---
يفرض الاشتغال بالعمل العام بصفة عام والعمل السياسى على وجه الخصوص توافر سمات معينة لدى القائمين به، من أولوياتها الحرص الشديد فيما يصدر عنهم من تصريحات وما يعبرون عنه من آراء وما يطروحه من رؤى وأفكار، نظرًا لتأثير ذلك على الشأن العام خاصة إذا كان من يشغلون مناصب قيادية، ويزداد هذا الحرص إذا ما تعلق الامر بعلاقات الدولة مع الخارج. ولكن ما صدر عن الدكتور عصام العريان - نائب رئيس حزب الحرية والعدالة ورئيس الكتلة البرلمانية للحزب بمجلس الشورى- مؤخرا من تصريحات بشأن دولة الامارات الشقيقة، عند مناقشة المجلس لقضية المعتقلين المصريين هناك، يوجب تسجيل ثلاثة ملاحظات مهمة فى هذا الخصوص:
أولاً- تحمل التصريحات الكثير من المغالطات فى العلاقات المصرية الاماراتية، فصحيح انه لا يوجد من ينكر دور مصر فى الوقوف الى جانب دول الخليج العربى بصفة خاصة، ودول العالم العربى والدول الافريقية بصفة عامة خلال فترة الستينات والسبعينات من القرن المنصرم، إلا أنه من الصحيح أيضًا ان هذا الدور لم يكن تفضلا من مصر بقدر ما كان واجبا عليها بل قدرها ومسئوليتيها بحكم التاريخ، وقد قوبل هذا الدور آنذاك وحتى الآن باستحسان وتقدير من الجميع وفى المقدمة منهم دول الخليج التى ساندت مصر فى أزماتها ومحنها كافة، وهو ما حاول ان يوضحه المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية بالتأكيد على اعتزاز مصر بالعلاقات الأخوية التي تربطها بدولة الامارات وشعبها الشقيق.
ثانيا- صحيح ان حزب الحرية والعدالة صنع حسنا بإصداره بيان أكد فيه أن هذه التصريحات لا تعبر عن وجهة نظر الحزب وموقفه الرسمي، إلا أنه من الصحيح ايضا ان هذا البيان يثير تساؤلا جوهريا بشأن الاداء السياسى لقيادات الاحزاب السياسية والمسئولين، فكيف يمكن أن يُميز المواطن بين رأى المسئول الشخصى وبين رأي الحزب الذى يمثله او المنصب الذى يشغله؟ فمن غير المقبول أن يصدر تصريح عن مسئول معين بخصوص قضية ما، وعندما يثير هذا التصريح اللغط فى المجتمع، يعلن ان هذا هو رأيه الشخصى وليس رأى حزبه الذى ينتمى او رأي المؤسسة الذى يتولاها، وتزداد خطورة مثل هذا الوضع اذا ما تعلق الأمر بعلاقات الدولة الخارجية على غرار الحالة التى نحن بصددها، فقد أدى هذا التصريح الى سكب المزيد من الزيت على حالة التوتر الذى تشهده علاقة البلدين، فى حين انه من المفترض أن تكون تصريحات القيادات والمسئولين فى هذه المرحلة أكثر تعبيرًا عن التواصل مع الخارج وفتح خطوط جديدة فى علاقات مصر الخارجية على اسس من التكافؤ والندية.
ثالثا- من المهم ان يدرك الجميع ان من بين شعارات الثورة الحفاظ على كرامة المواطن المصرى فى الداخل والخارج، وهو ما يفرض على صانع القرار ان يسعى جاهدا الى تحقيق ذلك. ولكن، علينا ان ندرك ايضا ان ثمة فارق بين الحفاظ على كرامة المواطن وصون حرياته وحماية حقوقه والدفاع عنها، وبين رفض خضوع المواطن للقانون فى حالة ارتكابه أية مخالفات او خروقات تتعارض مع نظم الدولة المستضيفة، فاذا كان مرفوضا أن يخالف المقيم او الاجنبى لقواعد القانون المصرى فى حالة تواجده على ارض مصر، فإن المعاملة بالمثل تستوجب ألا يخالف المصرى القواعد القانونية المنظمة فى البلد الذى يقيم فيها، وفى حالة مخالفته لذلك يصبح خضوعه لاحكام القانون فرض لا يمكن معارضته، ويصبح جل دور الجهات المعنية اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير سبل الرعاية والمساعدة القانونية لهؤلاء المعتقلين ضمانًا لحسن معاملتهم وحفاظًا على حقوقهم، وذلك حتى لا نقع فى ازمة جديدة كما حدث من قبل فى قضية "احمد الجيزاوى" مع المملكة العربية السعودية، فجميعنا يعلم دور المصريين العاملين فى دولة الامارات فى دعم الاقتصاد الوطنى، بما يجعلنا نشيد ببيان الجالية المصرية هناك والتى استنكرت بشدة مثل هذه التصريحات.
خلاصة القول أن علاقة مصر بالإمارات علاقة تاريخية وأن مواقف حكام الامارات على مدار التاريخ مواقف مشرفة ومساندة للشعب المصرى، وهو ما عبر عنه مؤخرا قرار رئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد آل نهيان بالإفراج عن 103 سجناء مصريين هناك، بل وتحمل الدولة سداد جميع الالتزامات المالية المترتبة على تنفيذ تلك الأحكام، وهو ما مثل بدوره بادرة على حرص دولة الامارات على التواصل مع مصر ما بعد الثورة رغم كل ما يقال عن وجود توترات فى علاقات البلدين. ولكن، ادراك الطرفين لخطورة ما يمكن ان يمثله وجود التوتر بينهما على مصالحهما، يدفعهما الى التأكيد على عمق العلاقات الأخوية التي تربط بين شعبيهما، فى حين تذهب هذه التصريحات ادراج الرياح ويمكث فى الارض ما ينفع الطرفين.

lwv ,hghlhvhj H;fv lk hgjwvdphj frgl ulh] hgli]d