سيدة الفضائل ورأس الشمائل

إن صفة الصدق هي من الصفات التي تعتبر سيدة الفضائل ورأس الشمائل تمدَّح الله بها في كتابه فقال –سبحانه-: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا} [سورة النساء: 87]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلًا} [سورة النساء: 122]، وقال: {قُلْ صَدَقَ اللّهُ} [سورة آل عمران: 95].
وصف الله بالصدق رسله وأنبياءه وأصفياءه وأولياءه فقال –سبحانه-: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا} [ سورة مريم: 54]، وقال لعباده أجمعين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [سورة التوبة: 119]
صفة الصدق ليست نفلًا ولا خيارًا، إنها فريضةٌ على المسلم وسجيةٌ للمؤمن، والذي يجب أن يكون باطنه وظاهره سواء في الصدق والوضوح والطهارة والصفاء.
ومع بساطة هذه الصفة وإجماع الخلق عليها إلا أننا اليوم أحوج ما نكون إلى التواصي بالالتزام بها في خضم أزمة الأخلاق التي يعاني منها الكثير لأسبابٍ يأتي في مقدمها: ضعف الإيمان، وضعف التربية، والتهافت على الدنيا.
الصدق محمدةٌ في الدنيا والآخرة وعلامة التقوى وسببٌ لتكفير السيئات ورفعة الدرجات، وكل ذلك مجموعٌ في قول الله –عز وجل-: {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة الزمر: 33-35]، أما في يوم الجزاء فاسمع قول الله –تعالى-: {قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة المائدة: 19]
إن الصدق هادٍ لكل بر قائدٌ لكل خير، آخذٌ بصاحبه في مسالك الهدى حتى يدخله الجنة، كيف لا وهو صادق اللهجة ؟ كيف لا وهو صادق اللهجة صادق الحال متحرٍّ للحق في كل الأقوال والأفعال ؟
إنه يصدق ويتحرى الصدق ويلتزمه ويحتاط له ويزن كلماته ويتباعد عن الخطأ ويتحرج من الزلل، فلا تنطوي نفسه على خبيئة أو خيانة حتى يُكتب عند الله صديقا،
وحتى يتبيَّن لك أثر الصدق في القلب وبأي شيء استحق الصادقون مرافقة الأنبياء؛ فتأمل أيضًا هذا الحديث الصحيح، عن أبي هريرة –رضي الله عنه– أن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال: (إذا اقتربَ الزمانُ؛ لم تكدْ رؤيا المسلمُ تكذب، وأصدقُكُم رؤيا أصدقُكُمْ حديثَا (وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا)، ورؤيا المسلمِ جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءًا من النُّبوَّة)[1].
تأمل الرؤيا الصادقة جزءٌ من النبوة، وتكون في القلب الصادق الذي سما وتطهر فاستضاء واستنار بنور الله ففُتِحتْ له سُدفُ الغيب وأعْلمَهُ اللهُ بما شَاء.
من لزم الصدق في صغره؛ كان له في الكبر ألْزَم، ومن اعتصم به في حق نفسه؛ كان في حق الله أعصم، ومن تحرى الصدق؛ هُدي إليه، وطابت نفسه، وطهرتْ سريرته، وأضاء قلبه.
إنه لا يصح التهاون في هذا المبدأ، فهو أساسٌ في ديننا، وقد كان عنوانًا لقدوتنا وأسوتنا محمدٍ –صلى الله عليه وسلم– والذي كانت حياته أفضل مثالٍ للإنسان الكامل الذي اتخذ من الصدق في القول والأمانة في المعاملة خطًا ثابتًا لا يحيد عنه قيد أنملة، وقد كان ذلك فيه بمثابة السجية والطبع، فعُرِف به حتى قبل البعثة ولُقِّب بالصادق الأمين، واشُتُهِر بهذا وعُرِف به بين الناس، ولما أُمِر بالجهر بالدعوة وتبليغ الرسالة جمع الناس وسألهم عن مدى تصديقهم له إذا أخبرهم بأمر، فأجابوا بما عرفوا عنه قائلين: ما جرَّبنا عليك إلا صدقًا.
ألا فاجعلوا الصدق لكم شعارًا ودثارًا، والزموه إعلانًا وإسرارًا يجعل الله التقوى في قلوبكم والتوفيق والنور في دروبكم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [ سورة التوبة: 119].



للشيخ: صالح بن محمد آل طالب –حفظه الله-
(بتصرف)




[1] رواه البخاري ومسلم.

sd]m hgtqhzg ,vHs hgalhzg