صفحة 3 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 43
 
  1. #21
    مراقبة الأقسام الإسلامية
    الصورة الرمزية دانة
    دانة غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 1208
    تاريخ التسجيل : 8 - 8 - 2009
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,929
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 43
    الاهتمام : القراءه
    معدل تقييم المستوى : 19

    افتراضي


    { فإن مع العسر يسرا* إن مع العسر يسرا}:


    إذا ضاقت عليك السبل وبارت الحيل، وتقطعت الحبال وضاق الحال، فاعلم أن الفرج قريب وأن اليسر حاصل.

    لا تحزن، فإن بعد الفقر غنى، وبعد المرض شفاء،
    وبعد البلوى عافية، وبعد الضيق سعة،
    وبعد الشدّة فرحا.

    سوف يصلك اليسر أنت وأتباعك، فترزقون وتنصرون وتكرمون ويفتح عليك، ولكن ليس يسر واحد بل يسران.

    إنها سنة ثابتة وقاعدة مطّردة أن مع كل عسر يسرا، بعد الليل فجر صادق، وخلف جبل المشقة سهل الراحة،
    ووراء صحراء الضيق روضة خضراء من السعة،
    إذا اشتد الحبل انقطع، وإذا اكتمل الخطب ارتفع، سوف يصل الغائب، ويشفى المريض، ويعافى المبتلى،
    ويفكّ المحبوس، ويغنى الفقير، ويشبع الجائع، ويروى الظمآن، ويسرّ المهموم، وسيجعل الله بعد عسر يسرا.

    وهذه السورة نزلت عليه الصلاة والسلام وهو في حال من الضيق، وتكالب الأعداء، واجتماع الخصوم،
    وإعراض الناس، وقلة الناصر، وتعاظم المكر، وكثرة الكيد،
    فكان لا بد له من عزاء وسلوة وتطمين وترويح، فنزلت هذه الكلمات له ولأتباعه الى يوم القيامة وعدا صادقا وبشر طيبة، وجائزة متقبّلة:


    اشتدي أزمة تنفرجي
    قد آذن ايلك بالبلج




    {فإذا فرغت فانصب}:


    إذا انتهيت من أعمالك الدنيوية وأشغالك الشخصية فانصب لنا بالعبادة، وتوجّه لنا بالطاعة، وأكثر من ذكرنا ودعائنا.

    إذا فرغت من الناس وقضايا الناس وأسئلة الناس فقم في محراب عظمتنا،
    وانطرح على بابنا، واقرب منا، ومرّغ جبينك لنا، لتلقى الفوز والفلاح والأمن والنجاة.

    إذا فرغت من الأهل والولد والقريب والصاحب فاجعل لك وقتا معنا،
    ارفع فيه سؤالك، اعرض فيه حاجتك، أكثر فيه دعاءك،
    ادعنا وسبّحنا واطلبنا واستغفرنا واشكرنا واذكرنا.

    إذا فرغت من الأحكام والقضايا والموعظة والفتيا والتعليم والإرشاد والجهاد والنصيحة،
    فتعال لتزداد من قوتنا قوة، ومن مددنا عونا، ومن رزقنا زادا، ومن فتحنا بصيرة وذخيرة.

    نحن أولى بك منك، وأحق بفراغك من غيرنا،
    ويا له من توجيه له ولأتباعه عليه الصلاة والسلام في صرف الفراغ في العبودية،
    وملء هذا الزمن بذكره وشكره جلّ في علاه،
    ليحصل المقصود من الرضا والسكينة والفرج والعاقبة الحسنة وصلاح الحال والمال، وعمار الدنيا والآخرة.




    {وإلى ربّك فارغب}:


    إلى ربك وحده فارغب، ولا ترغب من غيره شيئا، وإليه وحده فاتجه وعليه توكّل، وفيه فأمل،
    فإن الرغبة والرهبة لا تكون إلا إليه لأنه صاحب الثواب لمن أطاعه والعقاب لمن عصاه،
    والرغائب الجليلة لا يملكها إلا الله،
    فعنده مفاتح الخزائن ومقاليد الأمور، فهو أهل أن يدعى وأن يسأل وأن يؤمل وأن يقصد جلّ في علاه:

    إليك وإلا لا تشدّ الركائب
    ومنك وإلا فالمؤمّل خائب

    وفيك وإلا فالغرام مضيّعٌ
    وعنك وإلا فالمحدث كاذب

    وقد تنزلت هذه الكلمات على رسولنا صلى الله عليه وسلم في فترات عصيبة،
    وفي لحظات حاسمة عاشها صلى الله عليه وسلم وتجرّع غصصها وحسا مرارتها.









    ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت



    منتديات البشارة الإسلامية

  2. #22
    مراقبة الأقسام الإسلامية
    الصورة الرمزية دانة
    دانة غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 1208
    تاريخ التسجيل : 8 - 8 - 2009
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,929
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 43
    الاهتمام : القراءه
    معدل تقييم المستوى : 19

    افتراضي



    {إنا فتحنا لك فتحا مبينا}



    لقد فتحنا لك يا محمد فتحا بيّنا ظاهرا مباركا، فتحنا لك القلوب فغرست بها الإيمان،
    و
    فتحنا
    لك الضمائر فبنيت فيها الفضيلة،
    و
    فتحنا
    لك الصدور فرفعت فيها الحق،
    و
    فتحنا
    لك البلدان فنشرت بها الهدى،
    و
    فتحنا
    لك كنز المعرفة وديوان العلم ومستودع التوفيق،
    و
    فتحنا
    بدعوتك القلوب الغلف والعيون العني والآذان الصمّ، وأسمعنا رسالتك الثقلين.

    فتحنا
    لك فتدفّق العلم النافع من لسانك، وفاض الهدى المبارك من قلبك، وسحّ الجود من يمينك.
    و
    فتحنا
    لك فحزت الغنائم وقسمتها، وجمعت الأرزاق ووزعتها، وحصلت على الأموال وأنفقتها.
    و
    فتحنا
    لك باب العلم وأنت الأميّ الذي ما قرأ وكتب، فصار العلماء ينهلون من بحار علمك.
    و
    فتحنا
    عليك الخير فوصلت القريب وأعطيت البعيد، وأشبعت الجائع وكسوت العاري، وواسيت المسكين، وأغنيت الفقير، بفضلنا ورزقنا وكرمنا.
    و
    فتحنا
    لك القلاع والمدن والقرى، فهيمن دينك، وارتفعت رايتك، وانتصرت دولتك،
    فأنت
    مفتوح
    عليك في كل خير وبرّ وإحسان ونصر وتوفيق.




