المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مع هاجر الزوجة المؤمنة ..



ronya
2009-12-09, 01:13 AM
http://ia341007.us.archive.org/3/items/ya3qoob-26-1-2008/rabania.com.gif

مع هاجر الزوجة المؤمنة رضي الله عنها..

محمود القلعاوى – مصر .

هاجر .. الزوجة الثانية .. المؤمنة الصابرة المحتسبة .. صارت معلماً مضيئاً في تاريخ المرأة المسلمة بتجاربها المثيرة القاسية ، وبصبرها الكبير العظيم ، ووعيها الباذخ بطبيعة الرسالة والتكليف والعلاقات والارتباطات .. هاجر المبتلاه على طول الخط .. مبتلاء فى بيتها ، فى زوجها ، فى ولدها الوحيد .. رباه ما أقوى قلبك ؟! .. وما أرسخ إيمانك ؟! .. وما أشد بلاءك ؟! .. ما أعظمك يا سيدتى ؟! ..

بدايتها ..
عاشت هاجر مع سيدتها سارة وزوجها إبراهيم في مصر أياماً قليلة , ثم ارتحلت معهما إلي فلسطين , حيث قرر إبراهيم عليه السلام العودة إليها مرة ثانية .
وفي فلسطين كانت هاجر نعم الجارية المخلصة لسيدتها سارة , وقد رأت في سيدها إبراهيم عليه السلام وسيدتها سارة ما لم تره في غيرهما من البشر , رأت أخلاقاً كريمة , ومعاملة طيبة , حيث كانت سارة رضي الله عنها تعاملها كصديقة لها , لا تثقل عليها في العمل , ولا تكلفها من الأعمال ما لاتطيق , فأحبتها هاجر حباً شديداً , وكانت لا تقصر في خدمتها وطاعتها , وقد دعاها إبراهيم عليه السلام إلي الإيمان بالله الواحد الأحد , فآمنت به , وعلمت أن إبراهيم عليه السلام رسول من عند الله , يدعو الناس إلي عبادة الله وفعل الخير , فكانت سعادة هاجر كبيرة بأن أنعم الله عليها بخدمته هو وزوجته الطيبة الصالحة السيدة سارة , فشكرت هاجر ربها وحمدته علي أن أنقذها من قصر الملك الجبار وأنعم عليها بخدمة نبيه ورسوله إبراهيم عليه السلام .


وهل يتعلق الغريق بالغريق ؟! ..
( آالله أمرك بهذا ؟! ) .. هذا ما قالته السيدة هاجر الزوجة المؤمنة لزوجها إبراهيم عليه السلام .. سؤال نستشف منه متانة العقيدة التى تكنها المرأة العظيمة .. نرى فيه جميل رسوخ الإيمان فى قلبها .. تأبى أن تتعلق بغريق وهى نفسها غريقة ولا تتعلق إلا بربها .. نرى كيف كان ظنها بزوجها المؤمن الحبيب .. أنها فى وسط جبال لا زرع فيها ولا ماء .. صحراء قاحطة يتركها ورضيعها فيها ..
وكما يقول الإمام ابن القيم فى التوكل :- التوكل نصف الدين و النصف الثانى الإنابة ، فإن الدين استعانة و عبادة ، فالتوكل هو الاستعانة و الإنابة هي العبادة ..

وقال أيضاً : التوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق و ظلمهم و عدوانهم ..
وقال سعيد بن جبير : التوكل على الله جماع الإيمان .. ونقول يكفى للمتوكل أن الله يحبه .. قال تعالى :- ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) سورة آل عمران : 159

لا لكفران العشير ..
لم تذهب الزوجة المؤمنة أن هذا الأمر من فعل ضرتها .. ولا أن زوجها يريد الخلاص منها .. وأين كفرانها للعشير ؟! .. سبحان الله كل هذا ذهب هباء أمام قوة الإيمان الراسخة فى القلوب .. فكفران العشير عند المرأة المسلمة الموصولة بخالقها الداعية لربها صاحبة الرسالة لا وجود له ، وإن ألمَّ بها طيفه لحظة ضعف تذكرت آيات القرآن فإذا هي مبصرة ، فالكفران لا يخطر على بالها ؛ فهو يورد النساء النار قال صلى الله عيه وسلم :- ( أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن .. قيل :- أيكفرن بالله ؟ قال :- يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئا قالت : ما رأيت منك خيرا قط ) رواه مسلم ..

هل شعرت بها ..
وما هو إلا قليل حتى نفذ منها الماء وجفت عروق وليدها فتلوي من العطش والألم وتمرغ في الأرض .. فهربت إلي الجبل كراهية أن تراه .. فصعدت الصفا ثم استقبلت الوادي فسعت سعي الخائف الباحث ثم أتت المروة فقامت عليه فنظرت فلم تر أحدا فعلت ذلك سبع مرات ..

ترى كم من الوقت أخذت وهي تسعي ؟! ..
ترى كم عثرة عثرتها ؟! ..
وكم دمعة ذرفتها ؟! ..
وكم روعة ارتاعتها علي وليدها ؟! ..
وكم صرخة سمعتها منه ؟! ..
وكم نظرة سرقتها إليه وهو يتلوي يكاد يموت من البكاء عطشا وجوعا وألما وكم وكم وكم ؟!

ولكن كل ذلك هان , فقلبها مطمئن برب لن يضيعها أبداً .. ثم جاءت ملائكة الرحمن تشق زمزم فانفجرت وسالت .. وأصابت بركتها العالم إلي يوم الدين .. بركة :- ( لن يضيعنا الله أبداً ) ..

نداء الإيمان أعلى ..
ومما هو معلوم أن الأم جُبلت على محبة ولدها حتى قبل أن يولد ، فمنذ أن كان في بطنها وهي تحنو عليه وإلى أن يكبر وهي تعطف عليه وتربيه .. حتى صارت الأمومة مضرب المثل فى العطاء والحب ..
ورغم كل هذا نرى هاجر الأم تقبل بأمر الله وتقدمه على أمرها .. إنها ترى زوجها يأخذ بيد ولدها الوحيد ليذبحه .. حتى أن الشيطان اللعين لم يتركها وحالها بل جاء إليها ليثير ما بداخلها من أشجان وآلام ويبذل جهده حتى يخرجها عن تقواها لتثور علي إبراهيم إنقاذاً لولدها , لكنها رجمته بسبع حصيات , واستعاذت بالله منه , فابتعد عنها , وكذلك فعل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام , فكان رمي الجمارات في الحج ..

ترى كيف مرت عليها هذه اللحظات ؟!
أظن حمل الجبال كان أسهل عليها من مرور هذه اللحظات .. ولكن للطاعة بركتها فما هى إلا ودخل عليها زوجها ليبشرها بالبشرى .. ويسعدها بالخبر .. ويريها الكبشين مذبوحين .. رفع الله البلاء , وفدي الفتى بذبح عظيم بعد ما نجحت الأسرة كلها فى الإختبار .. ( فلما أسلما وتله للجبين . وناديناه أن يا إبراهيم . قد صدَّقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين . إنّ هذا لهُو البلاء المبين . وفديناه بذِبحٍ عظيم ) .. ففرحت هاجر بنجاة ابنها , وشكرت ربها وحمدته , ووزّع إبراهيم لحم الكبش علي من حول حرم الله وأكل منه هو وزوجته هاجر وابنهما إسماعيل .

رد الخليل ..
وانظر معى إلى رد الخليل عليها بـ\" نعم \" ، كلمة جازمة حازمة لا اهتزاز فيها ، ونفسه التي بين جنبيه لأمر الله طائعة راضية ، قال نعم لتكون أعلى مما يعتلج بداخله من شعور الأب ، وإحساس الزوج ، نعم بكل قوة .. نعم الخارجة من قلب يقدم أمر ربه على أى أمر آخر .. نعم لله وفقط .. وبعدها يفيض الدعاء من قلبه مستعيناً بربه الذى قدمه على كل أمره :- ( رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ) سورة إبراهيم :38 ..


