطط المناسبة لخدمة الرسالة الإسلامية .
    ـ بسط الرعاية الدينية على المسلمين المهاجرين إلى الخارج والإفادة من مواضعهم الاجتماعية والثقافية حتى يكونوا معابر لرسالتنا العظيمة، بدل أن يذوب هؤلاء فى دوامة الحياة الغربية ..
    ـ التقاط الفارين من وجه الحكومات المعادية للإسلام فى أفريقيا وغيرها وتيسير التحاقهم بالمدارس والمعاهد العربية ليعودوا أقدر على قيادة أممهم ورد الفتن عنهم ..
    ـ دراسة المؤتمرات التبشيرية المحلية والعالمية واستكشاف المؤامرات المبيتة ضدنا .
    ـ وبديهى أن ذلك كله لن يتحقق كلاً أو جزءاً إلا فى ظل حكومات تحترم الإسلام، وترى نفسها مسئولة أمام الله عن القيام بحقوقه .
    ـ وليست كل الحكومات العربية كذلك، فهناك من يكره الإسلام والحدث عنه، وهناك من يقبله عبادات لا معاملات، وعقيدة لا شريعة ويرفض الدعوة إلى تطبيقه كله .
    ـ وهناك من يمهد لاستقبال الشيوعية ومن يمهد لاستقبال العلمانية .
    ـ ولا تعليق على هذا الارتداد السافر أو المحجب إلا أن نقول :
    على الشعوب أن تتحرك وإلا تعرضت للفناء، عقوبة من رب السماء !!
    * * * * *
    التواضع لله من دلائل الرشد وأمارات الإيمان، بل هو من علامات الصحة العقلية والنفسية، فإن المعجب بنفسه المتكبر على غيره إنسان لم يعرف حقيقته، ولم يتصرف فى نطاق هذه الحقيقة فهو مصدر تعب وقلق حيث كان ..!
    ومبلغ علمى أن أصحاب المواهب النفسية متواضعون، وأن الذى رزقهم النبوغ لم يشنهم بهذا اللون من الجهالة، فهم يضعون تفوقهم الشخصى فى خدمة الآخرين، وبقدر ما فى معادنهم من صلابة يبتذلون أنفسهم لأمتهم ومبادئهم، دون قلق على مكانة موهومة أو منزلة مزعومة !
    أما الذين يستخفون وراء أسوار من المراسم والشارات فأغلبهم هش المعدن قريب العطب .
    وأغلب من عرفت من المتكبرين أقوام صغار المواهب يسترون علاتهم بافتعال مظاهر لا أصل لها !!
    ولو أن امرءاً ما استكبر بعلم حقيقى، أو بطولة رائعة، أو مال ممدود، أو قيادة حكيمة، أو غير ذلك من أسباب الرفعة .. لكان مخطئاً أفدح الخطأ .. لماذا ؟ .. لأن واهب النعمة والخير والبروز هو الله جل شأنه .
    والإنسان جسر يعبر عليه الفضل الأعلى، ومجلى لهذه العارية الطارئة عليه من غيره لا من ذاته، فلم الكبرياء على الله ؟
    ما أحسن قول الرجل المؤمن لأخيه المغتر بثرائه :
    " ولولا إذ دخلت جنتك قلت : ما شاء الله لا قوة إلا بالله " ( الكهف : 39 )
    إن المدل بجماله لم يصنع شيئاً من ملامحه الوسيمة، وذوو المواهب العليا رزقهم التفوق من خلقهم ومهد لهم واختبرهم بما أتى، فلماذا الغرور بالنفس ؟
    ولنترك هذا الكبر الذى لا يعتمد على سناد أى سناد فى تفكير أصحابه ..
    ولننظر إلى قوم آخرين يستكبرون بالهباء أو بما لا يزن شيئاً طائلاً ..
    وقد كثر هذا النوع فى بلادنا، وتوزع على مناصب شتى هنا وهناك، ومسخت دعاواهم كل شىء .
    ترى الواحد منهم فقيراً فى معرفته، ضئيلاً فى إنتاجه، ومع ذلك يرمق الحياة والأحياء بالنظر الشزر، ويعامل الناس معاملة العملاق للأقزام، والفيلسوف للعوام ..
    فى غير ميدان قابلت هؤلاء يتكلمون، أو يعملون، أو يحكمون فرأيتهم حراصاً على الظهور فى شارات الناس الكبار على حين تضعهم أقدارهم وثمارهم فى المستوى الهابط والمكانة النازلة !!
    قلت فى نفسى : الناس يستكبرون بالعلم وهؤلاء يستكبرون بالجهل . الناس قد تأخذهم العزة بالطاقة وهؤلاء تأخذهم العزة بالإثم . ما أشقى بلادنا بهؤلاء ..
    لو أدرك هؤلاء ما فى كفايتهم من نقص لاستكملوه ! .. لكن الحجاب المسدل على بصائرهم خيل إليهم أنهم عباقرة، فعاشوا ينكبون الناس بقصورهم وغرورهم ..
    وربما اغتر الأعور بنصف بصره بين لفيف العميان .
    أما أن يغتر بعاهة بين أصحاب البصر الحديد فهذه النكبة الجائحة .. !!
    والعالم الآن مشحون بأصحاب المواهب المعجبة والخبرات الجيدة والتجارب المصقولة، والثروات الأدبية والمادية الهائلة .
    فإذا سرنا نحن فى الموكب العالمى بهذه الحفنة من الأدعياء الفارغين فماذا يكون تقديرنا وماذا يكون مصيرنا ؟؟
    والشخص التافه يفلسف الأوضاع حوله بما يشبع كبره، ويصدق وهمه، أى أنه بدلاً من أن يستيقظ على الحقائق اللاذعة ينظر إليها من جانب يرضيه ويطغيه .
    وقد روت كتب الأدب القديم قصة هى على ما فيها من هزل صورة صادقة لكثير من ذوى المناصب المرموقة فى الأمة العربية الآن :
    كان " أبو حية " النميرى جباناً يخيلاً كذاباً ! .. قال ابن قتيبة :
    وكان له سيف يسميه " لعاب المنية " ليس بينه وبين الخشبة فرق، وكان أجبن الناس، دخل ليلة إلى بيته فسمع صوتاً لا عهد له به فانتضى سيفه، ووقف فى وسط الدار، وأخذ يقول :
    " أيها المغتر بنا، المجترئ علينا، بئس ـ والله ـ ما اخترت لنفسك : خير قليل، وسيف صقيل " لعاب المنية " الذى سمعت به، مشهورة ضربته، لا تخاف نبوته ..
    " اخرج بالعفو عنك قبل أن أدخل بالعقوبة عليك ! ..
    " إنى والله أن أدع قيساً إليك لا تقم لهم .. ! ..
    " وما قيس ؟ .. تملأ ـ والله ـ الفضاء خيلاً ورجلاً . سبحان الله ! ما أكثرها .. !! "
    وبينا هو كذلك إذ خرج كلب من الدار، فقال :
    " الحمد الله الذى مسخك كلباً وكفانا حرباً !!! "
    لست أبعد إذا قلت : إننى رأيت صوراً لهذا الجبان المستأسد فى بعض الساسة الذين كتبوا تاريخ الشرق العربى فى العصر الحديث ..
    ـ العجز الحريص على الصدارة .
    ـ الدعوى الفارضة نفسها على الواقع .
    ـ الهوى الذى يطوى الأشخاص والأشياء والأحداث فى تياره ويضفى عليها صبغته الجادة أو الهازلة .
    ذكرت الجنرال " أيزنهاور " قائد الحرب العالمية الثانية التى انتصرت فيها أمريكا وحلفاؤها، إن أمريكا لم تعط رجلها لقب " ماريشال " مع أنه خاض حرباً تم له فيها النصر بعد أن دمرت مئات المدن والقرى وقتل فيها وجرح سبعون ألف ألف شخص .
    لكن ناساً فى الشرقين الأوسط والأقصى حصلوا على هذا اللقب دون أن يخوضوا حرباً أو يعانوا ضرباً .
    فى البلاد المحترمة يصعد الأفراد من السفوح إلى القمم والعرق يتصبب من جبينهم، والإرهاق والتفكير يلاحقانهم بين آن وآخر .
    .. وعلى هذا السنن البائس تجرى أمور العرب .
    أما فى البلاد المتخلفة فإن ناساً يصلون إلى الذرى دون جهد يذكر اللهم إلا جهد الملق لملاك السلطة والاستعداد لخدمة الأهواء !!
    وقديماً نظر البحترى إلى واحد من هؤلاء جعله " الخليفة " قائداً، وهو لا يصلح لقيادة ولا ريادة فقال :
    ويكاد من شبه العذارى
    فيه أن تبدو نهوده

    ناطوا بمعقد خصره
    سيفاً ومنطقة تؤوده

    جعلوه قائد عسكر
    ضل الرعيل ومن يقوده


    فهل هذا اللون من الخلائق ترشحه مواهبه لهدف كبير ؟
    وهل هؤلاء القادة " بالتعيين " لا بالخصائص " النفسية والعقلية " هم الذين يقودون العرب فى معركة البقاء !!
    ألا ما أكثر الألقاب التى تمنح فى البلاد العربية .
    وعرفت مديراً أجنبياً لمصنع كبير، قيل لى فى وصف إدارته :
    " تراه جوالاً بين الآلات والمكاتب مغبر الجبين بتراب العمل وعرقه، ملوث الثياب بالزيوت والشحوم التى تسقط عليه وهو تحت آلة يعالجها، أو فى طريق وعرة إلى مهمة ثقيلة !! "
    فتذكرت شكوى أحد المربين وهو يصف لى بعض الشباب فى بلادنا العربية، قال : إنهم يبغون مكتباً أنيقاً يجلسون إليه و" تليفوناً " يثرثرون فيه، ونمطاً من العيش لا يضنى ولا يقلق .
    قلت : والله هذه أخلاق الهزيمة الضياع، وأصحابها هم عللنا المقعدة، وأما الرجال المعنيون بالعمل الحق، الحمالون لأعبائه الثقال فهم أصل النصر والتقدم !!
    إننى أغوص فى بحر من الحيرة والأسف حين أرى عظماء العالم على جانب رائع من دماثة الخلق، ولطف المعاشرة، وسهولة الطبع وقلة التكلف، على حين ترى المتسولين من موائدهم متعجرفين متعاظمين كأنهم أتوا بالديب من " ذيله " كما يقول العوام فى أمثالهم .
    إن بناة التاريخ من سلفنا الصالح كانوا يتميزون بخلقين :
    ـ عظم الكفاءة .
    ـ ونكران الذات .
    ذلك ما استفادوه من إيمانهم الوثيق بالإسلام .
    قدرة ملحوظة فى مجالات النشاط الإنسانى، وإخلاص لله يدفع أحدهم إلى الجود بما عنده : " وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى " ( الليل : 19 )
    والغريب أن الخلف الطالح جاء على الضد فهو مكشوف العجز فى جنبات الدنيا مادياً وأدبياً وهو طالب شهرة يجرى وراءها كالطفل الغرير، ويريد أن يرمقه الناس بالتجلة على غير شىء !
    إن خصومنا لم يخرقوا العادات فيما يفعلون ويتركون، لقد رأيتهم منطقيين فى شتى أحوالهم .
    أما نحن فقد هبطنا عن المستوى العادى ولم نكن منطقيين فى تصرفاتنا ومن وراء هذا الخلل الجسيم البعثيون والقوميون الذين نفثوا سمومهم فى كل شىء فقد جرءوا العرب على قطع نسبهم إلى الإسلام ثم جرءوهم على اطراح عقائده وفضائله، ثم وثبوا على الحكم عقب انقلابات مصطنعة لا تتصل بالشعوب العربية من قريب أو بعيد، ثم أخذوا يتعسفون السير نحو أغراضهم على حطام من الداخل وإن كان الظاهر مزوقاً كانت النكبة ..
    فهل تعلم العرب من هزائمهم المترادفة أن يثوبوا إلى رشدهم ؟
    كلا .. ولقد راقبت الانقلابات التى وقعت فى أرجاء العالم الإسلامى وأزعجنى أنها وقعت لمحاربة عوج، وإقرار خير، فإذا العوج بعدها يزيد والخير ينكمش ..
    واهتبل أعداء الإسلام الفرصة فضاعفوا أرباحهم فى بلاده، وإيهانهم لقضاياه حتى لكأنهم كانوا مع هذه الانقلابات على موعد !!
    ففى أفريقيا حيث حيكت مؤامرات ماكرة لسحق الإسلام وطى أعلامه رأينا ديننا الجريح يدوخ تحت ضربات موجعة يفقد بعدها الكثير من تراثه وسلطانه وكرامته ..
    ونشأ عن ذلك ـ فى أقرب البقاع علينا ـ أن ضاع السودان الجنوبى بجرة قلم وتحقق حلم الصليبية العالمية التى تسعى وراءه من خمسين سنة، فكسبت 250 ألف ميل مربع من الأرض .
    وتاحت فرصة غريبة لعشر السكان المسيحى أن يتحكم فى البقية الضائعة ويمحو منه الإسلام .
    وسنرى كم ستكسب " إسرائيل " من هذا التصرف .
    إن أغلب الانقلابات التى حدثت رتب وظائف الدولة العليا والوسطى على أساس أهدرت فيه الكفاءات إهداراً مزعجاً ..
    وتصور معيداً فى كلية يصبح عميدها، أو كاتباً فى محكمة يصبح رئيسها، لكن هكذا تجرى الأمور فى غيبة الدين والدنيا معاً .
    لقد أبى المتنبى الذهاب إلى الأندلس، لأنه أدرك تفاهة حكامها من ضخامة الألقاب التى يحملونها، وكأن الرجل يصف أحوال العرب فى عصرنا هذا لا فى عصره هو عندما قال :
    فى كل أرض وطئتها أمم
    يقودها عبد كأنها غنم !