    تـــــــــــــــــــابع
    /\

    /\
    /\









    ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت



    منتديات البشارة الإسلامية

  3. #23
    مراقبة الأقسام الإسلامية
    الصورة الرمزية دانة
    دانة غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 1208
    تاريخ التسجيل : 8 - 8 - 2009
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,929
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 43
    الاهتمام : القراءه
    معدل تقييم المستوى : 19

    افتراضي



    {فاعلم أنه لا إله إلا الله}



    {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}
    محمد 19،
    فلا تشرك معه في عبوديته أحدا، ولا تعد من دونه إلها آخر،
    بل تصرف له عبادتك، وتخلص له طاعتك، وتوحّد قصدك له ومسألتك ودعاءك،
    فإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، فلا يستحق العبادة إلا هو، ولا يكشف الضرّ غيره، ولا يجيب دعوة المضطر سواه.

    {
    فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
    }
    فهو أحق من شُكر وأعظم من ذكر، وأرأف من ملك، وأجود من أعطى، وأحلم من قدر،
    وأقوى من أخذ، وأجلّ من قصد، وأكرم من ابتغي،
    فلا يدعى إله سواه، ولا رب يطاع غيره،
    فالواجب أن يُعبد وأن يُوحّد وأن يُخاف وأن يُطاع وأن يُرهب وأن يُخشى وأن يُحب.

    {
    فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
    }
    المتفرد بالجمال والكمال والجلال، خلق الخلق ليعبدوه، وأوجد الإنس والجن ليوحّدوه، وأنشأ البريّة ليطيعوه،
    فمن أطاعه فاز برضوانه، ومن أحبّه نال قربه، ومن خافه أمن عذابه، ومن عظمه أكرمه، ومن عصاه أدّبه، ومن حاربه خذله،
    يذكر من ذكره، ويزيد من شكره، ويذلّ من كفره، له الحكم وإليه ترجعون.












    ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت



    منتديات البشارة الإسلامية

  4. #24
    مراقبة الأقسام الإسلامية
    الصورة الرمزية دانة
    دانة غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 1208
    تاريخ التسجيل : 8 - 8 - 2009
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,929
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 43
    الاهتمام : القراءه
    معدل تقييم المستوى : 19

    افتراضي


    قرأ}


    تبدأ قصة النبوة بكلمة:{اقْرَأْ} يوم نزلت على رسولنا صلى الله عليه وسلم في الغار،
    ومن بداية {
    اقْرَأْ
    } بدأنا، بدأ تاريخنا ومجدنا وحياتنا،
    ومن تاريخ نزول {
    اقْرَأْ
    } بدأت مسيرتنا المقدّسة، وتغيّر بها وجه الأرض وصفحة الأيام ومعالم الدنيا،
    فتلك اللحظة هي أسعد لحظة في حياتنا نحن المسلمين، وهي اللحظة الفاصلة بين الظلام والنور، والكفر والإيمان، والجهل والعلم،
    واختيار
    اقرأ
    من بين قاموس الألفاظ وديوان اللغة له سر عجيب ونبأ غريب،
    فلم يكن مكان {
    اقْرَأْ
    } غيرها من الكلمات،
    لا " اكتب"، ولا "ادع" ولا "تكلم" ولا "قل"، ولا "اخطب".... إنما {ا
    قْرَأْ

    ويا لها من كلمة جليلة جميلة أصيلة.

    اقرأ يا محمد قبل أن تدعو، واطلب العلم قبل أن تعمل :
    {
    فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ
    }
    محمد 19.

    إن {
    اقْرَأْ
    } منهج حياة، ورسالة حية لكل حيّ تطالبه بتحصيل العلم النافع وطلب المعرفة، وأن يطرد الجهل عن نفسه وأمته.

    وأين
    يقرأ
    بأبي وأمي وما تعلّم على شيخ ولا درس كتابا ولا حمل قلما؟

    يقرأ
    أولا باسم ربه كلام ربّه،
    فمصدره الأول الوحي يتلوه غضّا طريا، ويقرأ في كتاب الكون المفتوح ليرى أسطر الحكمة تخطها أقلام القدرة،
    ف
    يقرأ
    في الشمس الساطعة، والنجوم اللامعة، والجدول والغدير، والتل والرابية، والحديقة والصحراء، والأرض والسماء:

    وكلمة {ا
    قْرَأْ
    } تدلك على فضل العلم وعلوّ مكانته، وأنه أول منازل الشرف الرافعة.
    وإن كل سعادة وفلاح سببها العلم، فرسالته صلى الله عليه وسلم علميّة عمليّة، لأنه بعث بالعلم النافع والعمل الصالح :
    "
    مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث
    "
    أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه.

    فاليهود عندهم علم بلا عمل، فغضب عليهم، والنصارى لديهم عمل بلا علم فضلوا،
    فأمرنا بالاستعاذة من سبيل الطائفتين :
    {
    غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ
    (7) }
    الفاتحة.













    ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت



    منتديات البشارة الإسلامية

  5. #25
    مراقبة الأقسام الإسلامية
    الصورة الرمزية دانة
    دانة غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 1208
    تاريخ التسجيل : 8 - 8 - 2009
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,929
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 43
    الاهتمام : القراءه
    معدل تقييم المستوى : 19

    افتراضي



    الرسول صلى الله عليه وسلم باكيا


    البكاء فضيلة عند رؤية التقصير أو خوف سوء المصير، وهو محمدة إذا تذكّر العبد ربه وخاف ذنوبه،
    ودليل على تقوى القلب وسمّو النفس وطهر الضمير ورقّة العاطفة،

    مدح الله رسله بالبكاء فقال:
    {
    إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً
    (58)}
    مريم.

    ووصف أولياءه الصالحين بأنهم :
    {
    وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً
    (109) }
    الإسراء.

    ولام أعداءه على القسوة والغلظة فقال:
    {
    أفمن هذا الحديث تعجبون* وتضحكون ولا تبكون
    }.


    وأثنى على قوم فقال:
    {
    وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ
    }
    المائدة 83.