الطاعة هى اللغة السائدة ..
نعم الطاعة والبر والأدب .. فالزوجة هاجر المؤمنة أطاعت زوجها فى طاعته لله عندما تركهما فى الصحراء .. ثم يخرج الابن البار الطائع لأبيه إسماعيل عليه السلام :- ( يا أبت افعل ما تؤمن ستجدنى إن شاء الله من الصابرين ) سورة الصافات : 102 .. رباه ما أحلى الحياة فى طاعة الله .. نعم حياة السلام والرحابة .. الأسرة كلها تطيع ربها .. الزوجة تطيع زوجها .. الابن يطيع أباه .. الجميع يسير فى كنف الطاعة الآخذة إلى الله .. وبفضل طاعتها تلك ينجيها الله تعالى هي ابنها مما وقعا فيه :- ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ) سورة الطلاق :2-3 .. وها هو المخرج يأتى تلو المخرج .. ماء زمزم تخرج من بين يد الطفل الباكى إسماعيل عليه السلام .. ثم مخرجاً آخر أن يرسل لهما قبيلة جرهم العربية وكانت نعم الجوار لهما ..

وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فى ثمرات الطاعة أنه قال :- ( قال ربكم عزَّ وجل :- لو أنَّ عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولم أُسمعهم صوت الرعد ) .. وقال أبو سليمان الداراني :- من صفا صفا له، ومن كدر كُدر عليه، ومن أحسن في ليله كفى في نهاره .. وقال الفضيل بن عياض :- إني لأعصى الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي ..

ronya
2009-12-09, 01:14 AM
مع هاجر الأم ..

فى صحراء مكة القاحلة .. حيث لا زرع ولا ماء .. ولا أنيس ولا رفيق .. تركها زوجها هى ووليدها.. ثم مضى فى طريق عودته ، وترك لهم تمرًا وماءً .. هنا كانت بداية ظهور بطولة الأمومة ، وأمومة البطولة .. بطولة أخرجت لنا أبو العرب .. أخرجت لنا الابن البار بأبيه صاحب الكلمة المشهورة :- ( افعل ما تؤمر ) .. أخرجت لنا إسماعيل الغلام الحليم .. إسماعيل الذى تدفقت تحت قديمه ماء زمزم ثمرة من ثمرات التوكل وبركة له ولمن جاء بعده ممن سار على نهجه .. إسماعيل الابن البار بوالده فى لحظة تعجز الجبال عن البر ( افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين ) ..

أمومتها تتحرك ..
ونفد الماء والزاد ، والأم لا تجد ما تروى به ظمأ طفلها ، وقد جفّ لبنها فلا تجد ما ترضعه .. فيتلوى الطفل جوعًا وعطشًا .. ماذا تفعل إن صغيرها كاد أن يموت من شدة الجوع .. إن صرخات صغيرها كطعنات خنجر فى جسدها .. فتسرع صاعدة نازلة الصفا والمروة .. لتنظر أحدًا ينقذها هى وطفلها من الهلاك ، أو تجد بعض الطعام أو الشراب .. أى مشاعر تتحرك بداخلك الآن يا هاجر ؟! .. وبعد سبع مرات صعوداً ونزولاً حتى تمكن التعب منها .. وأوشك اليأس أن يسيطر عليها .. هنا يبعث الله عز وجل جبريل عليه السلام فيضرب الأرض بجناحه ؛ لِتَخْرُجَ عينُ ماءٍ بجانب الصغير ، فتهرول الأم نحوها وقلبها ينطلق بحمد الله على نعمته ، وجعلت تغرف من مائها ، وتحاول جاهدة إنقاذ فلذة كبدها، وتقول لعين الماء : زُمّى زُمّي، فسميت هذه العين زمز .. ويقول الحيبب صلى الله عليه وسلم :- ( يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم لكانت زمزم عينًا معينًا ) رواه البخاري ..

الأب الغائب والأم العظيمة ..
وكانت :- ( إذن لن يضيعنا الله ) إشارة إلى أن المسؤلية صارت بيد هاجر .. وأن هاجر الأم هى التى ستتحمل المسئولية .. وأن عليها لعب دور الأب والأم على السواء .. كل هذا فى بيئة ليست صالحة للحياة أصلاً .. وما ظهر لنا مشهد أو مشهدين ، مشهد يوم أن نفذ الماء وكان خروج ماء زمزم ، ومشهد يوم أن جاءت القبيلة تطلب الجوار ..
ولكن ماذا خلف الكواليس ؟! كم ليلة قضتها تعانى مع رضيعها ؟! كم احتاجت لمال ولم تجد ؟! .. كم احتاجت لونيس وأنيس ؟! .. تُرى كيف مرت عليها الأيام والليالى ؟!
ألم يقولوا أن رب الأسرة إذا غائب لا يستقيم حال الأسرة ؟! :- .. أليس الأب هو الحامى للأسرة ؟! .. أليست مهمته أن يسد الحاجات المادية والمعنوية ؟! .. لقد قالوا كلام كثيراً عن خطورة الأب عن الأسرة .. ولكنها كانت أقوى من كل هذا لقد ، أخرجت نموذجاً فريداً عجيباً لأم لعبت دور الأب والأم .. لقد قامت بدور ربان السفينة .. ومع هذا أخرجت لنا نموذجاً لإنسان سوى طاعاً لخالقه .. طاعاً لأبيه .. يلعب دوره .. منتجاً .. ليس معوجاً نفسياً ساخطاً على مجتمعه ..
لكم تعبتى يا هاجر فى مهمتك ؟! :- لكم كانت مهمتك شاقة ؟! .. حُق للتاريخ أن يحفظك .. حق لذكراك أن تحفظ لنا فى القرآن والسنة والتاريخ .. حق لك أن تقدمى لنا أعظم الدروس فى الأمومة .. الأمومة وأداء الدور حتى لو كانت الظروف قاسية بل حالكة الظلام .. حُق لك يا هاجر أن تكونى قدوة للأمهات .. قدوة فى التربية .. فى أداء المهمة .. نجحتى وكان عونك هو ربك ..

حافظة للأمانة ..
وحين استأذنت قبائل جرهم هاجر في السكنى في الرحاب التي حول زمزم وكان ذلك قبل بناء سيدنا إبراهيم للكعبة أذنت لهم هاجر .. ونرى فى أذنها أنها تدرك أن الطفل لا بد أن ينشىء فى مجتمع يعايش ويتعايش .. يتعلم حكمة الكبير المجرب ، وعلم العليم ، وحلم الحليم ، وشجاعة الجسور .. كل هذا تعلمه ولكن مع كل هذا تدرك أن لزاماً أن تحافظ على الأمانة التى وضعت بين يديها .. لقد بذلت جهدها فى أن تحافظ على صغيرها من انحراف المنحرفين .. لا شك أن الصغير رأى وسمع ما عليه بعض الشباب من سقطات ولكنها وقفت صلبة قوية أمام كل هذا .. وقفت لتورث ولدها ما ربيت عليه وما هو عليه أبوه .. ورثت الولد البر والطاعة والإخلاص .. ورثته كل هذا فكان نعم المعين له أن يمر بمراحل عمره دونما سقوط وما شابه .. فكانت هاجر حافظة لأمانتها حق الحفظ ..

ronya
2009-12-09, 01:15 AM
افعل ما تؤمر ..

هذا ما قاله الابن البار لأبيه .. الابن الذى بُذل جهداً خارقاً فى تربيته .. ولكن أتشعر معى بالكلمة \" يا أبت \" ؟! .. إنه يتلقى الأمر لا في طاعة واستسلام فحسب ، ولكن في رضا ويقين " يَا أَبَتِ " في مودة وقربى ، فشبح الذبح لا يزعجه ولا يفزعه ولا يفقده رشده ، بل لا يفقده أدبَه ومودته مع أبيه
( افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ) فهو يحسّ ما أحسه من قبل قلب أبيه ، يحس أن الرؤيا إشارة ، والإشارة أمر ، ولابد من تنفيذ الأمر دون تململ أو تردد بل إقبال وتسليم من غير حرج ..

ولكن أين هاجر ؟! :- لا شك أنه فى حالة لا يعلمها إلا خالقها .. نعم هى راضخة راضية لأمر ربها .. لقد أطاعت زوجها وتركت صبيها دون أن تعترض ولو بكلمة واحدة .. رغم تمزق قلبها واحتراقه على فلذت كبدها وابن عمرها ..لم تعترض ولو بكلمة واحدة .. أى أم أنت يا هاجر ؟! .. بالطبع لا نشك فى أمومتك ، فبداخلك أمومه تفوق أعظم الأمهات ولكن الإيمان أعلى وأجل .. ولا اعلم لم اذكرك هنا وأنت بين الصفا والمروة تبحثين عما يحفظ لك حياة ولدك .. نعم اذكرك حتى ادفع كل وساوس تقف أمامى فى أمومتك .. رسالة لمن يشك فى أمومتك .. ولكن طاعة ربها أعلى وأجل من طاعة أمومتها ..

ولكأنى اذكر ما قاله أحد قادة حماس عندما سُأل :- ألا تحبون أولادكم ؟! .. ألا تجرى عواطف الأبوة بعروقكم ؟! .. كيف تدفعونهم لعمليات استشهادية يفارقونكم بها ويموتون ؟! .. فكانت الإجابة ما أعمقها وما أروعها ؟! .. يا سيدى إن حبنا لهم يفوق كل حب ولأننا نحبهم نريدهم بجوارنا أبد الآبديين .. فاللقاء الذى لا فرق بعده فى فردوس أعلى وهنا نلتقى يوم لا فراق بعده .. فمرحباً بشهادة يعقبها لقاء لا فراق ..
وما أجمل ما قالته يا إسماعيل :- ( افعل ما تؤمر ) ولم تقل :- ( افعل ما تريد ) :- لتبين لنا وتعلمنا أنك عبد لله وأن طاعتك لله .. وأن أباك ما فعل هذا إلا طاعة الله .. وهنا يعين الابن أباه على طاعته لخالقه .. افعل وستجدنى صابراً .. اطع وستجدنى مطيعاً .. وكله بمشيئة الخالق ، فالفضل كله لله إن هو أعانه على ما يطلب إليه .. أليست هذا كله جهد جهدته الأم فى تربية ولدها ؟! .. أليست هذه نتيجة ما قدمت وثمرة ما زرعت ؟! ..

وهذه هاجر العملاقة :- إنها تقذف إبليس اللعين بالجحارة .. جاءها ليكلم أمومتها فردت عليه بإيمانها .. ولم تجد إلا الحجارة لتقذفها به لتكون لنا سنة أن نقذفه ونرجمه وهذا ما بيننا وبينه ..
وبعد كل هذه البركات والنفحات :- لم تقطع السكين ، بإرادة الله عز وجل ، عندها فداه الله عز وجل ، بكبش عظيم من الجنة ، أبيض الصوف ذي قرنين كبيرين .

غير عتبة بيتك ..
إنه الأب الحانى الذى يتفقد ولده :- وقد حُفظ لنا مشهدان لزوجتين تزوجهما ولده إسماعيل .. والأب ينصح ويقوّم ، ( غيِّر عتبة بابك ).. ( ثبِّت عتبة بابك ) ؛ وهنا تأتى من تخلف هاجر الحبيبة التقية الموصولة بربها :- ( نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ ) .. هو هو نفس رضا هاجر .. هى هى الصلة بالله .. قالت ذلك والرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن حالها :-« وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ » ..

وجاءت الزوجة التي تجدد مثال هاجر ؛ صبراً ، وسماحة نفس ، ورضا ؛ وشظف الحياة يحيطها من كل جانب ، ويطل عليها من كل باب ، ويطالعها كل صباح ، وتكتحل به في كل مساء :- ( نحن بخير وسعة ) .
يقول الأستاذ رفاعي سرور في كتابه ( بيت الدعوة ) :- ( مع الحب يأتي الرضا ؛ فالزوجة عندما تكون راضية عن زوجها وعيشها فإن هذا الرضا يمثل في حماية البيت طاقة الدفاع الكاملة .. وإن كانت غير راضية فستخرب بيتها بيدها ؛ ولذلك نجد أن سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما زار ابنه إسماعيل ووجده قد تزوج ؛ فسأل زوجته عن الحال والمعيشة فقالت الحال في ضيق ؛ فرأى إبراهيم أنها غير راضية فقال لها :- " إذا جاء إسماعيل فأقرئيه مني السلام ، واطلبي منه أن يغيِّر عتبة بابه " ؛ فلما جاء إسماعيل أخبرته بما حدث ؛ فقال لها :- " أنت العتبة.. الحقي بأهلك " ، وطلقها..

