المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مُحجّم السلاطين وبياع الامراء الفقيه المجاهد العز بن عبد السلام



صفاء
2010-04-24, 06:40 PM
مُحجّم السلاطين وبياع الامراء الفقيه المجاهد العز بن عبد السلام



ليتفقه ابواق وفقهاء ووعّاظ السلاطين في زماننا هذا ممن لا همَّ لهم الا استرضاء الحكام واستمالتهم ولو باستصدار الفتاوى المؤيدة لافعالهم حتى وان كانت شائنة ولا يرضى عنها الشرع والعرف كفتاوى الاذعان للاحتلال وغيرها وليت مثل اولئك البائسين عادوا لما علموه وتعلموه من قبل عن ذلك السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بما ارساه للامة بوجوب استقلالية العلم الشرعي والقضاء عن هوى السلاطين والامراء وسنستعرض اليوم هنا ترجمة رائعة لاحد النجوم الساطعة في ذلك الحيز الكريم من فلك ارتال علمائنا الاجلاء الشجعان الاكارم الا وهو الفقيه العز بن عبد السلام العالم الدمشقي الذي برز في عصر الحروب الصليبية وعاصر الدول الاسلامية المنشقة عن الخلافة العباسية في عصرها الأخير ولعل من أبرز نشاطه كان في ريادة الدعوة لمواجهة للغزو المغولي التتري بوقوفه إلى جانب الحكام الذين قادوا المقاومة والحرب الدفاعية ضد الغزاة لطردهم وتحرير البلاد

كنيته أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن مهذّب السُلمي وهو مغربي الأصل وقد ولد بمدينة دمشق وهو شافعي المذهب وأشعرى العقيدة ولقب بسلطان العلماء وبائع الملوك والأمراء ولذلك قصة سنوردها هنا وعرف باسم العزّ بن عبد السلام وقد ولد الإمام الشيخ العز بن عبد السلام في دمشق عام 578 ه وعاش فيها وبرز في الدعوة والفقه وتوفي سنة 660ه في مصر وقد وصف بانه في وجهه قسامة ولأساريره قسامة وكان جليلاً مقبول الصورة وذو شخصية قوية وكان في مظهره من الملبس وغيره متواضعاً ولايتأنق ليزيف عن نفسه ولاليكذب في الحشمة ولا يستألف الوقار استألافا ولم يكن يتقيد بلبس العمامة التي كلنت عادة العلماء والفقهاء في عصره بل يلبس قبعة اللباد وهي طاقية من الصوف الصوف يغلب عليها اللون الداكن او الابيض وكان يحضر المواكب الرسمية به وقد عاش العز بن عبد السلام في دمشق في كنف أسرة متدينة فقيرة مغمورة وهذه تربة صالحة للنبوغ والتفوق وابتدأ العلم في سن متأخرة ويروي السبكي قصته عن والده فكان الشيخ عز الدين في أول أمره فقيرا جدا ولم يشتغل إلا على كبر أي في العلم وسبب ذلك أنه كان في بيت في الكلاَّسة وهي الزاوية والبناء والمدرسة عند الباب الشمالي للمسجد الاموي من جامع دمشق فبات بها ليلة ذات برد شديد فاحتلم فقام مسرعا ونزل في بركة الكلاسة فحصل له ألم شديد من البرد وعاد فنام فاحتلم ثانية فعاد إلى البركة لأن أبواب الجامع مغلقة وهو لا يمكنه الخروج فطلع فأغمي عليه من شدة البرد أنا أشك والد السبكي يتكلم هل كان الشيخ الإمام يحكي أن هذا اتفق له ثلاث مرات أو مرتين فقط ثم سمع النداء في المرة الأخيرة ان يا ابن عبد السلام أتريد العلم أم العمل فقال الشيخ عز الدين العلم لأنه يهدي إلى العمل فأصبج وأخذ التنبيه وهو أهم كتاب مختصر في الفقه الشافعي للشيرازي ويعتبر الكتاب الأول للمبتدئين فحفظه في مدة يسيرة وأقبل على العلم حتى صار أعلم أهل زمانه ومن أعبد خلق الله تعالى وتدل هذه القصة على أن العز نشأ في أسرة دينية ومجتمع إسلامي ومحيط علمي يقدر العلم ويجل شأنه كما أنها تدل على الورع والتقوى وصرامة العز في دينه وقوة شكيمته وتحمله الصعاب والشدائد في سبيل مرضاة الله وقصد العز العلماء وجلس في حلقاتهم ينهل من علومهم ويكب على الدراسة والفهم والاستيعاب فاجتاز العلوم بمدة يسيرة يقول عن نفسه ما احتجت في علم من العلوم إلى أن أكمله على الشيخ الذي أقرأ عليه وما توسطته على شيخ من المشايخ الذين كنت أقرأ عليهم إلا وقال لي الشيخ قد استغنيت عني فاشتغل مع نفسك ولم أقنع بذلك بل لا أبرح حتى أكمل الكتاب الذي أقرؤه عليه في ذلك العلم واختار العز فطاحل العلماء العاملين فأخذ علمهم وتأثر بهم وبأخلاقهم الفاضلة وسلوكهم الرفيع في الحياة فجمع بين العلم والأخلاق والسلوك والعمل حتى صار أعلم أهل زمانه ومن أعبد خلق الله تعالى كما قال السبكي وجمع العز في تحصيله بين العلوم الشرعية والعلوم العربية فدرس التفسير وعلوم القرآن والفقه وأصوله والحديث وعلومه واللغة والتصوف والنحو والبلاغة وعلم الخلاف وكان أكثر تحصيله للعلم في دمشق ولكنه ارتحل أيضا إلى بغداد للازدياد من العلم فقد كانت الرحلة لطلب العلم قد أصبحت قاعدة مستقرة في الحضارة الإسلامية وتعتبر منقبة ومفخرة ومزية لصاحبها وقد رحل إلى بغداد في ريعان شبابه عام 597ه وأقام بها أشهرا يأخذ العلوم والمعارف ثم عاد إلى دمشق

صفاء
2010-04-24, 06:42 PM
وقد ترك الشيخ تراثا علميا ضخما في علوم التفسير والحديث والسيرة والعقيدة والفقه وأصول الفقه والزهد والتصوف وتلاميذ جهابذة وحارب البدع وأحيا السنة وكانت له فتنة مع الحشوية من المنتسبين للحنابلة في أمور العقيدة وفي دمشق التي كان يحكمها الملك الصالح إسماعيل من بني أيوب الذي ولّى العز بن عبد السلام خطابة الجامع الأموي الكبير بدمشق وبعد فترة قام الملك الصالح إسماعيل بقتال ابن أخيه الصالح أيوب حاكم مصر وانتزاع السلطه من يده وأعطاهم الصالح إسماعيل حصن الصفد والثقيف وسمح لهم بدخول دمشق لشراء السلاح والطعام وعندها غضب العز وصعد المنبر وخطب الناس خطبة عصماء وأفتى بحُرمة بيع السلاح للفرنجة وحُرمة الصلح معهم، ثم قطع الخطبة عن الصالح إسماعيل وكان ذلك بمثابة إعلان للعصيان العام وقال في أخر خطبته اللهم أبرم أمر رشد لهذه الأمة يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويأمر بالمعروف وينهى فيه عن المنكر ثم نزل علم الملك الصالح إسماعيل بخروج العز عن طاعته فغضب عليه غضبًا شديدًا وأمر بإبعاده عن الخطابة وسجنه وبعدما حصل الهرج والمرج واضطرب أمر الناس أخرجه من السجن ومنعه من الخطبة بعد ذلك فانتقل العز بعد ذلك إلى مصرفوصلها سنة 639ه فرحب به الملك الصالح نجم الدين فولاّه الخطابة والقضاء وكان أول ما لاحظه بعد توليه القضاء قيام الأمراء المماليك المملوكين للدولة الإسلامية بالبيع والشراء وقبض الأثمان وهو ما يتعارض مع الشرع إذ أنهم في الأصل مملوكين ولا يحق لهم البيع والشراء و الزواج من حرائر نساء مصر وكان الشيخ لا يجامل في الحق فلا يمضي لهم بيعاً ولا شراء حتى تكالبوا عليه وشكوه إلى الملك الصالح الذي لم تعجبه فتوى الشيخ العز، فذهب الي الشيخ يسأله أن يعدل من فتواه فطلب منه الشيخ ألا يتدخل في القضاء فليس هذا للسلطان فإن شاء أن يتدخل فالشيخ يقيل نفسه عبد الرحمن الشرقاوي أئمة الفقه التسعة 359فاجتمع أمراء الدولة من الأتراك و أرسلوا اليه فقال الشيخ نعقد لكم مجلساً و ننادي عليكم بالبيع لبيت مال المسلمين السيوطي حسن المحاضرة فاستشاط نائب السلطنة غضباً وكان من المماليك وأقسم ليقتلن الشيخ بسيفه فذهب إليه نائب السلطان مع جماعة من الأمراء فطرق بابه ففتح الباب ابنه عبداللطيف فراعه منظر نائب السلطنة إذ رأى سيفه مسلولاً والغضب يعلو وجهه فدخل على والده وقال انج بنفسك إنه القتل فرد عليه الشيخ بقوله (أبوك أقل من أن يُقتل في سبيل الله). ثم خرج وحين وقع بصره علي النائب سقط السيف من يد النائب و ارتعد فبكى وسأل الشيخ أن يدعو له وقال يا سيدي ماذا ستفعل قال (أنادي عليكم وأبيعكم). فاي رجل وفقيه بحق هذا
الا أن السلطان لم يذعن لحكم الشيخ فأرسل اليه من يتلطف اليه و بعد اصرار الشيخ أخبره الرسول أن السلطان لن يسمح ببيع الأمراء و أمر السلطان واجب وهو فوق قضاء الشيخ عز الدين وعلى أية حال فليس للشيخ أن يدخل في أمور الدولة فشؤون الأمراء لا تتعلق به بل بالسلطان وحده فأنكر الشيخ تدخل السلطان في القضاء وقام فجمع أمتعته ووضعها علي حمار ووضع أهله علي حمير أخرى وساق الحمير ماشياً وسالوه الى اين يا شيخ فقال (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فيم المقام بأرض يُستضعف فيها أهل الشريعة و يُعتدي فيها علي القضاء ) فتجمع الناس وراءه و تبعه العلماء والصلحاء والتجار والنساء والصبيان حتى كادت مصر أن تخلو من سكانها فخرج الملك الصالح مسرعاً ولحق بالعز وأدركه في الطريق وترضّاه وطلب منه أن يعود وينفذ حكم الله فتم له ذلك واشتهر العز بعدها بأنه بائع الملوك فأزداد الأمراء المماليك غضباً وتآمروا علي قتل الشيخ مرة أخرى ولكنهم فشلوا بل و تاب من بعثوهم لقتله علي يديه وصلوا صلاة توبة وكان هو امامهم وقد عايش العز دولة بني أيوب التي أنشأها صلاح الدين في الشام ومصر وكانت دولة قوية ولكن في آخر عصرها تنافس أمراؤها وتقاتلوا على المُلك حتى لجأ بعضهم إلى التحالف مع الصليبيين من أجل أن يتفرغ لقتال إخوانه وبني عمومته ثم كان في آخر دولتهم أن حكمتهم امرأة هي شجرة الدر في سابقة هي الثانية في تاريخ الإسلام أن يملك المسلمين امرأة، بعد تولي رضية الدين سلطنة دلهي 634-638ه غير ان المصريين استنكروا وجود امرأة تتحكم في رقاب الأمراء و الكبراء و السادة و غضبوا غضبا شديدا وخرجت المظاهرات الغاضبة تستنكر هذا الحضور و النفوذ السياسي الكبير لسيدة من سيدات القصر وقد قاد المعارضة العز بن عبد السلام ووقف وسط جموع المتظاهرين منددا بجلوس امرأة على عرش مصر مبينا أن هذا الجلوس مخالفا للشرع الحكيم ما اضطر شجرة الدر بعدها للتنحي بعد ثمانون يوماً قضتها في الحكم وبعد وصول الامير قطز لسدة حكم مصر وظهور خطر التتار ووصول أخبار فظائعهم ورسلهم المهددين وللاستعداد لملاقاة التتار الزاحفين أمر قطز بجمع الأموال للإعداد للحرب ووقف العلماء وكان على رأسهم العز بن عبد السلام أمام الأمراء وقادة الجند فقرروا ألا يؤخذ من الناس شيئا إلا إذا كان بيت المال فارغاً وبعدما يخرج الأمراء والتجار وأغنياء الناس من أموالهم وذهبهم حتى يتساوى الجميع فنزل الامير قطز على حكم العلماء.

وقد توفي العزّ بن عبدالسلام رحمه الله في العاشر من جمادى الأولى سنة ستين وستمائة للهجرة.


عبد الرحمن الشرقاوي أئمة الفقه التسعةكتاب اليوم أخبار اليوم1983