المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هو النبي لا كذب هو ابن عبد المطلب



أبوحمزة السيوطي
2009-11-15, 12:38 AM
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا سيد الخلق أجمعين


أما بعد ...


فقد أورد البيهقي رحمه الله في شعب الإيمان كلاما في إثبات الالنبوة والرسال لأنبياء الله في غاية الروعة والبيان قال :


قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:" وَالْإِيمَانُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ لَهُ، وَهُوَ قَبُولُ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَنْهُ، وَالْعَزْمُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ، لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ فِي أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ إِلْتزَامٌ لِطَاعَتِهِ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللهِ، وَالْإِيمَانِ لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ تَصْدِيقِ الرُّسُلِ، وَفِي طَاعَةِ الرَّسُولِ طَاعَةُ الْمُرْسِلِ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ أَطَاعَهُ .
......

ثُمَّ إِنَّ الْحَلِيمِيَّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - احْتَجَّ فِي صِحَّةِ بَعْثِ الرُّسُلِ بِمَا عَرَفَ مِنْ بُرُوجِ الْكَوَاكِبِ، وَعَدَدِهَا وَسَيْرِهَا، ثُمَّ بِمَا فِي الْأَرْضِ مِمَّا يَكُونُ قُوتًا، وَمَا يَكُونُ دَوَاءً لِدَاءٍ بِعَيْنِهِ، وَمَا يَكُونُ سُمًّا، وَمَا يَخْتَصُّ بِدَفْعِ ضَرَرِ السُّمِّ، وَمَا يَخْتَصُّ بِجَبْرِ الْكَسْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَالْمَضَارِّ الَّتِي لَا تُدْرَكُ إِلَّا بِخَبَرٍ، ثُمَّ بِوُجُودِ الْكَلَامِ مِنَ النَّاسِ، فَإِنَّ مَنْ وُلِدَ أَصَمَّ لَمْ يَنْطِقْ أَبَدًا، وَمَنْ سَمِعَ لُغَةً، وَنَشَأَ عَلَيْهَا تَكَلَّمَ بِهَا فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ سَمِعَ، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ مِنَ الْبَشَرِ تَكَلَّمَ عَنْ تَعْلِيمٍ وَوَحْيٍ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا } [البقرة: 31]، وَقَالَ تَعَالَى: { خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } [الرحمن: 4]، ثُمَّ إِنَّ كُلَّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى إِلَى قَوْمٍ، فَلَمْ يُخَلِّهِ مِنْ آيَةٍ أَيَّدَهُ بِهَا، وَحُجَّةٍ آتَاهَا إِيَّاهُ، وَجَعَلَ تِلْكَ الْآيَةَ مُخَالِفَةً لِلْعَادَاتِ، إِذْ كَانَ مَا يُرِيدُ الرَّسُولُ إِثْبَاتَهُ بِهَا مِنْ رِسَالَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرًا خَارِجًا، عَنِ الْعَادَاتِ لِيُسْتَدَلَّ لِاقْتِرَانِ تِلْكَ الْآيَةِ بِدَعْوَاهُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ" .
وَبَسَطَ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ قَالَ:" وَالْكَذِبُ عَلَى اللهِ تَعَالَى وَالِافْتِرَاءُ عَلَيْهِ بِدَعْوَى الرِّسَالَةِ مِنْ عِنْدِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْجِنَايَاتِ، فَلَا يَلِيقُ بِحِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى أَنْ يَظْهَرَ عَلَى مَنْ تَعَاطَى ذَلِكَ آيَةٌ نَاقِضَةٌ لِلْعَادَاتِ فَيَفْتَتِنَ الْعِبَادُ بِهِ، وَقَدْ نزلَ اللهُ تعالى مِنْ هَذَا الصَّنِعِ نَصًّا فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ - يَعْنِي نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ } [الحاقة: 44]".