فنجد في هذا الحديث أن إبراهيم سمع قول الزوجة ؛ فأمر إسماعيل بأن يطلقها دون أن يتبين حالتها فعلا ؛ لأن المسألة لا تتعلق بحالة الزوجة الفعلية ؛ بل تتعلق بإحساسها بحالها ومعيشتها.. وقد كان هذا الإحساس وحده كافيا لأن يحكم إبراهيم الخليل عليه السلام بطلاقها ؛ إذ أنه لا أمان للمرأة التي لا تشعر باستقرارها وسعادتها مع زوجها في بيته ، كما أن إسماعيل لم يتردد في تنفيذ ما طلبه إبراهيم ؛ لأنه يعلم :- أن هذا هو الحق ..

ronya
2009-12-09, 01:15 AM
مع هاجر مدرسة التضحية ..

محمود القلعاوى – مصر .

لا اعلم عندما نتكلم عن التضحية هل نذكر كلمة التضحية أم نذكر اسم أمنا هاجر عليها السلام .. هاجر أم إسماعيل زوج إبراهيم عليه السلام .. هاجر التى صارت معلماً نسائياً فى التضحية وفى الفداء بما مرت به من تجارب قاسية .. فى مثل هذه الأيام من كل عام يحاول الحجيج أن يلحقوا بها بين الصفا والمروة أشواطاً .. يصعدون وينحدرون إنها الذكرى ذكرى التضحية .. ذكرى أمنا هاجر .. نجدد العهد .. ولكن لم هرولت يا هاجر ؟! .. هرولت حيث لم يكن معها أحد أما وقد صارت بين الرجال فلا يليق لها الهرولة وقد بنى أمرها وأمر بنات جنسها على الإستتار .. ولكنها هرولت هرولة صاحبة الهمة العالية .. فلا مكان لأصحاب النفوس الكسولة المتراخية بين الأمم .. وإنما تظهر الهمة العالية فى الإضطباع عند الحجيج عندما يبرزون اليد والذراع الأيمن في همة ونشاط: "رحم الله امرأً أراهم اليوم من نفسه قوة".

تنتقل من تضحية إلى تضحية
أراك أيتها العظيمة حياتك تنتقل من شدة إلى شدة ومن تضحية إلى تضحية .. أراك تنتقلين من تضحية :- ( إذن لن يضيعنا الله أبداً ) وصدمتها وتمر الأيام عليك شديدة أشد ما تكون .. ثم تنتقلين إلى شدة وتضحية تربية ولدك فى غيبة أبيها وتكونى حافظة للأمانة لقد بذلت جهدها في أن تحافظ على صغيرها من انحراف المنحرفين .. لا شك أن الصغير رأى وسمع ما عليه بعض الشباب من سقطات ولكنها وقفت صلبة قوية أمام كل هذا .. وقفت لتورث ولدها ما رُبيت عليه وما هو عليه أبوه .. ورثت الولد البر والطاعة والإخلاص .. ورثته كل هذا فكان نعم المعين له أن يمر بمراحل عمره دونما سقوط وما شابه .. فكانت هاجر حافظة لأمانتها حق الحفظ .. ثم شدة أخرى ما أشدها وما أعظمه من تضحية يوم أن جاء زوجك يعلم ولدك بأنه سيذبحه :- ( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) .. رغم تمزق قلبها واحتراقه على فلذت كبدها وابن عمرها ..لم تعترض ولو بكلمة واحدة .. أي أمٍ أنتِ يا هاجر ؟! .. ثم يكن أيامك الأخيرة بين ولدك وزوجته شاكرة لربك حياتك كلها راضية غير ساخطة عما عشتيه فى حياتك كلها .. حياة كلها تضحية وفداء ..
ومع كل هذا ما ذكر القرآن تذمرا لهاجر، ولا تلكؤا ولا دموعا قاهرة، والدموع سلاح المرأة القتال، ولا عبارات خاذلة لعزم إبراهيم عليه السلام المهاجر إلى الله، وهذا واجب المرأة المسلمة، تصبرا على ما في قلبها من لوعة، وجلدا مع ما في النفس من شجون، وطاعة على ما في أمر الزوج من مشقة.
ولهذا فعندما ننظر للتضحية كل عام يكون ذلك إحياء لقصة غير متكررة قصة الفداء العظيمة ذات الأبطال الثلاثة الأب الطائع ، والأم الصابرة ، والابن البار ..

التضحية طريق المجد ..
نعم فلا يمكن لأمة من الأمم أن تتبوأ عرش المجد والتمكين إلا بعد ترويض النفس وتهذيب الخلق والإنتصار على الذات .. إلا بعد تضحية وفداء بذل وعطاء .. والإسلام يشهد على ذلك كله فالبذل فى سبيل المصلحة العامة من شيم العظماء .. وإراقة الدماء لرى شجرة النصر والتمكين ..
.. وكم رأينا وسمعنا وشاهدنا إنه لم يأتى التمكين والعلو والعزة إلا على أكتاف عظماء عمالقة النفس ضحو فى سبيل الحق والخير والعدل ..
وقد غرس الإسلام فينا التضحية والفداء بالمال والروح في نفوس الكبار والصغار، الرجال والنساء، الشيوخ والأطفال، حتى صارت التضحية سارية في عروق العرب والمسلمين ودمائهم، وحتى صار البذل والفداء في سبيل الله والمثل العليا جزءا لا يتجزأ من نفوسهم وأفئدتهم . كل هذا ليكون النصر والتمكين هو طريقنا ..

التضحية فى حياة الحبيب صلى الله عليه وسلم
يقول فضيلة الشيخ الشيخ أحمد كفتارو - المفتي العام للجمهورية العربية السورية رئيس مجلس الإفتاء الأعلى :- ( ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم معنى من معاني التضحية والفداء إلا تحمله وبذله ، لقد تحمل بنفس هادئة راضية الأذى والاضطهاد والمقاطعة له ولأنصاره ، فلا بيع منهم ولا شراء ولا مزاوجة ولا نكاح .. لقد رُجم بالأحجار حتى سالت الدماء على عقبيه فتحمل ذلك غير واهن ولا خائر، وصودرت أمواله وداره فلم يحزن ولم ييئس ، ودبرت المؤامرات المتنوعة لاغتياله فلم يهن ولم يحزن .. لقد قدم سخياً راضياً كل ما يملك من مال وروح وراحة ومهج ة، مضحياً باذلاً كل ذلك في سبيل الله )

فضائل من يسير على مع الركب ..
وانظرى أختى الكريمة أجر من يطبق سنة كانت أمنا هاجر سبب فى وجودها :-

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :- ( ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من هراقة دم ، وإنه لتأتي يوم القيامة بقرونها ، وأظلافها وأشعارها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض ، فطيبوا بها نفسا ) رواه ابن ماجة والترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب .
وعن زيد بن أرقم قال :- ( قلت أو قالوا يا رسول الله :- ما هذه الأضاحي ؟ قال : سنة أبيكم إبراهيم ، قالوا : مالنا منها ؟ .. قال : بكل شعرة حسنة ، قالوا : فالصوف ؟ قال : بكل شعرة من الصوف حسنة ) رواه أحمد وابن ماجة .
كما حض النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على الأضحية هذا اليوم توسعة على الأهل والفقراء في قوله :- ( من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا ) رواه البخاري ومسلم
وقال زيد بن أرقم :- (يا رسول الله ما لنا في الأضاحي ؟ .. فقال :- لكم بكل شعرة حسنة ، قلت :- فالصوف ؟ .. قال :- بكل شعرة من الصوف حسنة ) رواه الديلمي عن ابن عباس.

كلمة قبل أن نسدل الستار ..
وها هو الستائر تسدل وتتوفى هاجر ، وتنتهى القصة بجزيرة العرب بعد ما بدأت بمصر .. بدايتها بلاط الملوك ثم خيمة الأنبياء ثم مروراً بضفاف النيل الرائعة ثم خيام الصحراء .. حياة كلها بلاء وشدة وتضحية وفداء .. وتُسدل الستائر على حياة قصيرة المدة طويلة الدروس والعبر .. حياة أولها خروج إسماعيل ، وخبرها الأخير ميلاد محمد عليه الصلاة والسلام .. وداعاً يا أمنا الحبيبة .. يا أمنا الرائعة .. عشت معك وعشنا معك فى ثلاث مقالات متتاليات .. كم تعلقت قلوبنا بك .. الله أسأل أن يجمعنا بك فى الفرودس الأعلى .. سبحانك الله وبحمدك نشهد ألا لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب عليك ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خيراً أخي محمود القلعاوى جعله الله في ميزان حسناتك
رزقنا الله واياكم صحبتهم في الفردوس الاعلى من الجنة