    إن العرب الآن يخوضون معركة بقاء أو فناء ..
    وفى غيبة الإيمان وتقاليده وشمائله عن مجتمعاتهم نمت أخلاق أخرى لا تصلح بها حياة ولا تضمن بها أخرى .
    ومن الخير أن يتحسسوا هذا البلاء فى صفوفهم فيحسموه .
    إن الحقائق تفرض نفسها طوعاً أو كرهاً مهما تجاهلناها، وعندما يكون الشعب شكلاً لا موضوع له فهو صفر .
    وعندما يكون الرؤساء أوراقاً مالية ليس لها غطاء نقدى محترم فهم عملة زائفة، قد تروج بين المغفلين، ولكن إلى حين ..
    على العرب أن يعيدوا تشكيل نفوسهم وصفوفهم ومتقدميهم ومتأخريهم وفق القانون الإلهى العتيد " ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب . من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً، ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً " ( النساء : 123 ) .
    ـ ما يفعل الله للعرب إذا كان خصومهم يحترمون كلام أنبيائهم ورؤساء العرب يستهينون بكلام نبيهم ؟
    ـ ما يفعل الله للعرب إذا كان خصومهم فى كل ميدان يقودهم أقدرهم وأشجعهم، أما قادة العرب فأخلاط من الناس فرضتهم فى أماكنهم حظوظ سيئة ؟
    ـ ما يفعل الله للعرب إذا كانوا يهزلون وخصمهم جاد ؟
    لا بد من إعادة النظر فى شأننا كله، وإلا حقت علينا كلمة ربك .