    فهو يبكي صلى الله عليه وسلم عند تلاوة القرآن، فقد قام ليلة من الليالي يكرر قوله تعالى:
    {
    إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
    (118) }
    المائدة،
    فيبكي غالب ليله.

    وهو يبكي عند سماع القرآن، فقد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن مسعود:
    "
    اقرأ عليّ القرآن
    "، قال: كيف أقرؤه عليك وعليك أُنزل؟
    قال:"
    اقرأ فإني أحبّ أن أسمعه من غيري
    "
    فيقرأ ابن مسعود من أول سورة النساء، حتى بلغ:
    {
    فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً
    (41)}
    النساء.

    قال:" حسبك الآن"
    فنظرت فإذا عيناه تذرفان.
    أخرجه البخاري ومسلم عن عبدالله بن مسعود.

    ويخبر صلى الله عليه وسلم بفضل البكاء من
    خشية الله
    ،
    فيذكر السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:
    "...
    ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه
    "
    اخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.


    وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
    "
    عينان لا تمسّهما النار أبدا: عين بكت وجلا من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله
    "
    أخرجه الترمذي والبيهقي عن ابن عباس.

    فالبكاء السنّي الشرعي ما كان من خوف الله عز وجل، وتذكّر القدوم عليه والوقوف بين يديه والتفكير في آياته الشرعية والكونية.
    والبكاء من
    الوفاء
    ، ومن أفضل أعمال الأولياء، خاصة إذا كان ندما من معصية وعند فوت طاعة،
    ووجلا من
    عذاب، ورحمة لمصاب، ورقة عند موعظة
    ،
    وخشية عند
    تفكّر
    .
    ولا يحمد البكاء على الدنيا، فهي أقل وأرخص من يُبكى عليها، فليست أهلا لذلك.

    فكان
    بكاؤه
    صلى الله عليه وسلم أجلّ وأفضل البكاء،
    وهو ما دلّ على يقين وعظمة خوف وشدة رهبة من الجليل، وصدق معرفة وحسن علم بعاقبة،
    فأعماله صلى الله عليه وسلم كلها في أرقى مقامات الأعمال وأسمى غايات الأحوال.

    ولم يكن صلى الله عليه وسلم ب
    الهلوع الجزوع
    الذي يأسف على فوات الحظوظ الدنيوية ويجزعلى ذهاب المكاسب الدنيّة،
    ولم يكن ب
    الفرح البطر القاسي الذي لا تؤثر فيه المواقف ولا تحرّكه الأزمات، بل كان بكاؤه وندمه وأسفه في مرضاة ربه
    .
    وكان
    تبسّمه وضحكه وسروره
    في طاعة خالقه،
    ففي كل خصلة من خصال النبل وفي كل صفة من صفات الفضل هو المثل الأعلى والقدوة الحسنة:
    {
    لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
    }
    الأحزاب 21.


    يبكي من قلب ملؤه
    الخوف من الله ، ومن نفس عمَرها حب الله
    ،
    فتكاد
    دموعه تتحدث للناس، ويكاد يكون بكاؤه
    أبلغ من كل موعظة وأفصح من كل كلمة.












    ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت



    منتديات البشارة الإسلامية

  6. #26
    مراقبة الأقسام الإسلامية
    الصورة الرمزية دانة
    دانة غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 1208
    تاريخ التسجيل : 8 - 8 - 2009
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,929
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 43
    الاهتمام : القراءه
    معدل تقييم المستوى : 19

    افتراضي


    الرسول صلى الله عليه وسلم ضاحكا


    الضحك المعتدل بلسم للروح ودواء للنفس وراحة للخاطر المكدود وبعد الجد والعمل،
    والمقتصد منه دليل على الأريحية، وآية على اعتدال المزاج، وعلامة على صفاء الطويّة.

    وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم مع أهله إذا دخل عليهم ضحاكا بساما
    يمازح زوجاته و يلاطفهن ويؤنسهن ويحادثهن حديث الود والحب والحنان والعطف؛
    لأنه بُعث رحمة للعالمين، وأحق الناس بهذه الرحمة أهله وقرابته وأحبابه وأصحابه.
    وكانت تعلو محيّاه الطاهر البسمة المشرقة الموحية،

    فإذا قابل بها الناس أسر قلوبهم أسرا فمالت نفوسهم بالكلية إليه وتهافتت أرواحهم عليه،
    يبتسم عن مثل البرد في وجه أبهى من الشمس، وجبين أزهى من البدر، وفم أطهر من الأقحوان، وخلق أندى من الرياض، وودّ أرق من النسيم،

    يمزح ولا يقول إلا حقا ،
    فيكون مزحه على أرواح أصحابه أهنى من قطرات الماء على كبد الصادي وألطف من يد الوالد الحاني على رأس ابنه الوديع،
    يمازحهم فتنشط أرواحهم وتنشرح صدورهم وتنطلق أسارير وجوههم،
    فلا والله ما يريدون الدنيا كلها في جلسة واحدة من جلساته،
    ولا والله لا يرغبون في القناطير المقنطرة من الذهب والفضة في كلمة حانية وادعة مشرقة من كلماته.



    يقول جرير بن عبدالله البجلي:
    ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسّم في وجهي،
    وجرير يفتخر بهذا العطاء ويعلن هذا السخاء، فهذه البسمة الوارفة الدافئة الصادقة أجلّ عند جرير من كل الذكريات وأسمى من كل الأمنيات.



    والرسول صلى الله عليه وسلم في ضحكه ومزاحه ودعابته وسط بين من جفّ خلقه ويبس طبعه وتجهّم محيّاه وعبس وجهه،
    وبين من أكثر من الضحك واستهتر في المزاح وأدمن الدعابة والخفة،
    فكان صلى الله عليه وسلم يضحك في مناسبات حتى تبدو نواجذه ،
    ولكنه لم يستغرق في الضحك حتى يهتز جسمه أو يتمايل أو تبدو لهواته ، وهي أقصى الحق.




    وقد صحّ عنه أنه قال:
    " وإيّاك والضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب"
    أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه




    ويروى أن عجوزا أتته صلى الله عليه وسلم تطلب منه أن يدعو لها بدخول الجنة، فقال:
    " لا يدخل الجنة عجوز"
    فولّت تبكي، فدعاها وقال:
    " أما سمعت قول الله سبحانه:
    { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً (36) عُرُباً أَتْرَاباً (37)}
    الواقعة.
    أخرجه الطبراني




    بل كان ضحكه طاعة لربه تعالى، وفيه من مقاصد الإقتداء والأسوة ما يفوق الوصف، ولم يكن ضحكه عبثا أو لهوا أو تزجية للوقت وقتلا للزمن.




