المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ..ونسيهم التاريخ



الصفحات : [1] 2 3

كوبرلّي
2010-08-23, 01:17 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تاريخنا الاسلامي هو خير تاريخ مر على البشرية وبمجرد انتهائه ضاعت البشرية في الظلام تتطلاتم بامواجه العاتية منقادين لشياطين الانس والجن فكان حق علينا ان نحفظ هذا التاريخ ونكمل المسيرة ولكن التقاعس والتخاذل هو ما اوصلنا لهذه الحالة المزرية من الذل والهوان

فلم نسلم نحن من هول الزمان ولم يسلم تاريخنا ايضا من ايدي التشويه الملطخة بتحريف كتب الله
وانقاد كثير ممن يسمون انفسهم بالمؤرخين ممن ينسبون ظلما لامة محمد لهذا التشويه وتغافل الكثيرون عن ذكر ابطالنا الذي ذهب بهم الزمان الى حيث لا يعلم الا الله
ففي هذا الموضوع سأحاول ان شاء الله تعالى ان اذكر نبذة عن بعض من هؤلاء الابطال الذين حملوا لواء الاسلام وانطبق عليهم قول الله تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً

نبدأ اولا بسيف الله القائد الب ارسلان


نجح السلاجقة في النصف الأول من القرن الخامس الهجري في إقامة دولة قوية في خراسان وبلاد ما وراء النهر على حساب الدولة الغزنوية، وأن يعلنوا تبعيتهم للخلافة العباسية، ثم لم تلبث هذه الدولة أن اتسعت بسرعة هائلة؛ فسيطرت على إيران والعراق، وتوج "طغرل بك" إنجازاته العسكرية بدخول بغداد في (25 من رمضان 447هـ = 23 ديسمبر 1055م)، وبدأ عصر جديد للدولة العباسية، أطلق عليه المؤرخون عصر نفوذ السلاجقة؛ حيث كانت السلطة الفعلية في أيديهم، ولم يبقَ للخليفة سوى بعض المظاهر والرسوم.

ويُعَدُّ طغرل بك من كبار رجال التاريخ؛ فهو المؤسِّس الحقيقي لدولة السلاجقة، نشأت على يديه، ومدت سلطانها تحت بصره، وغدت أكبر قوة في العالم الإسلامي، ونفخت الرُّوح في جسد الدولة العباسية الواهن؛ فدبت فيه الحياة، بعد أن أوشكت على الموت، منذ أن أعلن "البساسيري" أحد قادة الجند تبعية بغداد للدولة الفاطمية في مصر، في سابقة لم تحدث في تاريخها.

اسمه ونسبه:

http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/d/d1/Alp-arslan.jpg
عضد الدولة أبو شجاع ألب أرسلان محمد بن جفري بك داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق

الولاية

تُوفِّي طغرل بك في سنة (455هـ = 1063م) دون أن يترك ولدًا يخلفه على سدة الحكم، فشب صراع على الحكم، حسمه ابن أخيه ألب أرسلان لصالحه بمعونة وزيره النابه نظام الملك، المعروف بالذكاء وقوة النفوذ، وسعة الحيلة، وتنوع الثقافة.

وكانت سوابق ألب أرسلان تزكِّي اختياره للحكم؛ فهو قائد ماهر، وفارس شجاع، نشأ في خراسان، حيث كان والده "جغري" حاكمًا عليها، وأُسندت إليه قيادة الجيوش في سن مبكرة، فأظهر شجاعة نادرة في كل المعارك التي خاض غمارها، وبعد وفاة أبيه تولى هو إمارة خراسان خلفًا له.

ولم تسلم الفترة الأولى من عهده من الفتن والثورات، سواء من ولاته، أو من بعض أمراء البيت الحاكم؛ فقضى على فتنة ابن عم أبيه "شهاب الدولة قتلمش سنة (456هـ الموافق 1064م)، وكانت فتنة هائلة كادت تقضي على ألب أرسلان بعد أن استولى على "الري" عاصمة الدولة، وأعلن نفسه سلطانًا، وأحبط محاولة عمه "بيغو" للاستقلال بإقليم هراة سنة (457 = 1065م)، وبعد سنوات من العمل الجاد نجح ألب أرسلان في المحافظة على ممتلكات دولته، وتوسيع حدودها، ودانت له الأقاليم بالطاعة والولاء، وأُخمِدَت الفتنة والثورات، وتصاعد نفوذه، وقويت شكوته، حتى أصبحت دولته أكبر قوة في العالم الإسلامي في سنة (463هـ = 1070م) مما شجَّعه على التفكير في تأمين حدود دولته من غارات الروم.

فتح بلاد الروم

اطمأن ألب أرسلان إلى جبهته الداخلية المستقرة؛ فبدأ يتطلع إلى ضم المناطق النصرانية المجاورة له؛ بهدف نشر الإسلام فيها؛ فأعد جيشًا بلغ أربعين ألف جندي لهذا الغرض، وتمكن به من فتح بلاد الأرمن، وجورجيا، والأجزاء المطلة على بلاد الروم، وكان لهذه الانتصارات أثرها؛ فتحرك قيصر الروم الذي أدرك أن بلاده معرضة للهجوم من ألب أرسلان، وأن القتال معه وشيك لا محالة؛ فخرج على رأس جيش كبير لمواجهة غزو السلاجقة لممتكلاته، وذلك في سنة (463هـ = 1070)؛ لتطويق الجيش السلجوقي، واستولى على حلب، وكان حاكمها يتبع الخليفة الفاطمي في مصر.

فطن ألب أرسلان إلى محاولات القيصر؛ فبعث ابنه"ملكشاه" على رأس قوة من جيشه؛ لاسترداد حلب من الروم، وتأمين الحدود الشمالية لبلاد الشام؛ فنجح في مهمته، واستولى على حلب، وأصبحت تابعة للسلاجقة، وضم القدس أيضًا، وأجزاء من بلاد الشام.

موقعة ملاذ كرد

لم يجد قيصر الروم بدًا من الهجوم على جيش ألب أرسلان بعد أن فشلت خطته في تطويق الجيش الإسلامي؛ فخرج بجيوشه الجرارة التي ضمت أخلاطًا من الروس والبلغاريين واليونانيين والفرنسيين إلى المنطقة التي يعسكر فيها جيش السلاجقة في "ملاذكرد"، وكان جيش ألب أرسلان صغيرًا إذا ما قُورِنَ بجيش القيصر، الذي يبلغ عدده مائتي ألف جندي، ويفوقه أسلحة وعتادًا.

أسرع ألب أرسلان بقواته الصغيرة، واصطدم بمقدمة الجيش الرومي الهائل، ونجح في تحقيق نصر خاطف، يحقق له التفاوض العادل مع القيصر؛ لأنه كان يدرك أن قواته الصغيرة لا قِبَل لها بمواجهة هذا الجيش العظيم، غير أن القيصر رفض دعوة ألب أرسلان إلى الصلح والهدنة، وأساء استقبال مبعوثه؛ فأيقن ألب أرسلان ألاَّ مفرَّ له من القتال، بعد أن فشلت الجهود السلمية في دفع الحرب؛ فعمد إلى جنوده يشعل في نفوسهم رُوح الجهاد، وحب الاستشهاد، والصبر عند اللقاء، ووقف الإمام "أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري" يشد من أزر السلطان، ويقول له: "إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره، وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله تعالى قد كتب باسمك هذا الفتح".

وحين دنت ساعة اللقاء صلَّى بهم الإمام أبو نصر البخاري، وبكى السلطان؛ فبكى الناس لبكائه، ودعا، ودعوا معه، ولبس البياض وتحنَّط وقال: "إن قُتِلت فهذا كفني"، والتقى الفريقان، وحمل المسلمون على أعدائهم حملة صادقة، وأبلوا بلاءً حسنًا، وهجموا عليهم في جرأة وشجاعة، وأمعنوا فيهم قتلاً وتجريحًا، وما هي إلا ساعة من نهار حتى انكشف غبار المعركة عن جثث الروم تملأ ساحة القتال، ووقع قيصر الروم "رومانوس ديوجينس" أسيرًا في أيديهم، وحلَّت الهزيمة بهذا الجيش الجبَّار في (ذي القعدة 463هـ = أغسطس 1071م).

ما بعد ملاذ كرد

افتدى الروم قيصرهم بفدية كبيرة قدرها مليون ونصف المليون من الدينارات، وعقدوا صلحًا مع السلاجقة مدته خمسون عامًا، وتعهدوا بدفع جزية سنوية طوال هذه المدة، واعترفوا بسيطرة السلاجقة على المناطق التي فتحوها من بلاد الروم، وتعهدوا بعدم الاعتداء على ممتلكات دولة السلاجقة.