  10. #10
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي


    الباب السابع
    مع التيار الشيوعى والإلحادى


    لا بد للإسلام من خطة إيجابية يواجه الغزو الثقافى بها
    فى مواجهة التيارات الفكرية الهاجمة علينا أصدرت عدة مؤلفات تتحدث عن النظام الاقتصادى الإسلامى، كما تصورته من كتاب الله وسنة رسوله وتطبيقات الخلافة الراشدة، وكان يغلب علي ـ وأنا أقدم هذا التصور ـ أمران :
    ـ اطلاع المثقفين المعاصرين من خريجى المعاهد المدنية على الجوانب المضيئة من تراثنا والمغنية عما سواها، حتى يكون تعلقهم بدينهم لا بغيره .
    ـ ثم الإزراء على الأوضاع المعوجة السائدة، ورفض السناد الدينى الذى تنتحله لنفسها .
    وأعترف بأنى تجوزت فى التعبير أحياناً، وقبلت بعض العناوين الشائعة " كالديمقراطية " فى ميدان الحكم " والاشتراكية " فى ميدان الاقتصاد، لا لإعجابى بهذه العناوين، ولكن لأجعل منها جسراً يعبر عليه الكثيرون إلى الإسلام نفسه، أى أنى أريد نقل " الديمقراطيين " و " الاشتراكيين " إلى الإسلام بعدما أوضحته وأبرزت معالمه، لا أنى أريد صبغ الإسلام بصبغة أجنبية أو نقله إلى مذاهب مستوردة ..
    وقد جاء من بعدى الأستاذان " سيد قطب " و " مصطفى السباعى " ـ عليهما رحمة الله، فألف الأول " العدالة الاجتماعية فى الإسلام "، وألف الأخير " اشتراكية الإسلام " وهما يقصدان ما قصدت إليه من رد المفتونين بالمبادئ الجديدة إلى مواريث أسمى وأغنى ..
    وربما كان ما كتباه أفضل مما كتبته أنا وأكثر تنظيماً .
    وعذرى أننى كنت رائداً تدمى أظافرى فى الاكتشاف والتدوين، فإذا جاء من بعدى ووجد حقائق ممهدة كان على تنسيقها أقدر وعلى صوغها أدق !!
    ومما لا ريب فيه أن الإسلام دين تنهض دعائمه الأولى على الإيمان بالله واتباع ما أوحاه إلى رسوله الخاتم محمد ، وأن عقائده وعباداته ليست مجال أخذ ورد .
    لكن " نظام الحكم والمال " فيه يعتمد على نصوص محدودة، ثم على قواعد وأقيسة ومبادئ ومصالح كثيرة ..
    وقد جمد " الفقه الدستورى " لدينا من أعصار بعيدة، ثم جمد بعده " فقه الفروع " منذ أغلق باب الاجتهاد حتى فتحه أناس ليسوا موضع طمأنينة ..
    كان رجال القانون فى أوربا وأمريكا ـ منذ قرنين ـ يضعون الدساتير التى تقيد الملوك والرؤساء، وتبرز سلطات الأمم فى وجه الحاكم الفردى المطلق .
    أما نحن فكان المطلوب منا أن ندعو إلى الإسلام .. وحسب، والذين يشمئزون من كلمة " ديمقراطية " لا يفكرون فى القيام بجهد عملى بنقل " الشورى " الإسلامية من ميدان الفكر النظرى المطلق إلى قوانين دقيقة تنصف الجماهير العانية وتضبط سلطات الولاة على اختلاف ألقابهم .
    ونحن نسمى هذا التزمت بلادة، وربما اتهمنا بواعثه النفسية، وإذا كان أصحابه مخلصين فهو إخلاص " الدبة " التى قتلت صاحبها، وقد أصاب الإسلام أعظم الضرر من هؤلاء !!
    تأمل فى هذه القصة التى ذكرها الشيخ الكبير محمد رشيد رضا قال :
    إن الخديوى إسماعيل استدعى رفاعة الطهطاوى وخاطبه :
    " يا رفاعة، أنت أزهرى تعلمت فى الأزهر وتربيت به، وأنت أعرف الناس بعلمائه، وأقدرهم على إقناعهم بما ندبناك له .. إن الفرنجة قد صارت لهم حقوق ومعاملات كثيرة فى هذه البلاد، وتحدث بينهم وبين الأهالى قضايا، وقد شكا الكثيرون إلىّ أنهم لا يعلمون أيحكم لهم أم عليهم فى هذه القضايا ؟ ولا يعرفون كيف يدافعون عن أنفسهم .. لأن كتب الفقه التى يحكم بها علماؤنا معقدة وكثيرة الخلاف، فاطلب من علماء الأزهر أن يضعوا كتاباً فى الأحكام المدنية الشرعية تشبه كتب القانون فى تفصيل المواد واطراح الخلاف، حتى لا تضطرب أحكام القضاة، فإن لم يفعلوا وجدتنى مضطراً للعمل بقانون " نابليون " الفرنسى !! " ( فى كتاب تاريخ المحاكم المختلطة والأهلية للأستاذ عزيز خانكى، وتسمى الآن المحاكم الوطنية، والنقل عن مجلة " المسلم " )
    قال رفاعة الطهطاوى ـ مجيباً الخديوى ـ : يا أفندينا : إنى سافرت إلى أوربا، وتعلمت فيها، وخدمت الحكومة، وترجمت كثيراً من الكتب الفرنسية، وقد شخت، وبلغت إلى هذه السن، ولم يطعن فى دينى أحد، فإذا اقترحت الآن هذا الاقتراح بأمر منكم طعن علماء الأزهر فى دينى، وأخشى أن يقولوا : إن الشيخ رفاعة ارتد عن الإسلام آخر عمره ؛ إذ يريد تغيير كتب الشريعة وجعلها مثل كتب القوانين الوضعية .. فأرجو أن يعفينى أفندينا من تعريض نفسى لهذا الاتهام ؛ لئلا يقال : مات كافراً . فلما يئس الخديوى .. أمر بالعمل بالقوانين الفرنسية ..
    والقصة المحزنة تحكى فساد الأمراء والعلماء جميعاً، وتكشف أن ما أصاب المسلمين من شتات وخزى ليس بلاء يؤجرون عليه، ولكنه عقاب يستحقونه " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " .
    ولقد كنت أسأل نفسى : نحن نكافح هذه القوانين المستوردة من الخارج وما تتضمنه من فساد وإلحاد، فكيف دخلت بلادنا، وماذا كان موقف العلماء منها يوم جاءت، ولِم لمَ يموتوا دون تحكيمها فى مجتمعنا ؟
    ثم علمت أن موتنا الأدبى هو الذى مهد لقبولها واستقرارها .. ومع نهضتنا الإسلامية الحالية بدأت تشريعات جنائية ومدنية تستقى من ينابيع الإسلام الأصيلة، ولا ريب أننا نملك أعظم ثروة تشريعية فى القارات الخمس غير أنها دفينة فى صحائف مهجورة ومصبوبة فى قوالب قديمة، ونستطيع أن نسترشد بها فى إقامة صرح قانونى إسلامى
    شامخ ..
    ويبقى قبل ذلك وبعده أن يزدهر الفقه الدستورى عندنا، ويتخلص من أوهام العصور المتخلفة ورعايا حكام الجور ..
    يبقى أن تتحول كلمة " الخلافة الراشدة " مفصلة : " إن رأيتم خيراً فأعينونى وإن رأيتم شراً فقومونى " .. إلخ .. إلى مواد مفصلة لدستور إسلامى يمنع الطغيان، وينعش الأمم، ويضع سياجاً متيناً حول كل حق خاص أو عام ..
    وقبل أن نحتقر كلمة " ديمقراطية " ونجبه قائليها نقدم العوض الإسلامى عنها وعن آثارها القريبة والبعيدة .
    وأى حرج فى أن ننتفع بتجارب الماضى الطويل عندنا وعند غيرنا ونحن نضع الدساتير ؟
    وما يقال فى الجانب السياسى يقال فى الجانب الاقتصادى ..
    إن ديننا يروع بما حوى من تعاليم تحقق الأخوة وتضمن الكرامة وتحارب الجوع والذل والبطالة والضياع .. ثم إنه حرم الاحتكار والاستغلال والربا والترف .
    وجملة النصوص القرآنية والأحاديث النبوية فى هذا الميدان تكون صورة اجتماعية زاكية راقية .
    ولا نقول : تكوّن مذهباً اجتماعياً مستقلاً، فإن الآثار الإسلامية الموصولة بهذا الشأن لا تعدو أن تكون فروعاً من الشجرة الكبيرة التى تضم تعاليم الإسلام جمعاء، أو بتعبير آخر هى بعض شعب الإيمان التى تبلغ الستين أو السبعين شعبة ..
    والجهد الإسلامى الواجب : إذا كان الإنسان يوفر الكرامة للإنسان، فما هى العناصر التى يستجمعها، لإنشاء بيئة تنبت العز، ولمنع البيئة التى تنبت الهوان ؟ وكيف يصوغ هذه العناصر قوانين ضابطة لأحوال الأمم ؟
    إذا كان الإسلام يمقت الفقر ويحب الاستغناء، فما هى العناصر التى يحشدها ليستغل خبرات الأرض فى البر والبحر ؟ وكيف يجند الهمم للكدح والكفاح ؟ ثم كيف يصوغ ذلك كله قوانين تحيل الجماعة الإسلامية إلى خلية ناشطة منتجة ؟
    إن المسلمين ظلوا أمداً :
    ـ يحتفون بالأنساب أكثر مما يحتفون بالأعمال .
    ـ ويؤخرون العلم ويقدمون الحظ .
    ـ ويريقون الأوقات على مصاطب اللغو والثرثرة أكثر مما يستغلون الأوقات فى الجد .
    ـ وتحكمهم تقاليد ابتدعوها أكثر مما تحكمهم مواريث الدين ذاته ..
    بل جعلوا العلم بالدين وظيفة الهمل والمغموصين .. فكان العقاب الأعلى لهذه الخيانات الباطنة والظاهرة أن سقطت الأمة الإسلامية على الصعيد العالمى هذا السقوط الذريع، وانسحب ذلك على دينها، فلم يصدق الناس أنه رحمة للعالمين .. !!
    لقد بذلنا ـ أول العهد بالتأليف ـ جهداً حسناً فى سبيل تقديم الإسلام متجاوباً بل متبنياً لآمال الشعوب فى الكرامة والتقدم، وأمطنا اللثام عن نصوص كانت موجودة بداهة، ولكن العيون كانت تتجاوزها .
    وربما أخطأنا فى الشرح والاستنتاج ـ والخطأ خليقتنا ـ لكن هذه الكتابات إذا جردناها من حرارة الشباب وسكبنا عليها قليلاً من برودة الشيخوخة، أمكن استخلاص المادة التى تسن منها قوانين تشرف الأمة الإسلامية وترفع كفتها ..
    إن الإنكليز فى سبيل صد الشيوعية وصلوا إلى تأميم الطب، وكفالة العيش لكل عاطل حتى يجد العمل .
    وغيرهم ابتكر ضروباً من الاشتراكية سدت الباب سداً أمام اليسار المغرى، فهل يغنى عنا أن نقول : فى الإسلام ما يكفى ويشفى دون أن نترجم تعاليمه إلى دساتير وقوانين ؟
    ولكى نعرف كيف يتصرف غيرنا ليخدم نفسه ويحقق غرضه ننقل هذه الكلمات من رسالة عن " المخطط الشيوعى " للدكتور إبراهيم دسوقى أباظة جاء فيها : " ينفرد المخطط الشيوعى بخاصة نفاذة، فهو يجمع عند الماركسى الحق بين التواء الأسلوب وصدق العقيدة، فكل ما يوصل إلى الغاية تسوغه الغاية وإن كان يصدم مرحلياً بجوهرها، وكل ما يحمل إلى الهدف يبرره الهدف، وإن بدا مناهضاً لمنطقه ..
    " ـ وهكذا التحق " المراكسة " بالوطنية وهم العالميون ! ..
    " ـ وانتعلوا نزعة القومية وهم اللاقوميون ! ..
    " ـ واعتصموا بحبل الدين وهم الملحدون " !
    ويقول : " وبين دول العالم الثالث لم يعد الدين أفيون الشعوب ـ لمكانة الدين فى شعوب هذا العالم ـ وإنما أصبح الشعار المرفوع : الدين لله والشيوعية للجميع ..
    " أو كما قال " قسيس أحمر " : ننظم حياتنا هنا كما نحب فإذا جاءت الآخرة نظرنا كيف نتصرف !! ..
    " وعلى هذا الأساس تحرك الحزب الشيوعى فى إيطاليا وفرنسا، وفى السودان واليمن الجنوبى ولا يزال بعضنا يدافع عن التراث الإسلامى بتفكير عصر المماليك " !!
    وحتى نعرف عدونا وما يصنع نقرأ هذه الكلمات " إن الإعلام الشيوعى اكتسب منذ السنوات الأولى للثورة الحمراء قدرات لم تعرف من قبل، إذ أصبح قوة مؤثرة فى صنع الفكر وتوجيه الحركات الثقافية فى أنحاء العالم .. ويكفى للتدليل على حجم هذا الإعلام ما ورد فى إحصاءات الأمم المتحدة أخيراً أن الاتحاد السوفيتى يحتل المركز الأول فى إنتاج الكتب إذ يصدر يومياً 3700000 كتاب، أى ما يوازى ربع إنتاج العالم ويبلغ ما تنتجه المطابع السوفيتية فى الدقيقة الواحدة 20500 نسخة، ولعل فى هذا الأرقام ما يكفى، بل ما يصرخ بالمراد " .
    ترى ماذا تنتج المطابع الإسلامية ؟ لا رقم يذكر هنا، لأنه لا مجال للمقارنة، إننا نحن المؤلفين المسلمين نلتقط أنفاس الحياة بأعجوبة !
    ويستطرد الدكتور أباظة فيقول : " ونجاح الاتحاد السوفيتى فى إدراك هذا المستوى العالى من الإنتاج الإعلامى يعود إلى ما تقرر خلال الأيام الأولى لقيام الثورة فقد أصدرت الحكومة فى 29 / 12 / 1917 مرسوماً حددت فيه مبادئ ونظم نشر الكتاب " .
    ويعتقد الشيوعيون أن الصحافة والكتب من أهم وسائل الثورة الثقافية أو بتعبير آخر من أهم وسائل الانقلاب الفكرى الذى ينشدونه ولا شك أن الكتب والرسائل المؤلفة بذكاء من أمضى الأسلحة فى القضاء على الأفكار والنظرات المعارضة، وبث الآراء والتصورات الماركسية .
    وتقول الأرقام إن عدد الجرائد فى الاتحاد السوفيتى 7937، ويبلغ مجموع النسخ من كل طبعة 120 مليون ويصدر منها فى العام الواحد 26 مليار و 655 مليون نسخة .
    أما عدد المجلات فقد بلغ 4704 يصدر منها فى كل طبعة 132 مليون نسخة وبديهى أن هذا الإنتاج الضخم يتوزع على روسيا وغيرها من المؤسسات الشيوعية فى أرجاء العالم، وهو يطبع باللغات المحلية واللهجات الوطنية " .
    ذاك ما تبذله لتوضيح وجهة نظرها دولة تحتل الصف الأول فى التسلح العسكرى، وإذا كانت الأمور قد تذكر بأضدادها فلا بأس من إيراد هذه النكتة ..
    كتبت يوماً كلمة أشرح فيها اعتماد الإسلام على الإقناع فى نشر تعاليمه وأنه ما يلجأ إلى السيف إلا حيث يلقى السيف .
    وهذه الكلمة جزء من فصل طويل فى كتابى " الاستعمار أحقاد وأطماع " .
    وفوجئت بعد نشر هذه الكلمة بكاتب لا أعرف ما هو يتهمنى بالضعف والاستسلام لآراء المستشرقين،
    ويقول : إن الإسلام يعتمد على القوة فى انطلاقه !
    فقلت : زعم أولاد البلد أن أصم وكسيحاً ومفلساً ركبوا زورقاً لينقلهم إلى الشاطىء الآخر للنهر، وبينما الزورق فى وسط الأمواج قال الأصم : كأنى أسمع دبيب نملة على الشاطىء، فرد الكسيح : صه وإلا ركلتك فى الماء، وأجاب المفلس : الذى تعرف ديته أقتله ..
    أى قوة تتحدث عنها أيها المسكين ؟ ولنفرض جدلاً أن الإسلام يملك قوة تجعله المتفرد بالسلطان على الأرض !! هل يعنى ذلك أن الدعوة ليست وسيلته الفذة ؟ وأن اعتماده الأعظم ليس على وسائل الإعلام ؟ إنه ما يلجأ إلى القوة إلا يوم تكون كسراً للعدوان، وحطماً للطغيان وكفكفة لشرور المغرورين وناشدى العلو والفساد فى
    الأرض ..
    لكن المغفلين كثيرون، والطامة الكبيرة أن يملك هؤلاء السفهاء قدرة على الكلام فى الإسلام ومناوشة
    علمائه !!
    ونعود إلى موضوعنا : إن شرح الإسلام بصورة عامة، وشرح الجانب الاجتماعى والاقتصادى منه بصورة خاصة يحتاج إلى بصر بالحياة المعاصرة وقضاياها المعقدة ومبلغ تغلغل الدولة فى شئون الأفراد والجماعات، بل ويصر بما تضمنه الإسلام من نصوص وآثار وما توحى به هذه النقول من دلالات قريبة وبعيدة ..
    ثم صوغ ذلك قيماً ومبادئ وقوانين سهلة سائغة، على أن يساند هذا البلاغ تطبيق ناجح ونموذج عملى
    محترم !!
    وبقى أن نعرف عن الشيوعيين شيئاً آخر .. دعاواهم العريضة عن منطقهم العلمى وفلسفتهم الواقعية، ولا أعرف مفلساً أكثر حديثاً عن ثروته الطائلة من الشيوعى الملحد الذى يكثر الحديث عن أسانيد كذبه ودلائل
    زيفه ..
    لا شىء هنالك غير جرأة فى اتهام الناس بالرجعية والجمود .
    واتهام المؤمنين بأنهم مخرفون نقلة أوهام ليس جديداً فى تاريخ الدنيا، إنه ذات الاتهام الذى كان يقوله عرب الجزيرة لصاحب الرسالة من أربعة عشر قرناً " حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا : إن هذا إلا أساطير الأولين " ( الأنعام : 25 )
    والشيوعية نفسها فى ميدان التطبيق الاقتصادى نظام فاشل، فإنتاجها الزراعى أقل من غيره، وإنتاجها الصناعى أردأ من غيره، والقول " بحتمية الحل الاشتراكى " لون من السفسطة والكذب العام .
    وقد قلنا إنها نظام سياسى نجح فى قتل المعارضة لأن أرزاق الناس جميعاً تجرى من بين أصابع الحاكمين ..
    وقد أصابنا مس من الفكر الشيوعى فى حياتنا الاجتماعية فإذا اليوم ينعق فى ساحات كانت قبل عامرة، لم تجن الجماهير غير الشؤم والفزع والخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ..
    إن العقل العلمى قد ينقص كثيراً من المتدينين أما أنه ينقص الدين نفسه فلا ثم لا .. كيف والتفكير فريضة إسلامية، والنظر الواعى إلى الكون والناس ركن ركين فى الإيمان .
    إن الجو الصحو الدافئ هو وحده الذى ينمو فيه الإسلام ويزدهر، فإذا تقاصر الشعاع وانتشر الغيم شرع الإسلام يرحل !
    وربما بقيت جماهير تتعلق بأذياله وهو مول ذاهب، لكن الظن لا يغنى من الحق شيئاً، والأثر لا يغنى عن العين نفسها ..
    وبعض الناس أقلقه من الشيوعية أنها تذهب بما يملك وهو كثير كثير وما ننظر إلى أولئك ونحن نحارب الشيوعية، وإنما ننظر فى المقام الأول إلى هذا الإلحاد الحقود الأعمى المخاصم لله وأنبيائه جميعاً، المتبرم بالوحى الأعلى وتوجيهاته للناس .
    ونحب بالمنطق العلمى أن يعرف القاصى والدانى أن الله حق، وأنه مشرف على العالم يدير أمره ويهب له وجوده، ويحسب على كل عاقل مسالكه، وما قدم وما أخر " الله لا إله إلا هو الحى القيوم " .
    * * * * *
    دار بينى وبين أحد الملاحدة جدال طويل، ملكت فيه نفسى وأطلت صبرى حتى ألقف آخر ما فى جعبته من إفك، وأدمغ بالحجة الساطعة ما يوردون من شبهات ..
    قال : إذا كان الله قد خلق العالم فمن خلق الله ؟
    قلت له : كأنك بهذا السؤال أو بهذا الاعتراض تؤكد أنه لا بد لكل شىء من خالق !!
    قال : لا تلقنى فى متاهات، أجب عن سؤالى .
    قلت له : لا لف ولا دوران، إنك ترى أن العالم ليس له خالق، أى أن وجوده من ذاته دون حاجة إلى موجد، فلماذا تقبل القول بأن هذا العالم موجود من ذاته أزلاً وتستغرب من أهل الدين أن يقولوا : إن الله الذى خلق العالم ليس لوجوده أول ؟
    إنها قضية واحدة، فلماذا تصدق نفسك حين تقررها وتكذب غيرك حين يقررها، وإذا كنت ترى أن إلهاً ليس له خالق خرافة، فعالم ليس له خالق خرافة كذلك، وفق المنطق الذى تسير عليه .. !!
    قال : إننا نعيش فى هذا العالم ونحس بوجوده فلا نستطيع أن ننكره !
    قلت له : ومن طالبك بإنكار وجود العالم ؟
    إننا عندما نركب عربة أو باخرة أو طائرة تنطلق بنا فى طريق رهيب، فتساؤلنا ليس فى وجود العربة، وإنما
    هو : هل تسير وحدها أم يسيرها قائد بصير !!
    ومن ثم فإننى أعود إلى سؤالك الأول لأقول لك : إنه مردود عليك، فأنا وأنت معترفان بوجود قائم، لا مجال لإنكاره، تزعم أنه لا أول له بالنسبة إلى المادة، وأرى أنه لا أول لها بالنسبة إلى خالقها .
    فإذا أردت أن تسخر من وجود لا أول له، فاسخر من نفسك قبل أن تسخر من المتدينين ..
    قال : تعنى أن الافتراض العقلى واحد بالنسبة إلى الفريقين ؟
    قلت : إننى أسترسل معك لأكشف الفراغ والادعاء الذين يعتمد عليهما الإلحاد وحسب، أما الافتراض العقلى فليس سواء بين المؤمنين والكافرين ..
    إننى ـ أنا وأنت ـ ننظر إلى قصر قائم، فأرى بعد نظرة خبيرة أن مهندساً أقامه، وترى أنت أن خشبة وحديدة وحجرة وطلاءة قد انتظمت فى مواضعها وتهيأت لساكنيها من تلقاء أنفسها ..
    الفارق بين نظرتينا إلى الأمور أننى وجدت قمراً صناعياً يدور فى الفضاء، فقلت أنت : " انطلق وحده دونما إشراف أو توجيه " وقلت أنا : بل أطلقه عقل مشرف مدبر ..
    إن الافتراض العقلى ليس سواء، إنه بالنسبة إلىّ الحق الذى لا محيص عنه، وبالنسبة إليك الباطل الذى لا شك فيه، وإن كل كفار عصرنا مهرة فى شتمنا نحن المؤمنين ورمينا بكل نقيصة فى الوقت الذى يصفون أنفسهم فيه بالذكاء والتقدم والعبقرية ..
    إننا نعيش فوق أرض مفروشة، وتحت سماء مبنية، ونملك عقلاً نستطيع به البحث والحكم، وبهذا العقل ننظر ونستنتج ونناقش ونعتقد .
    وبهذا العقل نرفض التقليد الغبى كما نرفض الدعاوى الفارغة، وإذا كان الناس يهزءون بالرجعيين عبيد الماضى ويتندرون بتحجرهم الفكرى، فلا عليهم أن يهزءوا كذلك بمن يميتون العقل باسم العقل، ويدوسون منطق العلم باسم العلم، وهم للأسف جمهرة الملاحدة .. !!
    لكننا نحن المسلمين نبنى إيماننا بالله على اليقظة العقلية والحركة الذهنية، ونستقرئ آيات الوجود الأعلى من جولان الفكر الإنسانى فى نواحى الكون كله .
    فى صفحة واحدة من سورة واحدة من سور القرآن الكريم وجدت تنويهاً بوظيفة العقل اتخذ ثلاث صور متتابعة فى سلم الصعود، هذه السورة هى سورة الزمر، وأول صورة تطالعك هى إعلاء شأن العلم والغض من أقدار الجاهلين : " قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب " .
    ثم تجىء الصورة الثانية لتبين أن المسلم ليس عبد فكرة ثابتة أو عادة حاكمة بل هو إنسان يزن ما يعرض عليه ويتخير الأوثق والأزكى " فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب " ( الزمر : 9 )
    ثم يطرد ذكر أولى الألباب للمرة الثالثة فى ذات السياق على أنهم أهل النظر فى ملكوت الله الذين يدرسون قصة الحياة فى مجاليها المختلفة لينتقلوا من المخلوق إلى الخالق " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع فى الأرض ثم يخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يجعله حطاماً إن فى ذلك لذكرى لأولى الألباب "
    ( الزمر : 21 )
    وظاهر من الصور الثلاث فى تلك الصفحة من الوحى الخاتم أن الإيمان لمبتوت الصلة بالتقليد الأعمى أو النظر القاصر أو الفكر البليد .
    إنه يلحظ إبداع الخالق فى الزروع والزهور والثمار، وكيف ينفلق الحمأ المسنون عن ألوان زاهية أو شاحبة توزعت على أوراق وأكمام حافلة بالروح والريحان، ثم كيف يحصد ذلك كله ليكون أكسية وأغذية للناس والحيوان، ثم كيف يعود الحطام والقمام مرة أخرى زرعاً جديد الجمال والمذاق تهتز به الحقول والحدائق، من صنع ذلك كله ؟
    قال صاحبى وكأنه سكران يهذى : الأرض صنعت ذلك !!
    قلت : الأرض أمرت السماء أن تهمى والشمس أن تشع وورق الشجر أن يختزن الكربون ويطرد الأوكسجين والحبوب أن تمتلئ بالدهن والسكر والعطر والنشا ؟؟
    قال : أقصد الطبيعة كلها فى الأرض والسماء !
    قلت : إن طبق الأرز فى غذائك أو عشائك تعاونت الأرض والسماء وما بينهما على صنع كل حبة فيه، فما دور كل عنصر فى هذا الخلق ؟ ومن المسئول عن جعل التفاح حلواً والفلفل حريفاً أهو تراب الأرض أم ماء
    السماء ؟
    قال : لا أعرف ولا قيمة لهذه المعرفة !!
    قلت : ألا تعرف أن ذلك يحتاج إلى عقل مدبر ومشيئة تصنف ؟
    فأين ترى العقل الذى أنشأ والإرادة التى نوعت فى أكوام السباخ أو فى حزم الأشعة ؟؟
    قال : إن العالم وجد وتطور على سنة النشوء والارتقاء ولا نعرف الأصل ولا التفاصيل !!
    قلت له : أشرح لكم ما تقولون ! تقولون : إنه كان فى قديم الزمان وسالف العصر والأوان مجموعة من العناصر العمياء، تضطرب فى أجواز الفضاء، ثم مع طول المدة وكثرة التلاقى سنحت فرصة فريدة لن تتكرر أبد الدهر، فنشأت الخلية الحية فى شكلها البدائى ثم شرعت تتكاثر وتنمو حتى بلغت ما نرى !! هذا هو الجهل الذى أسميتموه علماً ولم تستحوا من مكابرة الدنيا به !!
    أعمال حسابية معقدة تقولون : إنها حلت تلقائياً، وكائنات دقيقة وجليلة تزعمون أنها ظفرت بالحياة فى فرصة سنحت ولن تعود !! وذلك كله فراراً من الإيمان بالله الكبير !!
    قال وهو ساخط : أفلو كان هناك إله كما تقول كانت الدنيا تحفل بهذه المآسى والآلام، ونرى ثراء يمرح فيه الأغبياء وضيقاً يحتبس فيه الأذكياء، وأطفالاً يمرضون ويموتون، ومشوهين يحيون منغصين ..
    قلت : لقد صدق فيكم ظنى، إن إلحادكم يرجع إلى مشكلات نفسية واجتماعية أكثر مما يعود إلى قضايا عقلية مهمة !!
    ويوجد منذ عهد بعيد من يؤمنون ويكفرون وفق ما يصيبهم من عسر ويسر " ومن الناس من يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة " ( الحج : 11 )
    قال : لسنا أنانيين كما تصف نغضب لأنفسنا أو نرضى لأنفسنا، إننا نستعرض أحوال البشر كافة ثم نصدر حكمنا الذى ترفضه ..
    قلت : آفتكم أنكم لا تعرفون طبيعة هذه الحياة الدنيا ووظيفة البشر فيها، إنها معبر مؤقت إلى مستقر دائم، ولكى يجوز الإنسان هذا المعبر إلى إحدى خاتمتيه لا بد أن يبتلى بما يصقل معدنه ويهذب طباعه، وهذا الابتلاء فنون شتى، وعندما ينجح المؤمنون فى التغلب على العقبات التى ملأت طريقهم وتبقى صلتهم بالله واضحة مهما ترادفت البأساء والضراء فإنهم يعودون إلى الله بعد تلك الرحلة الشاقة ليقول لهم : " يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون " ( الزخرف : 68 )
    قال : وما ضرورة هذا الابتلاء ؟
    قلت : إن المرء يسهر الليالى فى تحصيل العلم، ويتصبب جبينه عرقاً ليحصل على الراحة، وما يسند منصب كبير إلا لمن تمرس بالتجارب وتعرض للمتاعب، فإن كان ذلك هو القانون السائد فى الحياة القصيرة التى نحياها على ظهر الأرض فأى غرابة أن يكون ذلك هو الجهاد الصحيح للخلود المرتقب ؟
    قال ـ مستهزئاً ـ : أهذه فلسفتكم فى تسويغ المآسى التى تخالط حياة الخلق وتصبير الجماهير عليها ؟
    قلت : سأعلمك ـ بتفصيل أوضح ـ حقيقة ما تشكو من شرور، إن هذه الآلام قسمان : قسم من قدر الله فى هذه الدنيا، لا تقوم الحياة إلا به، ولا تنضج رسالة الإنسان إلا فى حره، فالأمر كما يقول الأستاذ العقاد : " تكافل بين أجزاء الوجود، فلا معنى للشجاعة بغير الخطر، ولا معنى للكرم بغير الحاجة، ولا معنى للصبر بغير الشدة، ولا معنى لفضيلة من الفضائل بغير نقيصة تقابلها وترجح عليها ..
    " وقد يطرد هذا القول فى لذاتنا المحسوسة كما يطرد فى فضائلنا النفسية ومطالبنا العقلية، إذ نحن لا نعرف لذة الشبع بغير ألم الجوع، ولا نستمتع بالرى ما لم نشعر قبله بلهفة الظمأ، ولا يطيب لنا منظر جميل ما لم يكن من طبيعتنا أن يسوءنا المنظر القبيح .. "
    وهذا التفسير لطبيعة الحياة العامة ينضم إليه أن الله جل شأنه يختبر كل امرئ بما يناسب جبلته، ويوائم نفسه وبيئته، وما أبعد الفروق بين إنسان وإنسان، وقد يصرخ إنسان بما لا يكترث به آخر ولله فى خلقه شئون، والمهم أن أحداث الحياة الخاصة والعامة محكومة بإطار شامل من العدالة الإلهية التى لا ريب فيها .
    إلا أن هذه العدالة كما يقول الأستاذ العقاد : " لا تحيط بها النظرة الواحدة إلى حالة واحدة، ولا مناص من التعميم والإحاطة بحالات كثيرة قبل استيعاب وجوه العدل فى تصريف الإرادة الإلهية . إن البقعة السوداء قد تكون فى الصورة كلها لوناً من ألوانها التى لا غنى عنها، أو التى تضيف إلى جمال الصورة ولا يتحقق لها جمال بغيرها، ونحن فى حياتنا القريبة قد نبكى لحادث يعجبنا ثم نعود فنضحك أو نغتبط بما كسبناه منه بعد فواته " .
    تلك هى النظرة الصحيحة إلى المتاعب غير الإرادية التى يتعرض لها الخلق .
    أما القسم الثانى من الشرور التى تشكو منها يا صاحبى فمحوره خطؤك أنت وأشباهك من المنحرفين .
    قال مستنكراً : أنا وأشباهى لا علاقة لنا بما يسود العالم من فوضى ؟ فكيف تتهمنا ؟
    قلت : بل أنتم مسئولون، فإن الله وضع للعالم نظاماً جيداً يكفل له سعادته، ويجعل قويه عوناً لضعيفه وغنيه براً بفقيره، وحذر من اتباع الأهواء واقتراف المظالم واعتداء الحدود .
    ووعد على ذلك خير الدنيا والآخرة " من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن لنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " .
    فإذا جاء الناس فقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وتعاونوا على العدوان بدل أن يتعاونوا على التقوى فكيف يشكون ربهم إذا حصدوا المر من آثامهم ؟
    إن أغلب ما أحدق بالعالم من شرور يرجع إلى شروده عن الصراط المستقيم، وفى هذا يقول الله جل شأنه : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " ( الشورى : 20 )
    إن الصديق رضى الله عنه جرد جيشاً لقتال مانعى الزكاة، وبهذا المسلك الراشد أقر الحقوق وكبح الأثرة ونفذ الإسلام، فإذا تولى غيره فلم يتأس به فى صنيعه كان الواجب على النقاد أن يلوموا الأقدار التى ملأت الحياة
    بالبؤس ؟!
    قال : ماذا تعنى ؟
    قلت : أعنى أن شرائع الله كافية لإراحة الجماهير، ولكنكم بدل أن تلوموا من عطلها تجرأتم على الله واتهمتم دينه وفعله !!
    ومن خسة بعض الناس أن يلعن السماء إذا فسدت الأرض، وبدلاً من أن يقوم بواجبه فى تغيير الفوضى وإقامة الحق يثرثر بكلام طويل عن الدين ورب الدين .. !!
    إنكم معشر الماديين مرضى تحتاج ضمائركم وأفكاركم إلى علاج بعد علاج ..
    وعدت إلى نفسى بعد هذا الحوار الجاد أسألها : إن الأمراض توشك أن تتحول إلى وباء، فهل لدينا من يأسو الجراح ويشفى السقام أم أن الأزمة فى الدعاة المسلمين ستظل خانقة ؟
    * * * * *
    ذكر الصحافى الشهير " أنيس منصور " أن العالمة الإنجليزية الدكتورة " مرجريت برنبريدج " مديرة مرصد " جرنيتش " قد اكتشفت أبعد نجم فى هذا الكون، وقد سمى الفلكيون هذا النجم " كازار " وأطلقت عليه الدكتورة المكتشفة " كازار 172 " .
    هذا الجسم يبعد عنا بمقدار 15600 مليون سنة ضوئية، والسنة الضوئية كما ذكرنا من قبل تساوى ( 365 يوماً × 24 ساعة × 60 دقيقة × 60 ثانية × 186000 ميل وهى سرعة الضوء فى الثانية الواحدة ) .
    ورد هذا النبأ فى مجلة الطبيعة، ووصفت الدكتورة المكتشفة هذا النجم بأنه ساطع جداً .
    ولهذه العالمة سبق فى ميدان الاكتشاف الفلكى إذ سجلت وجود نجم سماوى آخر فى أبريل الماضى سنة 1973.
    ولما سئلت الدكتورة عن اتساع الكون الذى نعيش فى جانب محدود منه قالت : لا أحد يعرف . إن هذه هى حدود معرفتى بالقدر الذى تسمح به عدسة قطرها ( 120 ) بوصة، ولو كانت هناك عدسات أكبر أو أجهزة أقدر وأدق لاتسع أمامنا الكون، أكثر وأكثر .
    سئلت : هل الله موجود ؟ وكان جوابها : من المؤكد أنه موجود !!
    قيل لها : ولكن لماذا ؟ فأشارت إلى السماء وقالت : لهذا !!
    ومن قبل ذلك بنصف قرن عندما أعلن " أينشتين " نظرية " النسبية " سأله بعض الناس : هل الله موجود ؟
    وكان الرد : رياضياً موجود !!
    وسئل : وكونياً ؟ قال : موجود !
    قيل له : لماذا ؟ وكان الجواب : لهذا .. " وأشار إلى السماء " .
    أقول إن القرآن الكريم أكثر الحديث عن السماء، وهو يبنى الإيمان على التأمل فى الكون والنظر فى سعته ودقته وخصائص مادته واستقامة قوانينه " والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون " ( الذاريات : 51 ) " ولقد جعلنا فى السماء بروجاً وزيناها للناظرين " ( الحجر : 16 ) " وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها معرضون "
    ( الأنبياء : 32 )
    وهناك إيماءة علمية معجبة مثيرة فى الحديث عن النجوم وأبعادها السحيقة تحسها وأنت تقرأ قوله تعالى : " فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم " ( الواقعة :76 )
    إن جملة " لو تعلمون " تشير إلى أن هناك حقائق كبيرة فوق مستوى العقل البشرى تتصل بهذه المواقع، ترى على أوضحها الكشوف الفلكية الأخيرة ؟ ربما .. إذا كان الخطاب متجهاً إلى الناس فى عهد ابتداء الوحى .. إنهم لم يروا فى المراصد الحديثة أسرار القبة الزرقاء وما فيها من عجائب .. أما أهل هذا العصر فقد عرفوا، وبهرهم ما عرفوا واضطرت جمهرتهم أن تقول : " سبحانك ما خلقت هذا باطلاً " ومع ذلك فنقول إن ما عرفه العلماء الآن شىء تافه بالنسبة إلى ما زوى عنهم، فإن آلاتهم التى اعتمدوا عليها أرتهم القليل وعجزت عن الكثير، ويبقى الخطاب القرآنى موجهاً إلى الأقدمين والمحدثين على سواء " فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم " .
    إن الكون كبير، وأكبر منه خالقه جل جلاله ..
    وأعترف أنى لم أعرف ضآلة الأرض التى نحيا فوقها إلا بعد قراءات يسيرة فى علم الفلك، بعدها فقط فهمت معنى الحديث القدسى " يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك فى ملكى شيئاً . يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكى شيئاً " ( رواه الترمذى فى القيامة، وغيره ) .
    أومض فى بصيرتى شعاع عن عظمة الخالق الأعلى جعلنى أردد مع صاحب الوحى الخاتم وأصدق بشر فى الآخرين، هذا التسبيح القانت ما جعلنى أكذب أساطير اليهود والنصارى التى تصف الله بأنه جلس يأكل مع عبده إبراهيم، أو اشتبك فى صراع مع عبده يعقوب !!
    قبحاً لهذا اللغو ! .. أكذلك يوصف رب المشارق والمغارب بديع السموات والأرض، جاعل السموات والأرض ؟؟
    وعدت إلى القرآن الكريم أنظر إليه بإعزاز، وأتدبر آياته بأدب وأستمع إليه يصف الجاهلين بربهم فيقول :
    " وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون " ( الزمر : 67 ) .
    لكن لماذا التأمل فى السماء وحدها ؟ هل يحتاج اليقين إلى هذا النظر العالى ؟ إن هناك أنفسنا والأرض التى نعيش عليها، يمكننا أن ننظر فيها ـ عن قرب ـ لنعتبر ونتعلم .. " وفى الأرض آيات للموقنين وفى أنفسكم أفلا تبصرون " ( الذاريات : 21 )
    كنت أفكر فى مسألة علمية تحتاج إلى استغراق ومراجعة، وكانت طفلتى تلعب قريباً منى تنظر إلىّ ولا يعنيها من تفكيرى شىء .. قلت : أنا وهى نماذج لأربعة آلاف مليون أو أكثر يسكنون هذه الكرة الطائرة فى فضاء الله تدور بقدر حول أمها الشمس ..
    لكل فرد من هذه الألوف المؤلفة فكره الخاص، وعالمه الذى يعيش داخله وطريقته فى الفهم والحكم على الأمور .
    ترى لو انقطع التيار الذى تنير به هذه الأدمغة، إلام تصير ؟
    على كل حال إنه لم ينقطع، وفى كل مخ تلافيفه التى يتحرك بها ويقوم عليها عالمه الخاص . سبحان من أبدع هذا كله، سبحان من احتوت أصابعه قلوب الخلائق جميعاً يصرفها كيف يشاء .
    وعدت إلى تعليق الأستاذ أنيس منصور على الكواكب المكتشفة ودلالة السماء على عظمة الله، إنه يقول : " على الرغم من ضخامة الكون وعظمته وأبعاده التى لا ندرك لها حدوداً فإن هذا الكون أبسط من النفس الإنسانية وأسهل من الجسم الإنسانى، وأصغر من الخلية الحية ..
    " إن عظمة العالم تبرز فى تكوين الحياة نفسها، إن الحياة فى الكائن الحى أروع وأعمق وأعقد وأصعب من نجم ملتهب يدور فى الفضاء السحيق بعيداً عن عيوننا وعدساتنا ..
    " إن المسافة التى بينى وبين القمر أقرب جداً من المسافة التى بينى وبينك، فالذى بينى وبينك صعب وغير
    مفهوم ..
    " ومن هنا كان أى كائن حى مهما دق وزنه وحجمه أعظم من أى نجم غابر فى الأفق ..
    " لست فى حاجة إلى أدلة على وجود الله نستوردها من السماء ـ وحدها ـ وإنما فى نفسك وجسمك وتحت قدميك توجد أعظم معجزات الخلق والإبداع " .
    وفى هذا الكلام صدق كثير .. ليس من الضرورى أن يكون المرء فلكياً ليعرف عظمة ربه .. إن الرجل العادى يستطيع أن يعرف عن قدرة الله وحكمته وعلمه ورحمته ما ينمى الإيمان فى قلبه ولبه لو أنه نظر فقط إلى ما يأكله .
    ولكن ناساً كثيرين " يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام . والنار مثوى لهم " ( محمد 12 )
    * * * * *
    فى أرجاء الأمة الإسلامية ناس أشباه متعلمين يعلنون إلحادهم دون حياء، ويزعمون أنهم ثوار على الرجعية، عشاق للمعرفة، ضائقون بالأفكار القديمة، معتنقون للأفكار الحديثة !!
    وكثيراً ما لقيت فى طريقى صوراً من هؤلاء الناس، فأتفرس فى مسالكهم وأتأمل فى أقوالهم وأحوالهم، ثم أذكر كلمة العقاد رحمه الله : هناك مقلدون فى كراهية التقليد !
    أما حديث العلم وتقدمه، والكون وكشوفه فهو تعلة خادعة ينكرها العلم والعلماء ..
    وأول ما نلحظه على أولئك الناس نقلهم لكلمات أوحت بها بيئات أخرى وترديدها فى بلادنا دون أى حساب لاختلاف الزمان والمكان والباعث والنتيجة !!
    لقد كان الفيلسوف الألمانى " نيتشه " ملحداً، وكان كفره بالله شديداً . ومما يؤثر عنه قوله فى الهجوم على الدين " عندما نستمع فى صباح الأحد إلى دقات الأجراس القديمة نتساءل : أهذا ممكن ؟ إن هذا كله من أجل يهودى صلب منذ ألفى عام كان يقول إنه ابن الله !! وهو زعم يفتقر إلى برهان ..
    " لا جدال أن العقيدة المسيحية ـ هكذا يقول نيتشه ـ هى بالنسبة إلى عصرنا أثر قديم نابع من الماضى السحيق، وربما كان إيماننا بها فى الوقت الذى نحرص فيه على الإتيان ببراهين دقيقة لكل رأى نعتنقه شيئاً غير مفهوم، فلنتصور إلهاً أنجب أطفالاً من زوجة غانية، وخطايا ترجع إلى الله ثم يحاسب هو نفسه عليها خوفاً من عالم آخر يكون الموت هو المدخل إليه ! لكم يبدو كل ذلك مخيفاً، وكأنه شبح قد بعث من الماضى السحيق ! أيصدق أحد أن هذا ما زال يصدق " ؟
    وهذا الطراز من الإلحاد هو الذى يحمل جرثومته بعض الناس، يحسبون أنهم يفتنوننا به نحن المسلمين عن ديننا ويصرفوننا عن رسالتنا ..
