إدريسي
2010-03-07, 02:38 PM
أ.د. جعفر شيخ إدريس
إذا كنت تظن أن الوهابية التي يتحدث عنها السياسيون والكتاب الغربيون محصورة فيما دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتبه وأحاديثه ودروسه ، أو أن الوهابيين هم فقط أولئك الذين وافقوا الشيخ فيما دعا إليه ، فأنت مخطئ . الوهابية عند هؤلاء هي وصف لكل أخذ لدين الإسلام مأخذ الجد ؛ حتى لو كان الآخذ إنساناً لم يقرأ للشيخ حرفاً واحداً ولم يتسَمَّ باسمه ولا كان موافقاً له في بعض ما قال ؛ بل إنها وصف لكل من يأخذ بجد بعض ما أجمع عليه المسلمون حتى لو كان ممارساً لبعض البدع ، أو مؤمناً ببعض الخرافات . الوهابية عند هؤلاء مرادفة للأصولية التي هي الإيمان بأن القرآن كله كلام الله تعالى ، وأن الالتزام به واجب على كل مسلم . الوهابي هو المسلم الذي يواظب على الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويؤدي الزكاة ويحج إن استطاع إلى بيت الله الحرام . إنه المسلم الذي لا يشرب خمراً ولا يتناول رباً ولا يرى اختلاط الرجال بالنساء ، ولا يؤمن بقيم الحضارة الغربية المخالفة للإسلام . المسلم الوهابي هو الذي يرى أن دينه هو الحق وأنه يحثه على دعوة الناس إلى الإسلام . الوهابي باختصار هو كل مسلم يحاول الالتزام بتعاليم دينه حتى لو كان يعيش في البلاد الغربية . ويبدو أن الذي اقترح على السياسيين هذه التسمية لكل مسلم ملتزم بدينه بعض المختصين في الدراسات الإسلامية . وربما كان اقتراحهم لها لأسباب سياسية . ربما يكون قد قال لهم إنكم ستستفزون مشاعر المسلمين إذا صرحتم لهم بأنكم لا تريدونهم أن يلتزموا بكتاب ربهم ولا بسنة نبيهم ، ولا أن يأخذوا شيئاً من دينهم بقوة ؛ فامكروا عليهم بالحديث عن الوهابية بدلاً من الحديث عن الإسلام أو الكتاب والسنة ؛ لأن في العالم الإسلامي أناساً كثراً لهم مشكلة مع الوهابية ، ولأنهم قد أثاروا حولها تهماً ، وألصقوا بها تعاليم نحن نعلم أنه لا علاقة لكثير منها بها . ومع أننا لا نتفق مع هؤلاء في كل الأسباب التي دعتهم إلى معاداة الوهابية ؛ فإن موقفهم المعادي لها مما يمكن أن يساعد على تحقيق مآربنا وخدمة مصالحنا .
مَنِ المسلمُ غير الوهابي إذن ؟ هو المسلم الذي يفهم القرآن فهمهم لكتبهم ، ويطبق دينه تطبيقهم لدينهم ، ولا يعترض على شيء من ثقافتهم ، ولا يدعو إلى مناهضة شيء من سياستهم حتى لو كان يراها ظالمة وضارة ببلده ، ولا ينبس ببنت شفة عن كلمة اسمها الجهاد . إن كل من يفعل هذا عدو لهم ؛ لأنه يعرقل ما يعدونه مصلحة وطنية لهم .
ما معنى أن يفهم دينه فهمهم لدينهم ؟ لعل أحسن جواب على هذا السؤال كلمة قالها رجل تابع للكنيسة الأبسكوبيلية ( وهي كنيسة أمريكية تابعة للكنيسة الإنجليزية ) . هذا قس اسمه ( روبنسون ) يستعلن بشذوذه الجنسي ، بل يأتي إلى بعض الاجتماعات الدينية إلى جنب « صاحبه » الذي يفجر به والإعاذة بالله . لم ترَ الكنيسة رغم هذا كله بأساً من انتخابه لمنصب عال فيها هو منصب الأسقف . انتخبته أعلى هيئة فيها بأغلبية ستين عضواً إلى أربعين تقريباً . في مؤتمر صحفي بعد فوزه اعترف هذا الأسقف بأن معارضي انتخابه كانوا على حق في قولهم بأن الشذوذ الجنسي أمر مخالف لتعاليم الكنيسة ، ثم مضى يقول : ( أن تقول ببساطة إنه مخالف للتقاليد ولتعاليم الكنيسة وللكتاب المقدس لا يعني بالضرورة أنه خطأ . إننا نعبد إلهاً حياً ، وهذا الإله هو الذي يقودنا إلى الحقيقة ) .
ذكَّرت إخواننا المصلين في خطبة جمعة خطبتها بعد هذا الخبر [1] ، بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : « لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه » . قصدت بهذا أن لا نستغرب إذا جاءنا ممن يدعي الإسلام من يقول كلاماً مثل هذا أو قريباً منه ، كأن يقول مثلاً : إن كون قول أو فعل ما مخالف لما كان عليه المسلمون ، ومخالف للأحاديث النبوية ، ومخالف لآيات القرآن الكريم لا يعني بالضرورة أنه خطأ . أقول إن مثل هذا هو المسلم الذي يرضى عنه بعض هؤلاء الذين يتحدثون عن التشدد وعن الأصولية وعن الوهابية . ألم يقل الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ] وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً [ ( الإسراء : 73 ) . ثم ألم يقل الله تعالى عن بعض اليهود و النصارى المصرِّين على كفرهم : ] وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [ ( البقرة : 120 ) ؟
ويبدو الآن أن اتباع ملتهم ليس محصوراً في اعتقاد ما يعتقدون ، ولكنه يشمل طريقتهم في فهم الدين وتحريفه . فكل من يتبع منهجهم هذا في تحريف دين الإسلام وعدم أخذه بقوة كما أمر الله سبحانه وتعالى فهو ممن يرضون عنه . يظهر عدم رضاهم عمن لا يأخذ بمنهجهم في فهم الدين الإسلامي في كلام كثير منهم . ولعل من أوضح ذلك ما ذكره الرئيس السابق كلينتون في محاضرة ألقاها بجامعة مشهورة في واشنطن العاصمة هي جامعة جورج تاون ، وقد كنت أشرت إليها في بعض المحاضرات ، ثم ناقشت أجزاء منها بشيء من التفصيل مع بعض الشباب بمقر دار الأرقم بواشنطن . مما قال كلينتون في تلك المحاضرة أن الخلاف الأساس بيننا وبينهم - يعني المسلمين أو جماعة منهم - هو تصورنا لطبيعة الحقيقة . فنحن نعتقد أنه لا أحد يعلم الحقيقة كلها ، ولذلك نرى أن كل إنسان له اعتبار . أما هم فيرون أنهم يعرفون الحقيقة كلها ، ولهذا يرون أنك إذا لم تكن مسلماً فإنك كافر ، وإذا كنت مسلماً ولم توافقهم فأنت مبتدع ، وأنك في الحالين هدف مشروع حتى لو كنت طفلة في السادسة من عمرها .
كان مما قلته في تلك المحاضرة [2] أنه إذا كان المقصود بالحقيقة كلها معرفة كل شيء فنحن أول من يعترف بأن هذا أمر لا يتصف به بشر ؛ وإنما هو من صفات الله تعالى ، وحتى إذا كان المقصود به معرفة كل شيء عن بعض الأشياء فنحن نؤمن بأن الله تعالى هو وحده المحيط بكل شيء علماً . إننا لا نعرف كل شيء حتى عن ربنا الذي نعبده ؛ فإن من أسمائه ما استأثر هو وحده بعلمه . لكن ما نعرفه عنه سبحانه وإن كان قليلاً فإنه يكفي لإقناعنا بأنه هو وحده الذي يستحق أن يُعبد ، وأنه هو الذي أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم . وكذلك ما نعرفه عن أمورنا الدنيوية ولله المثل الأعلى هو أيضاً كاف لاستفادتنا منها . فنحن قبل أن نعرف أن الماء مكون من هيدروجين وأكسجين كنا نعرف أنه يروي الظمأ وأنه ضروري لإنبات الزرع ، وأنه ينقي من الوسخ ، وهكذا . فمحدودية العلم لا تعني نسبية الحقيقة ، بل إن فيما نعرفه ما دام حقاًَ البرهان القاطع على أن نقيضه باطل . وكان مما قلته أن الكفر معناه إنكار الحقيقة ، أو إنكار ما يزعم أنه حقيقة . فالذي ينكر أن محمداً رسول الله مع علمه بذلك منكر لحقيقة فهو كافر ، والذي ينكر أن يكون غير الله مستحقاً للعبادة هو في التعبير القرآني كافر بالطاغوت . وقلت أيضاً إن أساس علاقتنا مع من لا يؤمن بالإسلام هي دعوته إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومجادلته بالتي هي أحسن ، وأننا لا نقتل إنساناً لمجرد أنه كافر وإلا لما بقي في العالم منهم اليوم عين تطرف . ثم كيف يأمرنا ديننا بقتل كل كافر وهو يُحل لنا الزواج بالمحصنات من أهل الكتاب ؟ أفنعقد عليها ثم نسلُّ سيفنا لنضرب عنقها ؟ أما الأطفال فهم في حكم ديننا مسلمون ؛ فلماذا نقتلهم ؟
________________________
(1) انظرها في موقعنا على الإنترنت :
www. jaafaridris.com
(2) كانت المحاضرة بالإنجليزية وتجد نصها في موقعنا المشار إليه . .
إذا كنت تظن أن الوهابية التي يتحدث عنها السياسيون والكتاب الغربيون محصورة فيما دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتبه وأحاديثه ودروسه ، أو أن الوهابيين هم فقط أولئك الذين وافقوا الشيخ فيما دعا إليه ، فأنت مخطئ . الوهابية عند هؤلاء هي وصف لكل أخذ لدين الإسلام مأخذ الجد ؛ حتى لو كان الآخذ إنساناً لم يقرأ للشيخ حرفاً واحداً ولم يتسَمَّ باسمه ولا كان موافقاً له في بعض ما قال ؛ بل إنها وصف لكل من يأخذ بجد بعض ما أجمع عليه المسلمون حتى لو كان ممارساً لبعض البدع ، أو مؤمناً ببعض الخرافات . الوهابية عند هؤلاء مرادفة للأصولية التي هي الإيمان بأن القرآن كله كلام الله تعالى ، وأن الالتزام به واجب على كل مسلم . الوهابي هو المسلم الذي يواظب على الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويؤدي الزكاة ويحج إن استطاع إلى بيت الله الحرام . إنه المسلم الذي لا يشرب خمراً ولا يتناول رباً ولا يرى اختلاط الرجال بالنساء ، ولا يؤمن بقيم الحضارة الغربية المخالفة للإسلام . المسلم الوهابي هو الذي يرى أن دينه هو الحق وأنه يحثه على دعوة الناس إلى الإسلام . الوهابي باختصار هو كل مسلم يحاول الالتزام بتعاليم دينه حتى لو كان يعيش في البلاد الغربية . ويبدو أن الذي اقترح على السياسيين هذه التسمية لكل مسلم ملتزم بدينه بعض المختصين في الدراسات الإسلامية . وربما كان اقتراحهم لها لأسباب سياسية . ربما يكون قد قال لهم إنكم ستستفزون مشاعر المسلمين إذا صرحتم لهم بأنكم لا تريدونهم أن يلتزموا بكتاب ربهم ولا بسنة نبيهم ، ولا أن يأخذوا شيئاً من دينهم بقوة ؛ فامكروا عليهم بالحديث عن الوهابية بدلاً من الحديث عن الإسلام أو الكتاب والسنة ؛ لأن في العالم الإسلامي أناساً كثراً لهم مشكلة مع الوهابية ، ولأنهم قد أثاروا حولها تهماً ، وألصقوا بها تعاليم نحن نعلم أنه لا علاقة لكثير منها بها . ومع أننا لا نتفق مع هؤلاء في كل الأسباب التي دعتهم إلى معاداة الوهابية ؛ فإن موقفهم المعادي لها مما يمكن أن يساعد على تحقيق مآربنا وخدمة مصالحنا .
مَنِ المسلمُ غير الوهابي إذن ؟ هو المسلم الذي يفهم القرآن فهمهم لكتبهم ، ويطبق دينه تطبيقهم لدينهم ، ولا يعترض على شيء من ثقافتهم ، ولا يدعو إلى مناهضة شيء من سياستهم حتى لو كان يراها ظالمة وضارة ببلده ، ولا ينبس ببنت شفة عن كلمة اسمها الجهاد . إن كل من يفعل هذا عدو لهم ؛ لأنه يعرقل ما يعدونه مصلحة وطنية لهم .
ما معنى أن يفهم دينه فهمهم لدينهم ؟ لعل أحسن جواب على هذا السؤال كلمة قالها رجل تابع للكنيسة الأبسكوبيلية ( وهي كنيسة أمريكية تابعة للكنيسة الإنجليزية ) . هذا قس اسمه ( روبنسون ) يستعلن بشذوذه الجنسي ، بل يأتي إلى بعض الاجتماعات الدينية إلى جنب « صاحبه » الذي يفجر به والإعاذة بالله . لم ترَ الكنيسة رغم هذا كله بأساً من انتخابه لمنصب عال فيها هو منصب الأسقف . انتخبته أعلى هيئة فيها بأغلبية ستين عضواً إلى أربعين تقريباً . في مؤتمر صحفي بعد فوزه اعترف هذا الأسقف بأن معارضي انتخابه كانوا على حق في قولهم بأن الشذوذ الجنسي أمر مخالف لتعاليم الكنيسة ، ثم مضى يقول : ( أن تقول ببساطة إنه مخالف للتقاليد ولتعاليم الكنيسة وللكتاب المقدس لا يعني بالضرورة أنه خطأ . إننا نعبد إلهاً حياً ، وهذا الإله هو الذي يقودنا إلى الحقيقة ) .
ذكَّرت إخواننا المصلين في خطبة جمعة خطبتها بعد هذا الخبر [1] ، بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : « لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه » . قصدت بهذا أن لا نستغرب إذا جاءنا ممن يدعي الإسلام من يقول كلاماً مثل هذا أو قريباً منه ، كأن يقول مثلاً : إن كون قول أو فعل ما مخالف لما كان عليه المسلمون ، ومخالف للأحاديث النبوية ، ومخالف لآيات القرآن الكريم لا يعني بالضرورة أنه خطأ . أقول إن مثل هذا هو المسلم الذي يرضى عنه بعض هؤلاء الذين يتحدثون عن التشدد وعن الأصولية وعن الوهابية . ألم يقل الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ] وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً [ ( الإسراء : 73 ) . ثم ألم يقل الله تعالى عن بعض اليهود و النصارى المصرِّين على كفرهم : ] وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [ ( البقرة : 120 ) ؟
ويبدو الآن أن اتباع ملتهم ليس محصوراً في اعتقاد ما يعتقدون ، ولكنه يشمل طريقتهم في فهم الدين وتحريفه . فكل من يتبع منهجهم هذا في تحريف دين الإسلام وعدم أخذه بقوة كما أمر الله سبحانه وتعالى فهو ممن يرضون عنه . يظهر عدم رضاهم عمن لا يأخذ بمنهجهم في فهم الدين الإسلامي في كلام كثير منهم . ولعل من أوضح ذلك ما ذكره الرئيس السابق كلينتون في محاضرة ألقاها بجامعة مشهورة في واشنطن العاصمة هي جامعة جورج تاون ، وقد كنت أشرت إليها في بعض المحاضرات ، ثم ناقشت أجزاء منها بشيء من التفصيل مع بعض الشباب بمقر دار الأرقم بواشنطن . مما قال كلينتون في تلك المحاضرة أن الخلاف الأساس بيننا وبينهم - يعني المسلمين أو جماعة منهم - هو تصورنا لطبيعة الحقيقة . فنحن نعتقد أنه لا أحد يعلم الحقيقة كلها ، ولذلك نرى أن كل إنسان له اعتبار . أما هم فيرون أنهم يعرفون الحقيقة كلها ، ولهذا يرون أنك إذا لم تكن مسلماً فإنك كافر ، وإذا كنت مسلماً ولم توافقهم فأنت مبتدع ، وأنك في الحالين هدف مشروع حتى لو كنت طفلة في السادسة من عمرها .
كان مما قلته في تلك المحاضرة [2] أنه إذا كان المقصود بالحقيقة كلها معرفة كل شيء فنحن أول من يعترف بأن هذا أمر لا يتصف به بشر ؛ وإنما هو من صفات الله تعالى ، وحتى إذا كان المقصود به معرفة كل شيء عن بعض الأشياء فنحن نؤمن بأن الله تعالى هو وحده المحيط بكل شيء علماً . إننا لا نعرف كل شيء حتى عن ربنا الذي نعبده ؛ فإن من أسمائه ما استأثر هو وحده بعلمه . لكن ما نعرفه عنه سبحانه وإن كان قليلاً فإنه يكفي لإقناعنا بأنه هو وحده الذي يستحق أن يُعبد ، وأنه هو الذي أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم . وكذلك ما نعرفه عن أمورنا الدنيوية ولله المثل الأعلى هو أيضاً كاف لاستفادتنا منها . فنحن قبل أن نعرف أن الماء مكون من هيدروجين وأكسجين كنا نعرف أنه يروي الظمأ وأنه ضروري لإنبات الزرع ، وأنه ينقي من الوسخ ، وهكذا . فمحدودية العلم لا تعني نسبية الحقيقة ، بل إن فيما نعرفه ما دام حقاًَ البرهان القاطع على أن نقيضه باطل . وكان مما قلته أن الكفر معناه إنكار الحقيقة ، أو إنكار ما يزعم أنه حقيقة . فالذي ينكر أن محمداً رسول الله مع علمه بذلك منكر لحقيقة فهو كافر ، والذي ينكر أن يكون غير الله مستحقاً للعبادة هو في التعبير القرآني كافر بالطاغوت . وقلت أيضاً إن أساس علاقتنا مع من لا يؤمن بالإسلام هي دعوته إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومجادلته بالتي هي أحسن ، وأننا لا نقتل إنساناً لمجرد أنه كافر وإلا لما بقي في العالم منهم اليوم عين تطرف . ثم كيف يأمرنا ديننا بقتل كل كافر وهو يُحل لنا الزواج بالمحصنات من أهل الكتاب ؟ أفنعقد عليها ثم نسلُّ سيفنا لنضرب عنقها ؟ أما الأطفال فهم في حكم ديننا مسلمون ؛ فلماذا نقتلهم ؟
________________________
(1) انظرها في موقعنا على الإنترنت :
www. jaafaridris.com
(2) كانت المحاضرة بالإنجليزية وتجد نصها في موقعنا المشار إليه . .