المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التلبية بالتوحيد (للشيخ /عبد الرزاق البدر حفظه الله)



عزتي بديني
2009-11-18, 01:02 PM
التلبية بالتوحيد

للشيخ : عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

إن أوّل ما يبدأ به المسلم من أعمال حجّه هوالإهلال بالتوحيد ، معلنا من خلال كلمات التلبيةالعظيمة توحيده لله وحده ونبذه للشرك والتنديد،ثميمضي ـ راشدا على البيت العتيق يردِّد ُتلك الكلمات





" لبيك اللهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك "



وهو عالم بما دلّت عليه من الإخلاص والتوحيدووجوب إفرادِالله وحدهب العبادةِ والبعدِ عن اتخاذِ الشركاء مع الله ،مستشعرلذلكم ستحضر له ،مقرٌّبأنَّ ربهسبحانه المتفردَ بالنِّعمة والعطاء والهبة والنَّعماء لا شريك له هوالمتفرِّد بالتوحيد لا ندَّ له ؛ولذا فإنَّ الملبي بهذه الكلمات حقّاًوصدقاًلايدعو إلا الله،ولايستغيث إلا بالله، ولايتوكّل إلا على الله، ولايذبح ولا ينذر إلا لله ولايصرف شيئا من العبادةإلالله .

وهذا أصل عظيم وأساس متين يجب أن تبنى عليه كلُّ طاعة يتقرببها العبدُإلى الله عزّ وجل ،
الحجُّ وغيره ولذا قال الله تعالى في سورةالحج(وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجّ ِيَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ،لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِالْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَاوَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ،ثُمَّ لْيَقْضُواتَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ،ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَخَيْرٌلَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءفَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [ الحج 27، 31.

فحذَّر سبحانه في هذا السياق المبارك من الشرك وأمر باجتنابه وبيَّن قبحَه وسوءَ عاقبته ،وأنَّ فاعله كأنما خرَّ من السماءفتخطفه الطير أو تهوي به الرِّيح في مكان سحيق .


ولذا فإن نعمة الله علينا ـ أمّة الإسلام ـ عظيمة ومِنَّته كبيرة أن هدانا لتوحيده ، ووفقنا لهذا الإهلال العظيم بالإخلاص والتوحيد والبراءة من الشرك والتنديد ،بعد أن كان أهل الشرك يُهلُّون باتخاذ الأندادوالشركاء مع أنهم مقرّون بأن الخالق لهم هو الله وحده وأنه المالك لكل شيء ، وأنه وحده مولي النعمة ومسديها . قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم رحمه الله " ليس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهومؤمن بالله،ويعرف أن الله ربه ، وأن الله خالقه ورازقه وهو يشرك به ، ألا ترى كيف قال إبراهيم { أفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ،أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ،فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلارَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء75 ,77

قد عرَف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون . قال : فليس أحديشرك إلاوهو يؤمن به ، ألاترى كيف كانت العرب تلبي ، تقول لبيك لا شريك له إلاشريكاهو لك ،تملكه وما ملك ،المشركون كانوا يقولون هذا" روه ابن جرير الطبري في تفسيره . وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان المشركون يقولون : لبيك لا شريك لك . قال فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويلكم ! قد . قد " فيقولون : إلا شريكا هو لك . تملكه وما ملك . يقولون هذاوهم يطوفون بالبيت . خلاصة الدرجة: صحيح


فهذه حال أهل الشرك والتنديد في تلبيتهم ، حيث يُدْخِلون مع الله في التلبية الشركاءَ والأندادَ ،ويجعلون ملكها بيده ويقرُّون بأنها لاتملك شيئا، وهذا ضلال مبين ـ عافى الله أمّةالإسلام منه وهداهم إلى الإهلال بالتوحيد بتلك الكلمات النيِّرات





"لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمدوالنعمة لك والملك لا شريك لك" .