    وهو طراز يختلط فيه التقليد الأعمى بالنقص المركب، أو حب الظهور بالحقد على المجتمع .. أما الزعم بأن العلم المادى ضد الدين، وأن بحوثه المؤكدة وكشوفه الرائعة تنتهى بإنكار الألوهية فهذا هو الكذب الصراح .. !
    بل إن أساطين العلم والفلسفة تشابهت مقالاتهم فى إثبات الوجود الأعلى، وتكاد فى وصفها لله تنتهى إلى ما انتهى إليه القرآن الكريم من توحيد وتمجيد ..
    نحن لا ننكر أن خصاماً شديداً قد وقع بين العلم والدين فى أوربا حيث كان القول بكروية الأرض كفراً، والقول بدورانها حول الشمس إلحاداً !!
    ولا ريب أن هذه الجفوة المفتعلة بين حقيقة الدين وطبيعة العلم تركت آثاراً سيئة هنا وهناك، بيد أن الاعتماد على هذا فى التجهم للإيمان الحق لا يسوغ، فإن تجريد الدين من الشوائب التى لحقت به، والتزام العلم للنهج السوى فى البحث عن الحقيقة قد انتهى بصلح شريف يذكرنا بقوله جل شأنه :
    " سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شىء شهيد "
    ( فصلت ) .
    كانت المادية هى بدعة القرن الماضى، وكان الزعم السائد أنه لا وجود إلا للمادة، وأن ما وراء المادة عدم محض وأن المادة لا تفنى ولا تستحدث، وأن الدين بعد هذا كله أمسى لا مكان له !!
    ثم مضت الحقائق العلمية تكشف عن وجهها فإذا مقررات الماضى تنسف من أصولها، يقول الدكتور أبو الوفا التفتازانى : " كان العلم يتصور الأمور تصوراً مادياً بحتاً إلى أن جاء العالم الشهير " ألبرت أينشتين " فغير ببحوثه الطبيعية النظر إلى المادة تغييراً حاسماً، وقد صور الفيلسوف الإنجليزى " راسل " ذلك قائلاً : درسنا العالم الطبيعى فوجدنا المادة عند العلم الحديث قد فقدت صلابتها وعفويتها، إذ حللها العلماء إلى مجموعات ذرية كل مجموعة منها تنحل إلى ذرات، وكل ذرة تعود بدورها فتنحل إلى كهارب موجبة وأخرى سالبة، ثم مضى العلماء فى التحليل، فإذا هذه الكهارب نفسها تتحول إلى إشعاعات !!
    وختم " راسل " كلامه بهذه العبارة " ليس فى علم الطبيعة ما يبرهن على أن الخصائص الذاتية للعالم الطبيعى تختلف عن خصائص العالم العقلى " .
    ونحن نقول : انتساب ذلك الكون الضخم إلى أصول من الأشعة شىء مثير حقاً !! ترى ما الذى كثف النور وجمد حركته ووزعه على ألوف الأشكال التى نراها ؟
    إنك لن تعدم سفيهاً يقول لك : تم ذلك من تلقاء نفسه !!
    وهذا القائل مستعد أن يقول لك أيضاً : إن الصحف فى عواصم العالم تصدر عن دورها مليئة بالأخبار والتعليقات والصور منسقة الحروف والأرقام تلقائياً من غير ما إشراف ولا إعداد ولا تبويب ولا ترتيب !
    لعمرى إن ذلك أدنى إلى التصور من خلق الموت والحياة فى هذا العالم الفخم تلقائياً كما يأفك الأفاكون !!
    لكن أى عاقل يحترم نفسه ويقدر علمه يأبى هذا المنزلق .
    يقول الدكتور التفتازانى : ولعل هذا ما جعل العلامة " أينشتين " يؤثر الإيمان بالله ويرفض الشبهات التى تختلق ضده، وقد دار حوار بينه وبين صحفى أمريكى يدعى " فيرك " فى هذا الموضوع قال فيه الرجل العالم بحسم : إننى لست ملحداً !! ولا أدرى : هل يصح القول بأنى من أنصار وحدة الوجود ؟ إن المسألة أوسع نطاقاً من أن تحيط بها عقولنا المحدودة !!
    [ ليس هذا العالم ممن يعتنقون مذهب الوحدة الذى يعرفه الهنود، أو بالنحو الذى تسرب من الهندوكية إلى بعض الديانات الأخرى، ولكنه يريد أن يقول : إنه يرى الله فى كل شىء ويلمح صفاته العظمى فى مجالى الكون كله " هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم " وعذر الرجل أنه لا يعرف الإسلام فيعبر التعبير المأثور .. ]
    وعاد الصحفى إلى سؤاله بطريقة أخرى يريد بها هز الإيمان الذى لاذ به هذا العالم، فقال : إن الرجل الذى يكتشف أن الزمان والمكان منحنيان، ويحبس الطاقة فى معادلة واحدة جدير به ألا يهوله الوقوف فى وجه غير المحدود !!
    فيرد أينشتين : اسمح لى أن أضرب لك مثلاً : إن العقل البشرى مهما بلغ من عظم التدريب وسمو التفكير عاجز عن الإحاطة بالكون فكيف بخالقه ؟! نحن أشبه ما نكون بطفل داخل مكتبة كبيرة ارتفعت كتبها إلى السقف فغطت جدرانها، ثم هى مؤلفة بشتى اللغات . إن هذا الطفل يعلم أن شخصاً ما كتب هذا الكتب، ولكنه لا يعرف بالضبط من هو، ولا كيف كانت كتابته لها ثم هو لا يفهم اللغات التى كتبت بها !!
    وقد يلاحظ الطفل أن هناك طريقة معينة رتبت بها الكتب ونظاماً غامضاً يشمل صفوفها وأوضاعها، نظاماً نحس أثره ولا ندرى كنهه .
    إن ذلك القصور هو موقف العقل الإنسانى مهما بلغ من العظمة والتثقيف !!
    وعاد الصحفى الأمريكى يسأل : أليس فى وسع أحد حتى أصحاب العقول العظيمة أن يحل هذا اللغز ؟
    فأجاب أينشتين مرة أخرى يعلل لماذا هو مؤمن، ولماذا يعجز عن معرفة كنه الله فقال : " نرى كوناً بديع الترتيب خاضعاً لنواميس معينة، ونحن نفهم هذه النواميس فهماً يشوبه الإبهام فنؤمن بالله ولكن عقولنا المحدودة لا تدرك القوة الخفية التى تهيمن على مجاميع النجوم " .
    لو كانت المواد التى يتكون منها هذا العالم الضخم تتراكم بعضها فوق بعض دون تبصر أو حكمة لدلت كثرتها وحدها على غنى واسع وثراء عريض !! فإن الأبعاد الآلية لهذا الكون مذهلة !!
    لكن الأمر أبعد ما يكون عن الجزاف والفوضى .
    والبناء العقلى المتغلغل فى الكون من الذرة إلى المجرة يجعلنا نكون عن هذا العالم الدقيق صورة أخرى .
    ولن نأتى بهذه الصورة من عند أنفسنا بل من أقوال الفلكى الإنجليزى " سير جيمس جينز " الذى ينطق بهذه العبارة المثيرة : " لقد بدأ الكون يلوح أكثر شبهاً بفكر عظيم منه بآلة عظيمة " .
    إن الروعة لا تكمن فى ضخامة الآلة التى نراها بل فى الطريقة التى تدور بها وتؤدى وظيفتها، فى حبكة الموازنة والضبط والتقدير .
    ومن ثم يتجه الإعجاب إلى العقل الواضع الحاسب قبل أن يتجه إلى أثره المحدود .
    ولننظر إلى عقلنا الإنسانى بين ما ننظر إليه من صنوف المخلوقات ماذا نرى ؟ إنه كائن ذكى قدير يبدو ويخفى فى أدمغة الألوف المؤلفة من سكان الأرض والأحياء والراحلين، الذين وجدوا والذين سيوجدون، من أين تولد هذا العقل ؟ من الماء والطين كأعشاب الحدائق .. هذا فرض مضحك ولا ريب، إنه نفحة من الخالق الأعلى وحده .
    يقول سير جيمس جينز : يجب أن نذكر المقدمات التى يفترضها بعض النقاد من غير علم، فالكون لا يبيح لنا أن نصوره تصويراً مادياً، وسبب ذلك فى رأيى أنه قد أصبح من المدركات الفكرية العميقة أنا واجدون فى الكون دلائل قوة مدبرة أو مسيطرة يوجد بينها وبين عقولنا الفردية شىء مشترك، خير ما نصفها به أنها رياضية (!) لأننا لا نجد الآن أصلح من هذا التعبير " .
    والعلامة الإنجليزى معذور فى وصف الإبداع الإلهى بهذا الأسلوب، لقد راعه وهو فلكى راسخ أن يجد فى نظام الشروق والغروب والدوران والانطلاق دقة تسجد علوم الرياضة فى محرابها، فقال : " إن التفكير المشرف عليها ليس هو العاطفة أو الأخلاق أو تقدير الجمال، ولكنه الرغبة فى التفكير بطريقة تفكير علمى رياضى !! بل إنه اعتبر العقل الإنسانى أثراً للعقل الكلى الذى توجد فيه على شكل فكر تلك الذرات التى نشأت منها عقولنا، ثم انتهى أخيراً إلى أن الآراء متفقة إلى حد كبير فى ميدان العلم الطبيعى إلى أن نهر المعرفة يتجه نحو حقيقة غير آلية " أى غير مادية، أى إلى الله الكبير المتعال . "
    على هذا النحو يفكر علماء الكون الكبار، ويحكم أئمة العلم الحديث ورواده الكبار، ولذلك شعرت بسخرية أى سخرية عندما قرأت لصحافى " كبير " فى بلادنا هذه الكلمة الغبية السمجة : " إن التقدم العلمى يوشك أن يجعل أخطر الوثائق العقائدية نوعاً من البرديات القديمة التى حال لونها، وبليت صفحاتها، وعدت عليها عوامل الزمن بالتعرية والتآكل وأصبح من الضرورى للإبقاء على أثرها أن يخصص لها مكان فى متاحف التاريخ " .
    قلت : ما أوسع الفرق بين منطق العلماء ومنطق الجهلاء فى تناول القضايا وإرسال الأحكام . هل يمحى الإيمان كله بهذه السهولة .
    ولقد شعرت كذلك بسخرية أى سخرية عندما رأيت كتاباً بعنوان " العالم ليس عقلاً " ألفه شخص ولد فى نجد وقضى أغلب عمره على قهوات القاهرة وبيروت، وتلقى أكثر علمه من الأوراق الشاحبة التى يسطرها بعض المعلولين والمعقدين !
    هذا المسخ الذى لم يعمل يوماً فى مرض ولا مختبر للكيمياء أو الفيزياء ينكر الألوهية ويسفه النتائج التى وصل إليها أمثال " أينشتين " من قادة المعارف الكونية، طبعاً لأنهم رجعيون وهو تقدمى، ولأنهم قاصرون وهو نابغة .. !!
    ولست أتهم كل ملحد أنه صورة للملحدين الصغار فإن هناك بعض العلماء والفلاسفة ـ وإن كانوا قلة ـ تنكروا للإيمان وقواعده وغاياته، بيد أن المتتبع لأقوال هؤلاء يجزم بأن انتسابها إلى العلم تزوير جرىء فهم يخمنون ويفترضون ثم يبنون قصوراً على رمال !
    وقد قرأت لبعضهم كلاماً عن بداية الخليقة يثير الضحك، فهم يزعمون أن العناصر فى الأزل السحيق تفاعلت اعتباطاً، وسنحت فرصة لن تتكرر بعد أبداً (!) فتكونت جرثومة الحياة ثم أخذت تنمو وتتنوع على النحو الذى نرى ..
    وهذا كلام لا يصدر عن عقل محترم ولا يصفه بأنه علم إلا مخبول !!
    وصدق الله العظيم " ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداً ".
    وأذكر أنى ـ وأنا أناقش بعض الأدلة ـ سألت نفس هذا السؤال : هل أنا كائن قديم أم مخلوق جديد ؟
    فكان الجواب القاطع : لقد ولدت سنة كذا، فأنا حادث بلا ريب !! ولكن شبهة ثارت تقول : إنك تخلفت عن مادة الذين هلكوا قبلك، وعندما تموت فستكون أجساد منك ومن غيرك ! فقلت : إذا سلمت بهذا فى الأجساد فلن أسلم به فى روحى أنا .. إن هذه " الأنا " المعنوية هى حقيقتى الكبرى، وأنا مستيقن بأنى كائن جديد مستقل وجدت بعد عدم محض، فمن أبرزنى من لا شىء ؟
    إننى لست معتوهاً حتى أشك فى بداية وجودى وشعورى، فمن رب هذه المنحة الخطيرة ؟ فتلوت قوله تعالى " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً . [ الاستفهام تقريرى أى لقد أتى على الإنسان وقت كان فيه عدماً محضاً . والآيات فى صدر سورة الإنسان ] إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً " .
    وعدت إلى قصة الجسد الذى أحمله فى حياتى وأنضوه بعد مماتى هل هو قديم المادة حقاً ؟ فسألت العلم : كيف يوجد ؟ وهل يمكن أن يتمثل بشراً سوياً هكذا خبط عشواء ؟ فقال العلم : إن الوليد يتخلق أول أمره من التقاء الحيوان المنوى بالبويضة !
    فما الحيوان المنوى ؟ كائن دقيق توجد فى الدفقة الواحدة منه قرابة مائة مليون حيوان، كل واحد من هذه الألوف المؤلفة يمثل الخصائص المعنوية والمادية للإنسان من الطول والقصر والسواد أو البياض والذكاء أو الغباء والشدة أو الهدوء .. الخ .
    ويبدأ التكون الإنسانى بوصول واحد ـ لا غير ـ من هذه الألوف الكثيفة إلى البويضة وتفنى البقية .
    قلت : فلأقف عند نقطة الابتداء هذه لأسأل : من الذى صنع هذه الحيوانات السابحة فى سائلها، الحاملة لخصائص السلالة الآدمية من أجيال خلت ؟
    قالوا : غدة فى الجسم !
    قلت : غدة أوتيت الذكاء والوعى والاقتدار على خلق مائة مليون كائن من طراز واحد ! مجموعة دراهم من اللحم تتصرف من تلقاء نفسها فى صنع الذكاء أو الغباء، والحلم أو الغضب ؟
    ما يصدق هذا إلا مغيب العقل !! وتلوت قوله تعالى :
    " أفرأيتم ما تمنون . أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ؟ " [ الواقعة : 58 ]
    إننا أمام أدوات القدرة الإلهية العليا وهى تبرز مشيئة الخلاق الجليل، وكأنها تقول لنا : إن خلق الله للعالم ليس فيه شائبة غرابة ! أليس يخلق فى كل لحظة تمر ألوفاً من الناس وألوفاً من الدواب، وصنوفاً من النبات ؟؟
    إن إبداع الخليقة ليس فلتة وقعت وانتهت، وأمست فى ذمة التاريخ بحيث يستطيع المكابرون أن يجادلوا فيها .. لا .. إن الإيجاد من الصفر يقع أمام أعيننا كل يوم فى عالم الأحياء فلم هذا المراء .
    إن بديع السموات والأرض لا يزال يخلق فى كل وقت وفى كل بر صنوفاً من الأحياء الدقيقة والجليلة لا حصر لها، فكيف ينكر ما كان من خلق أول أو ما سوف يكون من بعث وجزاء ؟
    " أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده . إن ذلك على الله يسير . قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة . إن الله على كل شىء قدير " [ العنكبوت : 20 ] .
    ولنفرض جدلاً أن بعض الناس يرى أن الفلك الدوار يجرى فى الفضاء دون ضابط ولا رابط، وأن الوليد الخارج من ظلمات الرحم لامع العين مورد الخد مفتر الثغر، قد صنعه على هذا التقويم الحسن شىء ما فى بطن
    الأم !!
    لنفرض أن بعض الناس ركب رأسه وقال هذا الكلام فما الذى يجعل هذا الزعم السخيف يوصف بأنه علم وتقدمية على حين يوصف منطق الإيمان بأنه جمود ورجعية ؟
    سبحانك هذا بهتان عظيم !
    لقد آن الأوان لتهتك الأستار عن أدعياء التقدم الذين يمثلون فى الواقع ارتكاساً إنسانياً إلى جاهلية عديمة الشرف والخير مبتوتة الصلة بالعقل وذكائه والعلم وكشوفه ..
    ربما شك بعض الناس فى حقيقة الدين الذى يعتنقه أو فى جدواه عليه، فإذا ساور هذا الخاطر أحداً من خلق الله، فإن العربى آخر امرئ يعرض له هذا الظن، بل يقرب من المستحيل أن يساوره .
    ذلك أن فضل الإسلام على العرب كفضل الضياء والماء على الزرع .
    لا أقول أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، بل أقول أوجدهم من عدم، وجعل لاسمهم حقيقة، وأقام بهم دولة وأنشأ حضارة ..
    قد تكون بعض العقائد عقاقير مخدرة للنشاط البشرى، لكن الإسلام لما جاء العرب شحذهم وأثار عقولهم، ووحد صفهم، وطار بهم إلى آفاق مادية وأدبية لم يحلم بها آباؤهم ولا تخيلها أصدقاؤهم أو أعداؤهم، ومضى العرب فى طريق المجد الذى شقه الإسلام لهم فعرفهم للعالم وكان قبل يجهلهم، وأفاءوا على ماضيه القريب ما لا ينكره إلا متعصب كفور !
    وارتبطت مكانة العرب الذاتية والعالمية بهذا الدين، فهم يتقهقرون إذا تخلوا عنه ويستباح حماهم . وهم يرتقون ويتقدمون إذا تشبثوا به وتحترم حقوقهم .
    على عكس ما عرف فى أمم أخرى لم تستطع التحليق إلا بعدما تخففت من مواريثها الدينية كلا أو جزءاً !!
    وقد استطاع مسلمو الجزائر فى هذا العصر أن يستخلصوا حريتهم من براثن عاتية وأن يدفعوا ثمن هذا الخلاص مليوناً ونصف من الشهداء !
    وما ينبغى تقريره هنا أن الإسلام وحده كان وقود هذا الكفاح القاسى .. الإسلام بما غرسه فى الأفئدة من إباء.
    فلما ظفر الجزائريون باستقلالهم بدءوا يستعيدون عروبتهم التى فقدوها خلال قرن وربع، ووضعت مشروعات لجعل الأفراد والجماعات ينطقون بالعربية ويتفاهمون بها بعدما كادت هذه اللغة تبيد أمام زحف الفرنسية وسيادتها فى الشوارع والدواوين !!
    إن الإسلام بالنسبة للعروبة ولىّ نعمتها وصانع حياتها .
    وقد اعترف مسيو " جاروديه " وهو شيوعى فرنسى عاش ردحاً من الزمان فى جبهة التحرير الجزائرية بأن الدين وحده هو الذى أوقد شرر هذا الكفاح العزيز الغالى وأن الإسلام يستحيل أن يوصف بأنه مخدر الشعوب .
    والإسلام لا يجعل من العرب شعباً مختاراً يفضل غيره بسلالة أو دم خاص، كلا كلا، إن الله اختار لعباده تعاليم راشدة وشرائع عادلة، ثم وكل إلى العرب أن يحملوا هذه التعاليم والشرائع ليعملوا بها وليعلموها من شاء ..
    والله يأبى كل نعرة عنصرية أو استعلاء قومى .. إنها مبادئ محددة، تنطلق منها أمة ما فتكون بعين الله، أو تند عنها فيدعها لنفسها، بالوفاء لهذه المبادئ تصعد، فإن فرطت هبطت .
    ولذلك يقول الله للمنهزمين فى أحد " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " [ آل عمران : 139 ] فالعلو قرين الإيمان، وينصح الأمة كلها بالطاعة والإصلاح ويتهدد عدوها بالطرد والهوان، ثم يأمرها بالمقاومة ورفض الاستسلام وسيكون المستقبل لها إن هى أبقت حبلها موصولاً بربها " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم . إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم، فلا تهنوا وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم " [ محمد : 35 ] .
    والتدبر فى هذه الآيات الثلاث يعطى فكرة بينة أن تفضيل أمة ما هو تفضيل سلوك ومنهج، لا تفضيل دم أو لون وأن الإيمان الشريف والاستقامة الواضحة أساس العزة المنشودة وأنه مهما لاقى المسلمون من صعاب وهزائم فلا يجوز أن يقبلوا سلماً مخزياً ولا أن يعطوا الدنية من أنفسهم .
    ولهم أن يركنوا إلى الله ولن يذل جانبهم ما آمنوا به وعملوا له .
    واليقظة العزيزة التى صنعها الإسلام وهو يبنى الأمة يمكن أن نتابعها فى مرحلتين :
    الأولى فى العهد المكى، يوم كان المسلمون قلة تتوقع الضيم ويتجرأ عليها الأقوياء !
    لقد أمر المسلمون إبان هذه المحن أن يثبتوا ويشمخوا بحقهم، ويتنكروا لكل هوان ينزل بهم، ويطلبوا ثأرهم ممن اعتدى عليهم، فإن عفوا فعن قدرة ملحوظة لا عن ادعاء مرفوض !!
    انظر كيف وصفت سورة الشورى المكية طلاب الآخرة الذين يؤثرون ما عند الله على هذه الدنيا، إنهم " الذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون والذين إذا أصابهم البغى إذا هم ينتصرون ! وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله والله لا يحب الظالمين " [ الشورى : 38 ] .
    فطلاب الآخرة ـ كما وصفتهم السورة المكية ـ ليسوا الذين يعيشون فى الدنيا أذناباً مستباحين أو ضعافاً مغموصين، أو كما يقول الشاعر يصف قوماً تافهين :
    ويقضى الأمر حين تغيب تيم
    ولا يستأمرون وهم شهود

