تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ( محمد إقبال شاعر الإيمان والحب والطموح )



مجد الغد
2010-07-04, 01:32 PM
شعر محمد إقبال

الإيمان في شعر إقبال


قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً [مريم:96] الإيمان وصله بالله، الإيمان الذي تفتقر إليه الدنيا، الإيمان الذي من وجده وجد كل شيء، ومن فقده فقد كل شيء.
أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه

قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه

يقول إقبال في قصيدته الطويلة "شكوى" دمعة أرسلها من عينه وتكلم بها في قصيدة يشكو إلى الله حال العالم الإسلامي، يشكو من المسلمين ويشكو من بعدهم عن دينهم وعن رسالتهم، ويبين لهم أن انتصار الإيمان في الدنيا أمر مجمع عليه, وأن الإنسان لا يصلح إلا بالإيمان وأن الدنيا لا تصلح إلا بالآخرة، وأن المسجد لا يصلح إلا مع المزرعة والمزرعة مع المسجد، هذا هو ما يريد أن يقوله للناس. ولذلك يخالف السعد الشيرازي والسعد الشيرازي : واعظ أفغاني وشاعر كبير, وقيل: هو عجمي إما من حدود إيران أو نحو ذلك, وكنت أظنه من شمال إيران ، ويقول عنه محمد إقبال : وهو عالم وواعظ يريد أن يبقى في طرف المسجد وأنا أريد أن أحرك العالم كله، أريد أن تسلم لندن ، وأن تسلم موسكو وبون لله رب العالمين، أما السعد الشيرازي فيريد أن يبقى مع كسر خبزه وملحه يعظ الناس في شيراز ، فأنا أختلف معه، والسعد الشيرازي شعره جميل, يقول:
بكت عيني غداة البين دمعاً وأخرى بالبكا بخلت علينا

فعاقبت التي بالدمع ضنت بأن أغمضتها يوم التقينا

وأسعدت التي بالدمع جادت بأن أقررتها بالوصل عينا

ويقول:
ما مر من طيف الهوى بمسمعي لو سمعته الورق ما ناحت معي

يا معشر الخلان قولوا للمعافى لست تدري ما بقلب الموجع

أما إقبال فيقول عن هذا:
إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا

ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا

تساندها الكواكب فاستقرت ولولا الجاذبية ما بقينا

وفي التوحيد للهمم اتحاد ولن نصل العلا متفرقينا

هذه من قصائده في الإيمان، ويقول عن المؤمن والكافر، يصف الكافر بأنه ضيق ضيق ومتخلف متخلف وحقير حقير في علم الله وفي الأرض والكون، ويأتي بالمؤمن فيجعله عالماً وكوناً، يقول في بيتين:
إنما الكافر تيهان له الآفاق تيه

وأرى المؤمن كوناً تاهت الآفاق فيه

تدبروا واسمعوا السحر الحلال، يقول:الكافر يتوه في الآفاق، والمؤمن تتوه الآفاق فيه.
ويصف مشاعره وأحاسيسه في قصيدة اسمها: "إلى مدينتك يا رسول الله" وأنا قد ترجمت منها بعض المعاني, وعبد الوهاب عزام ترجم كثيراً منها , وأبو الحسن الندوي آثر أن يترجمها نثراً، فترجمها نثراً لأنه ليس بناظم. يقول أبو الحسن الندوي :
يا رسول الله! زرتك البارحة في المنام فأتيت إليك أشكو ظلم الهنود، وأشكو ما فعلوا برسالتك، إنهم يا رسول الله! حولوا رسالتك إلى تمائم ومسابح وإلى رقصات، إن رسالتك يا رسول الله! انبعثت من المدينة فأحيتني وأحيت أمثالي, لكن رفض الهنود أن يستجيبوا لك يا رسول الله. ثم يصف خروج الرسالة من طيبة الطيبة وذهابها إلى العراق ثم إلى الأتراك ثم إلى الهنود، وأنها ترتفع بإذن الله لتغطي الدنيا:
من ثراها قد كتبنا النور في دنيا الوجود وعلى أهدابها صغنا معان من خلود

حكمة الإيمان من طيبة سارت للعراق وهفا الأتراك في دنيا رُؤاها والهنود

وكانت قضيته الكبرى أن يؤمن الناس.
وأرسل رسالة إلى لينين ، وكان محمد إقبال مشهوراً على مستوى العالم يعرفه لينين ، ويعرفه أذناب الشرق والغرب، يقول:
اتق الله يا لينين ! فإنك قصمت ظهر الرأسمالية فأحسنت، فألحق بقصمك لـالرأسمالية لا إله إلا الله. لينين هذا ثار على الحق الفردي في الرأسمالية , ولكنه أخرب كل الخراب عليه لعنة الله، كفر بالله، يقول: لا إله والحياة مادة. يقول: تعال بلا إله إلا الله. ولكن ذاك رفض.
ودخل على نادر شاه في كابل , ونادر شاه كان ملك أفغانستان آنذاك، وكتب رسالة إلى محمد إقبال يقول: أقدم إلينا أقدم إلينا، فدخل محمد إقبال فخرج الأفغان ألوفاً مؤلفة في الشوارع يستقبلونه، فأخذ -قبل أن يقابل الرئيس أو الملك- نسخة من المصحف وأعطاه وقال: يا نادر شاه ! والله لن تعلو بشعب الأفغان حتى تأخذ هذه الوثيقة, إنني أتيت بها من الله. يعني: أن هذا القرآن من الله.




( محمد إقبال شاعر الإيمان والحب والطموح ) للشيخ : ( عائض القرني )

مجد الغد
2010-07-04, 01:42 PM
العرب في شعر محمد إقبال


هو يحب العرب ويعتذر ويقول: يا ليتني أجيد اللغة العربية (100%) ولو أجادها (100%) لأبكانا كما أبكى الهنود، ولأبدع لنا في أدبنا وفي ثرواتنا، وجعلنا في أدب رائد جميل نعيشه من محمد إقبال ، ولكن لا زلنا -والحمد لله- نتمتع بمقطوعاته الجميلة الإيمانية، نسأل الله أن يغفر له زلَلَه، يقول في قصيدته وهو ينادي الرسول عليه الصلاة والسلام:
إن كان لي نغم الهنود ودلهم لكن ذاك الصوت من عدنان

يقول: أنا أتكلم بالهندي ولا أعرف اللغة العربية, لكني يا رسول الله! أحبك وأموت في حبك وقلبي عربي.
ويقول في مقطوعته:
هضبات نجد في مغانيها المها ومحاور الغزلان ملء تلالها

والمجد مشتاق وأمة أحمد يتهيأ التاريخ لاستقبالها

هكذا انبعاث الأرواح والإيمان والعقائد في أبيات الشعر:
والمجد مشتاق -يشتاق إلى أمة الرسول عليه الصلاة والسلام.
والمجد مشتاق وأمة أحمد يتهيأ التاريخ لاستقبالها

كأن التاريخ نائم، ثم أفاق وما رأى أمة جديرة بأن تقود التاريخ والدهر والزمن إلا أمة الرسول صلى الله عليه وسلم، فوقف يستقبل هذه الأمة.
ثم يقول:
سبحانك يا رب! خرج من الصحراء أناس كانوا يعبدون اللات ومناة والعزى، ثم أصبحوا يطوفون بالبيت لله، يقول:
وأصبح عابدو الأصنام قدماً حماة البيت والركن اليماني

من هم؟ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي . أصبح عكرمة وخالد اللذان كانا يطوفان بمناة واللات يحملان لا إله إلا الله والرسالة الخالدة, ويطوفان بالبيت لله رب العالمين. ويقول في قصيدة له اسمها: (تاجك مكة ):
من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسـ ـمك فوق هامات النجوم منارا

كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا

من هم؟ العرب، العرب المسلمون، لا عروبة القومية ولا البعثية ولا العلمانية ، لكنها عروبة لا إله إلا الله، عروبة تجري في دمك بإياك نعبد وإياك نستعين، عروبة أن تتوضأ وتسجد لله خمس مرات في خمس صلوات، عروبة أن تقول: لا إله إلا الله، فتهتز لها وتقدم دمك من أجلها. يقول:
لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا

وكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولنا الأزهارا

يقول: وكأن السيوف في المعارك تقدم لنا باقات من الزهر عند خالد وسعد وطارق وصلاح الدين ، يقول:
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا

يقول: ما كنا نأتي بأرواحنا في أجسامنا، كنا نبيعها لله قبل المعركة، والثمن الجنة, إن الله اشترى، وسوف يأتي بها في قصيدة (إن الله اشترى) قال: فكنا نأتي بأرواحنا في أكفنا إليك يا ربنا فنبيعها منك.
لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو نصب المنايا حولنا أسوارا

ندعو جهاراً لا إله سوى الذي خلق الوجود وقدر الأقدارا

كنا نرى الأصنام من ذهب فنهـ ـدمها ونهدم فوقها الكفارا

لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا

يقول: يا رب! أما فتحنا الهند -يعني: أجدادنا فتحوا الهند - أما فتحناها فقدموا لنا الأصنام وقلنا: لا لا نريد الأصنام؟ قالوا: من ذهب اشتروها؟ قلنا: لا فحرقناها وحرقنا الكفار معها، وهدمناها وهدمنا الكفار عليها، أليس نحن المسلمين؟ يقول:
محمود مثل إياز قام كلاهما نكبا العبادة تائباً مستغفراً

العبد والمولى على قدم التقى فارحم بوجهك عبد سوء في الثرى

والمقصود من هذين البيتين محمود بن سبكتكين المسلم، كان عنده ألف ألف من الأبطال فتح بهم ما وراء نهر سيحون وجيحون ، ثم قدموا له الأصنام فرفض كما فعل قتيبة بن مسلم وقال: لا والله لا يدعوني الله يوم القيامة ويقول لي: يا مشتري الأصنام، ولكن يدعوني: يا مهدم الأصنام، فكسرها بفأسه، وأحرقها وأتى بالملك فذبحه ثم نكسه على الصنم. فيقول: محمود مثل إياز ، وهو خادم محمود بن سبكتكين , وهو قائد الراية بعده رحم الله الجميع.
محمد إقبال في قصيدة له بعنوان " آه من لهفات إلى الحجاز ":
نغمات مضين لي هل تعودوا أنسيم من الحجاز يعود

آذنت عيشتي بوشك رحيل هل لعلم الأسرار قلب جديد

لماذا يحب الحجاز ؟! ألغبار الحجاز ؟! ألجبال الحجاز السوداء؟! ألفقر الحجاز ؟! لا.. لأن في الحجاز رجلاً مدفوناً هناك.
لأن في الحجاز نوراً انبعث.. لأن في الحجاز رسالة خالدة.. لأن في الحجاز جماجم الأبطال.. لأن في الحجاز مخرجاً من مخارج التوحيد والتاريخ.
في الحجاز محمد عليه الصلاة والسلام.. في الحجاز والكعبة والحجر الأسود وزمزم وطيبة .. في الحجاز آمال المسلمين وطموحهم، فهو يحب الحجاز . وله قصيدة اسمها " ناقتي في الحجاز " وصف نفسه وهو يبكي ويقول: يا ليتني أعتمر مرة ثانية, ولم تكن متسهلة له, كان يدرس في الجامعة الفلسفة، وشرح ديوان المتنبي , وكان يدور في الليل والنهار ويلقي محاضرات، وفي آخر عمره كان يلقي في اليوم الواحد عشر محاضرات, يريد أن يعيد الأمة إلى الله تعالى بشعره يقول:
يا ناقتي الخطارة وظبيتي المعطارة

حثي الخطا قليلاً منزلنا قريب

هذا من نظم الدكتور/ عبد الوهاب عزام ، ولكن ذاك أفضع وأفضع، وذاك أقوى وأقوى, يقول:
يا قلب حسبك لا تفيق صراحة إلا على مصباح نور محمد

يقول: لا يفيق قلبي إلا على مصباح نور الرسول عليه الصلاة والسلام، ويقول في عالم الإيمان قبل هذا:
بحثت عنك يا رسول الله! في ألمانيا فما وجدتك
هل سافر رسول الله إلى ألمانيا ؟ لا.. إقبال درس في ألمانيا الفلسفة.
قال: وجدت القاطرات والسيارات، والشاحنات والطائرات، والثلاجات والبرادات والبنات وما وجدت من أنزلت عليه الآيات البينات عليه الصلاة والسلام.

مجد الغد
2010-07-04, 01:45 PM
إقبال يتفجع على المسلمين



إقبال يتفجع على مجد المسلمين، كان شعره قطعاً من نور، وحمماً من براكين، وقذائف من زلزال، كان شعره يترنم به جيش الباكستان في أول ما قامت دولة محمد علي جناح ، كان جيشه يصلح في الطوابير الصباحية، وكان ينشد جيشه على مستوى العالم، حتى أن له بعض المقطوعات ترجمت إلى شعر الإنجليز وترجمت بالروسية, وله شعر بالعربي، وشعر بالبشتو وبالفارسي وبالأردو، فهو شاعر على مستوى العالم، وشعراء العالم في هذا العصر كما يقولون خمسة هم:
محمد إقبال ، وحالي ، والسعد الشيرازي ، وطاغور وشكسبير .
ويقول وهو يتفجع على المسلمين وقد زار قرطبة ، ووقف أمام الجامع ولم يجد المسلمين, وجد المسجد قد حول إلى حانات من الخمر والعياذ بالله، وجد العاهرات وهن في محراب المسجد؛ فبكى، وجلس عند الباب وأنشد قصيدته الفضفاضة الشهيرة في مسجد قرطبة وهو يقول:
أرى التفكير أدركه خمول ولم تبق العزائم في اشتعال

وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال

وعند الناس فلسفة وفكر ولكن أين تلقين الغزالي

ثم يقول:
وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال

يقول: تؤذنون ولكن نغمة بلال لا تجيدونها، عندكم أذان ولكن لا تستطيعون أن تؤذنوا مثل بلال .
وجلجة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال

منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العبَّاد خالي

وأما قصيدة (إن الله اشترى) فهو يتكلم بها إلى العالم الإسلامي كله, ويخبر بأهل بيعة الرضوان رضوان الله عليهم: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111].
وفي مقالة له نثرية يقول:
أتيت إلى العرب فوجدتهم يتقاتلون، وأتيت إلى الأتراك فوجدتهم يصبغون بالبويات أطراف الزجاج. -أي: أصبحوا نجارين وخشابين وأتيت إلى الهنود وهم يبحثون على الخبز في الأسواق، ولكن ما وجدت من الأصناف من يحمل لا إله إلا الله للعالم، فكل مشغول بخبزه وسيارته ووظيفته، لكن ما وجد محمد إقبال جيلاً يحمل لا إله إلا الله. يقول:
نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى

حتى هوت صور المعابد سجداً لجلال من خلق الوجود وصورا

ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا

أين هم؟ من هم؟ إنهم أجدادنا.
أم مَن رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا

ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى

إنهم المسلمون.
وهي من أبدع ما قال في حياته.
أما قصيدته المشهورة والتي يعرفها غالبكم وهي "شكوى "، فقد بدأها بقوله:
حديث الروح للأرواح يسري وتدركه القلوب بلا عناء

يقول: أنا أتكلم من روح إلى روح ومن قلب إلى قلب، أنا لا أتكلم إلى الآذان، فقد أكثرنا من الندوات والمحاضرات.
هتفت به فطار بلا جناح وشق أنينه صدر السماء

ومعدنه رخاميٌّ ولكن سرت في لفظه لغة السماء

هذا محمد إقبال في شكواه يتفجع على المسلمين، ثم يقف على معالم أسبانيا بعد رحيل المسلمين من هناك، ويرى مساجدهم ويرى القرآن وحلقات العلم قد عطلت، ويرى الفرنجة قد استولوا على معالم الدين هناك فيقول:
قد كان هذا الكون قبل وصولنا شؤماً لظالمه وللمظلوم

لما أطل محمد زكت الربى وافتر في البستان كل هشيم

وصف الكون بروض, ولكن هذا الروض يبس، وصوح نبته، وماتت أعشابه، وذوت أزهاره، وماتت أطياره، وجف معينه، فأطل محمد صلى الله عليه وسلم، فاهتزت الروح وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، لما أتى محمد عليه الصلاة والسلام اهتز الكون:
لما أطل محمد زكت الربى وافتر في البستان كل هشيم

مجد الغد
2010-07-04, 01:48 PM
محمد إقبال والحضارة الغربية


هذا الرجل عرف الحضارة ودرسها ودرَّس هناك، وقادهم في كثير من القضايا الفكرية وهو يعرفها معرفة تامة, يقول أبو الأعلى المودودي رحمه الله: كنا نعظ الناس ونحذرهم من الحضارة الغربية، فما يستمعون إلينا لأنا ما سافرنا إلى الغرب، فلما أتى محمد إقبال يحذرهم من الحضارة الغربية، أنصتوا إليه واستمعوا واتعظوا بما قال.
مر معنا ماذا قال في ألمانيا عندما رآها ورأى حضارة القصور, وهو المنطق الإيماني، لكن من شبابنا من يسافر إلى هناك ويأتي يمدح لنا أوروبا ، ويمدح لنا أمريكا ، إنهم يمدحون ناطحات السحاب، والطائرات والسيارات والقاطرات , جلست مع شاب يتحدث عن أمريكا فقال:
رأيت في مدينة دلس عمارة طولها مائة وستة وخمسون دوراً. وهو مثلج الصدر متعجب، ويقولون: في أمريكا أكثر من ألف مطار، وفي أمريكا شوارع تحت الأرض لا يدري بها الذين فوق الأرض، ثم ترك هذا كله في جانب، وترك جانب الروح والإيمان. قال تعالى: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [النمل:65-66].
أما تركوا منهج الله؟ أما قلبوا في الحياة لما انحرفوا عن لا إله إلا الله؟ أما انتحر الكثير منهم؟ أما تفصمت عرى الأسر عندهم؟ أما فشا الربا؟ وأصبحت المرأة سلعة رخيصة في المنتديات والمسرحيات؟ أما أصبح الشعب هائجاً مائجاً فارغاً؟ أما أصبحت الآلة عندهم أغلى من الإنسان؟ أما أصبح الإنسان عندهم من العجلة يأكل وهو واقف كالآلة؟ أما أصبح عندهم العبد مبرمجاً يذهب ويأتي؟ أما أصبح الرخيص عندهم يعمل ولكن عليه الجنابة سنة كاملة لا يغتسل؟ أما أصبح الإنسان يبول واقفاً كالكلب أمام الملايين من الناس في الشارع؟ أما أصبح الكلب مقدساً معظماً؟
احتج على كلب ضرب في دنفر ورفعوا فيه مذكرة، بينما شعب فلسطين والأفغان يسحقون بالألوف وما احتُج لذلك، بل التي تحتج ضد القرار دائماً هي أمريكا ، هي صاحبة النقض نقض الله أساسها، وهي صاحبة الفيتو فتت الله رشدها دون هذا الشعب؛ لكن للكلب عندهم مقدراً, رأينا والله عجوزاً في أكلاهوما إذا أصبحت الصباح تغسل كلبها بالشامبو والصابون والماء الدافئ وكان الجو بارداً، ثم تركبه في السيارة بجانبها في الميمنة وهي تقود، وتطيبه وتعطره وتركب الميدالية في نحره، نحرها الله، أهذه هي الحضارة؟!! أمنتهى الحضارة أن يبقى الإنسان على هذا المستوى؟! محمد إقبال نثرها وخرج من ألمانيا , وأتى إلى المسلمين وأعلن أن الحضارة محتاجة إلى إيمان المؤمنين وصلاة المصلين وصدق الصادقين، يقول للمسلم:
أنت كنز الدر والياقوت في لجة الدنيا وإن لم يعرفوك

محفل الأجيال محتاج إلى صوتك العالي وإن لم يسمعوك

يقول: ليس في العالم إلا أنت، ولا يضرك هذا الضجيج والإعلام والفلسفة، لأن أذناب العلمنة الذين ولدوا في لوس أنجلوس ودرسوا في ديفرسايد ، ولا يعرفون القرآن ولا زمزم ولا توضئوا بالماء، طلسموا عقول الناس وجعلوا الدين خرافة ورجعية, فيقول محمد إقبال :
أنت كنز الدر والياقوت في لجة الدنيا وإن لم يعرفوك

يقول: أنت في لحافك، وأنت في طرف المسجد، أشرف من ألف من أمثال ريجن وكارتر وفورد ، ثم يقول:
محفل الأجيال محتاج إلى صوتك العالي وإن لم يسمعوك

يقول: لكنك لم تتكلم ولم تهدِ الشعوب. ويقول: كريسي مريسون الأمريكي كما ينقل عنه:
يا مسلمون! قدمنا لكم الثلاجة والسيارة، والغسالة والطائرة ولكن ما قدمتم لنا الإيمان. يقول محمد إقبال تكلم, اخرج, عظ الناس. وحضارتهم يسميها حضارة القشور والتبعية ويقول:
دخلت ألمانيا فأظلم قلبي، وانطفأت معالم الروح في نفسي، ونسيت حلاوة القرآن التي كنت أجدها في البنجاب ، لماذا؟ يقول:
لأن الفتاة العاهرة تجلس بجانبي على كرسي الدراسة، وكأس الخمر على ماستي، يعني: زميله يجعله على ماسة محمد إقبال ، وإلا فـمحمد إقبال مؤمن، فلذلك أتى وهو ثائر كالمصدوع، متفجر الرأس, وينذر الناس من هذه الحضارة ويقول: أيقظوا العالم, أيقظوا الناس، وجهوهم إلى الله رب العالمين.