هل القرآن يشهد بصحة الكتاب المقدس؟
زميلي المحترم، تحية طيبة، وبعد:

* يقول الله سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، (الحجر: 9). ولفظ الذكر هنا قصد به القرآن قطعا، ولم يقصد به الكتاب المقدس، وهذا للآتي:

1. لفظ (الذكر) مشترك دلالي، والسياق يعين المقصود منه، فلنضع الآية بسياقها: (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُّنظَرِينَ * إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). فالآية تبين سوء أدب الكفار مع رسول الله، إذ يصفونه بالجنون، وقد نادوه: يا أيها الذين نزل عليه الذكر، أي: القرآن، ثم رد الله عليهم، وبين لهم أنه هو الذي أنزل القرآن حقا، وأنه له لحافظ، فلماذا سيخاطب كفار قريش بالتوراة والإنجيل؟!
فبأي حق تفسر الآية منسلخة عن سياقها؟!
2. وقد رأيتَ بما نقلتَ أن (الذكر) لا يفسر بالتوراة والإنجيل إلا إن كان مضافا إلى لفظ (أهل)، فتكون: (أهل الذكر)، ولم تفسر غيرها إلى هذا المعنى إلا في هذه الآية: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ)، فالذكر هنا احتملت معنى (التوراة)، والقاعدة: عند الاحتمال يسقط الاستدلال، والرأي الراجح فيها أنها (أم الكتاب)، أي: اللوح المحفوظ.

3. وقد جاءت الآيات مستفيضة بتسمية القرآن بالذكر، فمنها: (ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ)، وكذلك: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، وكذلك: (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي)، وكذلك: ( إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ)، وكذلك: (أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا)، وكذلك: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ)، وكذلك: (أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ)، وكذلك: (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ). وعليه، فالأصل في لفظ (الذكر) أنه يعنى به القرآن، ولا يصرف إلى غير ذلك إلا بقرينة.

4. أما قوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا...) بصيغة الماضي، وهذا يتنافى مع كون القرآن لم ينزل بعد بشكل كامل، فجوابه من وجهين:
* أن النزول المقصود هو النزول من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا جملة واحدة، ومنه قوله تعالى: (إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ)، وهي ليلة القدر: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ).

* الله يخبر أنه أنزل القرآن مع كونه لم يكتمل النزول؛ لأنه أمر متحقق قطعا، ومنه قوله تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ)، أي: سيأتي. فعدل فيه إلى لفظ الماضي تقريرا وتحقيقا لوقعه.

5. في هذه الآية تولى الله حفظ القرآن بنفسه؛ لأنه معجزة خاتم الأنبياء، وأخبر أن الذي تولى حفظ التوراة والإنجيل هم الأحبار والرهبان، وذلك قوله: (وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ)، وهذا ينفي أن يكون الذكر هنا قصد به الكتاب المقدس.

6. الله سبحانه أخبر أنه حفظ القرآن في هذه الآية، وأخبر أن الأحبار والرهبان خانوا أمانة حفظ الكتاب المقدس، فقد حرفوه، وزادوا فيه، وأخفوا بعضه، وهكذا جاء الأمر:
✓ تحريف الكتاب المقدس: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، وكذلك: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ).

✓ زيادة بعض النصوص في الكتاب المقدس: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، وكذلك: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ).

✓ إخفاء بعض النصوص من الكتاب المقدس: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ)، وكذلك: (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا)، وكذلك: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

وعليه، فكيف يكون الذكر هنا هو الكتاب المقدس وقد وقعت به كل هذه الكوارث؟!

ig ai] hgrvNk fwpm hg;jhf hglr]s?