    لا، لا، إن هؤلاء المؤمنين بالدار الآخرة يفرضون أنفسهم على هذه الحياة الدنيا ويكرهون العدو والصديق على أن يحسب حسابهم ويزن رضاهم وسخطهم، ويعلم أن نتائج العدوان عليهم أذى محذور وشر مستطير، لأنهم إذا بغى عليهم ينتصرون، ويلطمون السيئة بمثلها ! وليس ذلك بالنسبة للحق الأدبى للجماعة كلها، بل هو كذلك بالنسبة إلى حق الفرد فى ماله الخاص، فقد سئل النبى :
    " أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالى ..
    " قال : قاتله . قال : أرأيت إن قتلته ؟ ..
    " قال : هو فى النار . قال : أرأيت إن قتلنى ؟ ..
    " قال : فأنت شهيد " [ مسلم فى كتاب الإيمان ]
    هل هذه الوصايا هى التى تخدر الأفراد والجماعات ؟
    سبحانك هذا بهتان عظيم !
    فإذا تجاوزنا العهد المكى إلى العهد المدنى نجد توجيهاً ينبع من هذه الروح الأبية الشامخة .
    إن الهوان جريمة وقضاء الحياة فى ضعف واستكانة مرشح أول للسقوط فى الدار الآخرة .
    ومن هنا أثبت القرآن الكريم هذا الحوار بين ملائكة الموت وبين الذين عاشوا فى الدنيا سقط متاع وأحلاس ذل .
    " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا : فيم كنتم ؟ قالوا : كنا مستضعفين فى الأرض . قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟ فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً " [ النساء : 97 ] .
    والهجرة المفروضة هنا هى التحول من مكان يهدد فيه الإيمان وتضيع معالمه إلى مكان يأمن فيه المرء على دينه، ولكن حيث استقرت دار الإسلام فلا تحول، وإنما يبقى المسلمون حيث كانوا ليدفعوا عن ترابهم ذرة ذرة ولا يسلموا فى أرض التوحيد لعدو الله وعدوهم .
    والآية تحرم قبول الدنية وإلف الاستضعاف، وتوجب المقاومة إلى آخر رمق .
    ومما يؤكد هذا المعنى أن القرآن أحصى الطوائف التى تعذر فى هذا التمرد المطلوب على قوى الشر .
    ومع استثنائها فإن مصيرها ذكر معلقاً على " رجاء " المغفرة والعفو لا على " توكيد " ذلك !!
    " .. إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم " [ النساء : 98 ] .
    والتعبير بـ " عسى " هنا مثير للقلق، وهى إثارة مقصودة حتى لا يقعد عن مكافحة المعتدين من يقدر على إلحاق أى أذى بهم مهما قل .
    ولا يقيم على ضيم يراد به
    إلا الأذلان عير الحى والوتد