قَالَ:" وَكُلُّ آيَةٍ آتَاهَا اللهُ رَسُولًا، فَإِنَّهُ يُقَرِّرُ بِهَا عِنْدَ الرَّسُولِ أَوَّلًا أَنَّهُ رَسُولُ حَقًّا، ثُمَّ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّهُ بِأن يَعْلَمُ بِهَا نُبُوَّةَ نَفْسِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ لَهُ عَلَى قَوْمِهِ دَلَالَةً سِوَاهَا، وَمُعْجِزَاتُ الرُّسُلِ كَانَتْ أَصْنَافًا كَثِيرَةً، وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ أَعْطَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامِ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ: الْعَصَا، وَالْيَدَ، وَالدَّمَ، وَالطُّوفَانَ، وَالْجَرَادَ، وَالْقُمَّلَ، وَالضَّفَادِعَ، وَالطَّمْسَ، وَالْبَحْرَ، فَأَمَّا الْعَصَا فَكَانَتْ حُجَّتَهُ عَلَى الْمُلْحِدِينَ وَالسَّحَرَةِ جَمِيعًا، وَكَانَ السِّحْرُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَاشِيًا، فَلَمَّا انْقَلَبَتْ عَصَاهُ حَيَّةً تَسْعَى، وَتَلَقَّفَتْ حِبَالَ السَّحَرَةِ وَعِصِيَّهُمْ، عَلِمُوا أَنَّ حَرَكَتْهَا عَنْ حَيَةِ حَادِثَةٍ فِيهَا حَقِيقَةِ، وَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَا يُتَخَيَّلُ بِالْحِيَلِ، فَجَمَعَ ذَلِكَ الدَّلَالَةَ عَلَى الصُّانعِ، وَعَلَى نُبُوَّتِهِ جَمِيعًا، وَأَمَّا سَائِرُ الْآيَاتِ الَّتِي لَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهَا مَعَ السَّحَرَةِ، فَكَانَتْ دَلَالَاتٍ عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ الْقَائِلِينَ بِالدَّهْرِ، فَأَظْهَرَ اللهُ تَعَالَى بِهَا صِحَّةَ مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مِنْ أَنَّ لَهُ وَلَهُمْ رَبًّا وَخالِقًا، وَأَلَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحَدِيدَ لِدَاوُدَ، وَسَخَّرَ لَهُ الْجِبَالَ وَالطَّيْرَ، فَكَانَتْ تُسَبِّحُ مَعَهُ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ، وَأَقْدَرَ عِيسَى ابْن مَرْيَمَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى الْكَلَامِ فِي الْمَهْدِ، فَكَانَ يَتَكَلَّمُ فِيهِ كَلَامَ الْحُكَمَاءِ، وَكَانَ يُحْيِي لَهُ الْمَوْتَى، وَيُبْرِئُ بِدُعَائِهِ أَوْ بِيَدِهِ إِذَا مَسَحَ الْأَكْمَهَ، وَالْأَبْرَصَ، وَجَعَلَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ، ثُمَّ إِنَّهُ رَفَعَهُ مِنْ بَيْنِ الْيَهُودِ، لَمَّا أَرَادُوا قَتْلَهُ وَصَلْبَهُ، فَعَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَخْلُصَ أَلَمُ الْقَتْلِ، وَالصَّلْبِ إِلَى بَدَنِهِ، وَكَانَ الطِّبُّ عَامًّا غَالِبًا فِي زَمَانِهِ، فَأَظْهَرَ اللهُ تَعَالَى بِمَا أَجْرَاهُ عَلَى يَدَهِ، وَعَجَزَ الْحُذَّاقُ مِنَ الْأَطِبَّاءِ عَمَّا هُوَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ بِدَرَجَاتٍ كَثِيرَةٍ، أَنَّ التعويلَ عَلَى الطَّبَائِعِ، وَإِمْكَانَ مَا خَرَجَ عَنْهَا بَاطِلٌ وإنَّ لِلْعَالَمِ خَالِقًا، وَمُدَبِّرًا، وَدَلَّ بِإِظْهَارِ ذَلِكَ لَهُ وَبُدُعَائِهِ عَلَى صِدْقِهِ . وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ .

أبوحمزة السيوطي
2009-11-15, 12:52 AM
هو النبي لا كذب هو ابن عبد المطلب

وَأَمَّا الْمُصْطَفَى نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ، وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ...