    يركب صلى الله عليه وسلم راحلته مسافرا فيدعو بدعاء السفر ثم يقول:
    " اللهم اغفر لي ذنبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"
    ثم يضحك صلى الله عليه وسلم، فيسأله أصحابه: لم ضحكت يا رسول الله؟ فقال:
    " يضحك ربك إذا قال العبد: اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنا".
    أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي عن علي رضي الله عنه.




    ويتلو صلى الله عليه وسلم قصة الرجل الذي هو آخر من يدخل الجنة ويخرج من النار،
    ويسأل ربه شيئا فشيئا حتى يعطيه الله عشرة أمثال ما تمنّى، فيقول الرجل:
    أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟
    فيضحك صلى الله عليه وسلم عند ذلك.




    فمن هديه صلى الله عليه وسلم الذي هداه الله إليه ودلّه عليه أنه يعطي كل مقام حقه حتى لا يصلح في ذلك المقام إلا ما فعله صلى الله عليه وسلم،
    ففي وقت الأنس والفرح والسرور مزاح مقتصد ودعابة وقورة ومرح معتدل،
    وفي وقت الموعظة والخوف والتذكر بكاء في خشية ورهبة في ذكرى وتأثر في سكون،
    فمزاحه تأليف للقلوب ، ودعابته أنس للأرواح ، وضحكه بلسم للنفوس ،
    بل كل مزحة مكتوبة في دواوين الحديث على أنها سنة ،
    وكل دعابة نقلها الرواة على أنها أثر وخلق من أخلاقه الشريفة،
    فسبحان من رفع قدره حتى صار ضحكه يحفظ في بطون الأسفار كأنه أعجب قصة من قصص العبر والعظات،
    وتبارك من شرّف منزلته حتى جعل مزحه يرويه الثقات عن الثقات كأنه فريضة قائمة،
    فصلى الله عليه وعلى أصحابه وآله ما تنفس صباح وعسعس ليل.












    ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت



    منتديات البشارة الإسلامية

  7. #27
    مراقبة الأقسام الإسلامية
    الصورة الرمزية دانة
    دانة غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 1208
    تاريخ التسجيل : 8 - 8 - 2009
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,929
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 43
    الاهتمام : القراءه
    معدل تقييم المستوى : 19

    افتراضي



    الرسول صلى الله عليه وسلم شجاعا


    الرسول صلى الله عليه وسلم أشجع
    الناس قلبا، ويكفي شجاعته مثلا أنه ما فرّ من معركة قط، وما تأخر عن القتال، وما نكص عند النزال،
    بل كان إذا حمي الوطيس وقامت الحرب على ساق واحمرّت الحدق وتطايرت الرؤوس على أطراف السيوف وتكسّرت الرماح على الجماجم،
    حينها تجد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم
    ثابت الجأش ساكن
    النفس،
    عنده من
    الطمأنينة والثقة بربّه
    ما يكفي أمة وما يفيض على جيش.

    أما كان في الغار مع
    أبي بكر الصديق
    وقد أحاط بالغار كفار قريش معهم السيوف المصلتة والقلوب الحاقدة يريدون روحه صلى الله عليه وسلم بأي ثمن،
    وهو أعزل من السلاح... فلما رأى تخوف أبي بكر عليه قال:
    "
    يا أبا بكر، ما ظنّك باثنين الله ثالثهما
    "
    أخرجه البخاري [ 3653، 4663] ومسلم 2381 عن أبي بكر رضي الله عنه.


    وهذا غاية الثبات ونهاية الشجاعة.

    ويفرّ المسلمون في حنين
    ولا يبقى إلا ستة من الصحابة،
    فيتقدم صلى الله عليه وسلم على بغلته الى جيش الكفار المدجج بالسلاح الكثير العدد القوي البأس،
    فيرميهم بحفنة تراب بيده ويقول:
    "
    شاهت الوجوه
    "
    أخرجه مسلم 1777 عن سلمة بن عمرو بن الأكوع رضي الله عنه.











    ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت



    منتديات البشارة الإسلامية

  8. #28
    مراقبة الأقسام الإسلامية
    الصورة الرمزية دانة
    دانة غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 1208
    تاريخ التسجيل : 8 - 8 - 2009
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,929
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 43
    الاهتمام : القراءه
    معدل تقييم المستوى : 19

    افتراضي



    الرسول صلى الله عليه وسلم ممدوحا


    فذو العرش محمود وهذا محمد:

    {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً
    (79) }
    الإسراء.

    الشمس من حساده والنصر من
    قرنائه والحمد من أسمائه

    أين الثلاثة من ثلاث خلاله
    من حسنه وإبائه ومضائه

    مضت الدهور وما أتين بمثله
    ولقد أتى فعجزن عن نظرائه


    محمد بن عبدالله
    .. هذا الاسم الأعلم، إذا ذكر ذكرت معه الفضيلة في أجمل صورها،
    وذكر معه الطهر في أرقى مشاهده، وذكر معه العدل في أسمى معانيه.

    محمد بن عبدالله
    .. اسم كتب بحروف من نور في قلوب الموحّدين،
    فلو شققت كل قلب لرأيته محفورا في النياط مكتوبا في السويداء، مرسوما في العروق.

    والله لو شقّ قلبي في الهوى قطعا
    وأبصر اللحظ رسما في سويداه

    لكنت أنت الذي في لوحه كتبت
    ذكراه أو رسمت بالحب سيماه


    محمد صاحب الغرة والتبجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيد بجبريل
    ..
    حامل لواء العز في بني لؤين وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي.

    بشّرت به
    الرسل، وأخبرت به الكتب، وحفلت باسمه التواريخ، وتشرّفت به النوادي
    ،
    وتضوعت بذكره
    المجامع، وصدحت بذكراه المنائر، ولجلجت بحديثه المنابر
    .


    عصم من الضلالة والغواية:
    {
    مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى
    (2) } النجم،
    وحفظ من الهوى:
    {
    وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى
    (3)} النجم...