وكان من نتائج هذا النصر العظيم أن تغيرت صورة الحياة والحضارة في هذه المنطقة؛ فاصطبغت بالصبغة الإسلامية بعد أن أشرقت عليها شمس الإسلام، ودخل سكانها في الإسلام، وتعلموا مبادئه وشرائعه.

الوزير نظام الملك

وما كان للسلطان ألب أرسلان أن يحقق كل هذه الإنجازات بدون جهود وزيره العظيم نظام الملك، الذي لم يكن وزيرًا لامعًا وسياسيًّا ماهرًا فحسب؛ بل كان داعيًا للعلم والأدب محبًّا لهما، أنشأ المدارس المعروفة باسمه "المدارس النظامية"، وأجرى لها الرواتب، وجذب إليها كبار الفقهاء والمحدثين، وفي مقدمتهم حجة الإسلام "أبو حامد الغزالي".

وقد ارتفع شأن ألب أرسلان بعد انتصاره الباهر، وصار مرهوب الجانب في الشرق الإسلامي والغرب المسيحي، وحقق شهرة واسعة هو ووزيره نظام الملك الذي أسهم في وضع سياسة السلاجقة، وأشرف على تنفيذها، غير أن السلطان ألب أرسلان لم يهنأ كثيرًا بما حققه، ويجني ثمار نصره، ويواصل فتوحاته، فقد قُتِلَ بعد عام ونيف من موقعة ملاذ كرد على يد أحد الثائرين عليه، وهو في الرابعة والأربعين من عمره في (10 من ربيع الأول 465 هـ = 29 من نوفمبر 1072م"، وخلفه ابنه ملكشاه صاحب الإنجازات العسكرية والحضارية في القرن الخامس الهجري.


يتبع مع بطل آخرpppo

كوبرلّي
2010-08-23, 01:36 PM
نعود مع بطل آخر ممن اعز الله به الاسلام واذل به الكفر وبطلنا هنا لا يعرفه الكثير من المسلمين مع ان اعماله تضعه بين اكبر اكابر الفتوح انه محمود الغزنوي
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/8/87/Sultan-Mahmud-Ghaznawi.jpg

http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/9/96/%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86_%D9%85%D8%AD%D9%85% D9%88%D8%AF_%D8%BA%D8%B2%D9%86%D9%88%DB%8C.JPG

محمود بن سبكتكين (971 - 1030) من الملوك الغزنويين وقد ارتفعت الدولة الغزنوية إلي الأوج في قليل من الزمن بفضل همة محمود وحسن قيادته. عرف محمود بالعديد من الألقاب من بينها بطل الإسلام وفاتح الهند ومحطم الأصنام ويمين أمير المؤمنين ويمين الدولة. استطاع محمود أن يغلب السامانيين على أمرهم وأن يغزو الهند ويهزم الهنود في اثنتي عشرة معركة في أربع وعشرين سنة وأن يزيد حدود مملكته التي ورثها حتى امتدت من بخارى وسمرقند إلى كوجرات وقنوج وشملت أفغانستان وما وراء النهر وسجستان وخراسان وطبرستان وكشمير وجزءاً كبيراً من الولايات الواقعة في الشمال الغربي من الهند. حتى إذا كانت سنة 1030 م (421 هـ) أدركته الوفاة وبعد ذلك بسبع سنين انتقل ملكه العريض فعلياً إلي أيدي السلاجقة. إلا أن دولته التي أسسها لم يقض عليها القضاء النهائي إلا في سنة 582 هـ عندما استولى الغوريون على آخر ممتلكاتها في الهند وأوقعوا بها الواقعة القاصمة.
إن محموداً الغزنوي كان نصيراً كبيراً للأدب والفنون. كان يعيش في عهده كثير من العلماء والشعراء، منهم: ابن سينا وأبو الريحان البيروني وأبو الفتح البستي والعسجدي والفردوسي والبيهقي والفرخي والمنوجهري والعنصري والكسائي والدقيقي والغضائري.

وفاة سبكتكين واستيلاء محمود على الحكم

في سنة 387 هـ في شعبان توفي سبكتكين ونقل إلى غزنة ميتاً ودفن فيها بعد أن دام حكمه عشرين سنة، كان ابنه محمود أول من لقب بالسلطان، وقبل أن يموت سبكتكين كان قد أوصى بالملك لابنه إسماعيل وبعد أن مات بايع الجنود إسماعيل، ولما علم محمود الملقب يمين الدولة الذي كان في نيسابور بالخبر أرسل رسالة إلى إسماعيل يعزيه فيها على أبيه ويخبره أن أباه ما أوصى له بالحكم إلا لأنه قريب منه وهو بعيد، ويقول له أن الكبير أحق بالسلطة (لأنه كان أكبر من أخيه إسماعيل) وأخذ يطلب منه تسليم العرش له، ولكن أخاه الأصغر إسماعيل لم يكن موافقاً على أن يترك العرش لأخيه بهذه البساطة وأخذت تتردد الرسل بينهما ولكن لم يرض أحدٌ منهما برأي الآخر كان كلاهما يريد السلطة قبل أي شيء، وتسبب ذلك في نشوب حرب بين الأخوين فذهب محمود (يمين الدولة) إلى هراة تاركاً نيسابور عازماً على عزل أخيه من العرش والذي قد كان في غزنة، وفي هراة تقابل محمود (يمين الدولة) مع عمه "بُغراجق" فوافق عمه على مساعدته لإنهاء حكم أخيه إسماعيل، وبعد ذلك سار إلى "بُست" وهناك التقى بأخيه نصر والذي وافق أيضاً على مساعدته، وهكذا سار محمود إلى غزنة وبرفقته عمه وأخوه يساعدانه ولكن عندما علم إسماعيل الذي كان حينها في مدينة بلخ اتجه فوراً إلى غزنة وبدأ يجهز نفسه للمعركة، ولكن قبل توجه محمود إلى غزنة كان قد راسل أمراء الدولة وقد وعدوه بمساندته على الاستيلاء على الحكم، والتقى محمود بالنهاية مع إسماعيل عند غزنة واستمر القتال طويلاً ثم هزم إسماعيل في النهاية فهرب واختبأ في قلعة غزنة، فحاصره محمود وقال له أنه سوف يكرمه ولن يؤذيه إذا ترك القلعة فاستسلم إسماعيل ونزل فأحسن إليه محمود وأكرمه، ثم ذهب محمود إلى بلخ وأطاعه الأمراء، وقد كانت مدة حكم إسماعيل سبعة أشهر وهكذا أصبح محمود القائد العظيم حاكماً للدولة الغزنوية وقد أمضى محمودٌ عمره وهو يحارب في الهند ويفتح أقاليمها الواحد تلو الآخر.

غزو نَيسابور

لما انتهى محمود من أخيه عاد إلى بلخ، فوجد بكتوزون قد تولّى ملك خراسان، عندها أرسل محمود رسالة إلى الأمير المنصور بن نوح، ذكره فيها بطاعته له وطلب منه أن يعطيه خراسان فلم يقبل المنصور، فطلب محمودٌ نفس الطلب مرةً أخرى فلم يقبل المنصور، حينها تأكد محمودٌ من رفض المنصور توليته على خراسان، فسار إلى نيسابور والتي كان بكتوزون بداخلها، وعندما علم بكتوزون بسير محمودٍ إليه فرّ هارباً من نيسابور فاستولى عليها محمود، عندما علم المنصور باستيلاء محمود على نيسابور سار إليها، وعندما علم محمودٌ بذلك سار إلى مرو الروذ، ثم أخذ ينتظر ما سيفعله المنصور.

غزو خراسان

التقى المنصور وبكتوزون واتجهوا نحو مرو، ودخلوا في معركة مع محمود في جمادى الآخرة، وفي النهاية هزم بكتوزون والمنصور وانحسبا. ذهب عبد الملك وفائق إلى بخارى، وبكتوزون إلى نيسابور، وأبو القاسم بن سيمجور قستهان، فقرر محمودٌ أن يسير إلى أبو القاسم وبكتوزون، وأن يعجّل قبل أن يجتمعا مع بعضهما، فسار على طوس فهرب بكتوزون إلى نواحي جرجان، فأرسل محمود القائد أرسلان الجاذب لكي يقضي عليه، وذهب إلى جرجان فهرب بكتوزون إلى هَراة، فولّا محمودٌ أرسلان على طوس وسار إلى هَراة، وعندما علم بكتوزون بمسير محمود إليه ترك هَراة وتوجه إلى نيسابور واحتلها، عندها عاد محمود إليها فهرب بكتوزون إلى مرو ونهبها ثم ذهب واستقر ببخارى، كانت بخارى خارج حدود مملكة محمود فاستقر محمود في خراسان وترك بكتوزون، وأزال محمود الدولة السامانية وخطب في الدولة للخليفة العباسي القادر بالله. ولّى محمود على جيوش خراسان أخاه نصر، وقد دخلت معظم خراسان في طاعته دون حرب مثل: آل فريغون، أصحاب الجوزجان، والشار شاه.