وقوله: "إنّ الحمدوالنعمة لك والملك لا شريك http://www.alrekab.com/vb/images/smilies/hh.gifلك"متضمّن جملة من البراهين العظيمة على وجوب توحيدالله وإخلاص العبادة له ، والإقبال عليه وحده بالذل والخضوع، والرغبة والرهبة والركوع والسجود ، والخوف والرجاء وسائر أنواع العبادة، وتتلخص هذه البراهين في أمور خمسة :

الأول:أن الحمد كله لله سبحانه،فهو تبارك وتعالى الحميد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله،المستحقّ لكل حمد ومحبة وثناء لما اتصف به من صفات الحمد التي هي صفات الجمال والجلال ، ولما أنعم به على خلقه من النعم الجزال ، فهوالمحمود على كل حال ، وهوسبحانه حميد من جميع الوجوه


يتبع بعون الرحمن

عزتي بديني
2009-11-21, 05:23 AM
لأن جميع أسمائه حمد ، وصفاته حمد، وأفعاله حمدو أحكامه حمد ، وفضله وإحسانه إلى عباده حمد، والخلق والأمر إنما قام بحمد ، ووجِد بحمده ، وظهر بحمده ، وكانت الغاية منه هي حمده،وقد نبَّه الله سبحانه على شمول حمده لخلقه وأمره بأن حمد نفسه في أولالخلق وآخره، وعندالأمر والشرع ،وحمد نفسه على ربوبيته للعالمين ،وحمد نفسه على تفرده بالإلهية وعلى حياته،وحمد نفسه على امتناع اتصافه بما لا يليق به من اتخاذالولد والشريك إلى غير ذلك من أنواع ما حمدالله به نفسه فيك تابه،وكلُّ ذلك برهان جليٌّ على أنه وحده المعبود بحقٍّ ولامعبودَ بحقٍّسواه
) هُوَالْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(غافر65.


الثاني:أنّ النعمة كلهالله؛ لهذاعرَّفها باللام المفيدة للاستغراق أي: النعمُ كلها لك ياالله أنت موليها ومسديهاوالمنعم بها) وَمَابِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ)النحل 53

ونعمه سبحانه على عباده لا حصر لها ولاعد؛ من جزيل المواهب ، وسعةالعطايا، وكريم الأيادي ، وسعة رحمته لهم، وبرّه ولطفه ،وإجابته لدعوات المضطرين، وكشف كربات المكروبين ، وإغاثةالملهوفين، وأعظم ذلك هدايته خاصته من عبادة إلى سبيل دار السلام ، ومدافعته عنه مأحسن الدفاع ،

إلى غير ذلك من نعمه وعطاياه . أفيليق بأن يُجعل مع من هذا فضله ومنّه شريكٌ ) وَقَالَ اللّهُ لاَتَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَاهُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ، وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ، وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ، ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّعَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ، لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْفَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَيَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمَّارَزَقْنَاهُمْ تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ [النحل: 51، 56

الثالث: أن الملك كله لله ، لا مالك إلا هو، وجميع الأشياء هوالمالك لها،المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة،وفي هذا إثبات لكمال قوّته وعزّته وقدرته، وأنّ علمه محيط بكل شيء وأن مشيئته نافذة ، وقدرته شاملة،وحكمته واسعة،وأنّ له الحكم العامل لعالم العلوي والسفلي ، والحكم العام في الدنيا والآخرة،وأنه المتصرِّف في ملكه بما يشاء تصرف ملك قادر قاهر عادل رحيم حكيم خبير تام الملك لا ينازعه في ملكه منازع ،ولا يعارضه فيه معارض ، وهذا من براهين وجوب توحيده كما قال سبحانه { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)الزمر6

وقال سبحانه{ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ } [المؤمنون11

أما من سوى الله فلايملك لنفسه نفعاً أو ضراً ولا حياةً ولا موتاً ولا نشوراً فضلا عن أن يملك شيئامن ذلك لغيره
(قُلْأَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاًوَلاَنَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(المائدة76)

)قُلِ ادْعُواالَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِير(سبأ22

عزتي بديني
2009-11-21, 05:24 AM
الرابع:أن هذه التلبية " متضمّنة للإخبار عن اجتماع الملك والنعمةوالحمد لله عزّ وجل ،وهذا نوع آخر من الثناء عليه ، غيرالثناء بمفردات تلك الأوصاف العليّة،