    فكلامه شريعة، ولفظه دين، وسنته وحي :
    {
    إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى
    (4)}النجم..


    سجاياه طاهرة، وطبيعته فاضلة، وخصاله نبيلة، ومواقفه جليلة :
    {
    إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ
    (79) }النمل.


    تواضعه جمّ، وجوده عمّ، ونوره تمّ، فهو مرضي الفعال، صادق الأقوال، شريف الخصال :
    {
    وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
    (4) } القلم.


    ليّن الجانب، سهل الخليقة، يسير الطبع :
    {
    فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ
    }
    آل عمران 159.


    ظاهر العناية، ملحوظ بعين الرعاية، منصور الراية، موفق محظوظ، مظفّر مفتوح عليه :
    {
    إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً
    (1) } الفتح.


    أصلح الله قلبه، وأنار له دربه، وغفر له ذنبه :
    {
    لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ
    } الفتح 2.


    فهو المصلح الذي عمر الله به القلوب، وأسعد به الشعوب، وأعتق به الرقاب من عبودية الطاغوت، وحرّر به الإنسان من رقّ الوثنية :
    {
    وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
    (52)} الشورى.


    وهو الذي أعفى البشرية من التكاليف الشاقة، وأراحها من المصاعب، وأبعدها من المعاطب،
    وسهل لها بإذن الله أمر الحياة، وبصّرها بسنن الفطرة :
    {
    وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ
    } الأعراف 157.


    فهو رحمة للإنسان، إذا علّمه الرحمن، وسكب في قلبه نور الإيمان، ودلّه على طريق الجنان..
    وهو
    رحمة
    للشيخ الكبير، إذ سهّل له العبادة، وأرشده لحسن الخاتمة، وأيقظه لتدارك العمر واغتنام بقية الأيام..
    وهو
    رحمة
    للشاب إذ هداه إلى أجمل أعمال الفتوة وأكمل خصال الصبا، فوجّه طاقته لأنبل السجايا وأجلّ الأخلاق..
    وهو
    رحمة
    للطفل، إذ سقاه مع لبن أمه دين الفطرة، وأسمعه ساعة المولد أذان التوحيد، وألبسه في عهد الطفولة حلة الإيمان..
    وهو
    رحمة
    للمرأة، إذ أنصفها في عالم الظلم، وحفظ حقها في دنيا الجور،
    وصان جانبها في مهرجان الحياة، وحفظ لها عفافها وشرفها ومستقبلها، فعاش أبا للمرأة وزوجا وأخا ومربيا..
    وهو صلى الله عليه وسلم
    رحمة
    للولاة والحكام،
    إذ وضع لهم ميزان العدالة، وحذّرهم من متالف الجور والتعسف، وحدّ لهم حدود التبجيل والاحترام والطاعة في طاعة الله ورسوله..
    وهو
    رحمة
    للرعية، إذ وقف مدافعا عن حقوقها محرما الحيف ناهيا عن السلب والنهب والسفك والابتزاز والاضطهاد والاستبداد.
    إذا فهو
    رحمة
    للجميع ونعمة على الكل:
    {
    وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
    (107)} الأنبياء.


    وكان إذا تكلم عبر كلامه حدود النفس وتجاوز أقطار الروح،
    فغاص حديثه في أعماق الأفئدة، ونقش لفظه في صفحة الذاكرة، وخطّ على سويداء القلوب.
    وكان إذا
    ضحك
    ملأ المكان أنسا، وأتحف الحضور بشرا، وعبّأ جلاسه سعادة وحفاوة.
    وكان إذا
    بكى
    خشع لبكائه الناس، وذرفت كل عين مخزونها، وأخرجت كل نفس مكنوناتها،
    فكأن نذر القيامة على الأبواب، وكأن رسل الموت وقوف على الرؤوس، فلا ترى إلا دموعا وخشوعا وخضوعا وإطراقا:
    {
    أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ
    (60)} النجم.

    بادٍ هواك صبرت أن لم تصبر
    وبكاك إذا لم يجر دمعك أو جرى


    وكان إذا خطب هز المنابر، وأيقظ الضمائر، وحرّك السرائر، وألهب السامعين، وأذهل المخاطبين، فلو أن للصخر عينا لبكت، ولو أن للجدار نفسا لخشعت، ولو أن للأيام أذنا لأنصتت.

    ليت للدهر مقلة فلعل الذكر
    يبكيه مثلما أبكاني

    بحديث يغوص في القلب غوصا
    وعليه جلالة من معان


    وكان إذا قاتل ثبت ثبوت الرجال، وتقدّم تقدّم السيل، وصمد صمود الحق :
    {
    فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ
    } النساء 84.

    فكان لا يعرف الفرار، ولا يسمع بالهزيمة ولا يستسلم للإحباط، محيّاه
    باسم
    والغبار يملأ المكان،
    وقلبه
    مطمئن والرؤوس تعاف الأبدا، ونفسه ساكنة
    والنفوس شذر مذر على رؤوس الرماح،
    وطلعته
    ضاحكة
    والسيوف تخطّ بالدماء حروف الموت :
    {
    وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
    }
    آل عمران 144.

    وقفت وما في الموت شكّ لواقف
    كأنّك في جفن الردى وهو نائم

    تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة
    ووجهك وضّاح وثغرك باسم


    وكان إذا جاد بلغ المدى في السخاء، وفعل ما لم تفعله الأنواء،
    يعطي
    عطاء من لا يخشى الفقر،
    ويهب
    هبة من أرخص الدنيا وزهد في الحطام وعاف البقاء ورجا من الله الخلف..
    يداه
    غمامة أينما هلّت، وكفّه مدرارا
    أينما وقع نفع،
    جاد بمهجته فعرّضها للمنايا في سبيل الله، وقدّمها لشفرات السيوف لرفع لا إله إلا الله،
    فما
    شجاعته إلا آية لجوده، وما إقدامه
    إلا برهان على سخائه:

    أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة
    أدّبت في هول الردى أبطالها

    وإذا وعدت وفيت فيما قلته
    لا من يكذّب قوله أفعالها


    يعطي ما يملك في ساعة، ويهدي
    ما عنده في لحظة،
    هانت
    عليه الدنيا فمنح أجلاف العرب مئات الإبل،
    ورخصت
    عنده الأموال فجاد بالغنائم على مسلمي الفتح:
    "
    والذي نفسي بيده، لو أن لي بعدد عضاة تهامة مالا لأنفقته ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا
    "
    مالك في الموطأ 977.

