المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وليس عليّ إدراك النجاح !



لطفي عيساني
2010-03-18, 11:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

كل ناصحة وموجهة وكل داعية ومربية، تريد أن تعرف نتائج جهودها ومدى تأثر الآخرين بها بلا شك، ولعل هدفها من ذلك التقدم نحو الأفضل، والرغبة في التغيير الإيجابي العملي لمن حولها، كما كان عليه سلفنا الصالح رضوان الله عليهم.
فهذا محمد بن المنكدر - رحمه الله - كان إذا تكلم بكى فأبكى، وكان غيره يقول:"ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة"، ومن الصالحين من نُفي إلى حصن، فأصلح الله أهل هذا الحصن، لما ملكه من صدق التأثير عليهم وحسن البصيرة في دعوتهم.
لكن، هل الداعية مطالبة بتحقيق النتائج الإيجابية والتأثير الفعلي على الآخرين؟! أم شعارها"وعليّ أن أسعى.. وليس عليّ إدراك النجاح"؟!.. هل تأثر الآخرين بالجهود دليل على التوفيق، وإعراضهم دليل الفشل؟! كيف أكون مؤثرة؟! وكيف أعرف بعد عملي أنني أثّرت على من حولي؟!.

مطالبون بالتبليغ:
تقول الأستاذة ليلى السابر - عضو هيئة التدريس في كلية أصول الدين.. قسم السُّنة -:"إن المؤمن صاحب همة عالية، همته تعانق السحاب ولا يرضى بالدون، وهو حين يدعو؛ فإنه يطمح وينتظر الاستجابة إليه، لا لأجل إرضاء ذاته أو نصرة له، إنما لنصرة دين الإسلام وإعلاء كلمة الله في الأرض.
ولكن، أن ينتظر التأثير فور دعوته، هذا يحتاج منا إلى عودة إلى دعوة الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم، هل طولبوا وكلفوا باستجابة الناس لهم؟ لقد مكث بعضهم مئات السنين يدعو إلى الله، لكن الله - عز وجل - يقول مواسيًا نبيه - صلى الله عليه وسلم -: (فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين).
كما وضع لنا ربنا - جل وعلا - قاعدة دعوية هامة حيث قال: (فهل على الرسول إلا البلاغ المبين). إذًا علينا البلاغ والله - عز وجل - يتولى هداية خلقه.
ونجد في مواضع كثيرة من كتاب الله، مواساة الله - عز وجل - لنبيه لكثرة أذى قومه له وإعراضهم عن دعوته، بل لقد طرده أخواله وهم من أقرب الناس إليه، فأنزل الله - تعالى -: (ولا تك في ضيق مما يمكرون).
وقال النووي - رحمه الله - في قوله - تعالى -: (فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر): لا يسقط عن المكلف واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
وها هو القرآن يحدثنا عن قصة أصحاب السبت، حيث استمر الصالحون في نهي العصاة ولم يتركوا النصح بسبب عدم قبولهم، قال - تعالى -: (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون).
قال ابن العربي في تفسير الآية: لما فعلوا هذا نهاهم كبراؤهم ووعظهم أحبارهم فلم يتقبلوا منهم؛ فاستمروا في نهيهم ولم يمنع من التمادي على الوعظ والنهي عدم قبولهم لأنه فرض قبلوا أو لم يقبلوا، حتى قال بعضهم:"لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا؟!"قال لهم الناهون:"معذرة إلى ربكم"، أي نقوم بفرضنا ليثبت عذرنا عند ربنا.
كما أن العمل مع استعجال النتيجة الإيجابية قد يصيب المرء بالإحباط ويقعده عن العمل، إنما عليه أن يبذل الجهد مع تفاؤل بالقبول، وأن النصر لهذا الدين.
وتشير الداعية أمل الشثري – معلمة – إلى واجب الداعية إلى الله، فإن عليه السعي للتأثير بدعوته قدر ما يملك، فلئن يهدي به الله رجلاً واحدًا خير له من حمر النعم، فإن دعا واجتهد ولم يجد أثرًا لدعوته واستجابة
له؛ فقد قام بما عليه وزالت عنه الحجة، فهو ليس مطالبًا بتحصيل النتائج إنما بالدعوة إليها معذرة إلى ربه.
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي: إن المقصود الأعظم من إنكار المنكر هو أن يكون معذرة وإقامة للحجة على المأمور المنهي، ولعل الله أن يهديه فيعمل بمقتضى ذلك الأمر أو النهي.
وتوافق الأخت مشاعل الحسين - خريجة جامعية - ما سبقها من الآراء فتقول: بالطبع لسنا مطالبين بتحصيل النتائج مع طموحنا إليها، فالله - عز وجل - أوحى إلى أنبيائه بالتبليغ ولم يطالبهم بالنتائج، لكن إذا كان الداعية سببًا في هداية الناس فهذا من فضل الله عليه، وإلا فما على الرسول إلا البلاغ.
وفي آيات أخرى، يوجه الله - تعالى - الداعية لئلا يشغل نفسه بنتائج دعوته، (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات)، ويكفي الداعية همًّا وجهدًا وبذلاً أن يشتغل بواجب سبل التبليغ، عن أن ينتظر نتائج دعوته في حياته!.

نجاح أم فشل؟
يتساءل البعض، هل التأثير دليل على القبول والعكس دليل على الفشل؟
تجيب أ.أمل القحيز - الأستاذة في قسم أصول الفقه في كلية الشريعة - على ذلك: إلى حد ما، التأثير دليل على القبول والنجاح، فالشخص حينما يدعو إلى أمر ما سواء كان دينًا أو خلقًا أو محاولة لتغيير من حوله أو إقناعهم بفكره، ووجد في المدعو تأثرًا بما يقول أو يعمل أو يدعو إليه، فإنه يشعر بشيء من قبول ا لآخرين له وبنجاحه معهم.
ولكن ليس بالضرورة أن يكون عدم التأثير دليلاً على الفشل والإخفاق، والتوفيق بيد الله، ولقد وجد دعاة عاملون للدين لم يكتب لهم أي استجابة من أقوامهم جميعًا رغم نجاحهم في التبليغ، فعدم الوصول إلى غاية الجهود لا يعني الفشل أبدًا، بل للنظر إلى جوانب الربح من زيادة الخبرات وتطوير القدرات، وتلافي جوانب التقصير، فالداعية إذا اتخذ أسباب التبليغ على بصيرة، فإن جهدها لن يضيع بإذن الله؛ بل هو في موازين حسناته وأمله بالله قوي بأن يظهر الأثر ولو بعد حين.
وتطرح الأخت مشاعل الحسين احتمالاً في هذا الجانب؛ فتقول: ربما خيل إليه بتأثير ما أنه قد نجح، ثم لم يلبث أن اكتشف مدى وقتية ذلك التأثير، فالنجاح الحق استمرار التأثير ولو بعد حين.

كيف أكون مؤثرة؟!
وسائل التأثير كثيرة ومتعددة كما تذكر ذلك أ.أمل القحيز، وتبين شيئًا منها فتقول: منها: الإحسان إلى الآخرين وأسر قلوبهم بذلك، والإيمان بمبدأ الوفرة لا التوفير، بمعنى أن يعطي الإنسان أكثر مما يأخذ، ومن أجود أنواع العطاء التفضل على المسيء، والله - سبحانه وتعالى - لا يزال يتفضل على عباده بالنعم مع عصيانهم له، فلا هو منعهم بكفرانهم، ولا صرمهم بعصيانهم، والداعية إذا تخلق بخصلة العطاء الوافر حري إن تكلم أن يسمع له، وإن دعا أن يستجاب لدعوته.
ومن وسائل التأثير الاهتمام بهموم الآخرين ومشاكلهم وحسن الإنصات لهم حال حديثهم، على أن يكون ذلك نابعًا من مشاعر صادقة ودودة، ولعل من أكثر أسباب الاختلاف في وجهات النظر عدم الإصغاء إلى الآخرين جيدًا.
ولا تفوتني الإشارة إلى أن كل إنسان لا بد وأن تكون نقطة ضعف فيه يدخل عليها منها، فيكون أدعى للتأثير عليه، وقد تكون هذه النقطة في ميوله أو همومه أو غيرها، فربما ملك الإنسان التأثير الفعال على شخص واحد، فإذا خلصت نيته وصحت أفعاله وهبه المولى القدرة على التأثير على الجماعات والحشود.
وتشير الأخت أمل الشثري إلى بعض وسائل التأثير فتقول: لا يخفى على الجميع ما للكلمة الطيبة إذا خرجت بلسان صادق ونبرة مؤثرة وخاطبت القلوب من غير تشدق ولا تكلف، وقبل ذلك بإخلاص نقي، لأنه ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة، فللإخلاص أثر يهز القلوب ويملك المشاعر. وهناك أمر مهم للغاية، وهو الحصيلة العلمية الوافرة لدى الداعية لتكون أقرب للتأثير، فلا تكون ضحلة المادة، ويجب أن يوافق قولها عملها بلسان فصيح، وتراعي جودة حديثها وتغير نبرات الصوت تبعًا للموقف، ترهب أحيانًا وترغب أخرى، وتعرض المشوق من القصص والأمثال.
وختامًا، توجه أ. أمل القحيز كل من سارت في درب الدعوة، لتكون كفاها مرتفعتان دومًا إلى السماء، بطلب الهداية للناس والصلاح لهم، فالدعاء لمن تدعينه يا أختاه على مسمع منه يجعله يدرك مدى نصحك له وحرصك عليه، فيتولد في قلبه شعور بالود والدفء، ويكون أكثر تهيؤًا للتأثير وأقرب للاستجابة.
نسأل الله - جل وعلا -، أن يهبنا حسن القول والعمل، وأن يجعلنا دعاة هداة مهتدين عاملين، وأن يبارك في جهودنا وينفعنا وينفع بنا ويتقبل منا، ويجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر مباركين أينما كنا.