غزو سجستان

كان سبب استيلاء محمود على سجستان هو أنه بعدما صالح خلف بن أحمد ملك سجستان عهد بالخلافة إلى ولده الطاهر في عام 393 هـ، بينما كرَّس هو وَقته للعبادة والعلم وقد كان عالماً ويحب العلماء، وقد كان يريد مِمَّا فعله أن يوهم محمود أنه ترك المُلك وأصبح يُكرِّسُ حياته للآخرة حتى لا يطمع محمودٌ بمَملكته. عندما أصبح طاهر هو الملك أصبَح عاقّاً لأبيه، وحاول أبوه الرِّفق به وملاطفته أملاً في تغيير الوضع، وبعد ذلك مرض واستدعى ولده "طاهر" لِيَقرأ عليه الوصية، وحينها حضر طاهر دون حرسٍ وكان قد نَسيً إساءته لأبيه، وحين وصل طاهر قبض عليه أبوه ووضعه في السجن إلى أن مات.

عندما سَمع جيش خلفٍ بالأمر عصوه وكرهوه، ونقلوا طاعتهم إلى محمود وخطبوا له في المنابر وأرسلوا رسائل إليه يطلبون منه فتح سجستان، وقد وافق محمود على الأمر فبدأ مسيرته إلى خلف الذي كان في حصن الطاق، وهو حصنٌ يحيط به خَندقٌ عريضٌ وعميق وراءه سبعة أسوار، وكان له جسرٌ قابلٌ للرفع رفعوه عند وصول محمود، وعندها أمر محمودٌ بِطَمر الخندق ليتمَكَّنوا من عبوره، وتَقدَّم جيش محمود مع الفيلة الكبيرة التي تَقدَّم أحدُها واقتلع باب الحصن بأنيابه، وأخذ رجال خلفٍ يتراجعون من سورٍ إلى سور، وحينها ارتعد خلفٌ وأرسل رسالةً إلى محمود يطلب فيها الأمان فوافق محمودٌ وأكرَمه واحترمه وأتاح له السَّكن في المكان الذي يريد، وحينها ذهب وسكن الجوزجان وأقام فيها أربع سنين. وقد وّصلت أخبارٌ إلى محمودٍ تقول أن خلف يراسل "إيلك الخان" ويغريه بغزو البلاد، فَنَقلهُ إلى جردين وراقبه حى مات سنة 399هـ وورث ابنه أبو حفص كلَّ أملاكه. وعندما فتح محمود سجستان اختار لها قنجى الحاجب أميراً وقد أحسن هذا الأمير إدارة البلاد، ولكن بعض الطوائف الفاسدة ثارت على محمود فسار إليهم وحاصرهم في حصن أراك وبدأت الحرب بينهم في شهر ذي الحجة من سنة 393هـ، وانتصر عليهم وألحق بهم شرَّ هزيمةٍ وطارد الهاربين منهم في البلاد.

غزو المولتان

سبب غزو محمود للمولتان هو أنّ ملكها أبا الفتوح ملحد وقد دعى شعبه إلى الإلحاد واستجابوا له، ولكن نهر سيحون لم يسمح له بالعبور إلى المولتان، فأرسل محمود رسالةً إلى إلى أندبال (وهو ملك دولةٍ تقع بين الدولة الغزنوية والمولتان) يطلب منه فيها الإذن بعبور بلاده إلى المولتان لكن أندبال لم يجبه، فقرَّر أن يجمع بين الغزوتين، وغزى محمودٌ بلاد أندبال ولاحقه من بلدٍ إلى بلدٍ حتى وصل إل حدودى كشمير. وعندما سمع أبو الفتوح بالأمر أدركَ أنه لا يستطيع الوقوف في وجه محمود وقتاله فأَرسل أمواله إلى سَرَنْديب (جزيرة سريلانكا)، ثم وصل محمودٌ إلى المدينة فقاتله أهلها فحاصرهم حتى فتحوا له المدينة من تلقاء أنفسهم، ثم غَرَّمهم بعشرين ألف درهمٍ عقوبةً للعصيان.

محاولة استيلاء إيلك الخان على خراسان

بعد أن استقرّ ملك خراسان لمحمود وملك ما وراء النهر لإيلك الخان تصالحا واستقرَّت أمورهما، لكن إيلك الخان كتم كرهه لمحمود حتى ذهب إلى المولتان حين أرسل جيشه بقيادة سباشي تكين بينما اتجه أخوه جعفر تكين مع مجموعةٍ من الأمراء إلى بلخ. وكان ذلك في سنة 396 هـ. كان محمود قد وضع "أرسلان الجاذب" حاكماً لحين عودته وأوصاه أن ينسحب إلى غزنة في حال هاجمه أحد الجيوش، فذهب إلى غزنة حين وصل خبر جيوش إيلك الخان وحينها استولى سباشي تكين على هراة وأقام فيها وأرسل من يحتلُّ نيسابور.

في تلك الأثناء كان محمود قد خرج من الهند وفي طريقه إلى خراسان فأنفق الأموال على جيشه لتقويته وجاء ببعض المحاربين من قبائل الأتراك، وسار محمودٌ إلى بلخ والتي فيها جعفر أخ إيلك الخان واسترجعها ولكن جعفر هرب إلى ترمذ، وبعد ذلك أرسل محمود جيشه إلى هراة، فذهب سباشي إلى مرو لكي يعبر النهر هرباً من جيش محمود فقابله التركمان الغزية فهزمهم وقتل منهم الكثير ثمّ سار إلى أّبِيورد، وظلّ محمود يطاردهم حتى وصل سباشي إلى جرجان فأخرجه أهلها منها فعاد إلى خراسان وهناك قبض محمودٌ على أخيه وأسره ولكنه هرب.

وفي تلك الأثناء أرسل إيلك الخان أخاه جعفر إلى بلخ لكي يلهي محمود عن مطاردة سباشي، لكن محمود لم يكترث له وتابع مطاردته حتى هرب سباشي من خراسان، وحينها عاد محمود إلى بلخ وقاتل جعفر وهزمه شرّ هزيمة وسُلِّمت خراسان إليه.
كان إيلك الخان مصرّاً على الاستيلاء على خراسان ولذلك فقد راسل قدرخان بن بغراخان ملك الختن وقد كانت توجد قرابةٌ بينهما، ثم جاء قدرخان إلى إيلك الخان وعبرا معاً النهر إلى خراسان، وقد وصل خبر هجومهما إلى محمود وهو في طخارِستان فذهب على عجلٍ قبل وصولهما إلى بلخ، فبدأ يستعد للحرب وجمع الأتراك الغزِية والخلج والهند والأفغانية والغزنوية وذهب وعسكر في مكانٍ فسيحٍ جيّدٍ للحرب.
ووصل إيلك وقدرخان وتقاتلوا مع محمودٍ حتى الليل، واستمرّ القتال في اليوم التالي وأخذ محمودٌ يبتهل بالدعاء إلى الله للنصر في المعركة، ثم انتصر في المعركة وردّ إيلك الخان وهزمه شر هزيمة.

غزو بلاد الغور

كانت بلاد الغور تقع بجانب غزنة، وكان الغور يهاجمون القوافل ويقطعون الطرق ويسكنون في جبال عاليةٍ يحتمون فيها، فقرّر محمود في عام 401 هـ أن يسير إليهم وقد انطلق مع أهم أميرين في دولته وهما تونتاش حاجبه وملك هراة، وأرسلان الجاذب ملك طوس. في أثناء مسيرة الأميرين اعترضتهما بعض الجيوش فهاجموهم ونشبت معركة، وحين سمع محمودٌ بما حدث سار إليهما وهزم الأعداء فهربوا إلى ملك الغور المعروف بابن سوري في مدينته التي تدعى أهنركان، وأصبح مجموع المقاتلين في المدينة عشرة آلاف، ولكن محمود سار إليهم ونشبت معركة، وحين رأى محمودٌ الوضع أمر جيشه باستدراج الأعداء إلى منطقةٍ بعيدة، فبدى الأمر كأنه انسحاب ففرح الغور بالنصر واستمروا بالهجوم وملاحقة جيش محمود، وحينها حاصرهم محمودٌ وهاجمهم وقتل الكثير منهم وأسر معظمهم، وقد كان من ضمن الأسرى زعيمهم ابن سوري، وبعد ذلك فتح محمود المدينة، وحين رأى ابن سوري ما حصل لمدينته وله شرب سماً وانتحر.

غزو قصدار

كان محمود قد صالح ملك قصدار على مبلغٍ من المال يدفعه ملكها إلى محمود كل فترة، لكن عندما وجد ملك قُصدار بلاده محصّنة توقف عن دفع المال، بالإضافة إلى أنه كان قد تحالف مع إيلك الخان فقرّر محمود السير إليه، ولكن قبل أن يذهب محمود إليه حدثت مشكلةٌ بينه وبين إيلك الخان وتوقّف التحالف فسار محمود إليه على الفور في سنة 402 هـ، وترك غزنة في جمادى الأول وأعلن أنه ذاهبٌ إلى هراة للتمويه لكنه غير طريقه بسرعةٍ باتجاه قُصدار، وحاصر محمود قُصدار في الليل وطوّقها فاستسلم ملكها في الصباح عندما أدرك أن محمود قد وصل وحاصر بلاده، وأخذ محمود منه ما تراكم عليه من المال لكنه تركه حاكماً على قُصدار.

غزو خوارزم

في سنة 407 هـ طلب محمود من ملك خوارزم (والذي يدعى خوارزمشاه) أن يخطب له في بلاده، وعندما استشار خوارزمشاه الوزراء حذّروه من أن يخطب لمحمود وهددوه بقتله إن فعل ذلك، ثم تآمروا عليه وقتلوه ووضعوا واحداً من أولاده حاكماً ببلاد بدلاً منه، فسار يمين الدولة إلى خوارزم وحين اقترب محمود من خوارزم جمع قائد جيوشها ألب تكين البخاري جيوشه وذهب لقتال محمود، ثم انتصرت جيوش محمود وانسحب الخوارزميون وهرب ألب تكين البخاري في سفينة لينجو من محمود، ولكن حدث شجارٌ بينه وبين من هم على السفينة فقيدوه وسلّموه إلى محمود، وعندما جاؤوا إلى محمود قبض على جميع من كان في السفينة (وقد كان من بينهم وزراء خوارزم الذي رفضوا أن يخطبوا لمحمود) وصلبهم عند قبر خوارزمشاه، بينما أخذ بقية الآسرى من الجيش إلى غزنة وجندهم ووضعهم حاميةً في مدن الهند، ثم ولّى حاجبه الذي يدعى التونتاش على مقاطعة خوارزم.

حربه مع بيدا

عندما فتح محمود قنوج (وهي ولايةٌ هندية) هرب ملكها رآي قنوج (ورآي هو لقب الملك كالخليفة والقيصر) منه، وحينه أرسل إليه بيدا (وهو من أعظم الملوك الهنود ومملكته تسمى كجوراهة) يؤنّبه على تسليم بلاده للمسلمين والهرب منها، وفي النهاية اختَلَفي ودخلا في معركةٍ قُتل فيها قنوج ومعظم جنوده، ثم هزم بيدا معظم الملوك الهنود الآخرين الذين فرّوا من محمود ووضعهم تحت رحمته ووعدهم بإعادة بلادهم إليهم، فغضب محمودٌ وسار إلى بيدا وهزمه وغنم منه وعاد إلى غزنة.
ثم سار وعبر نهر كنك ثم تابع سيره، وحينها وصلت إليه أخبارٌ عن ملكٍ هنديِّ يسمّى تروجنبال، فسار إليه حتى التقيا على جانبي نهر من الأنهار فهزمه محمود، فطلب الأمان ولكن محمود لم يقبل بذلك إلا في حال أسلم تروجنبال فهرب إلى بيدا، ولكن أثناء طريقه إلى هناك قتله بعض الهنود ممّن رافقوه، وبعد ذلك أخذ الكثير من ملوك الهند يراسلون محمود ويُظهرون له الطاعة.
بعد ذلك سار محمودٌ إلى مدينة باري وغزاها ودمّرها، وسار مجدّداً يبحث عن "بيدا"، ثم لحقه بيدا والتقيا معاً في معركةٍ عظيمة قرب أحد الأنهار، وقد كان مع بيدا 55000 فارسٍ و185000 مقاتلٍ و750 فيل، واقتتلوا في المكان حتى الليل، ولكن في اليوم التالي وجد محمود أنّ جنود بيدا قد هربوا كلٌّ منهم في اتجاهٍ مختلفٍ وتفرّقوا في النطقة وقد تركوا الأموال والأسلحة، فغنمها محمودٌ ثم سار إلى جنود بيدا فقتل معظمهم لكن بيدا نجا بعد أن قُتلت جيوشه.

غزو سومنات

في سنة 416 هـ فتح محمود الكثير من الولايات الهندية والحصون والمدن، حتى وصل إلى الصنم المعروف بـ"سومنات"، وهو صنمٌ مقدسٌ عند الهنود يحجّون إليه في كل ليلةٍ فيها خسوف قمر، وقد وضع في حصنٍ على ساحل البحر، والمكان كله مليئ بالذهب والفضة والأشياء الثمينة، وقد كان يحملون إليه الماء كل يومٍ لغسله من نهر "كنك" الذي يبعد مئتي فرسخٍ عن التمثال، وكان الهنود يقولون كل ما فتح محمود فتحاً أن الصنم ساخطٌ عليهم وإلا لأهلك محمود، فرأى محمودٌ أن يحطّمه فقد ظن أنه إذا حطّم الصنم وأثبت للهنود خطأ ديانتهم فسوف يدخلون في الإسلام، واستخار محمودٌ الله ثم سار من غزنة بتاريخ 10 \ 8 \ 416 هـ مع 30000 فارس، حتى وصل إلى الملتان في منتصف شهر رمضان حيث تزود بعشرين ألف جملٍ تحمل الماء والطعام، وقد كان في طريقه إلى الهند أرضٌ مقفرةٌ لا يوجد فيها ماءٌ أو بشرٌ أو مدن، ثم وصل في طريقه إلى بعض الحصون الهندية وتقاتل معهم حتى هزمهم وفتح حصونهم وحطم الأصنام وتابع طريقه، وقد كانوا قد حفروا آباراً داخل الحصون خشية أن يحاصروا في يومٍ من الأيام ولا يصل إليهم الطعام، فشرب محمود وجيشه منه وأخذوا بعضاً منه معهم ثم تابعوا المسير، وقد قرر محمود السير إلى "أَنْهَلْوارة"، ولكنه عندما وصل إليها وجد أن حاكمها "بَهِيم قد هرب من المدينة وتركها فافتتحها محمودٌ وتابع سيره إلى سومنات.
في الطريق فتح عدة حصونٍ حتى وصل إلى صحراء، وهناك وجد عشرين ألف مقاتلٍ هندي لم يطيعوا الملك، فبعث إليهم سراياه فهزمتهم وعادت فتابع سيره حتى وصل إلى "دبُولْوَارة"، وقد ظن سكانها أن سومنات سوف يساعدهم ويدعمهم فقاوموا محمود فهزمهم وفتح المدينة وغنم منها وتابع سيرها، وأخيراً وصل إلى سومنات في يوم الخميس في منتصف شهر ذي القعدة، وقد كان من فيها على الأسواء متجهزين لقتال المسلمين وواثقين من أن سومنات سوف يدعمهم ويساعدهم. في اليوم التالي (يوم الجمعة) بدأ القتال، وقد قاتل المسلمون بقوةٍ فترك الهنود السور وانسحبوا، فمدّ رجال محمودٍ السلالم وصعدوا السور، واستمرّ القتال حتى الليل، وفي اليوم التالي خرج المسلمون وأكملوا القتال، وتراجع الهنود إلى بيت الصنم "سومنات"، واستمر تراجعهم وقتل معظمهم فركب معظم من بقي في زوارق وحاولوا الهرب، ولكن المسلمين هاجموهم فمات وغرق معظمهم.
بعد ذلك حطّم محمود الصنم وعاد إلى غزنة، وقد كانت قيمة ما في المكان من جواهر وذهبٍ تزيد على العشرين مليون دينار، وعدد القتلى من الهنود يزيد عن خمسين ألف، وبينما كان محمود في سومنات وصل إليه أن "بهيم" ملك أَنْهَلْوَارة الذي كان قد هرب منها عندما وصلها محمود هو الآن في قلعة "كندهَة" وهي على إحدى جزيرة، وعندما وصل محمود إلى هناك وجد صيّادين فسألهما عن الإبحار في المكان، فقالا له أنه يمكن الإبحار لكن إن كان الهواء قويّا قليلاً فسوف تغرق الزوارق، فاستخار الله ثم انطلق مع جنوده إلى القلعة، ووصلوا دون أضرار لكنهم وجدوا أن بهيم قد هرب وأخلى القلعة فعادوا إلى البر، وحينها سار إلى المنصورة لأن ملكها (الذي وضعه هو) قد ارتد عن الإسلام، فوجده قد هرب فلاحقه وحاصره وقتل معظم من معه. ثم سار إلى غزنة ووصلها في شهر صفر من سنة 17 هـ.

غزو الري

كانت الري من ضمن الدولة البويهية التي كان يحكمها مجد الدولة بن فخر الدولة بن بويه، وقد كان حاكماً فاسداً ولم يستطع إدارة الدولة جيداً ولذلك فقد كانت أمه تتولّى هذا الأمر، وعندما ماتت أمه وبدأت تتدهور الأوضاع في الدولة، حينها أخذ يراسل محمود ويخبره عن تدهور الأوضاع في الدولة ويستنجد فيه (وقد كان ذلك في سنة 20 هـ)، فأرسل محمود جيوشه إلى الرَّي، وحين وصل مجد الدولة إليهم قبضوا عليه وأخذوه أسيراً إلى غزنة (بأوامرٍ من محمود)، وعندما قُبض على مجد الدولة سار محمود إلى الري ووصلها في ربيع الآخر من سنة 20 هـ، وقد أخذ من أملاك مجد الدولة مليون درهمٍ ومن الجواهر ما يساوي نصف مليون درهم.
حين وصل محمود جاء إلى مجد الدولة وقال له: أما قرأت شاهنامه (تاريخ الفرس)، وتاريخ الطبري؟ فقال: بلى. فقال له محمود: ما حالك حال من قرأها، أما لعبت الشطرنج؟ فقال: بلى. فقال محمود: فهل رأيتَ شاهاً يدخل على شاه؟ فقال: لا. فقال محمود: فما حملك على أن سلمت نفسك إلى من هو أقوى منك؟ بعد ذلك صلب حمود الكثير من الباطنية الذين كانوا مثل مجد الدولة وأحرق كتب الفلسفة والتنجيم، ثم سار إلى "منوجهر بن قابوس" والذي كان قد أفلت منه سابقاً، واستمرّ يلاحقه من مكانٍ إلى مكانٍ حتى مات، وحين وليَ ابنه أنوشروان، وقد أخذ منه محمود جزيةً نصف مليون دينار وأصبح يخطب لمحمود في معظم بلاد الجبل التي تمتد حتى أرمينيا، ووضع ابنه مسعود حاكماً للرَّيّ بينما توجه هو إلى أصبهان (التي يحكمها علاء الدولة) وفتحها ووضع لها حاكماً، ثم ثار أهلها وقتلوا حاكمها فعاد إليها وقتل من أهلها خمسة آلاف شخصٍ ووضع عليها حاكماً جديداً ثم عاد إلى الرَّي وأقام بها.

توفي محمود بن سبكتكين أو "أبو القاسم" أو "يمين الدولة" في يوم 11 صفر سنة 421 هـ، وقد كان مريضاً منذ سنتين وقد عرض في بعض الأحيان أن يَعتزل الإمارة بسبب مرضه، وف عندما كان على فراش الموت أوصى إلى ابنه محمد بالحكم ومات بعدها بقليلٍ.

كوبرلّي
2010-08-23, 01:52 PM
ان ما يفعله الايمان في القلوب يجعل الانسان في نعيم وسعادة
وبطلنا اليوم هو خير شاهد على ذلك فمن كان يتوقع ان المغول الهمج يصبحوا اسطورة في التسامح وتعدد الثقافات
نتابع مع بطلنا الذي ينتمي شعب اوزباكستان اليه انه اوزبك خان


إبان العصور الوسطى ابتغي العدوان الصليبي القادم من جهة الغرب التحالف مع الإعصار المغولي القادم من جهة الشرق للإطباق على العالم الإسلامي وتمزيق أوصاله وإخماد أنفاسه.

ورغم أن من مسلمات التاريخ أن الغالب المنتصر يؤثر في المغلوب المنهزم فيطبعه بطابعه السياسي والثقافي واللغوي وربما الاعتقادي في أحيان كثيرة، إلا أن هذه النظرية قد انقلبت وانعكست في مرات نادرة فأثر المغلوب المنهزم المتحضر في الغالب المنتصر البدوي البسيط؛ فطبعه بطابعه الثقافي واللغوي وحتى الاعتقادي.

إمبرطورية المغول
فالمعروف تاريخيا أنه بعد اكتساح الإعصار المغولي لمشرق العالم الإسلامي وسقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية في أيديهم انشطرت إمبراطوريتهم الواسعة إلى أربعة أقسام، كان القسم الأول هو الذي حكم في موطنهم الأصلي منغوليا وبلاد الصين وظل على البوذية وزال ملكه على يد أسرة حاكمة صينية، أما الثلاث الأخرى فهي:

الجغتائيون وكانوا بأواسط آسيا وبلاد ما وراء النهر.

والإيلخانيون بإيران والعراق وآسيا الصغرى.

والقبيلة الذهبية ببلاد القوقاز وشمالي بحر قزوين وجنوب روسيا.

وقد تتابعت هذه الفروع الثلاث الأخيرة إلى الدخول في الإسلام، فأسقط في يد الصليبيين وفشل مشروعهم الاستراتيجي للتحالف ضد المسلمين، وتحول البرابرة رعاة الأغنام والبقر إلى صناع حضارة ورعاة بشر وحرصوا على إصلاح حال البلاد التي خضعت لهم وشجعوا العلوم والمعارف وحفل بلاطهم بالعلماء من كل علم وفن. فعمرت بهم البلاد بعد خرابها.

بيبرس وبركة خان
وقد كانت القبيلة الذهبية أسبق الفروع الثلاثة إلى الإسلام، وهي التي امتد نفوذها من أواسط بولندا في الغرب حتى وسط سيبيريا في الشرق، ومن المحيط المتجمد الشمالي حتى أذربيجان وجنوب خوارزم.

وقد كان بركة خان بن جوجي بن جنكيزخان ( 654 ـ 664هـ / 1256 – 1266م ) أول حكام هذه الدولة اعتناقا للإسلام، وقد جرت المراسلات بينه وبين السلطان المملوكي الظاهر بيبرس وتحالف معه ضد ابن عمه هولاكو بن تولوي بن جنكيز خان وسلالته من الإيلخانيين بإيران والعراق وآسيا الصغرى.

وتوثقت عرى هذه الصداقة بزواج بيبرس من ابنة بركة، وقد أثمر هذا الزواج ابنا صار فيما بعد السلطان السعيد بركة خان ( 676 ـ 678هـ / 1277 – 1279م).

بعد وفاة بركة خان ولي الأمر من جديد خانات مشركون ولم يستقر الإسلام نهائيا في دولة القبيلة الذهبية إلا في عهد أوزبك خان وهو غياث الدين محمد بن طغرلجي بن منكوتيمور بن توخان بن باتوين جوجي بن جنكيز خان، الذي وصف عند توليه عرش السلطنة بأنه شجاع، صالح لأعباء الملك ومباشرة أمور السلطنة.

صفاته ومآثره
وقد مَن الله على أوزبك خان باعتناق الإسلام حوالي سنة 720هـ / 1320م، وحسن إسلامه فكان محافظا على العبادات يصلى مع الناس، مترددا على الفقراء مقربا للعلماء.

وقد عارض إسلامه كثير من أهله وعشيرته من التتر لكنه لم يتردد وأصر على ما أقدم عليه بل تحول إلى راع لهذا الدين شديد الحماس لنشره.

بلغت هذه الدولة في عهد السلطان أوزبك أوج قوتها وحمت حدودها، التي سبقت الإشارة إليها، وروضت أعدائها، مما حدا بالرحالة ابن بطوطة، الذي زار البلاد في عهد هذا السلطان، أن يصفه بقوله: "وهذا السلطان العظيم المملكة شديد القوة كبير الشأن رفيع المكان قاهر لأعداء الله أهل قسطنطينية العظمي، مجتهد في جهادهم، وبلاده متسعة ومدنه عظيمة... وهو أحد الملوك السبعة الذين يعدون من كبراء الدنيا وعظماؤها".

ورغم اتساع سلطنته وترامي أظفارها فقد دانت له دون مناوئ بما فيها الأقاليم الروسية التي دفعت لسلاطين القبيلة الذهبية الجزية لمدة طويلة بلغت قرنين ونصف قرن من الزمان، بما فيها إمارة موسكو، وصار أمراؤها أتباعا ومحاسيب للخان التتري، على حد تعبير أحد الباحثين الغربيين، روبرت كونكوست: "قتله الأمم" ترجمة: صادق العودة عمان سنة 1988م.

وقد كان ينوب عن اوزبك في البلاد الروسية نائب من المغول أو الأمراء الروس يراقب استقرار أمورها والتزامها بالطاعة ودفع الجزية.

وقد اعتبر "بارتولد"، المستشرق الروسي المتخصص في تاريخ هذه المنطقة، دولة مغول القبلية الذهبية أكثر الفروع المغولية استقرارا، وأنها وصلت إلى درجة عالية من المدنية "بارتولد: تاريخ الترك في آسيا الوسطى" ترجمة: د. السعيد سليمان.

نفوذ وقوة
وقد عمل ذيوع صيت السلطان أوزبك واتساع نفوذه على انتساب قبائل كبيرة ببلاد القوقاز وآسيا الوسطى إلى اسمه وهم المعروفون تاريخيا بشعب الأوزبك، الذين يشكلون الآن، مع غيرهم من العناصر، لجمهورية أوزبكستان أهم الجمهوريات الإسلامية بآسيا الوسطى بعد استقلالها عن النفوذ السوفيتي إثر انهياره.

وقد أعان السلطان أوزبك على بسط نفوذه وترسيخ هيبته جيش كثيف العدد، حضر من أمرائه عند السلطان في العيد، بحضور ابن بطوطة، سبعة عشر أمير تومان، والتومان عشرة آلاف. فجموع عسكر هؤلاء الأمراء مائة وسبعون ألفا.

وقد مكنته هذه القوى من فرض الأمن والاستقرار في ربوع مملكته الواسعة مترامية الأطراف، يشهد على ذلك أيضا ابن بطوطة الذي جال خلالها، حيث يذكر أنه ورفاقه في الترحال من أهل البلاد، كانوا إذا نزلوا حلوا الإبل والخيل والبقر عن العربات وسرحوها للرعي ليلا ونهارا دون رعاة أو حراس وذلك لشدة أحكامهم في السرقة.

وكما مكنته قوة جيشه من إنقاذ سلطانه وهيبته على رعيته داخل حدود السلطنة، هيأت له كذلك ترويض أعدائه، إلى درجة كبيرة، بالخارج. وقد تمثل أقوى هؤلاء الخصوم في طرفين هما: أباطرة بيزنطة، وهؤلاء يبدوا أنه أظهر لهم من مقدرته ما دعاهم إلى مهادنته وتزويجه إحدى أميراتهم.

أما الفريق الثاني فهم أبناء عمومته الإيلخانيون بإيران والعراق، والذين كانوا ـ حتى بعد إسلامهم ـ على عداء مع القبيلة الذهبية وحلفائها سلاطين المماليك بمصر والشام في معظم الأحيان.

دولة علم ورخاء
وكانت الدولة إضافة إلى كل ما سبق قد تمتعت برخاء اقتصادي رغم الطابع الصحراوي الغالب عليها، ويرجع ذلك إلى النشاط التجاري البارز، فقد عجت مدن وموانئ هذه البلاد بعملاء تجاريين من مختلف الأجناس.

وكان جزء كبير من تجارة القبيلة الذهبية يتم مع المماليك المتحكمين في عصب طرق التجارة العالمية بمصر والشام آنذاك.

وقد حظى العلماء بمنزلة طيبة في هذه البلاد زمن أوزبك، فكان يجلهم ويوقرهم، وعمل هذا على بروز عدد كبير منهم في عهده كأمثال:

ـ الشيخ علاء الدين النعمان الخوارزمي رحل إلى دمشق سنة 718 هـ ومنها للقاهرة وحج منها ورجع بعد أن طاف البلاد واجتمع بالفضلاء وحصل المنطق والطب، وقد صار كبير أطباء البيمارستان بخوارزم.

ـ العلامة على بن أبي بكر على النسفي، شرح قسما من "مفتاح العلوم" للسكاكي وأتمه سنة 719هـ، وأهداه إلى أوزبك خان.

ـ نجم الدين عبد الرحيم بن عبد الرحمن المعروف بابن النجام (ت سنة 730هـ) طوف بالبلاد وكان فقيها طبيبا.

ـ الشيخ برهان الدين إبراهيم البلغاري صاحب كتاب "أصول الحسامي".

وغيرهم هؤلاء كثيرين، وما يؤكد كثرتهم أن أحد العلماء لقي السلطان أوزبك مسافرا فسأله السلطان عن أحوال مدينة قريم ـ ببحر القرم ـ فأجاب: كنا نسمع أن بها ستمائة مفت وثلاثمائة منصف وأنها بلدة معمورة بالعلم والصلاح.

سلطان التسامح
اشتهر السلطان أوزبك بتحمسه الشديد لنشر الإسلام وحرصه على تحويل الأهلين إليه، وقد أعان على ذلك التجار المسلمون الذين يجوبون هذه البلاد حاملين مع بضاعتهم أفكارهم التي يدعون الناس إليها عبر سلوكهم وأقوالهم، ونمو الطرق الصوفية وانتشارها وكثرة إتباعها وحيوية نشاطها عبر ما يسمى بجماعات "الأخُيَةَّ الفتيان" أي الإخوة الفتيان التي لم تكن منقطعة للعبادة فقط بل كان لكل منهم حرفة يمتهنها كما شاركوا في الجهاد ومد النفوذ الإسلامي.

رغم حماسه الشديد لنشر الإسلام فإن المؤرخين غير المسلمين منهم يذكرون أنه كان عظيم التسامح مع غير المسلمين من رعيته. فقد منح رعاياه من المسيحيين الحرية التامة في إقامة شعائرهم الدينية.

ومن أهم الوثائق التي تسترعى الانتباه في هذا الصدد ذلك العهد الذي منحه لكنيسة القديس بطرس ـ كبرى الكنائس الروسية سنة 1313م ـ ومما جاء فيه :"بمشيئة العلي القدير وعظمته ورحمته من أوزبك إلى أمرائنا كبيرهم وصغيرهم وغيرهم، إن كنيسة بطرس مقدسة فلا يحل لحد أن يتعرض لها أو لأحد من خدامها أو قسيسيها بسوء، ولا أن يستولى على شيء من ممتلكاتها أو متاعها أو رجالها، ولا أن يتدخل في أمورها، لأنها مقدسة كلها. ومن خالف أمرنا هذا، بالتعدي عليها، فهو أثيم أمام الله وجزاؤه منا القتل ولندع المطران ينعم بالأمان والبهجة.. ولتكن شرائعهم وكنائسهم وأديارهم ومعابدهم محل الاحترام والتعظيم".. أرنولد: "الدعوة إلى الإسلام".

ولم يكن هذا المرسوم مجرد كلام إنشائي مثالي أجوف بل كان واقعا معيشا، يؤكد هذا تلك الرسالة التي بعث بها البابا يوحنا الثاني والعشرون سنة 1318م إلى الخان أوزبك يشكره فيها على ما أظهره من عطف نحو رعاياه المسيحيين.

وفي مقابل هذا التسامح الوافر من قبل الحاكمين المسلمين فإن الرعية غير المسلمة، خصوصا في مناطق تكاثرها، لم تكن تتنزه عند التعصب ضد المسلمين. فعندما وصل ابن بطوطة إلى مدينة "الكفا"، على القرم شمالي البحر الأسود، وكان معظم سكانها نصارى من أهل مدينة جنوة الإيطالية التجارية، نزل بمسجد المسلمين، وبعد ساعة سمع أصوات نواقيس الكنائس من كل ناحية، ولم يكن قد سمعها قبل ذلك، فهاله الأمر، وأمر أصحابه أن يصعدوا إلى أعلى المسجد ويقرءوا القرآن الكريم ويذكروا الله ويؤذنوا، ففعلو ذلك. فإذا برجل قد دخل عليهم وعليه السلاح فسلم عليهم وأخبرهم أنه قاض المسلمين وأنه حين سمع الآذان خاف عليهم من الأذى. رغم أن هذه المدنية كانت خاضعة لسلطان أوزبك.

وفي تمرد لبعض الروس المغول سنة 1327م قتلوا تجار التتار الذين كانوا يعايشونهم من فترة طويلة.

هذه ممارسات حاكم ينتمي لعنصر من البشر موصوف بالهمجية والبربرية وهم التتار المغول كما أنه هو نفسه كان حديث العهد بالإسلام، ومع ذلك تسامح إلى هذا الحد مع رعيته غير المسلمين متمشيا في سلوكه مع روحه عقيدة الإسلام الذي يقول قرآنه: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى".

يتبع مع بطل آخرpppo

كوبرلّي
2010-08-23, 02:13 PM
المسلمون.....قوم طالما حيروا كتب التاريخ
كلما ضعفت شوكتهم بعث الله فيهم من احياهم بنور الاسلام اصحاب مجد لا يزول ونور لا ينطفئ
حينما ضعف العرب وعجزوا عن الدفاع عن راية الاسلام قيض الله لهذا الامر قوم غيرهم قادرون على نشر كلمة الله تعالى
فبعد سحق الدولة العباسية على ايدي المغول تفككت الدولة الاسلامية الى دويلات كثيرة منها من كانت ضعيفة فعجزت عن الصمود ومنها من وضع له في تاريخ المجد قدما كالعثمانيين
فبطلنا اليوم هو مؤسس هذه الدولة التي بلغت جذورها باطن الارض وعلت فروعها الى ما فوق السحاب الى ان جاء اجل الله

انه عثمان الغازي بن ارطغرل
http://www.marefa.org/images/2/2a/Osman_I.jpg
http://www.marefa.org/images/f/f5/Sultan_Osman.jpg
http://www.marefa.org/images/4/4a/I_Osman.jpg

ترجع نشأة هذه الدولة عندما تزايد الضغط المغولي القادم من الشرق على الأمصار الإسلامية لجأت الكثير من القبائل التركية المؤمنة المعروفة باسم [تركمان] وأصل الكلمة [ترك إيمان] للهجرة غربًا هربًا من وحشية وبربرية المغول ومن ضمن هذه القبائل قبيلة [قلتي التركمانية] برئاسة سليمان شاه، وكان موطنها بالقرب من مدينة مرو بخراسان، فهاجرت هذه القبيلة إلى مدينة خلاط وبعد أن هدأ الخطر المغولي أراد سليمان أن يعود لموطنه وأثناء رحلة العودة غرق في نهر الفرات واختلف أبناؤه من بعده فقرر اثنان منهم العودة لموطنهم وقرر الاثنان الآخران وهما أرطغول وداندان التوجه إلى الشمال وتولى أرطغول زعامة أفراد القبيلة الذين اتجهوا للشمال إلى بلاد الأناضول وذات مرة أثناء مرور القبيلة في سيرها للأناضول لاحظ أرطغول جيشين يقتتلان أحدهما مسلم، وكانت عليه علامات الضعف والهزيمة بقيادة الأمير علاء الدين والآخر جيش بيزنطي صليبي على وشك الانتصار فاندفع أرطغول بحمية إسلامية لنجدة إخوانه المسلمين، واستطاع بفضل الله أن ينصر المسلمين على الصليبيين ففرح علاء الدين بذلك وكافأ أرطغول بأراض كثيرة على حدود بلاد الروم ليصد غارات الصليبيين ومع كل انتصار يحققه أرطغول كان علاء الدين يعطيه أراضي جديدة وكان للأرطغول ولد اسمه [عثمان] كان يتردد على رجل صالح يتعلم على يديه وكانت لهذا الرجل الصالح ابنة أراد عثمان أن يتزوجها ولكن أباها رفض فحزن عثمان من أجل ذلك جدًا، ولكنه لم ينقطع عن زيارة شيخه الصالح، وذات يوم رأى عثمان رؤيا غريبة فيها أن القمر قد خرج من صدر هذا الشيخ الصالح ثم نزل في صدر عثمان ثم خرجت من صلب عثمان شجرة نمت في الحال حتى غطت الأجواء بظلها عبر جبال القوقاز والبلقان وطوروس وأطلس وخرج من جزعها أنهار دجلة والفرات والنيل وانطونه [في البلقان] ورأى ورق هذه الشجرة كالسيوف تحولها لريح نحو مدينة القسطنطينية، فقص عثمان هذه الرؤيا على الشيخ الصالح فوافق على الفور من زواجه من ابنته وبشره بأن أسرته ونسله سوف يحكمون العالم.
في سنة 687 هـ توفى أرطغول وتولى مكانه ابنه عثمان الذي بدأ يوسع أملاك القبيلة بموافقة أمر القرمان علاء الدين، وفي سنة 699 هـ أغار المغول على إمارة القرمان ففر من وجههم علاء الدين إلى بلاد بيزنطة ومات في نفس العام وتولى من بعده ولده غياث الدين الذي قتل على أيدي المغول فأصبح المجال خاليًا لعثمان ليستقل بما تحت يديه من أراض ويعلن قيام الدولة العثمانية، واتخذ لها عاصمة مدينة بني شهر أي المدينة الجديدة، وبدأ عثمان في دعوة أمراء الروم في آسيا الصغرى للإسلام فإن أبوا فعليهم الجزية فرفضوا ذلك واتفقوا مع المغول للوقوف في وجه عثمان، ولكنه جهز جيشًا كبيرًا بقيادة ابنه الثاني [أورخان] وسيره لقتال قوات التحالف الصليبي/ المغولي فانتصر عليهم انتصارًا باهرًا وفتح مدينة بورصة وذلك سنة 717 هـ، وأمَّن أهلها وأحسن إليهم، وأعلن حاكمها أفرينوس إسلامه وأصبح من كبار قادة الدولة العثمانية الوليدة، وظل عثمان يشيد في دعائم دولته الوليدة ويوسع في العمران مع الاهتمام بأمر الجهاد في الأناضول لتوسيع ملكه حتى عرف باسم السلطان الغازي ولفظ الغازي معناه إما المجاهد أو الشهيد وجعل هذه الكلمة شعارًا له يسير عليه فقضى باقي حياته في الجهاد في سبيل الله حتى توفاه الله في 21 رمضان سنة 726 هـ بعد أن وضع أساساً لهذه الدولة العظيمة التي سوف تسود العالم لأكثر من أربعة قرون وتكون فيما بعد محل الخلافة الإسلامية سنة 926 هـ بعد سقوط دولة المماليك في مصر والشام


يتبع مع بطل آخرpppo

كوبرلّي
2010-08-23, 02:20 PM
ظلت دائما سيرة الخلفاء الراشدين موضع إلهام لكافة سلاطين وخلفاء المسلمين , فمنهم من حاول ان ينهل من سيرتهم ويمشى فى الناس بسيرهم , فعظم بذلك شأنهم ورُفع بذلك ذكرهم , فكان منهم السلطان المجاهد محمود بن سبكتكين والسلطان نور الدين محمود وغيرهم الكثير والكثير ...

لكن , كان من أعظم من تشبه بالخلفاء الراشدين على الإطلاق وأقام العدل فى سلطنته وقضى على مظاهر الشرك وأقام للمسلمين دولة ذكرتهم بأيام أبو بكر وعمر هو .............

هو السلطان المعظم أبو المظفر محى الدين محمد أورنك زيْب عالمكير سلطان الهند .

اورنك زيب : معناها بالفارسية "زينة المُلك"
عالمكير : معناها بالفارسية "جامع زمام الدنيا أو العالم"


فهى ألقاب وليست أسماء

كثير من المسلمين للأسف لم يسمع عنه شيئا مطلقا , رغم أنه حكم شبه القارة الهندية 52 سنة !!!

قال عنه شيخنا على الطنطاوى : " بقية الخلفاء الراشدين "


دعونا الآن نسرد سيرته العطرة , ومصادرى فى ذلك :-

1- كتاب "رجال من التاريخ" للشيخ على الطنطاوى
2- كتاب " الهند فى ظل السيادة الإسلامية – دراسات تاريخية" للدكتور أحمد محمد الجورانه – جامعة اليرموك
3- درس صوتى عن حياة أورنك زيْب للشيخ الدكتور محمد موسى الشريف – حفظه الله
4- بعض المصادر الأجنبية الموجودة على الانترنت – انقل منها المعقول والمأثور وأترك ماكان منافيا للدين او العقل

نبدأ باسم الله وبه الثقة وعليه التكلان : -


إذا كان يعتصر القلب حزنا وألما على فقدان المسلمين للأندلس , فوالله ماكانت الأندلس بالنسبة للهند المسلمة إلا كمقاطعة صغيرة أو مدينة يحكمها أحد ولاة السلطان

وإن كان خلّف المسلمون فى الأندلس مسجد قرطبة , فهذا مسجد بادشاهى فى لاهور أو المسجد الجامع فى الهند يقف شامخا يدل على إبداع وروعة الحضارة الإسلامية فى الهند

وإن كان خلّف المسلمون فى الأندلس الحمراء والقصبة , فهذا حصن أجرا يقف اللسان عاجزا عن وصف حسنه وجماله

وإن خرج من الأندلس رجالا ملئوا الدنيا بعلمهم , فيكفى أن تسأل أحد طلبة العلم عن علماء الهند وتحلى وقتها بالصبر لطول المدة التى ستقضيها سامعا لأسماء العلماء التى سيعددها لك طالب العلم

وإن خرج من الأندلس حكاما عظاما وخلفاء عظماء , فيكفى ذكر محمود بن سبكتكين وذكر اسم صاحبنا وسلطاننا وعظيمنا "السلطان أورنك زيْب عالكمير"


ولادته ونشأته : -


ولد السلطان أورنكْ زيْب في بلدة "دوحد" في كجرات بالهند في (15 من ذي القعدة 1028هـ = 24 من أكتوبر 1619م) .