    ما قال "لا" إلا في التشهد
    وما ترك "نعم" إلا عند المناهي



    سئل قميصه فخلعه وأعطاه،
    وجاد بقوته
    فعصب بطنه
    على حرّ الجوع وبلواه ..
    جود حاتم
    للصيت والسمعة والرياء،
    وجود خاتم
    الأنبياء لمرضاة رب الأرض والسماء.

    أنفق من فاقة، وأعطى من فقر، وآثر من حاجة، ووصل مع العوز.

    وكان إذا عفا على الجاني أسر
    ه بإحسانه، فلا يعاتبه ولا يطالبه ..
    ينسى الإساءة ويدفن الزلة ويمحو بحلمه لذنب، ويغطي
    بصفحه الجرم :
    {
    فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ
    (85)} الحجر.

    قاتله قومه ونازلوه، فآذوه وسبّوه وشتموه، وطردوه وحاربوه وجرحوه،
    فلما انتصر عفا وصفح، وحلم وسمح، وصاح في الدهر صيحته المشهورة وكلمته العامرة:
    "
    اذهبوا فأنتم الطلقاء
    ".


    أنشودة أخلاقه:
    "
    إن الله أمرني أن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني
    ".
    أخرجه رزين أنظر المشكاة 5358 وتفسير القرطبي 7\346.

    كل خلق كريم في القرآن فهو مترجم في سيرة هذا الإنسان،
    ولذلك قالت عائشة عنه صلى الله عليه وسلم:
    كان خلقه القرآن.


    وكان إذا وعد وفى،
    فلم يحفظ عنه أعداؤه خلفا لوعد، ولا خيانة لعهد، مع حرصهم الشديد على الظفر بعثرة له أو زلّة،
    ولكن هيهات،
    عاش عمره كله سلماً وحربا ورضىً وغضباً وحلاً وترحالاً،
    عاش حالة واحدة من الصدق والأمانة،
    فهل الصدق إلا ما كان عليه؟ وهل الأمانة إلا منه وإليه؟


    لقد وعده رجل في مكان، فانتظر صلى الله عليه وسلم في ذلك المكان ثلاثة أيام، ليفي بوعده.
    لقد عاهد المشركين واليهود وهم أشد الناس عداوة له،
    فما خان
    ولا خلف بالعهد، ولا نقض لميثاق.
    وحق له أن يكون
    أوفى الناس بوعده وأصدقهم
    في عهده،
    وهو الذي جاء بشريعة
    الصدق والوفاء
    ، وحذّر من الخيانة ونقض الميثاق، أليس هو القائل:
    "
    آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان
    "
    أخرجه البخاري [ 33، 2682] ومسلم 59 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    وهو الذي نزلت عليه:
    {
    وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً
    (34) }،
    وقوله:{
    الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ
    (20)}
    الرعد.

    وإذا أخذت العهد أو أعطيته
    فجميع عهدك ذمّة ووفاء



    تــــــابــــــــــــــــ ــــــــــــع








    ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت



    منتديات البشارة الإسلامية

  9. #29
    مراقبة الأقسام الإسلامية
    الصورة الرمزية دانة
    دانة غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 1208
    تاريخ التسجيل : 8 - 8 - 2009
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,929
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 43
    الاهتمام : القراءه
    معدل تقييم المستوى : 19

    افتراضي



    محمد صلى الله عليه وسلم خطيبا


    {وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً
    }
    63 النساء.

    ولسانٌ صيرفيٌّ صارم
    كذباب السيف ما مسّ قطع

    منطق كالفجر أو كالغيث ما
    شانه عيب كنورٍ قد سطع


    طالع دفتر بيانه عليه الصلاة والسلام، وتأمّل
    ديوان فصاحته،
    كلام لعمري
    يأخذ بالقلوب، وحديث والله يأسر
    الأرواح،
    صحة مخارج وإشراق عبارة وحسن ديباجة، وانتقاء ألفاظ، ورصانة
    جمل،
    حتى كأنّ حديثه
    روض فوّاح، أو حديقة غنّاء باكرها الغيث وصحبتها الصبا، وداعبها النسيم
    ،
    وقد آتاه
    الإعجاز في إيجاز، والبلاغة
    في اختصار، وقد أخبر بذلك فقال:

    " فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ :
    أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ
    وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ
    "
    أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له عن أبي هريرة،
    وفي رواية:"
    واختصر لي الكلام اختصارا
    ".
    أخرجه البيهقي في الشعب عن عمر رضي الله عنه وانظر كشف الخفاء .

    ولكن إن تنظر فيما صحّ عنه من أحاديث قولية، وهي ما يقارب العشرة آلاف حديث،
    فإذا هي شملت كل فصول
    الحياة وأبواب الآخرة وأخبار الماضي ومعجزات المستقبل
    ،
    وإن شئت أن تعرف
    سموّ كلامه صلى الله عليه وسلم وجزالة لفظه وقوة عبارته ونصاعة
    بيانه ،
    فقارنه بكلام غيره من البشر مهما عظمت فصاحته.
    ولو دخلت ناديا به لوحات من الكلمات الخالدة والعبارات المؤثرة لخطباء العالم وشعراء الدنيا ونوابغ الدهر،
    ثم نظرت الى كلامه صلى الله عليه وسلم لرأيت كلامه
    ناسخا
    لمحاسن كلام غيره،
    حتى كأنه ما أعجبك قبل كلامه كلام، ولا هزك قبل حديثه حديث،
    بل إنّك لتجد الرجل العامي الذي
    ما تمرّس على ضروب الكلام ولا ميّز
    بين مختلف الكلام،
    يجد للفظ الرسول صلى الله عليه وسلم
    وقعا خاصا ومذاقا
    آخر.


    يريد عليه الصلاة والسلام أن يوصي معاذ بن جبل وصية جامعة مانعة شافية كافية،
    فيأتي بعبارة موجزة
    مليئة بالفوائد، حافلة بالشوارد، بديعة المنزع، مشرقة
    الديباجة، فيقول:

    " اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ"
    أخرجه أحمد والترمذي والدارمي


    ولو أن بليغا أراد أن يقول مثلها لأسهب في الوصية وأطال في النصح،
    فإما أن يجعل المعنى على حساب اللفظ فيبسط القول ويختزل المعنى،
    أو أن يجعل اللفظ على حساب المعنى فيوجز الحديث ويشير الى المعنى إشارة.