فَإِنَّهُ أَكْثَرُ الرُّسُلِ آيَاتٍ وبَيِّنَاتٍ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أَعْلَامَ نُبُوَّتِهِ تَبْلُغُ أَلْفًا، فَأَمَّا الْعِلْمُ الَّذِي اقْتَرَنَ بِدَعْوَتِهِ، وَلَمْ يَزَلْ يَتَزَايَدُ أَيَّامَ حَيَاتِهِ، وَدَامَ فِي أُمَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَهُوَ الْقُرْآنُ الْمُعْجِزُ الْمُبِينُ، الَّذِي هُوَ كَمَا وَصَفَهُ بِهِ مَنْ أَنْزَلَهُ، فَقَالَ: { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيَهُ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 41] وَقَالَ تَعَالَى: { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الواقعة: 77] وَقَالَ: { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظِ } [البروج: 21] وَقَالَ: { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ } [آل عمران: 62]، وَقَالَ: { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ، وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [الأنعام: 155] وَقَالَ: { إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفْرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [عبس: 11]، وَقَالَ: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [الإسراء: 88] فَأَبَانَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - أَنَّهُ أَنْزَلَهُ عَلَى وَصْفٍ مُبَايِنٍ لِأَوْصَافِ كَلَامِ الْبَشَرِ لِأَنَّهُ مَنْظُومٌ، وَلَيْسَ بِمَنْثُورٍ، وَنَظْمُهُ لَيْسَ نَظْمَ الرَّسَائِلِ، وَلَا نَظْمَ الْخُطَبِ، وَلَا نَظْمَ الْأَشْعَارِ، وَلَا هُوَ كَأَسْجَاعِ الْكُهَّانِ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَتَحَدَّاهُمْ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ إِنِ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ أَوْ ظَنُّوهُ، فَقَالَ تَعَالَى: { فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ } [هود: 13]، ثُمَّ نَقَصَهُمْ تِسْعًا، فَقَالَ: { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ } [البقرة: 23]، فَكَانَ ما يقصه مِنَ الْأَمْرِ غَيْرَ أَنَّ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ دَلَالَةً، وَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ غَيْرَ مَدْفُوعٍ عِنْدَ الْمُوَافِقِ وَالْمُخَالِفِ عَنِ الْحَصَافَةِ وَالْمَتَانَةِ وَقُوَّةِ الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ، وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ قَدِ انْتَصَبَ لِدَعْوَةِ النَّاسِ إِلَى دِينِهِ لَمْ يَجُزٍ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ أَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ: أَنِ ائْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِ مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَلَنْ تَسْتَطِيعُوهُ إِنْ أَتَيْتُمْ بِهِ، فَأَنَا كَاذِبٌ وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ، وَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ فِي قَوْمِهِ مَنْ يُعَارِضُهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ بَطَلَتْ دَعْوَاهُ، فَهَذَا إِلَى أَنْ نُذْكَرَ مَا بَعْدَهُ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لِلْعَرَبِ أَنِ ائْتُوا بِمِثْلِهِ إِنِ اسْتَطَعْتُمُوهُ، وَلَنْ تَسْتَطِيعُوهُ إِلَّا وَهُوَ وَاثِقٌ مُتَحَقِّقٌ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْيَقِينُ وَقَعَ لَهُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ رَبِّهِ الَّذِي أَوْحَى إِلَيْهِ بِهِ فَوَثِقَ بِخَبَرِهِ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ .


وَأَمَّا مَا بَعْدَ هَذَا فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ:" ائْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" فَطَالَتِ الْمُهْلَةُ وَالنَّظِرَةُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَتَوَاتَرَتِ الْوَقَائِعُ وَالْحُرُوبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَقُتِلَتْ صَنَادِيدُهُمْ، وَسُبِيَتْ ذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ، وَانْتُهِبَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدُ لمُعَارَضَتِهِ فَلَوْ قَدَرُوا عَلَيْهَا لَافْتَدَوْا بِهَا أَنْفُسَهُمْ، وَأَوْلَادَهُمْ وَأهَالِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبًا سَهْلًا عَلَيْهِمْ إِذْ كَانُوا أَهْلَ لِسَانٍ وَفَصَاحَةٍ وَشِعْرٍ وَخَطَابَةٍ، فَلَمَّا لَمْ يَأْتُوا بِذَلِكَ وَلَا ادَّعُوهُ صَحَّ أَنَّهُمْ كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْهُ، وَفِي ظُهُورِ عَجْزِهِمْ بَيَانُ أَنَّهُ فِي الْعَجْزِ مِثْلُهُمْ إِذْ كَانَ بَشَرًا مِثْلُهُمْ لِسَانُهُ لِسَانُهُمْ وَعَادَتُهُ عَادَتُهُمْ وَطِبَاعُهُ طِبَاعُهُمْ وَزَمَانُهُ زَمَانُهُمْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى جَدُّهُ لَا مِنْ عِنْدِهِ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ .


فَإِنْ ذَكَرُوا سَجْعَ مُسَيْلِمَةَ فَكُلُّ مَا جَاءَ بِهِ مُسَيْلِمَةُ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ مُحَاكَاةً وَسَرِقَةً وَبَعْضُهُ كَأَسَاجِيعِ الْكُهَّانِ، وَأَرَاجِيزِ الْعَرَبِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا هُوَ أَحْسَنُ لَفْظًا، وَأَقُومُ مَعْنًى، وَأَبَيْنُ فَائِدَةً، ثُمَّ لَمْ تَقُلْ لَهُ الْعَرَبُ هَا أَنْتَ تَتَحَدَّانَا عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ الْقُرْآنِ، وَتَزْعُمُ أَنَّ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ .
ثُمَّ قَدْ جِئْتَ بِمِثْلِهِ مُفْتَرًى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ:" أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ" وَقَوْلُهُ: [البحر الرجز]
"تَاللهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا"
وَقَوْلُهُ:" إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَهْ فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرِهْ"
وَقَوْلُهُ:" تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمِ، وَعَبْدِ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ، وَانْتَكَسَ - وَإِنْ شِيكَ - فَلَا انْتَقَشَ"
فَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذَا يُشْبِهُ الْقُرْآنَ، وَأَنَّ فِيهِ كَثِيرًا"كَقَوْلِهِ:


وَحَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَشْعَرِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تعالى - فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ:" يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّظْمُ قَدْ كَانَ، فِيمَا بَيْنَهُمْ فَعَجَزُوا عَنْهُ عِنْدَ التَّحَدِّي، فَصَارَ مُعْجِزَةً لِأَنَّ إِخْرَاجَ مَا فِي الْعَادَةِ عَنِ الْعَادَةِ نَقْضٌ لِلْعَادَةِ كَمَا أَنَّ إِدْخَالَ مَا لَيْسَ فِي الْعَادَةِ فِي الْفِعْلِ نَقْضٌ لِلْعَادَةِ - وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ - وَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ ظَهَرَتْ بِذَلِكَ مُعْجِزَتُهُ، وَاعْتَرَفَتِ الْعَرَبُ بِقُصُورِهِمْ عَنْهُ وَعَجَزِهِمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ .

حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّنْعَانِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، " أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَكَأَنَّ رَقَّ لَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلٍ، فَذَكَرَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا إِلَى أَنْ قَالَ الْوَلِيدُ: وَاللهِ مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي، وَلَا أَعْلَمُ بِرَجَزِهِ وَلَا بِقَصِيدَتِهِ مِنِّي، وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ، وَاللهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَاللهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ: حَلَاوَةً وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ مُغْدِقٌ أَسْفَلَهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يَعْلَى، وَإِنَّهُ لَيُحَطِّمُ مَا تَحْتَهُ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ مَوْصُولًا، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا، وَذَكَرَ الْآيَةَ الَّتِي قَرَأَهَا { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ } [النحل: 90] "


وَرُوِّينَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَتَمَّ مِنْ ذَلِكَ: " حِينَ اجْتَمَعَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَنَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ حَضَرَ الْمَوْسِمُ لِيَجْتَمِعُوا عَلَى رَأْيٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَقُولُونَ: فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوُفُودِ الْعَرَبِ، فَقَالُوا: فَأَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ فَقُلْ وَأَقِمْ لنا رَأَيًا نَقُومُ بِهِ، فَقَالَ: بَلْ أَنْتُمْ فَقُولُوا: أَسْمَعُ فَقَالُوا: نَقُولُ كَاهِنٌ . فَقَالَ: مَا هُوَ بِكَاهِنٍ . لَقَدْ رَأَيْتُ الْكُهَّانَ فَمَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ الْكَاهِنِ وَسِحْرِهِ، فَقَالُوا: نَقُولُ مَجْنُونٌ . فَقَالَ: مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ، وَلَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ، وَعَرَفْنَاهُ فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ، وَلَا تَخَالُجِهِ، وَلَا وَسْوَسَتِهِ، فَقَالُوا: نَقُولُ شَاعِرٌ قَالَ: مَا هُوَ بِشَاعِرٍ، وَلَقَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ بِرَجَزِهِ وَهَزَجِهِ، وَقَرِيضِهِ، وَمَقْبُوضِهِ وَمَبْسُوطِهِ، فَمَا هُوَ بِالشِّعْرِ قَالُوا: فَنَقُولُ هُوَ سَاحِرٌ قَالَ: فَمَا هُوَ بِسَاحِرٍ لَقَدْ رَأَيْنَا السُّحَّارَ وَسِحْرَهُمْ، فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِ وَلَا عَقْدِهِ، فَقَالُوا: فَمَا تَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ قَالَ: وَاللهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلَاوَةً، وَإِنَّ أَصْلَهُ لَمُغْدِقٌ، وَإِنَّ فَرْعَهُ لَجَنًى، فَمَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا إِلَّا عُرِفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ أَنْ تَقُولُوا: سَاحِرٌ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ، وَبَيْنَ أَبِيهِ وَبَيْنَ الْمَرْءِ، وَبَيْنَ أَخِيهِ وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ عَشِيرَتِهِ فَتُفَرِّقُوا عَنْهُ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: { ذَرْنِي، وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا } [المدثر: 11] إِلَى قَوْلِهِ: { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } [المدثر: 26] .


قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: ....
وَبَسَطَ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - كَلَامَهُ فِي الْإِشَارَةِ إِلَى مَا فِي كِتَابِ اللهِ تعالى مِنْ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْإِعْجَازِ، ثُمَّ إِنَّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَ الْقُرْآنِ مِنَ الْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ: " إِجَابَةَ الشَّجَرَةِ إِيَّاهُ لَمَّا دَعَاهَا، وَتَكُلُّمَ الذِّرَاعِ الْمَسْمُومَةِ إِيَّاهُ، وَازْدِيَادَ الطَّعَامِ لِأَجْلِهِ حَتَّى أَصَابَ مِنْهُ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَخُرُوجَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فِي الْمِخْضَبِ حَتَّى تَوَضَّأَ مِنْهُ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَحَنِينَ الْجِذْعِ، وَظُهُورَ صِدْقِهِ فِي مُغَيَّبَاتٍ كَثِيرَةٍ أَخْبَرَ عَنْهَا "وَغَيْرَ هَذِهِ كَمَا قَدْ ذُكِرَ، وَدُوِّنَ وَفِي الْوَاحِدِ مِنْهَا كِفَايَةٌ غَيْرَ أَنَّ اللهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - لَمَّا جَمَعَ لَهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا بَعْثُهُ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ عَامَّةً، -وَالْآخَرُ خَتْمُهُ النُّبُوَّةَ بِهِ ظَاهَرَ لَهُ بَيْنَ الْحُجَجِ حَتَّى إِنْ شَذَّتْ وَاحِدَةٌ عَنْ فَرِيقٍ بَلَغَتْهُمْ أُخْرَى، وَإِنْ لَمْ تَنْجَعْ وَاحِدَةٌ نَجَعَتْ أُخْرَى، وَإِنْ دَرَسَتْ عَلَى الْأَيَّامِ وَاحِدَةٌ بَقِيَتْ أُخْرَى، وَلِلَّهِ فِي كُلِّ حَالٍ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ، وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى نَظَرِهِ لِخَلْقِهِ وَرَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ كَمَا يَسْتَحِقُّهُ .


وَذَكَرَ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تعالى - فُصُولًا فِي الْكَهَنَةِ، وَمُسْتَرْقِي السَّمْعِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ ومَا وُجِدَ مِنَ الْكَهَنَةِ، وَالْجِنِّ فِي تَصْدِيقِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِشَارَاتِهِمْ علَى أَوْلِيَائِهِمِ من الْإِنْسِ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى مُؤْمِنِي الْجِنِّ أَنْ يَحْمِلُوا أَوْلِيَاءَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى اللهِ، أَوْ عَلَى مُتَابَعَةِ مَنْ يَكْذِبُ عَلَى اللهِ، وَعَلَى كُفَّارِهِمْ أَنْ يَأْمُرُوا أَوْلِيَاءَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِمَنْ كَفَرُوا بِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْهُمْ إِنَّمَا هُوَ لِمَعْرِفَةٍ وَقَعَتْ لَهُ لصِدْقِهِ لِمَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ الْإِنْسِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ "



وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين