كما سبق القول ، كانت الشعوب الافريقية جنوب الصحراء الكبرى _ابان القرن الخامس عشر تسير على طريق النمو الذاتى بصورة طبيعية مثل غيرها من القارات الاخرى
و مارست تلك الشعوب الأفريقية نشاطا متنوعا يتناسب مع ظروف وتكنولوجيا العصر ولا يختلف كثيرا عن غيره فى وسائله وطرقه.
الا ان هذا النمو الذاتى اخذ يتعرض منذ القرن السادس عشر الى هزات عنيفة لم تلبث ان اضعفته حتى بات عند الربع الاخير من القرن التاسع عشر عاجزا عن الحركة [1].
وعلى الرغم من ان تجارة الرقيق كان لها دور كبير فى تدهور احوال القارة الا ان احوال القارة الاقتصادية اخذت فى التدهور حتى فى مرحلة التجارة المشروعة
وعصر التجارة المشروعة يطلق على الفترة التى نمت فيها العلاقات بين اوروبا وافريقيا بعد الغاء تجارة الرقيق . (أي تمييزاً لها عن التجارة غير المشروعة فى الرقيق[2]).
وحتى نستطيع ان نفهم اسباب تدهور القارة اقتصاديا فى هذه المرحلة علينا ان نتعرف على احوال القارة الاوربية
واثر الثورة الصناعية بها و نتعرف على اثر العلاقات التجارية بين اوروبا وافريقيا فى هذه المرحلة واثر كل هذا على اقتصاد القارة الافريقية.


أولا: أثرالتفوق التكنولوجى والسيطرة التجارية لأوروبا على اقتصاد القارة الافريقية:-
وجدت بين اوروبا الغربية وافريقيا علاقة ادت الى نزوح الثروة من افريقيا الى اوروبا ولم تكن عملية النزح هذه ممكنة الا بعد ان
اصبحت التجارة عالمية بالفعل ويعود ذلك الى اواخر القرن الخامس عشر الميلادي حيث دخلت افريقيا وأوربا فى علاقات مشتركة لأول مرة ومع أسيا والأمريكتين أيضا
وقد كان هناك أتصال مستمر بين الأجزاء المتطورة والمختلفة من القسم الرأسمالي الراهن من العالم على امتداد الأربعة قرون الماضية ونصف قرن الماضية
ونزعم هنا أن افريقيا قد ساعدت على تطور أوروبا على امتداد تلك الفترة بالقدر نفسه الذي أسهمت فيه أوروبا فى تخلف أفريقيا.
ويتمثل الشئ الهام الاول فيما يتعلق بأكتساب التجارة طابعا دوليا فى القرن الخامس عشر الميلادي ان الاوربيين اخذوا زما م المبادرة وانطلقوا الى انحاء العالم الاخرى[3]

والواقع ان اوربا لم تتمتع حتى نهاية القرن الخامس عشر بتقدم تكنولجي أو نظام انتاجي متفوق مقارنة بأحوال أسيا وافريقيا . لكنها تميزت عنها بأمرين :-
الاول:- التفوق فى مجال صناعة السفن وطرق الشحن البري والملاحة البحرية
الثاني:- التفوق فى مجال صناعة واستخدام الاسلحة النارية بأنواعها المختلفة .

وكان التميز فى هذين الامرين كفيلا بان يعطي اوربا مفتاح السيطرة على التجارة الدولية فأصبحت تتحكم فيما تتطلبه من سلع ومواد ومنتجات
دون ادنى تدخل من جانب الافارقة ، وكان من الطبيعي ان توظف هذه السيطرة لخدمة مصالحها دون غيرها[4].
ونجد ان ما يسمى التجارة الدولية ليس سوى امتداد المصالح الاوروبية عبر البحار ! فان الاستراتيجية الكامنة وراء التجارة الدولية وكذك الانتاج الذي
يعززها كانا تحت السيطرة الكاملة للاوروبيين وبوجه خاص تلك الامم التى تعبر سفنها بحر الشمال حتى البحر الابيض المتوسط ، وقد أستخدم الاوربيون
تفوق سفنهم ومدافعهم لتحقيق السيطرة على كافة الممرات المائية فى العالم
وفى القرنيين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين قام البرتغاليين بنقل معظم عاج شرق افريقيا لتسويقه فى الهند كما قام البرتغاليون والهولنديون
والفرنسيون والانجليز
ببيع المنسوجات والخرز الهندي فى شرق افريقيا وغربها ومن ثم فأنه عن طريق السيطرة على البحار تمكنت اوروبا من اتخاذ
الخطوات الاولى نحو تحويل اجزاء عديدة من افريقيا واسيا الى مناطق تابعة اقتصاديا.


وقد كانت اوروبا تصدر الى افريقيا سلعا سبق انتاجها واستخدمها ،في اوروبا ذاتها ، ومثال ذلك نسيج الكتان الهولندي ،والحديد الاسباني ،
والقصدير الانجليزي والنبيذ البرتغالي والبراندي الفرنسي والبنادق الالمانية والخرز الزجاجي من البندقية

كما كان فى استطاعة الاوربيين ان يشحنوا الى قارة افريقيا السلع التى اصبحت غير قابلة للبيع فى اوروبا
وهكذا وجدت مواد مثل الاقمشة البالية والملابس القديمة والاسلحة العتيقة من الزاوية التكنولوجيا ، وكميات ضخمة من البقايا التى وجدت سوقا في افريقيا [5].

-------------------------------------------------------------------
[1] محمد بهاء الدين متولي،المرجع السابق، ص82

[2] أ . ج . هوبكنز ، المرجع السابق ، ص251

[3] والتر رود ني ،المرجع السابق ،ص111

[4] محمد بهاء الدين متولي،المرجع السابق،ص83

[5] والتر رود ني ،المرجع السابق ،ص112،113