    سأله صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر عن النجاة ما هي؟
    فلا
    يتلعثم ولا يتعثر ولا يفكر
    ، إنما ينطلق فمه الشريف بجملة راشدة واعية موحية فيقول:

    " كفّ عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك"
    أخرجه أحمد والترمذي وابن أبي عاصم في الزهد وصححه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.

    فانظر لحسن التقسيم الثلاثي البديع، مع استيفاء المعنى واختصار اللفظ دون تحضير سابق ولا إعداد متقدم؛
    لأن السائل واقف يريد الجواب، مستعجل يبتغي النصح.


    ويركب صلى الله عليه وسلم راحلته ومعه
    ابن عباس
    رضي الله عنهما، فيوصيه صلى الله عليه وسلم بوصية حضرته في الحال،
    فيخرجها في حلة من البيان تأسر الألباب، ويضعها في طبق من الفصاحة يكاد يذهب ضوؤه بالأبصار، يقول:

    " يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ".
    أخرجه أحمد والترمذي والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما وانظر المشكاة

    والآن أضعك أمام هذا النص الراقي من البيان، وأحاكمك الى عقلك:
    هل رأيت في كلام البشر كهذا الكلام؟
    حسن فواصل وعذوبة لفظ، وقوة معان، وأسر خطاب!

    فقوله:" احفظ الله يحفظك" من الجمل المحفورة في ذاكرة البيان، والتي يسجد لها العقل السويّ في محراب الفصاحة،
    فإنها جمعت
    الوصايا في وصية، واختصرت العظات
    في عظة،
    فلو كان غيره صلى الله عليه وسلم المتحدث لقال:
    احفظ الله بأداء أوامره يحفظك بنعمه، واحفظ الله بترك نواهيه يحفظك من عقابه، واحفظ الله في شبابك يحفظك في هرمك..
    إلى آخر تلك المقابلات،
    وإلى قائمة طويلة من المقدمات والنتائج والبدايات والخواتم، ولكنه قال:
    "
    احفظ الله يحفظك" فلا أبدع ولا أروع ولا أوجز ولا أعجز
    من هذا الكلام الباهي الزاهي:

    كأنه الروض حيّته الصّبا سحرا
    وزاره الغيث فازدانت خمائله


    ثم اقرأ الحديث جملة جملة، وقف إن كنت ذا ذائقة للبيان وذا دربة على سحر الخطاب:

    إذا تغلغل فكر المرء في طرف
    من حسنه غرقت فيه خمائله


    وخذ أي حديث من أحاديثه العطرة الزكية،
    هل ترى فيها عوجا من
    الركاكة، أو أمتا من التكلف
    ؟
    بل رقة في
    فخامة، وسهولة في إشراق، وأصالة في عمق
    ،
    فسبحان من أجرى الحديث على لسانه سلسا متدفقا أخاذا.


    ويقول صلى الله عليه وسلم:
    "
    إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،
    وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ،
    وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ
    "
    أخرجه البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

    فيكفي ويشفي ويفي المقصود،
    ويستولي على المعاني ويطوي مسافات من الأحكام والعقائد والآداب والأخلاق في جملتين زاهيتين جامعتين،
    فتصبح قاعدة للعلماء ومثلا للحكماء وكلمة شاردة للأدباء.


    وخذ مثلا كلامه على البديهة والفجاءة:
    يدخل طفل من الأنصار له طائر يلعب به فمات فيقول :
    "
    يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ
    "
    أخرجه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
    انظر الى تقابل العبارة وحسن السجعة وموازنة الجملتين، لا وكس ولا شطط.


    ويقول في حنين على وجه العجلة:
    " أنا النبي لا كذب
    أنا ابن عبدالمطلب
    "

    أخرجه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه.


    فلو أن علماء الكلام وأساطين البيان أرادوا هذا الكلام على عجلة من أمرهم لما تأتّى لهم.
    ولا غرابة ان يكون صلى الله عليه وسلم أفصح الناس ،
    فإن
    معجزته الكبرى وآيته العظمى هو القرآن الذي أدهش الفصحاء وأفحم الشعراء وأذهل
    العرب العرباء،
    فلا بد أن يكون هذا النبي الموحى إليه بدرجة سامية من البيان
    الخلاب الجذاب الذي يستولي على الألباب
    .




    تـــــــابـع







    ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت



    منتديات البشارة الإسلامية

  10. #30
    مراقبة الأقسام الإسلامية
    الصورة الرمزية دانة
    دانة غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 1208
    تاريخ التسجيل : 8 - 8 - 2009
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,929
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 43
    الاهتمام : القراءه
    معدل تقييم المستوى : 19

    افتراضي


    محمد صلى الله عليه وسلم مفتيا:



    {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ}
    النساء 127.

    يطاوعه اللفظ العصيّ إذا قضى
    ويسعفه الرأي الأصيل إذا جرى

    إذا ظنّ ظنّاً قلت صبحٌ مؤلقٌ
    كأنه صريح البرق من ظنّه سرى

    كان عليه الصلاة والسلام مؤيدا من ربه في علم الفتيا،
    فقد فتح الله عليه أبواب المعرفة وكنوز الفهم،
    فكان عنده جواب لكل سائل على حسب حاله وما يصلح له وما ينفعه في دنياه وأخراه.
    كان الجواب ثوبا مفصلا على السائل يفصّله تماما على الذي أحسن،
    مع جمال الأداء وبهاء الإلقاء ومتعة التلقي منه،
    فكأنه قرأ حياة السائل قبل أن ياتيه،
    وألمّ بدخائله ومذاهبه قبل أن يستفتيه،
    وما ذاك إلا لقوّة أنوار النبوّة وبركة الوحي وأثر التوفيق والفتح الرباني.

    يسأله شيخ كبير أدركه الهرم وأضناه الكبر عن عمل يداوم عليه،
    فأفتاه بعمل يسير يناسب حاله على أفضل عمل وأسهل عبادة وأيسر طاعة، في لفظ وجيز،
    ولكان غيره لربما أوصى الرجل بالاجتهاد في الطاعة واغتنام آخر العمر بالجدّ في العبادة مع إغفال ضعفه وإهمال شيخوخته.
    وانظر ما أجمل كلمة:
    " لَا يَزَالُ لِسَانُك رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ"
    أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه

    وما فيها من حسن تصوير وبراعة عرض وطلاوة عبارة تهيج السامع على هذا العمل الجليل.


    وجاءه غيلان الثقفي، وكان قوي البنية ضخم الأعضاء صلب الجسم، فسأله عن عمل يتقرب به الى الله تعالى، فقال:
    " عليك بالجهاد في سبيل الله"
    (لم يجد تخريجه)،

    فانظر لحسن اختياره للعمل وملاحظته استعداد الرجل وما يصلح له ويناسب حاله، فيا لها من فطنة باهرة وحكمة عامرة.

    وسأله أبو ذر ـ وكان غضوبا حادّ الطباع ـ أن يوصيه فقال:
    " لا تغضب" ثلاثا،
    أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.

    فكان هذا دواءه وعلاج حالته وبلسم حاله الذي لا يصرف إلا من صيدلية النبوة المباركة.
    وصارت هذه الكلمة قاعدة من قواعد الدين وأصلا من أصول الشريعة.


    ويرى أبا موسى الأشعري يصعد جبلا فيقول له:
    " عليك بلا حول ولا قوّة إِلا باللّه ، فإنها كنز من كنوز الجنة"
    أخرجه البخاري ومسلم
    فهذه الكلمة تناسب صعود الجبال وحمل الأثقال، لأن فيها البراءة من قوة العبد وحوله وطلب المعونة من الله والمدد،
    فما أحسن الاختيار في هذا الإرشاد مع مراعاة مقتضى المقام.


    ويرى صلى الله عليه وسلم ضعف أبي ذر وقلة تحمّله فيأمره باجتناب الإمارة، لأنه ضعيف، وهي أمانة وخزي وندامة يوم القيامة،
    لأن مثل أبي ذر له أبواب في الخير يجيدها غير باب الولاية،
    فانظر لفطنته صلى الله عليه وسلم ومعرفته بمواهب الناس :
    {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) } النجم.


    ويقول صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه الى اليمن:
    " إنك تأتي أقواما أهل كتاب"
    أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
    وذلك لينبّه معاذا الى معرفة أقدار المخاطبين، والاطلاع على أحوالهم ليقول لهم ما يناسبهم.
    ويوصي معاذا ـ وهو رديفه على حمار ـ بحق الله على العبيد وحق العبيد على الله؛
    لأن معاذا عالم داعية تناسبه هذه الوصية الكبرى، وسوف يبلغها للأمة،
    لأنه في مكان التوجيه والإرشاد والنصح،
    وهذا الذي فعله معاذا في حياته. ولو كان أعرابيا لما ناسبه هذا الكلام.


    وجاءه حصين بن عبيد فسأله:
    "كم تعبد؟" قال: سبعة، واحدا في السماء وستة في الأرض، قال:
    " من لرغبك ورهبك؟" قال: الذي في السماء، قال:
    " فاترك التي في الأرض واعبد الذي في السماء" ثم قال له:
    " قل اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شرّ نفسي"
    اخرجه الترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنه
    فهذا الدعاء يناسب حال حصين بن عبيد وما كان فيه من أمر مريج ومن اشتباه حال وشكّ مريب وفوات رشد وبعد صواب،
    فناسب أن يطلب الرشد من ربّه وأن يستعيذ من شرّ نفسه كل بلاء منها.


    وأرشد صلى الله عليه وسلم علي ابن أبي طالب الى أن يقول:
    "اللهم اهدني وسدّدني"
    اخرجه مسلم عن علي رضي الله عنه.
    وهذا يناسب حال علي، فإنه عاش حتى أدرك اختلاف الأمور وظهور الفتن والتباس الحال التي تتطلب الهداية من الله في هذا الجو المظلم،
    وطلب السداد من الحيّ القيوّم عند هذه الواردات والآراء والأهواء.
    فسبحان من ألهم رسوله وفتح على نبيه وأفاض عليه من مكنون الفهم ومخزون الفقه ما فاق الوصف وجلّ عن المدح:

    قطف الرجال القول قبل نباته
    وقطفت أنت القول لمّا نوّرا
    فهو المشيع بالعيون
    وهو المضاعف حسنه إن كرّرا

    وليس كلامه صلى الله عليه وسلم بكلام شعر من الشعراء الذين يهرفون بما لا يعرفون وفي كل واد يهيمون،
    وإنما زخرفهم من خيالاتهم الفاسدة ومن تصوراتهم الكاسدة،
    فأما هو فصانه الله من ذلك، بل كلامه وحي يوحى وشرع يتلى،
    وليس قوله بقول سياسي يسترضي به الملأ وينافق به الجمهور ويروّج به بضاعته المزجاة،
    بل كان صلى الله عليه وسلم نبيّا ربّانيا ورسولا معصوما ينقل عن جبريل عن ربّه حكمة راشدة وملة هادية ودينا قيّما.
    ولم يكن صلى الله عليه وسلم أديبا يغرف من مخزون ثقافته ومن فيض ذاكرته التي جمعها هذا الأديب من نتاج الناس وزبد ثقافات البشر أبناء الطين وسلالة التراب،
    بل كان صلى الله عليه وسلم معلّما معصوما أن يزيغ، محفوظا أن يضلّ، مصانا أن يجازف .









    ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت



    منتديات البشارة الإسلامية

 

صفحة 3 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. كيف ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام مقطع رااائع للشيخ محمد حسان
    بواسطة جمال المر في المنتدى القسم الإسلامي العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 2010-08-12, 09:51 AM
  2. هل يحتاج محمد صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة عليه
    بواسطة لطفي عيساني في المنتدى الرد على الإفتراءات حول السنة النبوية
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 2010-03-18, 01:11 PM
  3. فضل الصلاة علي اشرف خلق الله (محمد صلي الله عليه وسلم)
    بواسطة العبد لله في المنتدى القسم الإسلامي العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 2010-01-02, 01:27 AM
  4. مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 2008-10-31, 12:16 AM
  5. الرد على:أن محمد صلى الله عليه وسلم يحرّم ما أحل الله..
    بواسطة زهراء في المنتدى الرد على الإفتراءات حول السنة النبوية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 2008-05-24, 07:24 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML