لطفي عيساني
2010-03-21, 04:32 PM
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1212743902200px-philon.jpg
صورة للمؤرخ الروماني فــيلون السكندري (http://en.wikipedia.org/wiki/Philo)
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
من أهم ما يعاب على تاريخ نشأة المسيحية إختفاء أية أصول ووثائق قديمة وعدم الإحتفاظ إلا بما صاغته الأيادي العابثة، وهو ما ضمنته الأناجيل الأربعة، وما أطلقت عليه كتب وتراث الآباء، وبخلاف ذلك لا أثر لتلك النشأة بصورة علمية موثقة، وهو ما سوف نعرضه من خلال أربعة مقالات لهذه الجزئية، أى لدى المؤرخون القدامى بمختلف أحقابهم، وهم المؤرخون اليهود، والمؤرخون الوثنيون، والمؤرخون اليونان، والإمبراطور جوليان لأنه يمثل نقطة فارقة أو علامة كاشفة سنراها فى حينها. ونبدأ بالبند الأول:
1– المؤرخــــون اليــــهــود:
فــيلون السكندري (http://en.wikipedia.org/wiki/Philo) (13 -20 ق.م -54 م ) Philo of Alexandria
فيلسوف ومثـقـف، ولــد أيــام هيـرود الأكـبر، وتـوفى عـام 54م، أي أنه فرضاً يُعـد معاصراً تماماً ليسوع، وهـو شـديـد الإلمام بكل ما يتعلق باليهود , وتتضمن أعماله 57 عملاً، منها كتاب بعنوان "عصر بيــلاطس " وهـو كتاب لو استطاع أن يضمنه شيئاً عن يسوع المسيح لـوجـد عشرات الإمكانيات، لكنه لم يـذكر يسـوع مـُطلقاً.
ويُعـد فيـلون من كبار مـثـقـفي عصره وأنه شـديد الأمانه الموضوعية ومشهود له بأنه لا يغــفل كبيرة ولا صغيرة في الموضوع الـذي يتناوله. وذلك ما إتبعه في كل كتاباته المتعلقة بالطوائف الدينية المتعـددة، لذلك لا يملك المرء إلا أن يتساءل: لماذا لا يـذكر شيئاً عن يسوع وحـواريـيه، خاصة وأن شعبية يسوع – وفـقاً للوثـائق الرسمية – كانت تـفوق الآفـاق، وأنها تعـدت سـوريا، وأنهم أحضروا كل المرضى ليشفيهم، ولا يـذكر شيئاً عن ألاف الأشخاص الـذيـن إتبعوه وأطعمهم بمضاعـفة الخبز والسمك.. خاصة لا يـذكر فيلون شيئاً عن عملية "صـلب " المسيح ولا عـن تلك القـيامة المتـفردة بين الأمـوات، أو عن أولئك الموتى الذين عـادوا إلي الحياة وراحـوا يتجولون في المدينه ! وكلها أحـداث لا يمكن لمـؤرخ بمثل دقـة فـيلون أن يغفلها أو ألا يــذكر عنها سيئاً.
بل المعروف أن فـيلـون كان من الشجاعة بحيث أنه سـافـر إلي رومــا لمقابلة الإمبراطور الـرومـاني كاليجـولا دفـاعاً عن اليهود ضحايا الإضطهاد الـدامي سنة 39 في الأسكندرية. فاستقبله كاليجولا لكنه لم يستجب لمطلبه.. وبعد عـودته إلي الإسكندرية راح يواصل كتابة أعماله التي لا يـرد بها أي ذكـر ليسـوع أو لجماعة المسيحـيين السكندريين ومنهم المـدعـو أبـوللونيـوس الطـواني، الذي يـُقال عنه أنه كان منافساً أو شبيهاً ليسوع الرسـول.
وكان فـيلون تـلميذاً لأفـلاطـون، صاحب نظـرية "اللوجس" أو "الكلمة" وما أكثر ما كتبه عنها وعن العـلاقة بين الله العــالِم بكل شيئ وبين تلك الـدنيا بنواقـصها. وسرعان ما جعل من "الكـلمة" كائناً مستـقلاً قـد خـلق كل شيئ لأنه يحتوي على الصفات الإلهية، وكل المخلوقات نتجت عنه وهـو غير مخلوق ومنبثق من الله ذاتـه.. وما أشبه بذلك ببـداية إنجيل يوحنا الذي يـبدأ بعبارة : " وفي البدء كانت الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " (1:1 ).
أي أن فكرة "الكلمة" كانت واردة في الـفكر الفلسفي ولم يضـف إليها إلاعبارة "التجـسد" التي أضيفـت في القرن الثاني.
والأكثر من ذلك أن القـس الإيطالي ليـوجي كاتشيولي الذي خـرج عن سلك الرهبنه، وهو من مـواليد عـام 1934 م، يـؤكد في كتابه المعنون : " مهـزأة المسيح " أن فيلون السكندري كان ينتمي إلي جماعة الأسينيين، ورغمها " لايـذكر أبـداً أي شيئ عن يسوع أو المسيحيين، بل بالعكس تماماً، نــراه يستبعدهم من أعماله المكتوبه فيما بين سنة 50 و 60م، ويتحدث عن ( لوغـوس) لا يزال سوف يأتي روحياً، وبذلك فهو ينكر أي مجيئ ليسوع في شكل مادي " (صفحة 109 ).
فـلافــيوس جوزيف (حوالي 37م -100) Flavius Joseph
وُلــد جوزيف عــام 37م من أسـرة يهودية ميسورة الحـال وتـم تعيينه حاكماً على الجلـيل في بـداية ثورة 66، وقـد تـولى قيادة المحاربين ضد الـرومان. ثــم إعتقله الإمبراطور فـسبـازيـان وسـرعان ما إنـقلب موقـف فـلافيوس جـوزيف، إنقـاذاً لحياته، ليصبح متعـاوناً بحماس مع الرومـان، الأمُـر الــذي سمح له بالحصول على الجنسية الــرومانية، إلا أن ذلك لا يمنع من أنه من كبار مـؤرخي عصره، ومن أهــم مـؤلفـاته:"حـرب اليهـود ضـد الــرومـان" من سبعة مجـلـدات، و "الأثــار اليهودية "أو"التاريخ القـديم لليهـود" من عشرين مجلداً، إضافة إلي مـؤلف "ضـد أبـيـون" من جزئين وسيرته الذاتية.
وفي كل هـذا الكم المستفيض خاصة في كتابه آثــار اليهود، وقــد ضمنها منذ عصر سـفر التكوين حتى حرب اليهود مع الرومان سنة 66م، لايوجد سوى فـقرة من بضعة أسطر تقول:
"وفي نـفس العصر آتى يسوع، إنه رجـل عـاقـل، إذا كان يجب أن نطلق عليه رجـلاً. لأنه كان صانع مُعجزات وسيد الرجال الذين يتلقـون عنه الحقيقة بسعادة. وقــد جــذب إليه العـديد من اليهود والهلليـنين، أنه كان المسيح، وعندما حكم عليه بيــلاطس بالصلب بناء على وشاية من مواطنينا الأوائل، لم يكف الذين كانوا يحبونه عن الإعجاب به لأنه ظهر لهم بعد ثـلاثة أيــام، لقد قام، إذ كان الأنبياء الـقدامى قـد أعلـنوا ذلك وآلاف الأشياء الأخـرى بشأنه. والجماعة التي يطـلق عليها المسيحيين لم تخـتف بعـد"!
ولو كانت هــذه الفـقرة نصاً أصلياً لكانت حاسمة، إلا أن كافة العلماء يجمعون على أنها إضافة تحريفية لاحـقة. فهي من ناحية، لم تكن موجـودة في أقــدم نسخة من "أثــار اليهـود" تلك التي كان يمـتلكها أوريجـين في مطلع القـرن الـثالث والـذي كان يـؤكد أن فيلافيوس جـوزيف كان يرفض "الإعتـقاد بالمسيح" ومن المعروف أن فـيلافيوس جـوزيف كان شـديد التمسك باليهودية الفاريسية، وهو ما يبدو في كل أعماله، خاصة في سيرته الذاتية وفي الكتاب الهجومي الذي ألفه "ضد أبيون".
ويــؤكد الأب جيليـيه أمين مكتبة سانت جنـفيـيف ومـترجم أعمال فـيلافيوس جوزيف سنة 1756: "أن التناقضات والتحريف يتـولد أمامي في كل خطوة. إنني مضطر إلي القول بأن كتاباته قـد تــم تعــديلها بحيث أصبح يتناقض مع نفسه، وأخشى من تكرار ذلك القـول وأثــره غير الحميد على أعماله ".
ويـوضح روجــيه بـترينيـيه (Roger Peytrignet) إن "المسيحيين قــد إستولوا على أعمال جــوزيف، إذ أن مـواطنيه قــد تباعـدوا عنه، لإنضمامه إلي صفـوف الرومان، وراحــوا يحرفـونها وفـقاً لهــواهـم"،( " يـسوع المســيح أسطـورة أم شخص تـاريخي " صـفحة 29 ).
ويـؤكـد كل من ألفاريك وكوشو، في كتابه لهما حول "مشكلة يسوع وأصول المسيحية"، إستحـالة أن ينطق فـلافـيوس جـوزيف بمثل هـذا القــول "لأنه لو كان قـد قاله حقاً لكان مسيحياً. إلا أنه كان شـديد التعلق بيهوديته الفـاريسية، وهو ما نُــطالعه في مؤلفــاته اللاحـقة ".
وإجماع أخــر من كافة الباحثين على أن تلك الفــقرة أضيفت بفعل فاعل يوضح أن الجـزء الذي أضيفت فيه لا يتـفـق وسـياق الكلام، حيث إن جــوزيف كان يتحدث عن المصائب التي لحقت بمواطنيه أيام بـيلاطس. وأنه إذا ما حـذفت تلك الفـقرة فإن سياق الكلام يتواصل بموضوعية واضحة !
أما أنـدريه فـوتــييه Andre Vautier، فيوضح في كتابه عن " لـُغـز يسوع" أن فـيلافيوس جوزيف قد كتب عـدّة ترجمات "لحـرب اليهود" وأن النص الآرامــي له يرجع إلي عــام 75م. والنص اليـوناني إلي 79م.وأن هـــذه الترجمة اليونانية لا تتضمن أية إشــارة إلي يسوع إلا أن الأبحـاث قــد دلت على أن الجــزء الأول والأجــزاء من ثــلاثة إلي سبعة رائعة الصياغة والمضمون الـدقيق، إلا أن الجــزء الثاني الذي يقص الأحــداث التي تتوافق والفترة التي عـاش فيها يسوع رديئة الصياغة وغيـر متناسقة المضمون. وذلك دليل قاطـع على أن هـذا الجــزء قــد تــم التلاعب فيه بأيــدي النـّساخ المسيحيون، وهنا يوضح : "يجب علينا ألا ننسى أن القساوسة وحدهم هــم الذين كانوا يُجيدون القــراءة والكتـابة، وأن الأجزاء المتعلقة بيسوع وبيوحنا المعمدان قـد قــاموا بإلغائها من النسخ التي عملوها للنص اليوناني اليوناني ".
لذلك يـؤكـد أنـدريه فـوتـييه بإصرار واضح:"أن كتاب (حـرب الـيهود ) والجزء الثامن عـشر من كتاب (الـتاريخ القـديـم لليهود) اللذان يتناولان أحـداث القرن الأول الميلادي" تتضمن آثــاراً شـديدة الوضوح للتغـييروالتبديل، والنصوص المدسوسة، والنصوص المحذوفة.
ويُشير فــوتيــيه في الفصل الثالث من كتابه إلي أن مقـدمة كتاب "حرب اليهود ضد الرومان": " النص اليوناني يتضمن ملخصاً لما سوف يتناوله الكتاب، وفي هذه المقدمة، فإن الكتاب في وضعه الراهن، ينتقل فجأة من حكم الإمبراطور أغسطس إلي السنة الثانية عشرة من حكم الإمبراطور نيرون " !.
أي أنها فجـوة تشتمل على حوالي ستين عاماً " ومن اللافت للنظر أن هـذه الفجوة هي الفترة التي تحتوي على نشاطات كل من يوحنا المعمدان، ويسوع الناصري، وبولس الطرسوسي".
ومن الواضح أنه لايمكن لواحــد في مثل دقـة فـلافـيوس جـوزيف أن يقـفز متغاضياً عن مثل هـذه الحـُقبة بكل ما فيها من أحــداث مصيرية. وهنا لايمكن لأي دارس أمين إلا أن يـُشير بأصابع الإتهام إلي الأيـادي العابثة في الكنيسة التي من الواضح أنها قامت، منذ لحظاتها الأولى، على عبثيات الغـش والتحريف والتزويــر.
لذلك يقــول لويجي كاتشيولي:"إن الكنيسة قـد حرفت الفـقرات الواردة في مؤلفات فلافيوس جوزيف، وإختلـقت حـريق روما الذي نسبته إلي نيـرون حتى يمكن إعتبار الضحايا أو الشهداء الأسينيين أنهم شـهداء مسيحيين والعــديد من الأكاذيب التي لايكفي مجلداً لإستيعابها، إنها أكاذيب ما أن يكتشفها القــارئ حتى تــؤدي إلي نتيجة عكسية لما أراده المزيفون. وتكفي الإشارة هنا إلي كم التحريف الذي قام به يوسبيوس، أسقف القيصرية (314 -340)، والذي أطلق عليه المـؤرخون لقب "الـمـزوِّر " لنـرى ما الــذي قــام به المسيحيون لمواجهة نقـص الوثـائق ولمحاولة إثبات الوجــود التاريخي للشبح الذي أطلقوا عليه اسـم يسوع " (" مهــزأة المسـيح" صفحة 111).
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12127439874110pjpx7vl._sl500_bo2,204,203,200_pisit b-dp-500-a
صورة لكتاب خرافة المسيح
ويورد العالم القس السابق جـي فــو Guy Fau في كتابه المعنون "خـرافة يسـوع المسيـح" "أن النصوص المتعلقة بيسوع المسيح ظهـرت لأول مـرة في القـرن الرابع في أعمال يـوسبيـوس ولم تكن قـد وجــدت بعــد في كتاب " الأثـار العبرانيـة" في عهد أوريجــين (185 – 254)، بما إنه هـو بنفسه يــؤكد في كتابه المعنون " ضـد سلسـيوس" أن فـلافـيوس جــوزيف لم يتحدث أبداً عن يسوع يُـدعى المسيح. إن الــتزوير لشديد الوضوح لدرجة أن الكنيسة نفسها لم تعــد تــدافع عن تلك الفقرة المدسوسة في أعمال فـلافـيوس جـوزيف".
جــوست من طـبرية Juste de Tiberiade
يُعــد جــوست الطبري، أو من مــدينة طبرية، مــؤرخاً معاصراً لفـلافـيوس جـوزيف ومنافساً له.. وقد كتب هو أيضاً كتاب بعنوان " تـاريـخ اليـهود" وقـد إخـتفى هـذا الكتاب من الوجود حالياً وإن كان قـد ظل حتى القـرن التاسع. ونعلم من فـوسيوس، بطريارك القسطنطينية أنه لم يـذكر يسـوع بكلمة واحــدة، إذ دون في يــومياته قــائـلاً: "جــوست لا يــقول شيئاً عن مجيئ المسيح ولا عن وقائــع حـياته ولا عن المعجزات التي قــام بها "
وهنا يؤكد روبير بـترينييه:" إذا كانت قـــد تمت محاكمة يسوع بالظروف الــوارد ذكرها في الأناجـيل، لاضطر الحاكم أن يكتب تـقـريراً رسمياً إلي رئيسه وفـقاً لما تـقتضيه القـواعـد المتبعة ولكان قـد تــم حفظه في الأرشيف الإمبراطوري. ويـزعـم الفيلسوف القـديس جوستان ( القرن الثاني الميلادي) أنه قـد شاهــد هـذا المحضر شخصياً وكان أول من رآه، ولابد من وجوده في أرشيف الدولة، ولابـد من أن يكون محتواه موافـقاً تماماً لكل ما ورد بالأناجيل"!.
إلا أن مثل هـذا التـأكيد الصادر عن أحــد الـقـديسين المشهود لهم بالــولاء للكنيسة لدرجـة أنها قامت بإضفاء صفة القــداسة عليهم، هـل يمكن أن تـؤخـذ في الإعتبار ؟! فـالمعروف أنها حرقت كل من عارضها وقامت بإضفاء صفة القـداسة على الذين تعاونوا معها في أغراضها.
الــــتــلمـــود
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1212743948300px-talmud_set.jpg
صورة لنسخة من التلمود
التلمود كلمة عبرية تعني " التعـاليــم ". وهـو يتضمن التعليمات والتعليقات المتعلقة بنصوص التوراة أو العهد القديم. ويُعد التـلمود تكملة للشرع المكتوب وتـقنيناً للشرع الشفهي مؤكداً العـقيدة التوراتية "للشعب المختار".
وقد تمت صياغة الجزء العقائدي فيه في الـقرن الثالث الميلادي بحيث يـؤكد سيادة الدين اليهودي. ويـزخـر التـلمود بالإتهامات ضد المسيحيين، الأمـر الذي أدى إلي إدانته رسمياً في الغـرب في القـرون الوسطى.
ومن الصور الساخرة التي يحتوي عليها سخرية لاذعة ضد الأناجيل وضد من يطلقون عليه:" الإبن المزعوم لله، غير الطاهر المولد، إذ أن والدته عاهرة يهودية اسمها مريم وجندي روماني من جنود الإحتلال اسمه بانتيرة ". ويصف الـتلمود المعجزات التي قام بها المسيح "بأعمال من السحر مأخـوذة من عبادة الشياطين ولذلك حُكم عليه بالموت لمحاولته إغـراء الشعب اليهـودي وحثه على الـثورة ".
ووفـقاً للتـلمود فإن المسيح لم يُصلب وإنما تم رجمه ثم عُلق على شجرة. وبورد بيير دي جرانميزون Pierre de Grandmaison في كتابه عن " يسـوع المسـيح " نصاً أخر يقـول:"وأخيراً تمت محاكمته في ليـدّا وإتهامه بالسحر والإرتـداد. وقـد وُضع على عمود التـشهيد طوال الأربعين يوماً التي سبقت موته، وكان المنادي يعلن بصوت عال: هذا الشخص سيـُرجم لأنه مارس السحر وأضل إسرائيل. وأي شخص يعرف شيئاً لتبرأته ليتقدم بشهادته ويعلنها. لكن أحداً لم يتقدم وتم إعدامه يوم الإستعـداد لعيد الفصح. ويقول أخــرون أنه تم رجمه"!.
وهنا لابد من الإشارة إلي موقف اليهود من المسيحية، فعلى الرغم من كل ما قدمه الفاتيكان من تنازلات تخرجه تماماً عن نصوص الأناجيل وعقائد المسيحيين بتبرأة اليهود من دم المسيح في مجمع الفاتيكان الثاني، وذلك رغم 35 إشارة في إنجيل يوحنا وحده تتهم اليهود بقتل المسيح، فإن اليهود لم يغيروا من موقفهم ولا من نصوصهم التي تـتهم مولد السيد المسيح بالسفاح والعياذ بالله.
المـــشــــناه:
والمشناه هي مجموعة من 63 بحثاً لليهود وتعليق على الــتوراة وتــدوين للشرع الشفهي وتمثـل القـاعـدة الأساسية للتلمود إضافة إلي تعليقين أخــرين. وقــد عـثر هـيلل Hillel الـبابلي، وهـو أحــد علماء الحخامات، على نسخة من المشناه سنة 40 ق.م، في منطقة طبرية قـرب بحــر الجليل حيث دارت أحــداث حياة يسوع، ومع ذلك فــلا تتضمن المشناه أي شيئ مُطلقاً عن يسوع أو الحواريين رغــم أنها تتناول كل "الهـرطقات "التي تعرضت للمحكمة العليا اليهودية منذ 40 ق.م حتى حوالي سنة 237 م.
وتعد المشناه بمثابة أو أشبه ما تكون بيوميات لأعمال المعبد اليهودي وتاريخ الفاريسيين الـذيـن تـم إتهامهم بقتل يسوع – كما يقـولون – فكيف لا يحــاول أي حخام أن يستبعد مثل هـذه التهمة ؟ إنه صمت يفسره بعض العلماء الحــداث على أن يسوع قـد وجـد قـبل التاريخ الذي بــدأ فيه تـدويـن المشناه.
صورة للمؤرخ الروماني فــيلون السكندري (http://en.wikipedia.org/wiki/Philo)
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
من أهم ما يعاب على تاريخ نشأة المسيحية إختفاء أية أصول ووثائق قديمة وعدم الإحتفاظ إلا بما صاغته الأيادي العابثة، وهو ما ضمنته الأناجيل الأربعة، وما أطلقت عليه كتب وتراث الآباء، وبخلاف ذلك لا أثر لتلك النشأة بصورة علمية موثقة، وهو ما سوف نعرضه من خلال أربعة مقالات لهذه الجزئية، أى لدى المؤرخون القدامى بمختلف أحقابهم، وهم المؤرخون اليهود، والمؤرخون الوثنيون، والمؤرخون اليونان، والإمبراطور جوليان لأنه يمثل نقطة فارقة أو علامة كاشفة سنراها فى حينها. ونبدأ بالبند الأول:
1– المؤرخــــون اليــــهــود:
فــيلون السكندري (http://en.wikipedia.org/wiki/Philo) (13 -20 ق.م -54 م ) Philo of Alexandria
فيلسوف ومثـقـف، ولــد أيــام هيـرود الأكـبر، وتـوفى عـام 54م، أي أنه فرضاً يُعـد معاصراً تماماً ليسوع، وهـو شـديـد الإلمام بكل ما يتعلق باليهود , وتتضمن أعماله 57 عملاً، منها كتاب بعنوان "عصر بيــلاطس " وهـو كتاب لو استطاع أن يضمنه شيئاً عن يسوع المسيح لـوجـد عشرات الإمكانيات، لكنه لم يـذكر يسـوع مـُطلقاً.
ويُعـد فيـلون من كبار مـثـقـفي عصره وأنه شـديد الأمانه الموضوعية ومشهود له بأنه لا يغــفل كبيرة ولا صغيرة في الموضوع الـذي يتناوله. وذلك ما إتبعه في كل كتاباته المتعلقة بالطوائف الدينية المتعـددة، لذلك لا يملك المرء إلا أن يتساءل: لماذا لا يـذكر شيئاً عن يسوع وحـواريـيه، خاصة وأن شعبية يسوع – وفـقاً للوثـائق الرسمية – كانت تـفوق الآفـاق، وأنها تعـدت سـوريا، وأنهم أحضروا كل المرضى ليشفيهم، ولا يـذكر شيئاً عن ألاف الأشخاص الـذيـن إتبعوه وأطعمهم بمضاعـفة الخبز والسمك.. خاصة لا يـذكر فيلون شيئاً عن عملية "صـلب " المسيح ولا عـن تلك القـيامة المتـفردة بين الأمـوات، أو عن أولئك الموتى الذين عـادوا إلي الحياة وراحـوا يتجولون في المدينه ! وكلها أحـداث لا يمكن لمـؤرخ بمثل دقـة فـيلون أن يغفلها أو ألا يــذكر عنها سيئاً.
بل المعروف أن فـيلـون كان من الشجاعة بحيث أنه سـافـر إلي رومــا لمقابلة الإمبراطور الـرومـاني كاليجـولا دفـاعاً عن اليهود ضحايا الإضطهاد الـدامي سنة 39 في الأسكندرية. فاستقبله كاليجولا لكنه لم يستجب لمطلبه.. وبعد عـودته إلي الإسكندرية راح يواصل كتابة أعماله التي لا يـرد بها أي ذكـر ليسـوع أو لجماعة المسيحـيين السكندريين ومنهم المـدعـو أبـوللونيـوس الطـواني، الذي يـُقال عنه أنه كان منافساً أو شبيهاً ليسوع الرسـول.
وكان فـيلون تـلميذاً لأفـلاطـون، صاحب نظـرية "اللوجس" أو "الكلمة" وما أكثر ما كتبه عنها وعن العـلاقة بين الله العــالِم بكل شيئ وبين تلك الـدنيا بنواقـصها. وسرعان ما جعل من "الكـلمة" كائناً مستـقلاً قـد خـلق كل شيئ لأنه يحتوي على الصفات الإلهية، وكل المخلوقات نتجت عنه وهـو غير مخلوق ومنبثق من الله ذاتـه.. وما أشبه بذلك ببـداية إنجيل يوحنا الذي يـبدأ بعبارة : " وفي البدء كانت الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " (1:1 ).
أي أن فكرة "الكلمة" كانت واردة في الـفكر الفلسفي ولم يضـف إليها إلاعبارة "التجـسد" التي أضيفـت في القرن الثاني.
والأكثر من ذلك أن القـس الإيطالي ليـوجي كاتشيولي الذي خـرج عن سلك الرهبنه، وهو من مـواليد عـام 1934 م، يـؤكد في كتابه المعنون : " مهـزأة المسيح " أن فيلون السكندري كان ينتمي إلي جماعة الأسينيين، ورغمها " لايـذكر أبـداً أي شيئ عن يسوع أو المسيحيين، بل بالعكس تماماً، نــراه يستبعدهم من أعماله المكتوبه فيما بين سنة 50 و 60م، ويتحدث عن ( لوغـوس) لا يزال سوف يأتي روحياً، وبذلك فهو ينكر أي مجيئ ليسوع في شكل مادي " (صفحة 109 ).
فـلافــيوس جوزيف (حوالي 37م -100) Flavius Joseph
وُلــد جوزيف عــام 37م من أسـرة يهودية ميسورة الحـال وتـم تعيينه حاكماً على الجلـيل في بـداية ثورة 66، وقـد تـولى قيادة المحاربين ضد الـرومان. ثــم إعتقله الإمبراطور فـسبـازيـان وسـرعان ما إنـقلب موقـف فـلافيوس جـوزيف، إنقـاذاً لحياته، ليصبح متعـاوناً بحماس مع الرومـان، الأمُـر الــذي سمح له بالحصول على الجنسية الــرومانية، إلا أن ذلك لا يمنع من أنه من كبار مـؤرخي عصره، ومن أهــم مـؤلفـاته:"حـرب اليهـود ضـد الــرومـان" من سبعة مجـلـدات، و "الأثــار اليهودية "أو"التاريخ القـديم لليهـود" من عشرين مجلداً، إضافة إلي مـؤلف "ضـد أبـيـون" من جزئين وسيرته الذاتية.
وفي كل هـذا الكم المستفيض خاصة في كتابه آثــار اليهود، وقــد ضمنها منذ عصر سـفر التكوين حتى حرب اليهود مع الرومان سنة 66م، لايوجد سوى فـقرة من بضعة أسطر تقول:
"وفي نـفس العصر آتى يسوع، إنه رجـل عـاقـل، إذا كان يجب أن نطلق عليه رجـلاً. لأنه كان صانع مُعجزات وسيد الرجال الذين يتلقـون عنه الحقيقة بسعادة. وقــد جــذب إليه العـديد من اليهود والهلليـنين، أنه كان المسيح، وعندما حكم عليه بيــلاطس بالصلب بناء على وشاية من مواطنينا الأوائل، لم يكف الذين كانوا يحبونه عن الإعجاب به لأنه ظهر لهم بعد ثـلاثة أيــام، لقد قام، إذ كان الأنبياء الـقدامى قـد أعلـنوا ذلك وآلاف الأشياء الأخـرى بشأنه. والجماعة التي يطـلق عليها المسيحيين لم تخـتف بعـد"!
ولو كانت هــذه الفـقرة نصاً أصلياً لكانت حاسمة، إلا أن كافة العلماء يجمعون على أنها إضافة تحريفية لاحـقة. فهي من ناحية، لم تكن موجـودة في أقــدم نسخة من "أثــار اليهـود" تلك التي كان يمـتلكها أوريجـين في مطلع القـرن الـثالث والـذي كان يـؤكد أن فيلافيوس جـوزيف كان يرفض "الإعتـقاد بالمسيح" ومن المعروف أن فـيلافيوس جـوزيف كان شـديد التمسك باليهودية الفاريسية، وهو ما يبدو في كل أعماله، خاصة في سيرته الذاتية وفي الكتاب الهجومي الذي ألفه "ضد أبيون".
ويــؤكد الأب جيليـيه أمين مكتبة سانت جنـفيـيف ومـترجم أعمال فـيلافيوس جوزيف سنة 1756: "أن التناقضات والتحريف يتـولد أمامي في كل خطوة. إنني مضطر إلي القول بأن كتاباته قـد تــم تعــديلها بحيث أصبح يتناقض مع نفسه، وأخشى من تكرار ذلك القـول وأثــره غير الحميد على أعماله ".
ويـوضح روجــيه بـترينيـيه (Roger Peytrignet) إن "المسيحيين قــد إستولوا على أعمال جــوزيف، إذ أن مـواطنيه قــد تباعـدوا عنه، لإنضمامه إلي صفـوف الرومان، وراحــوا يحرفـونها وفـقاً لهــواهـم"،( " يـسوع المســيح أسطـورة أم شخص تـاريخي " صـفحة 29 ).
ويـؤكـد كل من ألفاريك وكوشو، في كتابه لهما حول "مشكلة يسوع وأصول المسيحية"، إستحـالة أن ينطق فـلافـيوس جـوزيف بمثل هـذا القــول "لأنه لو كان قـد قاله حقاً لكان مسيحياً. إلا أنه كان شـديد التعلق بيهوديته الفـاريسية، وهو ما نُــطالعه في مؤلفــاته اللاحـقة ".
وإجماع أخــر من كافة الباحثين على أن تلك الفــقرة أضيفت بفعل فاعل يوضح أن الجـزء الذي أضيفت فيه لا يتـفـق وسـياق الكلام، حيث إن جــوزيف كان يتحدث عن المصائب التي لحقت بمواطنيه أيام بـيلاطس. وأنه إذا ما حـذفت تلك الفـقرة فإن سياق الكلام يتواصل بموضوعية واضحة !
أما أنـدريه فـوتــييه Andre Vautier، فيوضح في كتابه عن " لـُغـز يسوع" أن فـيلافيوس جوزيف قد كتب عـدّة ترجمات "لحـرب اليهود" وأن النص الآرامــي له يرجع إلي عــام 75م. والنص اليـوناني إلي 79م.وأن هـــذه الترجمة اليونانية لا تتضمن أية إشــارة إلي يسوع إلا أن الأبحـاث قــد دلت على أن الجــزء الأول والأجــزاء من ثــلاثة إلي سبعة رائعة الصياغة والمضمون الـدقيق، إلا أن الجــزء الثاني الذي يقص الأحــداث التي تتوافق والفترة التي عـاش فيها يسوع رديئة الصياغة وغيـر متناسقة المضمون. وذلك دليل قاطـع على أن هـذا الجــزء قــد تــم التلاعب فيه بأيــدي النـّساخ المسيحيون، وهنا يوضح : "يجب علينا ألا ننسى أن القساوسة وحدهم هــم الذين كانوا يُجيدون القــراءة والكتـابة، وأن الأجزاء المتعلقة بيسوع وبيوحنا المعمدان قـد قــاموا بإلغائها من النسخ التي عملوها للنص اليوناني اليوناني ".
لذلك يـؤكـد أنـدريه فـوتـييه بإصرار واضح:"أن كتاب (حـرب الـيهود ) والجزء الثامن عـشر من كتاب (الـتاريخ القـديـم لليهود) اللذان يتناولان أحـداث القرن الأول الميلادي" تتضمن آثــاراً شـديدة الوضوح للتغـييروالتبديل، والنصوص المدسوسة، والنصوص المحذوفة.
ويُشير فــوتيــيه في الفصل الثالث من كتابه إلي أن مقـدمة كتاب "حرب اليهود ضد الرومان": " النص اليوناني يتضمن ملخصاً لما سوف يتناوله الكتاب، وفي هذه المقدمة، فإن الكتاب في وضعه الراهن، ينتقل فجأة من حكم الإمبراطور أغسطس إلي السنة الثانية عشرة من حكم الإمبراطور نيرون " !.
أي أنها فجـوة تشتمل على حوالي ستين عاماً " ومن اللافت للنظر أن هـذه الفجوة هي الفترة التي تحتوي على نشاطات كل من يوحنا المعمدان، ويسوع الناصري، وبولس الطرسوسي".
ومن الواضح أنه لايمكن لواحــد في مثل دقـة فـلافـيوس جـوزيف أن يقـفز متغاضياً عن مثل هـذه الحـُقبة بكل ما فيها من أحــداث مصيرية. وهنا لايمكن لأي دارس أمين إلا أن يـُشير بأصابع الإتهام إلي الأيـادي العابثة في الكنيسة التي من الواضح أنها قامت، منذ لحظاتها الأولى، على عبثيات الغـش والتحريف والتزويــر.
لذلك يقــول لويجي كاتشيولي:"إن الكنيسة قـد حرفت الفـقرات الواردة في مؤلفات فلافيوس جوزيف، وإختلـقت حـريق روما الذي نسبته إلي نيـرون حتى يمكن إعتبار الضحايا أو الشهداء الأسينيين أنهم شـهداء مسيحيين والعــديد من الأكاذيب التي لايكفي مجلداً لإستيعابها، إنها أكاذيب ما أن يكتشفها القــارئ حتى تــؤدي إلي نتيجة عكسية لما أراده المزيفون. وتكفي الإشارة هنا إلي كم التحريف الذي قام به يوسبيوس، أسقف القيصرية (314 -340)، والذي أطلق عليه المـؤرخون لقب "الـمـزوِّر " لنـرى ما الــذي قــام به المسيحيون لمواجهة نقـص الوثـائق ولمحاولة إثبات الوجــود التاريخي للشبح الذي أطلقوا عليه اسـم يسوع " (" مهــزأة المسـيح" صفحة 111).
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12127439874110pjpx7vl._sl500_bo2,204,203,200_pisit b-dp-500-a
صورة لكتاب خرافة المسيح
ويورد العالم القس السابق جـي فــو Guy Fau في كتابه المعنون "خـرافة يسـوع المسيـح" "أن النصوص المتعلقة بيسوع المسيح ظهـرت لأول مـرة في القـرن الرابع في أعمال يـوسبيـوس ولم تكن قـد وجــدت بعــد في كتاب " الأثـار العبرانيـة" في عهد أوريجــين (185 – 254)، بما إنه هـو بنفسه يــؤكد في كتابه المعنون " ضـد سلسـيوس" أن فـلافـيوس جــوزيف لم يتحدث أبداً عن يسوع يُـدعى المسيح. إن الــتزوير لشديد الوضوح لدرجة أن الكنيسة نفسها لم تعــد تــدافع عن تلك الفقرة المدسوسة في أعمال فـلافـيوس جـوزيف".
جــوست من طـبرية Juste de Tiberiade
يُعــد جــوست الطبري، أو من مــدينة طبرية، مــؤرخاً معاصراً لفـلافـيوس جـوزيف ومنافساً له.. وقد كتب هو أيضاً كتاب بعنوان " تـاريـخ اليـهود" وقـد إخـتفى هـذا الكتاب من الوجود حالياً وإن كان قـد ظل حتى القـرن التاسع. ونعلم من فـوسيوس، بطريارك القسطنطينية أنه لم يـذكر يسـوع بكلمة واحــدة، إذ دون في يــومياته قــائـلاً: "جــوست لا يــقول شيئاً عن مجيئ المسيح ولا عن وقائــع حـياته ولا عن المعجزات التي قــام بها "
وهنا يؤكد روبير بـترينييه:" إذا كانت قـــد تمت محاكمة يسوع بالظروف الــوارد ذكرها في الأناجـيل، لاضطر الحاكم أن يكتب تـقـريراً رسمياً إلي رئيسه وفـقاً لما تـقتضيه القـواعـد المتبعة ولكان قـد تــم حفظه في الأرشيف الإمبراطوري. ويـزعـم الفيلسوف القـديس جوستان ( القرن الثاني الميلادي) أنه قـد شاهــد هـذا المحضر شخصياً وكان أول من رآه، ولابد من وجوده في أرشيف الدولة، ولابـد من أن يكون محتواه موافـقاً تماماً لكل ما ورد بالأناجيل"!.
إلا أن مثل هـذا التـأكيد الصادر عن أحــد الـقـديسين المشهود لهم بالــولاء للكنيسة لدرجـة أنها قامت بإضفاء صفة القــداسة عليهم، هـل يمكن أن تـؤخـذ في الإعتبار ؟! فـالمعروف أنها حرقت كل من عارضها وقامت بإضفاء صفة القـداسة على الذين تعاونوا معها في أغراضها.
الــــتــلمـــود
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1212743948300px-talmud_set.jpg
صورة لنسخة من التلمود
التلمود كلمة عبرية تعني " التعـاليــم ". وهـو يتضمن التعليمات والتعليقات المتعلقة بنصوص التوراة أو العهد القديم. ويُعد التـلمود تكملة للشرع المكتوب وتـقنيناً للشرع الشفهي مؤكداً العـقيدة التوراتية "للشعب المختار".
وقد تمت صياغة الجزء العقائدي فيه في الـقرن الثالث الميلادي بحيث يـؤكد سيادة الدين اليهودي. ويـزخـر التـلمود بالإتهامات ضد المسيحيين، الأمـر الذي أدى إلي إدانته رسمياً في الغـرب في القـرون الوسطى.
ومن الصور الساخرة التي يحتوي عليها سخرية لاذعة ضد الأناجيل وضد من يطلقون عليه:" الإبن المزعوم لله، غير الطاهر المولد، إذ أن والدته عاهرة يهودية اسمها مريم وجندي روماني من جنود الإحتلال اسمه بانتيرة ". ويصف الـتلمود المعجزات التي قام بها المسيح "بأعمال من السحر مأخـوذة من عبادة الشياطين ولذلك حُكم عليه بالموت لمحاولته إغـراء الشعب اليهـودي وحثه على الـثورة ".
ووفـقاً للتـلمود فإن المسيح لم يُصلب وإنما تم رجمه ثم عُلق على شجرة. وبورد بيير دي جرانميزون Pierre de Grandmaison في كتابه عن " يسـوع المسـيح " نصاً أخر يقـول:"وأخيراً تمت محاكمته في ليـدّا وإتهامه بالسحر والإرتـداد. وقـد وُضع على عمود التـشهيد طوال الأربعين يوماً التي سبقت موته، وكان المنادي يعلن بصوت عال: هذا الشخص سيـُرجم لأنه مارس السحر وأضل إسرائيل. وأي شخص يعرف شيئاً لتبرأته ليتقدم بشهادته ويعلنها. لكن أحداً لم يتقدم وتم إعدامه يوم الإستعـداد لعيد الفصح. ويقول أخــرون أنه تم رجمه"!.
وهنا لابد من الإشارة إلي موقف اليهود من المسيحية، فعلى الرغم من كل ما قدمه الفاتيكان من تنازلات تخرجه تماماً عن نصوص الأناجيل وعقائد المسيحيين بتبرأة اليهود من دم المسيح في مجمع الفاتيكان الثاني، وذلك رغم 35 إشارة في إنجيل يوحنا وحده تتهم اليهود بقتل المسيح، فإن اليهود لم يغيروا من موقفهم ولا من نصوصهم التي تـتهم مولد السيد المسيح بالسفاح والعياذ بالله.
المـــشــــناه:
والمشناه هي مجموعة من 63 بحثاً لليهود وتعليق على الــتوراة وتــدوين للشرع الشفهي وتمثـل القـاعـدة الأساسية للتلمود إضافة إلي تعليقين أخــرين. وقــد عـثر هـيلل Hillel الـبابلي، وهـو أحــد علماء الحخامات، على نسخة من المشناه سنة 40 ق.م، في منطقة طبرية قـرب بحــر الجليل حيث دارت أحــداث حياة يسوع، ومع ذلك فــلا تتضمن المشناه أي شيئ مُطلقاً عن يسوع أو الحواريين رغــم أنها تتناول كل "الهـرطقات "التي تعرضت للمحكمة العليا اليهودية منذ 40 ق.م حتى حوالي سنة 237 م.
وتعد المشناه بمثابة أو أشبه ما تكون بيوميات لأعمال المعبد اليهودي وتاريخ الفاريسيين الـذيـن تـم إتهامهم بقتل يسوع – كما يقـولون – فكيف لا يحــاول أي حخام أن يستبعد مثل هـذه التهمة ؟ إنه صمت يفسره بعض العلماء الحــداث على أن يسوع قـد وجـد قـبل التاريخ الذي بــدأ فيه تـدويـن المشناه.