لطفي عيساني
2010-03-21, 02:14 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة واعتذار واجب..
قصة قصيرة مهداة من الأستاذ علاء سعد حسن في مناسبة استشهاد الفتاة هنادي
عندما يضحي الإنسان بنفسه من أجل أمة.. يمتلك هو الأمة، ومن حق الأمة أيضا أن تفخر به، وهنا تتحول هنادي تيسير جرادات من فتاة محامية بنت أسرتها، إلى بنت الأمة التي تفخر بأن تتحدث عنها وتنسج حولها القصص والروايات، فإلى أهل العروس الشهيدة هنادي - رحمها الله - تعالى - خالص العزاء والتهنئة مختلطين في كلمة واحة، هي كلمة شهادة، وإليهما خاص اعتذاري إن حولت قصتها إلى قصة عامة من حق الأمة أن تتعلق بها وتتعلم تجربتها، معتذرا مرة أخرى على أن الخيال لم يستطع مجاراة واقعها العظيم..
هنادي.. فتاة بألف رجل:
قال لها أستاذها المرموق في مادة القانون الدولي بجامعة جرش الأردنية:
- ليس من العقل في شيء أن يتحول المحامي إلى قاطع طريق يعيد حق المجني عليهم بالقوة، فمهمة المحامي هي الترافع أمام القاضي لإحقاق الحق وبطلان العدوان..
تساءلت هنادي في شك واضح: ومن هو القاضي يا أستاذي؟
- الأمم المتحدة ومجلس الأمن و....
- ردت هنادي في هدوء وحزم: وإذا كان القاضي هو ابن عم المجرم وأخوه من الرضاعة، وصنوه في العداء التاريخي للمجني عليه، وشريكه الذي يقاسمه حقوق المعتدى عليهم بغير وجه حق!!!
- قال الأستاذ حائرا: لست أرى طريقا غيره لاسترداد الحقوق..
- قالت هنادي في إصرار وشجاعة منقطعة النظير: إذن قضيتك خاسرة يا أستاذي..
تهامس الطلاب يتناقلون الإعجاب بشجاعة هنادي ومنطقها.. اختلفوا معها أم اتفقوا.. لكنهم يحنون رؤوسهم إجلالا لقوة شخصيتها وإيمانها بمبدئها..
وأنهى الأستاذ المحاضرة وسط هذا الهمس كأنه أراد أن يحتفظ بطعم كلمات طالبته هنادى في أذنه طرية غضة ليسترجعها في خلوته على مهل.. إذن قضيتك خاسرة يا أستاذي.. عجبا لهذه الفتاة تجمع بين الأدب الجم والخلق الرفيع وقوة الشخصية والإصرار العجيب حتى لكأنه يتضاءل أحيانا وهو يناقشها في بعض القضايا، يظن أنه أصبح التلميذ وهي الأستاذة.. رغم كونه سفيرا فوق العادة لأهم قضايا بلاده الخارجية.. كان دائما يقول: لو أن أعضاء وفد بلادي يتمتعون بنصف ما تتمتع به هذه الطالبة من صلابة، ما خسرنا أية مفاوضات..
هكذا كانت هنادي تيسير محامية شابة وهبت نفسها للدفاع عن قضية أمة ومحنة وطن..
قال لها خطيبها يوما:
- لا شك أن قلبينا ارتبطا معا برباط مقدس، رباط طاهر، رباط ليس أجل ما فيه حب الرجل للمرأة وحب المرأة للرجل.. رباط بدأ بالاجتماع على حب الله - تعالى - وحده.. ومنه بدأ حب الوطن.. تلك القضية المقدسة التي من أجلها تهون كل ملذات الوجود.. ثم جمع الله - سبحانه - قلبينا الطاهرين على حب طاهر عفيف.. هنادي صدقيني لقد اختار المولى لنا مكانا أطهر من هذا لنقيم فيه عرسنا المجيد.. التفتت إليه هنادي متسائلة دون أن تنطق.
- أجابها: ما رأيك في عقد زواجنا في رحاب الأقصى؟
- تعجبت هنادي كيف يتسنى لنا ذلك واليهود.. آه من اليهود.
- قال في عزم وأمل: سيكون زفافنا في مكان أعظم من ثرى الأقصى.. اتسعت عيناها دهشة، لكنه أضاف: سأسبقك يوما إليها شهيدا وهناك سأنتظر.. سأطلب من ربي تأجيل عرسي إلى أن تلحقي بي هناك لنعلن الأفراح في بلاد الأفراح..
كانت هذه الكلمات تتردد في ذاكرة هنادي كلما احتوتها الوحدة أو جن عليها الليل.. كانت ترقب يوما تزف فيه إليه على أبواب الجنة..
يوم استشهاد أخيها فادي وابن عمها صلاح رفضت أن تبكي، تحجرت الدموع في مآقيها.. علمها خطيبها الشهيد أن الشهادة نصر على الأرض وعرس في السماء.. اليوم يزف فادي إلى الحور العين تلك كانت أمنيته الكبرى.. لمحت دمعات تترقرق في عيني الأم، وبريقا خاطفا مثل بريق اللؤلؤ علق بأهداب الشقيقات قالت لهن:
- لا تبكين فدماء فادي لن تضييع هباء..
- قالت الصغرى ومن يثأر له؟
- لمعت عينا هنادي بوميض كالبرق وقالت: ربما أنت..
- تساءلت الصغرى في تشكك: وماذا تستطعن الفتيات أن تفعلن؟
- أجابت هنادي في تصميم: ربما كانت فتاة بألف رجل.. تخيلن.. ألف رجل يعيشون من أجل أنفسهم فقط في كفة ميزان، وفتاة واحدة تموت من أجل وطنها في الكفة الأخرى.. أي الكفتين أرجح في ميزان التاريخ؟
كانت تشتاق إلى الجنة.. تلمح بعين خيالها روح حبيبها الخالدة في حواصل طير خضر نورانية تسرح في الجنة.. أحيانا ترفرف حولها خاصة بعد صلاة التهجد وقبيل صلاة الفجر، حين يحتوي نصف جسدها الأعلى خمارها الأبيض المشرق، وهي فوق سجادة الصلاة الحمراء التي اشتراها لها أبوها من جوار الحرم..
قريبا سوف تؤدي صلاتها الأخيرة في هذه الدنيا فوق سجادة حمراء من دمها القاني على ثرى وطنها السليب..
في ليلتها الأخيرة كانت تبدو مطمئنة واثقة، وجهها يشرق بنور باهر لكنه مريح لا أذى فيه ولا وهج، مثل إشراقة شمس صبيحة ليلة القدر.. لم تنس مداعبة شقيقتها العروس.. كانت في قرارة نفسها توقن أنها ستنام روحها غدا في حضن روح عريسها الشهيد.. لم يفارق المصحف يديها الرقيقتين طوال الليل كأنها تعزف آخر ألحان الحق الخالد لها في هذا الوجود.. صلاتها امتدت للفجر.. لم تحرص على النوم كأنها تعد الساعات تتعجل عقارب الساعة، مشتاقة هائمة تسعى إلى الحبيب العائد بعد غيبة طويلة..
خرجت في السابعة والنصف من صباح السبت، لكن روحها ظلت ترفرف في البيت، وسيظل اسمها يتردد مع زقزقات العصافير عند إشراقة كل صباح، أما سجادتها الحمراء فقد استبدلتها بسجادة الخلود، وخمارها الناصع بدلته بثوب العرس الأبدي..
مقدمة واعتذار واجب..
قصة قصيرة مهداة من الأستاذ علاء سعد حسن في مناسبة استشهاد الفتاة هنادي
عندما يضحي الإنسان بنفسه من أجل أمة.. يمتلك هو الأمة، ومن حق الأمة أيضا أن تفخر به، وهنا تتحول هنادي تيسير جرادات من فتاة محامية بنت أسرتها، إلى بنت الأمة التي تفخر بأن تتحدث عنها وتنسج حولها القصص والروايات، فإلى أهل العروس الشهيدة هنادي - رحمها الله - تعالى - خالص العزاء والتهنئة مختلطين في كلمة واحة، هي كلمة شهادة، وإليهما خاص اعتذاري إن حولت قصتها إلى قصة عامة من حق الأمة أن تتعلق بها وتتعلم تجربتها، معتذرا مرة أخرى على أن الخيال لم يستطع مجاراة واقعها العظيم..
هنادي.. فتاة بألف رجل:
قال لها أستاذها المرموق في مادة القانون الدولي بجامعة جرش الأردنية:
- ليس من العقل في شيء أن يتحول المحامي إلى قاطع طريق يعيد حق المجني عليهم بالقوة، فمهمة المحامي هي الترافع أمام القاضي لإحقاق الحق وبطلان العدوان..
تساءلت هنادي في شك واضح: ومن هو القاضي يا أستاذي؟
- الأمم المتحدة ومجلس الأمن و....
- ردت هنادي في هدوء وحزم: وإذا كان القاضي هو ابن عم المجرم وأخوه من الرضاعة، وصنوه في العداء التاريخي للمجني عليه، وشريكه الذي يقاسمه حقوق المعتدى عليهم بغير وجه حق!!!
- قال الأستاذ حائرا: لست أرى طريقا غيره لاسترداد الحقوق..
- قالت هنادي في إصرار وشجاعة منقطعة النظير: إذن قضيتك خاسرة يا أستاذي..
تهامس الطلاب يتناقلون الإعجاب بشجاعة هنادي ومنطقها.. اختلفوا معها أم اتفقوا.. لكنهم يحنون رؤوسهم إجلالا لقوة شخصيتها وإيمانها بمبدئها..
وأنهى الأستاذ المحاضرة وسط هذا الهمس كأنه أراد أن يحتفظ بطعم كلمات طالبته هنادى في أذنه طرية غضة ليسترجعها في خلوته على مهل.. إذن قضيتك خاسرة يا أستاذي.. عجبا لهذه الفتاة تجمع بين الأدب الجم والخلق الرفيع وقوة الشخصية والإصرار العجيب حتى لكأنه يتضاءل أحيانا وهو يناقشها في بعض القضايا، يظن أنه أصبح التلميذ وهي الأستاذة.. رغم كونه سفيرا فوق العادة لأهم قضايا بلاده الخارجية.. كان دائما يقول: لو أن أعضاء وفد بلادي يتمتعون بنصف ما تتمتع به هذه الطالبة من صلابة، ما خسرنا أية مفاوضات..
هكذا كانت هنادي تيسير محامية شابة وهبت نفسها للدفاع عن قضية أمة ومحنة وطن..
قال لها خطيبها يوما:
- لا شك أن قلبينا ارتبطا معا برباط مقدس، رباط طاهر، رباط ليس أجل ما فيه حب الرجل للمرأة وحب المرأة للرجل.. رباط بدأ بالاجتماع على حب الله - تعالى - وحده.. ومنه بدأ حب الوطن.. تلك القضية المقدسة التي من أجلها تهون كل ملذات الوجود.. ثم جمع الله - سبحانه - قلبينا الطاهرين على حب طاهر عفيف.. هنادي صدقيني لقد اختار المولى لنا مكانا أطهر من هذا لنقيم فيه عرسنا المجيد.. التفتت إليه هنادي متسائلة دون أن تنطق.
- أجابها: ما رأيك في عقد زواجنا في رحاب الأقصى؟
- تعجبت هنادي كيف يتسنى لنا ذلك واليهود.. آه من اليهود.
- قال في عزم وأمل: سيكون زفافنا في مكان أعظم من ثرى الأقصى.. اتسعت عيناها دهشة، لكنه أضاف: سأسبقك يوما إليها شهيدا وهناك سأنتظر.. سأطلب من ربي تأجيل عرسي إلى أن تلحقي بي هناك لنعلن الأفراح في بلاد الأفراح..
كانت هذه الكلمات تتردد في ذاكرة هنادي كلما احتوتها الوحدة أو جن عليها الليل.. كانت ترقب يوما تزف فيه إليه على أبواب الجنة..
يوم استشهاد أخيها فادي وابن عمها صلاح رفضت أن تبكي، تحجرت الدموع في مآقيها.. علمها خطيبها الشهيد أن الشهادة نصر على الأرض وعرس في السماء.. اليوم يزف فادي إلى الحور العين تلك كانت أمنيته الكبرى.. لمحت دمعات تترقرق في عيني الأم، وبريقا خاطفا مثل بريق اللؤلؤ علق بأهداب الشقيقات قالت لهن:
- لا تبكين فدماء فادي لن تضييع هباء..
- قالت الصغرى ومن يثأر له؟
- لمعت عينا هنادي بوميض كالبرق وقالت: ربما أنت..
- تساءلت الصغرى في تشكك: وماذا تستطعن الفتيات أن تفعلن؟
- أجابت هنادي في تصميم: ربما كانت فتاة بألف رجل.. تخيلن.. ألف رجل يعيشون من أجل أنفسهم فقط في كفة ميزان، وفتاة واحدة تموت من أجل وطنها في الكفة الأخرى.. أي الكفتين أرجح في ميزان التاريخ؟
كانت تشتاق إلى الجنة.. تلمح بعين خيالها روح حبيبها الخالدة في حواصل طير خضر نورانية تسرح في الجنة.. أحيانا ترفرف حولها خاصة بعد صلاة التهجد وقبيل صلاة الفجر، حين يحتوي نصف جسدها الأعلى خمارها الأبيض المشرق، وهي فوق سجادة الصلاة الحمراء التي اشتراها لها أبوها من جوار الحرم..
قريبا سوف تؤدي صلاتها الأخيرة في هذه الدنيا فوق سجادة حمراء من دمها القاني على ثرى وطنها السليب..
في ليلتها الأخيرة كانت تبدو مطمئنة واثقة، وجهها يشرق بنور باهر لكنه مريح لا أذى فيه ولا وهج، مثل إشراقة شمس صبيحة ليلة القدر.. لم تنس مداعبة شقيقتها العروس.. كانت في قرارة نفسها توقن أنها ستنام روحها غدا في حضن روح عريسها الشهيد.. لم يفارق المصحف يديها الرقيقتين طوال الليل كأنها تعزف آخر ألحان الحق الخالد لها في هذا الوجود.. صلاتها امتدت للفجر.. لم تحرص على النوم كأنها تعد الساعات تتعجل عقارب الساعة، مشتاقة هائمة تسعى إلى الحبيب العائد بعد غيبة طويلة..
خرجت في السابعة والنصف من صباح السبت، لكن روحها ظلت ترفرف في البيت، وسيظل اسمها يتردد مع زقزقات العصافير عند إشراقة كل صباح، أما سجادتها الحمراء فقد استبدلتها بسجادة الخلود، وخمارها الناصع بدلته بثوب العرس الأبدي..