المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مفتاح التميز



مجد الغد
2010-07-04, 02:40 PM
"]( مفتاح التميز )


للشيخ : ( عائض القرني )

مفتاح التميز
تحدث الشيخ في هذه المحاضرة بأسلوب أدبي عن نماذج يقتدى بهم ممن خلد الله ذكرهم.
من هؤلاء الذين ذكرهم: الخلفاء الراشدون، ومواقفهم التي اشتهروا بها في خدمة دين الله.
وتكلم بعد ذلك عن الأئمة الأربعة وختم بنبذة عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

وقفات مع نماذج من الصحابة



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
أيها الإخوة الفضلاء: هذه محاضرة: "مفتاح التميز" أردت أن أقدم نماذج من أعلام الإسلام بأسلوبٍ أدبي؛ علَّها أن تنفث في القلوب همةً وعزيمةً ومضاءة.......


وقفة مع أبي بكر الصديق


أبو بكر الصديق رضي الله عنه: عتيقٌ في الجاهلية، صديقٌ في الإسلام، حاضرٌ في المغارم، غائب في المغانم، أحب صاحب الدعوة فقاسمه الخوف والعناء والمشقة، وشاطره الهم والمعاناة واللوعة، مناقبه خصائص تمنع الاشتراك، وخصائصه أكاليل لا تقبل غيره، ضاقت به الدنيا فدخل الغار مع صاحبه، والله يقول: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ [الكهف:16] خشي على صاحبه من العقرب فسد الثقب بإصبعه، لدغ فما أنَّ، فقال له صاحبه: تأنَ، خاف على المختار في الغار من الكفار فصاح من شدة العناء: أفديك أنا، فنودي: لا تحزن إن الله معنا.
هو مثل الخليل إبراهيم، وَحد الرحمن، وحطم الأوثان، وأكرم الضيفان فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13]
أبو بكر هو الأول في الإسلام وفي الهجرة والجهاد، إلى الله سبق، وبشرعه نطق، وفي القول صدق، فلا تركبن في سريته طبقاً عن طبق، زوج ابنته الإمام، واشترى المؤذن، وبنى المسجد، فنال جائزة: وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:21]
مع الصديق إداوة يسقي بها الصاحب، وسيفٌ ينافح به عنه، ولسانٌ يدعو إليه، وقلبٌ يحبه، وعينٌ تبكي لحديثه، وجفنةٌ تطعم ضيوفه.
أبو بكر قيل له: نُبئ صاحبك، قال: صدق، قالوا: ونزل عليه جبريل، قال: صدق، قالوا: وأخبرنا أنه أسري به، قال: صدق، قالوا: وذكر أنه عرج به، قال: صدق، فقيل له: أنت الصديق حياً وميتاً، لقبٌ يبقى لك مجرداً ومضافاً، نكرةً ومعرفة، مفرداً وجمعاً.
آمنت بالذي جعل الصديق في الإيمان آية للسائرين، إن حانت الصلاة؛ فهو في الصف الأول من القانتين، وإن تلا غلبه البكاء، وابيضت عيناه من الحزن خشية لرب العالمين، وإذا ادلهم الخطب عرض روحه للمنايا، وقدم رأسه لسيوف المقاتلين، لا يكفه أن يدعى للجنة من باب بل من الأبواب الثمانية، ولم يسعه أن يعتنق الإسلام في مكة سراً بل علانية، دخل مع الصاحب في الغار ، وخرج معه للهجرة، وبات معه في بدر ، ولزمه في حنين ، وسافر معه إلى تبوك ، وحج معه، وناب عنه في الإمامة، وقام مكانه في الخلافة.
لما مات الصاحب سال دمعه سريعاً ساخناً صادقاً، فلما ارتد بعضهم عن الإسلام جف دمعه، وصلب عوده، واشتد ساعده، ولعلع سيفه، وزمجر صوته، فرد من شرد، وأقام من قعد، وأدخل بالسيف في قلوب الناكثين قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] فكان لسان الحال في الأزمات يحييه، اثبت أحد .
قال المارقون: لا ندفع مالاً، فأقسم: [[والله لو منعوني عقالاً... ]] فسل سيف الحق.
ارتد مسيلمة الكذاب ، فقال الصديق : يا ذباب! يأتيك الجواب فألبس خالداً العمامة، قال: هيا إلى اليمامة ، فاهتز سيف الله المسلول، فصبح المرتدين وهم في ذهول، فحطَّم الجماجم، وأذل الباطل وهو راغم، أبو بكر ما أشده! هو رجل الشدة، وبطل يوم الردة، الأسود تَسود، والمثالب للثعالب.
أبو بكر ثلاث ليالٍ، وثلاثة أيام، وثلاث ساعات، ليلة الغار، وليلة بدر الأبرار، وليلة الدار، أبو بكر يوم أعلن إسلامه، ويوم ارتحل مع صاحبه مرةً خلفه، ومرةً أمامه، ويوم جهز جيش أسامة ، وأبو بكر ساعة سمع سورة اقرأ، وساعة صدَّق المعصوم في الإسراء، وساعة مات الحبيب وأظلمت الغبراء.
أبو بكر أعلن الحرية؛ لأنه أول من استقبل عبداً، وأول من ودع عبداً، استقبل بلالاً أيام البلاء، يوم كانت قريشاً ثائرةً على السود، هائمة في السيادة، ضالعةً في الاستعباد، وودع أسامة الأسود يركب على الفرس بسواده، والصديق يطأ الثرى ببياضه، ليقول للناس: لا ألوان، لا أنساب، لا ألقاب، عندنا رسالة ويقين، وطهر ضمائر، وسمو همم، هو مع خليله وإمامه وحبيبه وأسوته، في الصلاة خلفه، في الحرب أمامه، في الطلب لديه، في المهمات عنده.
أبو بكر قلبٌ نبيل، وجسمٌ نحيل، وشاب الإرادة، وشيخ التجارب، أحيا قلبه بالإيمان فلم يمت أبدا، وأمات نفسه عن الشهوات فلم تعش أبداً، هاج الناس يوم مات الرسول صلى الله عليه وسلم فسكن أبو بكر ، تلعثموا فتكلم، أراد أن يخبرهم بالمصاب فأتى بالعجب العجاب: [[من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت ]].
أبو بكر نحيفٌ أسيفٌ شريف، نحيف لم يثخن من موائد اللاهين وبعض الرعية في أسراب الجائعين، وأسيفٌ بكى من التنزيل، ودمعت عيناه من خوف الجليل، ووجل ليوم الرحيل، وشريف سمت روحه عن الشهوات، وعظم قلبه أن تناله الشبهات، ونظفت يده أن هاء وهات، عنده صحة فطرة، سقاها معين التوحيد، ونضحها نسيم الهجرة، وأنضجتها شمس الجهاد.
عقيدته توقد من شجرةٍ مباركة لا شرقية ولا غربية، بل ربانية سُنية سلفية، نورٌ على نور، شاب رأسه من تلك الأيام، يوم رأى إمامه وقدوته يؤذى في الطواف، ويوم شاهد السيوف تلف الغار، ويوم أبصر الحبيب يودع الحياة، صفقته رابحة، وكِفته راجحة، وعطاياه غاديةً رائحة، أنطق بحجته ألسنة النبلاء، فشهدت أن لا إله إلا الله، وأسكت بدولته أفواه البغاة يوم قالت: لا إله، أرسل لواءه الأبيض على الأسود العنسي فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [الإسراء:12]
وأرسل طلحة على طليحة فصغر الاسم، ومحا الرسم، ولا يغلب اسم الله اسم، جمع له المرتدون الخيول المرسلات؛ فسلط عليهم السيوف النازعات، منعوا زكاة المال؛ فأخذ منهم زكاة الرجال، قطعوا الحبال فارين؛ فجرهم في العمائم مقيدين.
مات المعلم يوم الإثنين، ومات التلميذ يوم الإثنين؛ لأنه ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] وتنتهي بهما في دار المقام، ويذهب الحزن كله، وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [فاطر:34].


[/color]

مجد الغد
2010-07-04, 02:44 PM
وقفة مع عمر بن الخطاب


عمر بن الخطاب : أسلم قوياً، وهاجر قوياً، وقتل قوياً، شمر قميصه في اليقظة؛ فجره في المنام، أراد صلى الله عليه وسلم أن يدخل قصره في الجنة فذكر غيرته فلم يدخل، انتقل من عميرٍ إلى عمر ، إلى الفاروق ، إلى أمير المؤمنين، إلى جنات النعيم.
إسلامه فتحٌ هز مكة ، ووقف النصر على بوابة مدينة الإسلام منادياً: ادخلوها بسلامٍ آمنين، وهجرته نصرٌ؛ لأنه هاجر متحدياً شامخاً ظاهراً، وخلافته رحمة؛ لأنه أول الجائعين والمساكين والزاهدين.
وضع يمينه في يمين الرسول صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم ، فعز الإسلام، وارتفعت الأعلام، وانهزمت الأصنام، واندك الباطل، وسحق الزيف، وقمع الضلال، وغربت شمس الزور.
ووضع يده في يمين أبي بكر في سقيفة بني ساعدة، فساد الأمن، وتوطدت الخلافة، وحسمت الفتنة. كسر بسيف الشرع ظهر كسرى، وقصَّر بالحق آمال قيصر، وأرهق بكتائب الله هرقل .
إذا سمع الباطل أزبد وأرعد وتهدد وقام وقعد وأنجز ما توعد، وإذا سمع القرآن بكى وشكا وتململ وتزلزل.
كان عمر في جبين الدهر دُرة؛ لأنه قرع الظلم بالدرة، فلله دره، خاف منه الشيطان، وارتعد لرؤيته الهرمزان ، وانتهت به دولة آل ساسان.
درته لله درها، وما أدراك ما هي؟! درة عمر ؛ لخبط رءوس الضلال، وضرب أكتاف الظلمة الجهال، وتأديب العمال.
قميص عمر مرقع، تغير لونه بدم عمر يوم طعن، فصاح لسان حال عمر : اذهبوا بقميصي وائتوني بكفنٍ فقد مللت الحياة.
طاش عقل صبيغ بن عَسْلٍ بالترهات وفاش، فأحضر عمر الدرة، وخفقه حتى فقد وعيه ثم أيقظه وقال: كيف تجدك؟ فصاح: أصبحنا وأصبح الملك لله.
طعن في الصلاة، ومات في المحراب، ودفن في الروضة.
هُدِّمت به قصور فارس؛ لأن بيته من طين، وكسرت به سيوف رستم ؛ لأن بيده درة، وخلعت به تيجان آل كسرى؛ لأن قميصه مرقع.
له ثلاث وقفات، وثلاث رؤى، وثلاث كلمات، وطعن بثلاث طعنات، وقفة يوم أسلم، ويوم هاجر، ويوم بايع الصديق ، ورؤي القميص يجره في المنام، ورؤي قصره في الجنة، وطعنة الشهادة والبطولة والانتصار.
تعرض للموت في كل مكان فما وجده إلا في المحراب، دوخ ملوك العالم؛ فقتله عبد، قتل ساجداً لأن قاتله لم يسجد لله أبداً، وخرج اللبن الذي شربه يوم طعن؛ لأنه اكتفى بفضل ما شربه من اللبن الذي شربه الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول وهو يتنهد: [[يا ليتني كنت شجرةً تعضد ]] فنال الشهادة في المسجد.
وافق الوحي، وخالف الهوى، وتابع المعصوم، وتلا الصديق ، وسبق الملوك، وصحب العدل، وجدَّ في الأمر، وعزم عن رشد، في الصلاة باكياً، في المعركة غاضباً، من الدنيا واجماً، إلى الآخرة ضاحكاً، إلى الرعية قريباً.
عمر كالطائر الحذر، لا يصاد بالشباك، ولا يقع في الأشراك، ولا يهبط على الأشواك، لماحٌ يقظ نبيه، جاءته كنوز فارس والروم فوزعها على القوم، رفض الديباج لأنه على منهاج، لا يرى لبس الحرير ولا الجلوس على السرير ولا أكل الطرير؛ لأنه تلميذٌُ البشير النذير، إن وجد ضالاً نصحه، وإن عاند مكابر بطحه، وإن انتشر ضلالٌ فضحه.
سمع الوحي فقال: الله أكبر، وقرقر بطنه من الجوع فقال: [[قرقر أو لا تقرقر ]] فبقر في سبيل الله بالخنجر.
طالت همته؛ فقصر أمله، كبرت نيته؛ فصغرت نفسه، اتسع فهمه؛ فضاق وهمه، كان للظلم بالمرصاد، فكم من ظالمٌ قد صاد، ظنه يقين؛ لأنه صحب الأمين، وردد وراءه آمين.
قيل له: الروم بالجيوش رموك، فقال: الموعد اليرموك ، أطلق كسرى الرصاص، فكتب عليه القصاص، وأرسل له سعد بن أبي وقاص .
جاع يوم الرمادة حتى شبعت الرعية، ولبس المرقع حتى توشح الناس بالأقبية، وقتل حتى تحيا الملة، فلا تموت أبدا.
هو بابٌ دون الفتنة كسر، فدخلت منه الطوائف، كلما دخلت أمة فاقت في الشر أختها، أراد أهل الضلال العبث في الكتاب فضرب بينهم بسورٍ له باب.
خرج من الدنيا فأطلت برأسها الخوارج ، ورفض العيش فأقبلت الرافضة ، ولقي قدره فعشعشت القدرية ، افترس فارس بـسعد الفوارس، ورمى الروم بـخالد فطاش راميها، وبغثر سجستان بـالنعمان ، وأرغم هرقل وأنو شروان ، وجبا خزائنهما يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان.
قتل عمر ولكنه عاش، ارتحل لكنه أقام، هو فينا، وفي ضمائرنا، وعروقنا، ودمائنا، وقلوبنا، وعيوننا.. في الأبطال، والرجال، والأطفال.
عمر الحزم عند ورود القلق، والعزم مع طائف التردد، واقتناص الفرصة قبل أن تدبر، قويٌ حتى تضعف صولة الباطل، شديدٌ حتى تلين قناة الزور، همه تحقيق العدل، ورسوخ المساواة، وحفظ الحقوق، وكسر أنف الأنفة، وقمع جولة الجبروت، عنده حكمةٌ للقلوب، ودرة للأكتاف، وسيفٌ للرقاب.
طبت يا عمر حياً وطبت ميتاً، لبست جديداً، وعشت حميداً، ومت شهيداً.

مجد الغد
2010-07-04, 02:45 PM
يتبع ان شاء الله تعالى

دانة
2010-07-04, 05:30 PM
ما شاء الله موضوع رائع
بارك الله في الشيخ عائض القرني وفيك اختي الفاضلة على ما نقلت
وجزاكم عنا خيرا
متابعة لهذا الموضوع الشائق

صفاء
2010-07-04, 06:57 PM
موضوع جميل فيه خير وفير
بارك الله فيك على حسن انتقائك اختي الغالية مجد الغد
وجزى شيخنا الجليل عائض القرني كل خير ونفعنا به
متابعة بشغف