    هذا على الخسف مربوط برمته
    وذا يشق فلا يرثى له أحد

    المسلم لا يقبل الحياة على أية صورة وبأى ثمن، إما أن تكون كما يبغى، وإما رفضها وله عند ربه خير منها .
    ومن صيحات الكرامة والإباء قول رسول الله : " من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد " ! [ الترمذى فى الديات، وأبو داود فى السنة ]
    وفى حديث آخر " من قتل دون مظلمته فهو شهيد " ! [ صحيح رواه الشيخان وأصحاب السنن الأربعة وأحمد ]
    هل رأيت استنهاضاً للهمم واستنفاراً للنضال، واستثارة للذود عن الدماء والأموال والأعراض أحر من هذه المبادئ ؟!
    أيمكن فى منطق العقل والإنصاف أن يوصف هذا الدين بأنه مخدر للشعوب ؟ ألا شاهت الوجوه !!
    ومن حقنا أن نتساءل : هل ضمان الخبر يحفظ الكرامة الفردية ويوفر الأمان للجماعات ؟
    لا شك أن للعنصر المادى أثراً فى طمأنينة المرء وشد أزره، ولكنه ليس كل شىء فى خلق العزة الشخصية والجماعية ! فرب سجين ملىء البطن خفيض الرأس، ورب طاو حديد البصر جهير الصوت .
    قال لى صديق : وضعت الحب للعصافير فى شرفة بيتى، وجلست بعيداً أرقبها وهى تلتقطه بمناقيرها كعادتها .. بيد أنى ارتقبتها طويلاً فلم تهبط، ثم أدركت بغتة أن باب الشرفة مفتوح وأن الحذر عاقها عن الأكل فقمت أغلق الباب وأنا أقول : إن الطعام لا يغنى عن الأمان .
    وهذا صحيح، فإن الله لما امتن على قريش بنعمته وبركته قال : " فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " .
    إن الشبع لا يغنى عن الحرية أبداً، وإن توقير " الديمقراطية الاقتصادية " يستحيل أن يغنى عن " الديمقراطية السياسية " .
    إن الإنسانية ليست جسداً يعلف ويسمن، ولكنها فطرة تتشوف للانطلاق والتحرر، ولا بد أن يتقرر لها حقها فى النقد والمراجعة وحساب كل ذى منصب مهما جل وإقصاء من تكره وإدناء من تحب ..
    واليقظة التى ينشدها الإسلام للشعوب تتضمن الأمرين جميعاً .
    " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم فى الأرض " [ القصص : 5 ]
    فكيف يتهم الدين بأنه مخدر للشعوب ؟
    وربما اتصل بهذه التهمة المتهافتة تصور البعض أن الدين رباط مع الماضى، وأن التطور ينافيه .
    ونتساءل نحن : ما هذا التطور ؟
    إن الإلحاد ليس تطوراً، بل هو ترديد لكفر الصغار من جهلة القرون الأولى .
    من ألوف السنين وقفت قبيلة عاد من رسولها موقفاً كأنما لخصت فيه كل ما يقال فى هذا العصر على ألسنة الشطار، من دعاة الإلحاد " أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً إنكم مخرجون . هيهات هيهات لما توعدون . إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين . إن هو إلا رجل افترى على الله كذباً وما نحن له بمؤمنين " [ المؤمنون : 35، 37 ]
    إن التحلل من قيود الدين ليس تجديداً ولا ابتكاراً بل هو خضوع للغرائز الدنيا التى أنامت ألوف الخلعاء والخبثاء من عشرات القرون وجعلتهم يحيون وفق شهواتهم وحدها ! فأى ارتقاء فى هذا المسلك الرخيص ؟!
    فى غضون القرن التاسع عشر للميلاد كانت نزعات الإلحاد تغلب على العقل الغربى، وبدا كأن العلم الطبيعى يتجه بالناس وجهة مادية تتنكر للدين وتضيق بتعاليمه، ولما كان الغربيون سادة الدنيا وقتئذ فقد صبغوا الفكر العالمى تقريباً بهذه الصبغة الداكنة ..
    وقد تسأل : ماذا كان موقف المتدينين بإزاء هذا الفكر الزاحف ؟
    والإجابة أن المسلمين كانوا فى حالة ذهول أنستهم رسالتهم المحلية والعالمية على سواء، فهم لا يريدون من دينهم شيئاً طائلاً ينفعون به أنفسهم بله أن ينفعوا به غيرهم .
    وأما بنو إسرائيل فقد شرعوا عقب تقرر الحقوق السياسية فى الأقطار الحديثة يجمعون شملهم ليعيدوا ملك " يهوه " على الأرض ويستعدوا لحكم العالم من " أورشليم " وما كان عليهم أن تكتسح ظلمات الشك
    كل ضمير .. !!
    وأما النصارى فلو تفرغوا لمواجهة هذا الخطر لكانوا كالذى يرد الطوفان بالراحتين، فكيف وهم مشغولون بالقضاء على الإسلام المريض !
    لذلك نجح الإلحاد فى فرض أفكاره وأحكامه على أغلب ميادين النشاط الإنسانى، وربما سمح للأديان أن تبقى ميولاً فردية واتجاهات أدبية وحسبها ذلك .
    على أن القرن العشرين للميلاد أخذ يتجه ـ خصوصاً فى أواسطه ونهاياته وجهة مغايرة، وظهر فى كتابات كثير من العلماء الطبيعيين نزوع واضح إلى الإيمان بالغيب والتسليم بوجود إله حكيم قادر، عالم خبير !
    وتدين العلم كسب إنسانى جليل !
    والصورة التى تكونت لدى العلماء الطبيعيين عن الله أقرب إلى الحقيقة مما يهرف به كثير من رجال
    الأديان .. !!
    ولو كان للإسلام رجال يحسنون عرضه كما نزل فى أصوله الأولى لكان الإسلام دين الحاضر والمستقبل على سواء، ولكن الفكر الإسلامى وقع فى محنة رهيبة !!
    ولست أزعم أن كل العلماء الكونيين نزاعون إلى التدين، فهناك من ضل الطريق !! ولكن تيار الإيمان لو مضى فى طريقه بين هؤلاء دون عوائق سياسية ودون إرهاب خارجى لتغير الوضع، فإن جمهرتهم سوف تدخل فى دائرة الدين بلا ريب !!
    والمشكلة التى نواجهها نحن فى بلادنا الإسلامية هى تأخر مثقفينا فى مضمار التقليد !!
    فعدد كبير منهم لا يزال يعيش فى العقلية المادية للقرن التاسع عشر .
    وعدد آخر قد يعدو هذا النطاق ليرنوا ببصره إلى المسجونين كرهاً داخل بعض المذاهب المادية الحاكمة، وهم قوم كفروا عن إرهاب لا عن اختيار ففيم يقلدون ؟
    والغريب أن نفراً من علماء الإسلام يزعمون أن الدين ـ كسائر القضايا الأدبية ـ لا صلة له بالعقل ! أى أن التفكير الإلحادى للقرن التاسع عشر ما زال هو الذى يسيطر عليهم، فأى بلاء هذا ؟
    ونحن نناشد أحرار العقول أن يراجعوا أنواع المعرفة التى تعرض عليهم، فإن للاستعمار الثقافى دخلاً فى تلويثها وغشها ..
    إن أعظم شىء فى رسالة الإسلام احترامها للعقل البشرى، وحفاوتها بالعلم الطبيعى، وبناؤها اليقين على النظر الصائب فى ملكوت الأرض والسماء .
    ولا يوجد كتاب سماوى حث العقل على النظر، وقاد العلم فى مضمار البحث كهذا القرآن الكريم .
    إننا بمنطق القرآن نرفض الظنون ونخضع لليقين، نرفض الأوهام ونستكين للحقيقة وحدها ..
    إن التدين الذى تعلمناه من كتابنا ليس تحميل العقل ما لا يطيق ولا الهيمان فى عالم الأخيلة .. إنه تدين زكى عملى .
    ثم هو يضم إلى هذا الفكر الناضج قلباً سليماً، لا مكان فيه لنية خبيثة أو غرض صغير، على أساس أن الإنسان لا يسيره العلم النظرى قدر ما تسيره مقاصده وآماله ..
    ما أكثر ما يكون الذكاء سلاحاً يستعمل فى الخير والشر على سواء، فإذا صدق الإيمان صلح القلب واستقام المنهج " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " " إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " [ق 37].
    وفى معرفة الكون وخالقه، والنفس وهداها يقول ابن عطاء الله السكندرى هذه الكلمة الحاسمة :
    " لا ترحل من كون إلى كون، فتكون كحمار الرحى، يسير والمكان الذى ارتحل إليه هو الذى ارتحل منه، ولكن ارحل من الأكوان إلى المكون " وأن إلى ربك المنتهى " ..
    " وانظر إلى قوله : " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " [ رواه البخارى فى سبعة مواضع من صحيحه، وأخرجه باقى الستة وغيرهم ] . فافهم قوله عليه الصلاة والسلام وتأمل فى هذا الأمر إن كنت ذا فهم ".
    يقول الله تعالى " والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون . والأرض فرشناها فنعم الماهدون . ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ففروا إلى الله إنى لكم منه نذير مبين . ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر إنى لكم منه نذير مبين "
    [ الذاريات : 48 ـ 50 ] .
    هذه آيات خمس، والثلاثة الأولى منها وصفت الأكوان علوها وسفلها وما أنبتت فيها من حياة وأحياء .
    والاثنتان الأخريان انتقلتا من الأكوان إلى المكون فتحدثتا عن وجوده ثم توحيده .
    والحق أن الانحصار فى الكون والاحتباس بين مظاهره فواحش عقلية ونفسية لا يرضاها أريب لنفسه، بل ينفر منها أولو الألباب .
    إن من له أدنى مسكة يعرف ـ من العالمين ـ رب العالمين ويعرف من الأكوان صاحب هذه الأكوان !!
    إن هذا الملكوت الضخم الفخم من ودائع ذراته إلى روائع مجراته شاهد غير كذوب على أن له خالقاً أكبر وأجل .
    إنها لجهالة أن يغمط هذا الإله العظيم حقه، وإنها لنذالة أن يوجد بشر ينكره ويسفه عليه .
    ولكن خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين !!
    والعاقل ينظر فى الكون فيتعلم منه تسبيح الله وتحميده، ويستنتج من قوانين الحياة وأحوال الأحياء ما يستحقه المولى الأعلى من أسماء حسنى وصفات عظمى ..
    والناس صنفان : صنف يعرف المادة وحدها ويجهل ما وراءها ولا نتحدث الآن مع هؤلاء، فقد ذكرنا نبأهم فيما مضى .
    وصنف مؤمن بالله مصدق بلقائه، ولكنه هائم فى بيداء الحياة، ذاهل وراء مطالب العيش، مستغرق المشاعر بين شتى المظاهر، فهو لا يكاد يتصل بسر الوجود أو يتمحض لرب العالمين .
    ومع هذا الصنف المؤمن نقف لنرسل الحديث .
    هناك قوم لا تخلص لله معاملاتهم، بل هى مشوبة بحظوظ النفس ورغبات العاجلة، وهؤلاء لن يتجاوزوا أماكنهم ما بقيت نياتهم مدخولة حتى إذا شرعت أفئدتهم تصفو بدءوا المسير إلى الأمام .
    وهناك قوم يعاملون الله وهم مشغولون بأجره عن وجهه أو بمطالبهم منه عن الذى ينبغى له منهم، وهؤلاء ينتقلون عن أنفسهم من طريق ليعودوا إليها من طريق أخرى .
    إنهم مقيدون بسلاسل متينة مع أنانيتهم فهو يسيرون ولكن حولها، لو حسنت معرفتهم بالله ما حجبتهم عنه رغبات مادية ولا معنوية بل لطغى عليهم الشعور به، وبما يجب له، وتخطوا كل شىء دونه، فلم يهدأوا إلا فى ساحته، ولم يطمئنوا إلا لما يرضيه هو جل شأنه على حد قول ابن فراس :
    فليتك تحلو والحياة مريرة
    وليتك ترضى والأنام غضاب

    وليت الذى بينى وبينك عامر
    وبينى وبين العالمين خراب

    إذا صح منك الود فالكل هين
    وكل الذى فوق التراب تراب

    وابن عطاء الله يرى أن العامة يترددون بين مآربهم كحركة بندول الساعة لا تتجاوز موضعها على طول السعى، أو هم على حد تعبيره كحمار الرحى ينتقل من كون إلى كون، والمكان الذى ارتحل إليه هو الذى ارتحل منه .
    والواجب على المؤمن أن يقصد وجه الله قصداً، وأن يتفصى تفصياً من ألوف الأربطة التى تشده إلى الدنيا وتخلد به إلى الأرض .
    ومن خدع الحياة أن المرء قد يعمل لنفسه وهو يحسب أنه يعمل لله، ولو وضعت بواعثه الكامنة تحت مجهر مكبر لاستبان أن كثيراً من دواعى غضبه ورضاه وسروره وتعبه وراحته يصلها بوجه الله خيط واه على حين تصلها بحظوظ النفس حبال شداد .
    وهنا الخطر المخوف أن الهجرة إذا كانت لله فقد مضت وقبلت وإلا فالأمر كما قال الرسول " من هاجر إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " .
    والشعور بوجود الله ليس أمراً يتكلف له الإنسان شيئاً، إنه شعور بالواقع !
    قد يكون لك حبيب مسافر مثلاً فأنت إذا اشتقت إليه تتخيل صورته وتحاول الأنس بالوهم عن الحقيقة .
    ولكن الشعور بالله ليس تقريباً لبعيد ولا تجسيداً لوهم، إنه إيمان بالواقع الذى يعد تجاهله باطلاً كشعورك
    مثلاً ـ وأنت فى البيت ـ بأنك فى البيت، أو شعورك ـ وأنت فى القطار ـ بأنك فى القطار .
    إنه الواقع الذى لا معدى عن الاعتراف به، وبناء كل تصرف على أساسه . إن الألوهية لا تفارق العباد لحظة من ليل أو نهار، ومن ثم فإن الغفلة عن الله غفلة عن الحق المبين .
    ـ وإذا كان الأعمى يعجز عن رؤية الأشياء فإن الأشياء لم تزل من مكانها لأن عيناً كليلة لم تتبينها .
    ـ وإذا كان الناس فى ذهول عن الحق المصاحب لهم المحيط بهم فذلك عمى تعود عليهم وحدهم معرته .
    وقد كثر القرآن الكريم من أشعار الناس بهذه المعانى، وصاح بهم وهم يفرون عنها، إلى أين ؟ فأين تذهبون ؟ أين المذهب " والله من ورائهم محيط " [ الطارق ] .
    : " هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم . هو الذى خلق السموات والأرض فى ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير " [ الحديد ] .
    هو بصير بما نعمل وهو معنا حيثما كنا ! ألا تعين هذه الحقائق على صدق المعرفة وحِدَّة الشعور بوجوده وإشرافه ؟
    ثم ألا يدل ذلك على أن ذكرك لله ليس استحضاراً لغائب ؟ إنما هو حضورك أنت من غيبة وإفاقتك أنت من غفلة !!
    ولا بد هنا من توكيد التفرقة بين وجود الله ووجود العالم، فإن بعض الناس يستغلون المعانى التى شرحناها للبس الحق بالباطل .
    إن وجود الله مغاير لوجود سائر المخلوقات، وهذا العالم منفصل عن ذاته جل شأنه انفصالاً تاماً .
    وقد تسمع بعض الفلاسفة أو بعض المتصوفين يقول : إنه يرى الله فى كل شىء .
    وهذا التعبير صحيح إن كان يعنى أنه يرى آثاره وشواهده .
    أما إن كان يعنى وحدة الخالق والمخلوق أو وحدة الوجود كما يهرف الكذبة، فالتعبير باطل من ألفه إلى يائه، والقول بهذا كفر بالله وبالمرسلين .
    ووصف الإحاطة الإلهية فى هذا المجال وسيلة لا غاية .. وسيلة لتصحيح النية والجهد والهدف وإهابة بالإنسان أن يدير نشاطه البدنى والعقلى على مرضاة الله وحده .
    وليت الناس يسعون فى هذا الطريق بنصف قواهم !
    ولو أن امرءاً حاول استرضاء الله بنصف الجهد الذى يبذله لكسب المال، أو التمكين فى الأرض لقطع مرحلة رحبة فى طريق الارتقاء الروحى والخلقى، ولو أن امرءاً كره الشيطان ووساوسه بنصف الشعور الذى يكره به الآلام والخصوم لنال من طهر الملائكة حظاً .
    إن الله قد يقبل نصف الجهد فى سبيله، ولكنه لا يقبل نصف النية، إما أن يخلص القلب له، وإما أن يرفضه كله.
    وقد أسلفنا القول إن الإنسان قد تحتل قلبه مقاصد شتى هى التى تبعثه على الحركة والسكون، وعلى الرضا والسخط، وأن هذه المقاصد تنبعث عن أنانيته لا عن إيمانه بربه وابتغائه ما عنده .
    والعلماء المربون يطاردون هذه المقاصد المتسللة إلى القلب ويمنعونها أن تثوى فيه . ولا يتوانون فى مطاردتها حتى تخفى ويطهر القلب منها .
    ذلك أن الإسلام دقيق جداً فى تقويم النية الباعثة عليه والغاية المصاحبة له، فمن لم يكن الله وجهته فى هجرته فلا عمل له ولا خير فيه .
    فى الحياة الآن ألوف من المدربين والأطباء والمهندسين والضباط والعمال والتجار والموظفين .. الخ يزحمون ظهر الأرض بحركة واسعة المدى، فأما ما كان للتكاثر والتظاهر فسوف يلصق بالتراب، وأما ما كان لله فهو مبارك الثمر ممتد الأثر .
    إن البقاء لما قصد به رب السماء " من كان يريد حرث الآخرة نزد له فى حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له فى الآخرة من نصيب " [ الشورى : 20 ] .
    ونعود إلى الصنف المسجون بين عناصر المادة لا يعرف غيرها، إنه ينتقل من عنصر، وينسب مادة إلى مادة، ويجحد ما بعد ذلك .
    وقد ناقشنا هؤلاء، ودحضنا ما ساقوا من شبه، ونريد هنا كشف الستر عن بعض دعاوى القوم .
    إن وصف الإيمان بأنه حركة رجعية، والإلحاد بأنه حركة تقدمية وصف كاذب، فالكفر قديم قدم الغرائز الخسيسة والأفكار السفيهة .
    وتاريخ الحياة يتجاور فيه الخير والشر والصلاح والفساد فمن قال : " إن الإيمان طبيعة أيام مضت وانتهى دورها وأن الكفر يجب أن يفسح له الطريق " فهو دجال .
    كذلك وصف الإيمان بأنه حركة فكر محدود، والإلحاد بأنه حركة عقل ذكى أو وصف الإيمان بأنه منطق الدراسة النظرية، والإلحاد بأنه منطق الدراسة العلمية والبحوث الكونية، هذا كلام خرافى لا حرمة له، فإن جمهرة كبرى من قادة العلم الكونى والدراسات الحيوية يؤمنون بالله ويرفضون الزعم بأن الكون خلق من غير شىء .
    والواقع أن الإلحاد يعتمد على الظنون والشائعات، لا على اليقين والبراهين، وأنه لم يثبت فى معمل أو مختبر بأن الله غير موجود .
    وكل ما هنالك أن الماديين نسبوا لغير الله من النظام والإبداع ما لا تصح نسبته إلا لله .
    ووراء هذا النسب المنتحل ساروا وأيديهم خالية من أى يقين، بل هم كما وصف القرآن الكريم " وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغنى عن الحق شيئاً . إن الله عليم بما يفعلون " .
    أما الدلائل التى تغرس الإيمان فى القلوب عن طريق التفكير السليم فى هذا الكون الكبير فهى قائمة ناهضة .










 

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. وما زال الحق مهضوم (صلب المسيح كان للزجر ام لاخذ الحق و العقاب ؟)
    بواسطة ابن النعمان في المنتدى الركن النصراني العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2011-02-08, 08:43 PM
  2. قذائف الحق
    بواسطة منتدى المسيح عبدالله في المنتدى المكتبة الإسلامية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 2011-01-19, 02:24 PM
  3. صاعقة الإسلام يسحق صـامد وزبانيته تحت أقدام الحق
    بواسطة سيف الحتف في المنتدى كشف تدليس مواقع النصارى
    مشاركات: 80
    آخر مشاركة: 2010-11-24, 12:05 AM
  4. أصابع الشيطان ومؤامرات إشعال نيران الفتنة في مصر!!
    بواسطة جمال المر في المنتدى الركن النصراني العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 2010-07-29, 12:45 PM
  5. قذائف الحق pdf .
    بواسطة mohamedelsakr في المنتدى المكتبة الإسلامية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 2010-01-24, 09:55 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML