المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ولاؤنا لمن؟



لطفي عيساني
2010-03-17, 01:26 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الولاء للمؤمنين، والبراءة من الكافرين وأهل الباطل أصل من أصول العقيدة، ومع أهميته وجلالته إلا أنه يحصل الإخلال به في صور شتى، ومواقف متنوعة، ولهذا وجب إيضاح جوانب من الخلل الحاصل في هذا الباب لاسيما باب الولاء للمؤمنين، وهذا بعض ما تناوله الدرس.
الحمد لله القائل في كتابه: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ[55]وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ[56]))[سورة المائدة]، وأشهد أن محمداً - صلى الله عليه و سلم - عبده ورسوله، أول من خاطبه الله - سبحانه وتعالى - بقوله: (( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ...[4]))[سورة الممتحنة]، أما بعد:
فإن عقيدة الولاء والبراء من أسس عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي ليست قضية متعلقة بالسلوك والأخلاق والمعاملة، بل هي قضية عقيدة يترتب عليها الكفر والإيمان.
ومرجع هذا كله الولاء له - سبحانه -، فقد أمر الله نبيه - صلى الله عليه و سلم - بأن يعلن ولاءه لله: (( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ[196]))[سورة الأعراف]، وما يتفرع عن ذلك من محبة المؤمنين وموالاتهم، ومن إظهار العداوة والبغضاء لأعداء الله إنما يعود إلى هذا الأصل ألا وهو الولاء والبراء لله - سبحانه -، ولذلك يحصر الله - عز وجل - الولاية بهذا الحصر: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ[55]))[سورة المائدة].
عقيدة الولاء والبراء تستحق أن يعنى بها بحثاً وتأصيلاً وحديثاً ومناقشة لأنها من أسس عقيدة أهل السنة والجماعة، وبخاصة أنه قد حصل الإخلال بها كثيراً في هذا العصر، وأنه قد يترتب على الإخلال ببعض واجباتها ولوازمها الكفر والردة.
وجانب مهم في هذه العقيدة ينسى أو يغفل عنه عندما نتحدث عنها ألا وهو الولاء للمؤمنين، فالولاء والبراء أو الموالاة والمعاداة كلمة ذات شقين:
الشق الأول: هو الولاء أو الموالاة.
الشق الثاني: هو البراء والمعاداة.
وهما قضيتان متلازمتان لا ينبغي الفصل بينهما أبداً، ومن هنا فسوف أتناول - بمشيئة الله - بعض جوانب الولاء للمؤمنين وما يتعلق بذلك.

معنى الولاء:
في اللغة: قال في لسان العرب: " الموالاة كما قال ابن الأعرابي أن يتشاجر اثنان فيدخل ثالث بينهما للصلح، ويكون له في أحدهما هوى فيواليه أو يحابيه، ووالى فلاناً إذا أحبه، والموالاة ضد المعاداة والولي ضد العدو".
وأما في الاصطلاح، فهي: النصرة، والمحبة، والإكرام، والاحترام، والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطناً.

أقسام الناس في الولاء والبراء:
الناس عند أهل السنة بالنسبة للولاء والبراء أقسام ثلاثة:
القسم الأول: من يُتَبَرَّأُ منهم جملة وهم الكفار: فالواجب على المسلمين البراءة منهم والعداوة لهم والبغضاء، بل لا يكفي مجرد البغض ولا مجرد العداوة، فلا بد من إظهارها وإعلانها، ولذلك يقول الله - سبحانه وتعالى -: (( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ...[4]))[سورة الممتحنة]، أي ظهرت العداوة والبغضاء؛ فلا يكفي مجرد وجود البغض والعداوة في القلب بل لا بد من إظهارها وإعلانها لهم، سواء أكانوا من اليهود، أم من النصارى، أم من المجوس، أم من المرتدين، أم من أي طائفة أخرى ما داموا كفاراً أعداءً لله - سبحانه وتعالى -.
ولقد قال الله - سبحانه وتعالى - لنبيه نوح لما سأله أن ينجي ابنه قائلاً: (( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي..[45]))[سورة هود]، قال - تعالى -: (( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ..[46]))[سورة هود].ولذلك أغرقه الله مع الذين غرقوا.
وأما ما يجوز من التعامل معهم في البيع والشراء ونحو ذلك فهذا باب آخر غير المودة والمحبة القلبية والوقوف معهم ونصرتهم، هذا هو الصنف الأول وهم الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم، والواجب هو إظهار العداوة والبغضاء وإعلانها لهذا الصنف وهذه الطائفة.

القسم الثاني: مَنْ يُوَالَى جملة وهم المؤمنون: وتتفاوت درجات الولاء والمحبة للمؤمنين داخل هذه الدائرة، فهم يشتركون في أصل الولاء لكن درجات الولاء والمحبة تتفاوت تبعاً لقربهم من الله.

القسم الثالث: من يجتمع فيهم الولاء والبراء: وهو من اجتمعت فيه الطاعة والمعصية من فساق المسلمين، ويتفاوت الناس داخل هذه الدائرة تبعاً لمدى قربهم من المؤمنين الخلّص، ومدى بعدهم عنهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:" ليعلم أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك، فإن الله - سبحانه - بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه والبغض لأعدائه، فإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور، وطاعة ومعصية، وسنه وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر؛ فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة... إلى أن قال - رحمه الله - هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم عليه ".
وكلامه طويل في تقرير هذه القضية، وهي قضية قد يغفل عنها ويخطئ فيها كثير من الخيِّرين؛ فحينما يقع من بعض المسلمين مخالفة: إما معصية، أو شبهة، أو هوى، أو بدعة؛ فإنه يتبرأ منه جملة، ولا يمنح له أي قدر من الولاء.

لوازم الولاء للمؤمنين ونتائجه:
هذا الولاء للمؤمنين ينشأ عنه لوازم وأمور، منها:
الأمر الأول: المحبة للمؤمنين: لقد أخبر النبي - صلى الله عليه و سلم - أن ممن يظلهم الله - سبحانه وتعالى - في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (..رَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ..) رواه البخاري ومسلم، وأخبر - صلى الله عليه و سلم - أن المرء يحشر يوم القيامة: ( مَعَ مَنْ أَحَبَّ) رواه البخاري ومسلم، وأخبر - صلى الله عليه و سلم - أيضاً أن ذلك طريق لتحقيق وحصول لذة الإيمان وحلاوته فقال: ( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) رواه البخاري ومسلم. فجعل النبي - صلى الله عليه و سلم - من شروط تحقيق حلاوة الإيمان وحصول لذته أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، فالمسلم متعبد بمحبة إخوانه المؤمنين.

الأمر الثاني: التألم لمصائبهم وآلامهم: وهي قضية لا يعذر بها أحد أبداً، فالمشاعر القلبية أمر يملكه كل الناس، ولا يعجز عنه أضعفهم، يملك المسلم أن يتألم لآلام إخوانه المسلمين، وأن يتفاعل مع مصائبهم وإن عجز عن أن يقوم بنصرتهم بماله أو نفسه، ويشبه النبي - صلى الله عليه و سلم - المؤمنين بالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، فما مدى تحقق هذا الوصف فينا؟ وما مدى مراعاتنا لهذا الأمر؟ ما مدى تألمنا لآلام المسلمين ومصائبهم: سواء أكانوا من عامة المسلمين أم من الدعاة والمصلحين؟
إن أبشع أنواع انتهاكات حقوق الإنسان، وأبشع أنواع الظلم والاضطهاد يسام فيه إخواننا المسلمون، سواء أكانوا من الدعاة - وهؤلاء لهم ولاء أعظم وأتم من غيرهم - أم كانوا من عامة المسلمين المستضعفين - وهؤلاء أيضاً لهم حق الولاء والمحبة والنصرة -، وها نحن الآن لا نفيق من مصيبة من مصائب إخواننا المسلمين حتى نصاب بمصيبة أخرى، حتى أصبحت مصائب إخواننا المسلمين بعضها يشغل عن بعض.

الأمر الثالث: التأييد والإعانة: فمن حق المؤمن أن نقف معه و نؤيده، خاصة عندما يكون قائماً بأمر الله يسعى إلى تطبيق شرع الله بين الناس، فلا يعذر أحد أبداً من المسلمين في ترك الوقوف معه وإعانته وتأييده، ولو بالدعاء، أو المقال واللسان.
فمن حق المؤمنين علينا - وبخاصة القائمين بأمر الله، والدعاة إلى الله - أن نؤيدهم ونعينهم ونقف معهم؛ فالكلمة التي تقولها لأحد القائمين لأمر الله ربما زادته حماسة وقناعة بما هو عليه فازداد عملاً، فصار لك أنت نصيب من هذا العمل.
إن هذا القائم بدين الله لا بد أن يواجه مضايقة، ولا بد أن يواجه حرباً وفتنة: (( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ[2]وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ[3]))[سورة العنكبوت]، ومن هنا فهو بحاجة إلى من يؤيده، ومن يدعمه ويقف معه.