فله سبحانه من أوصافه العلى نوعانثناء
نوعٌ متعلّق بكل صفةٍ علىانفرادها،
ونوعٌ متعلّق باجتماعها،وهو كمال مع كمال وهو عامة الكمال،والله سبحانه يفرِّق في صفاته بين الملك والحمد، وسوغ هذا المعنى أن اقترانأحدهمابالآخرمن أعظم الكمال، والملك وحده كمال ، والحمد كمال ، واقتران أحدهمابالآخركمال، فإذا اجتمع الملك المتضمن للقدرة، مع النعمة المتضمنة لغاية النفع والإحسان والرّحمة ، مع الحمد المتضمن لعامة الجلال والإكرام الدّاعي إلي محبته، كان في ذلك من العظمة والكمال والجلال ما هو أولى به وهو أهله ، وكان في ذكر العبد له معرفته به من انجذاب قلبه إلى الله وإقباله عليه والتوجه بدواعي المحبة كلها إليه ماهو مقصود العبودية ولبّها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" قاله ابنالقيم رحمه الله في كتابه تهذيب السنن ( 2/ 339

الخامس:في قوله : " لا شريكله " وقد تكرّرت في التلبية مرَّتين، مرة عقب إجابته بقوله " لبيك "،
ومرة عقب قوله " إنّ الحمد والنعمة لك والملك
فالأول يتضمّن أنه لا شريك له في إجابة هذه الدّعوة ،
والثاني يتضمّن أنه لا شريك له في الحمد والنعمة والملك،

وإذا تقرّر أن الحمد كله من الله ، والنعمة كلهامن الله،والملك كله له ، ليس له شريك في ذلك بوجه من الوجوه فليُفرد وحده بالتلبية والخضوع والمحبّة والانقيادوالطاعة والإذعان .


وكيف يُجعل مع الله شريكا في العبادة من لا يملك في هذا الكون من يشركون ، بل إنّ الأمر كله لله لاشريك له وهذا من أبين ما يكون من دلالة على فساد الشرك، وأنّ أهله من أسفه الناس وأضلهم عن سواء السبيل . فهذه خمسة دلائل عظيمة وبراهين جليلة على وجوب التوحيد والإخلاص اشتملت عليه اكلمات التلبية وأرشدت إليها بوضوح وجلا .

وقد قال الصحابي الجليل جابربن عبد الله رضي الله عنهماكما في صحيح مسلم عندما وصف حجّة النبيّ صلى الله عليه وسلم: " فأهلَّ بالتوحيد ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك،إنّ الحمدوالنعمة لك والملك لا شريك لك"

فوصف رضي الله عنه هذا الإهلال بأنه إهلال بالتوحيد لما تضمنته كلمات التلبية من تحقيق الإخلاص ونبذ الشرك وإقامة الحجة والبرهان على ذلك ،
وفي هذاأيضا دلالة على أن هذه الكلمات ليست ألفاظاً مجرّدة لاتدلُّ على معان،بل لها معنى عظيم ، ومد لول جليل ، ألا وهو روح الدِّين وأساسه وأصله الذي عليه يبنى توحيد الله عزّوجل .


ولهذا فإن الواجب على كل من أهلَّب هذه الكلمات أن يعرف مادلَّت عليه من معنى ، وأن يستحضر ماتضمّنته من دلالة وأن يحقِّق ذلك ، ليكون صادقا في إهلاله ، موافقاً كلامُه حقيقة حاله؛بحيث يكون مستمسكاً بالتوحيد، محافظا عليه مراعيا لحقوقه، مجانباً لنواقضه ومايضاده من الشرك بالله ، حذِراً تمام الحذر من الوقوع فيه ، أو في شيء من أسبابه ووسائله وطرقه؛ إذ هوأعظم ذنب وأكبر جرم.




أجارنا الله جميعا من الشرك ، وحمانا من وسائله وذرائعه ورزقنا التوحيد والإخلاص ، إنه سبحانه سميع الدعاء وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.