نشأ فى بيت عز وترف وشرف , فأبوه هو "السلطان شاه جيهان" أحد أعظم سلاطين دولة المغول المسلمين فى الهند , وهو بانى مقبرة "تاج محل" الشهيرة التى تعد الآن من عجائب الدنيا السبع الحديثة , تم بنائها فى 20 عاما وعمل على إنشائها أكثر من 21.000 شخص , ولا حول ولا قوة إلا بالله , هكذا صرف أبوه فى آخر أيامه كل جهده فى إنشاء مقبرة لزوجته المحبوبة وظل مفتون بها فضعفت أمر السلطنة وظهرت بوادر الفتن والثورات مما اضطر أورنجزيب أن يقوم بإنتزاع السلطنة من أبيه كما سيأتى بيانه إن شاء الله .

http://img60.imageshack.us/img60/9616/447pxshujaaurganzebmuracs5.jpg
ظهر من "أورنك زيْب " منذ صغره علامات الجد والإقبال على الدين والبعد عن الترف والملذات , وكان فارسا شجاعا لا يشق له غبار , ويروى فى ذلك قصة , كان مع إخوته فى يوم بحضور أبيه "السلطان شاه جيهان" فى إحتفال وكان فى الإحتفال فقرة لحلبة أفيال , فشرد فيل من الحلبة وجرى نحو "أورنك زيْب " وهو آنذاك ابن 14 عاما , فضرب الفيل الفرس الذى يمتطيه أورنجزيب بخرطومه وطرح أورنك زيْب أرضا وأقبل نحو أورنك زيْب , فثبت أورنك زيْب فى مكانه واستل سيفه وسط ذهول الناس وإكبارهم بهذا الأمير الصغير وظل يدافع عن نفسه أمام الفيل الضخم حتى جاء الحرس وطردوا الفيل الضخم .

ونشأ وترعرع محبا لمذهب أهل السنة واستقى الدين على مذهب الأمام ابو حنيفة , فهو نشأ وتربى تربية إسلامية خالصة لا تشوبها شائبة .

فقد كان أبو جده "جلال الدين أكبر" فى أواخر أيامه حمل الناس على دين جديد يحمع بين الديانة الهندوسية والإسلام – ولا حول ولا قوة إلا بالله - ومنع الجزية عن الهندوس وغير المسلمين فأتى بذلك أمر لم يسبقه إليه أحد من سلاطين المسلمين من قبل , ولم يقم فى وجه هذا السلطان احد وظل الأمر كذلك ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره فظهر هذا الرجل الضعيف الجسم الشيخ الجليل أحمد السرهندى وأخذ يدعو الأمراء وقواد الجيش وذكرهم بالله وأحيا فى نفوسهم حمية الدين ولما مات السلطان أكبر جاء من بعده السلطان "جهانكير" , تولى الشيخ محمد معصوم السرهندى ابن الشيخ أحمد السرهندى تربية طفل صغير وبذل له رعايته كلها فنشأ نشأة دينية وفرأ القرآن فجوده , والفقه الحنفى وبرع فيه , والخط فأتقنه وربى على الفروسية والقتال ...

فكان هذا الطفل هو "أورنك زيْب "

ونشأ رحمه الله محبا للشعر فكان شاعرا , ونشأ محبا للخط فكان خطاطا بارعا , وتعلم اللغة العربية والفارسية والتركية .


هكذا جمع رحمه الله كل صفات الملوك العظماء فى سن صغير



أورانك زيب أميرا :-


كان أورنك زيْب الأخ الثالث بين ثلاثة أبناء هم "شجاع" و "مراد بخش" , فتولى "شجاع" إمارة البنغال وتولى "مراد بخش" إمارة الكجرات وتولى "أورنك زيْب " إمارة الدكن فى وسط الهند

فتعلم "أورنك زيْب " الإدارة وأتقنها وسبر أغوارها فكان من ملوك المسلمين القلائل الذين برعوا فى إدارة الدولة , ومع ذلك قاد الجيوش بنفسه فى عهد أبيه , فقمع الثورات وطهر البلاد وأظهر فى الأرض العدل وكانت له هيبة وسمت الملوك , وظل الأمر كذلك حتى كان ماكان من وفاة أمه "ممتاز محل" التى بوفاتها انشغل السلطان "شاه جيهان " ببناء مقبرة يخلد فيها ذكراها وصرف لذلك الأموال وحمل الناس على العمل الشاق فأهملت السلطنة , وظهرت بوادر الفتن والثورات , ولم يكن للسطان يومها من همّ إلا النظر الى ضريح إمراته وكان قد أمر ببناء ضريح أسود اللون له مماثل لضريح زوجته , ولكن وثب الأخ الأكبر لأورنجزيب على أبيه فاستولى على كل شيىء إلا الإسم فظل يحكم باسم أبيه .
http://img60.imageshack.us/img60/5715/673pxdarbarsceneeo4.jpg
ولكن كان هذا الأخ الأكبر مائلا للدنيا يريد إرجاع الهند على ماكانت عليه فى عهد أبو جده "جلال الدين أكبر" , فرفض بذلك أورنك زيْب المسلم الورع التقى وقام معه أخيه الآخر فاستطاع أورنك زيْب أن يأخذ الحكم لنفسه وقمع الثورات التى شنها إخوته عليه وحبس أباه فى حصن أجرا وكانت له شرفة تطل على ضريح زوجته فكان دائم النظر اليه وظل كذلك حتى مات , وبذلك أعلن أورنجزيب نفسه سلطانا على البلاد وكان وقتها عنده من العمر 40 سنة , وابتدأ عهد العدل والحق فقد آن الأوان أن يرى المسلمين أبو بكر وعمر وعثمان فى شخص أورنك زيْب عالمكير .


أورانك زيب سلطانا على البلاد:-


قد يتخيل البعض بمجرد جلوس أورنك زيْب على كرسى السلطنة ركن الى العبادة والراحة وخصوصا أنه كان متدينا , لا والله , ماهكذا فهم أجدادنا التدين إنما التدين يكون بإعلاء كلمة الله والجهاد فى سبيل الله حتى تكون كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا هى السفلى , فحكم البلاد بالحزم والعدل

لم يركن أورنك زيْب الى الدعة والراحة بل لبس لأمة الحرب من أول يوم وظل فى جهاد دام 52 سنة حتى خضعت له شبه القارة الهندية كلها من مرتفعات الهيمالايا الى المحيط ومن بنجلادش اليوم الى حدود إيران شهدت إمبراطورية المغول الإسلامية فى الهند فى عهد أورنك زيْب (1658 : 1707) أقصى إمتداد لها وذلك بفضل الجهود العسكرية التى بذلها السلطان أورنك زيْب حيث لم يبق إقليم من أقاليم الهند إلا خضع تحت سيطرة السلطان , فاستطاع أورنك زيْب تحويل شبه القارة الهندية الى ولاية مغولية إسلامية ربط شرقها بغربها وشمالها بجنوبها تحت قيادة واحدة , خاض المسلمون فى عهده أكثر من 30 معركة قاد هو بنفسه منها 11 معركة وأسند الباقى لقواده
http://img60.imageshack.us/img60/1904/aurangzebreadingthequrapx4.jpg

أبطل أورنك زيْب 80 نوعا من الضرائب , وفرض الجزية على غير المسلمين بعدما أبطلها أجداده , وأقام المساجد والحمامات والخاناقات والمدارس والبيمارستانات , وأصلح الطرق وبنى الحدائق , أصبحت "دهلى " فى عهده حاضرة الدنيا , وعين القضاة وجعل له فى كل ولاية نائب عنه وأعلن في الناس أنه "من كان له حق على السلطان فليرفعه إلى النائب الذي يرفعه إليه" .

وأظهر أورنك زيْب تمسكه بالإسلام والتزامه بشرائعه، فأبطل الاحتفال بالأعياد الوثنية مثل عيد النيروز، ومنع عادة تقبيل الأرض بين يديه والانحناء له، ومنع الخطب الطويلة التى تقال لتحية السلطان واكتفى بتحية الإسلام, كما منع دخول الخمر إلى بلاده، وصرف أهل الموسيقى والغناء عن بلاطه، وروى فى ذلك قصة : أنه كان يوما خارج قصره فرأى الموسيقيين والقينات يلبسون السواد ويبكون ويحملون نعشا , فسأل ماهذا ؟ , قالوا : هذا الغناء والمعازف نذهب لدفنها , فقال رحمه الله : إذن أحسنوا دفنها لئلا تقوم مرة أخرى !!

http://img60.imageshack.us/img60/4366/800pxbadshahimosquejulyzl4.jpg
وحفظ السلطان القرآن الكريم كله بعد ما أصبح سلطانا !!! , وعين للقضاة كتابا يفتون به على المذهب الحنفى , فأمر بتأليف الكتاب تحت نظره وإشرافه واشتهر الكتاب باسم "الفتاوى الهندية" أو "الفتاوى العالمكيرية" يعرفه كل طلبة العلم .

أى رجل كان !!! , وبنى مسجد "بادشاهى" فى لاهور بباكستان الآن , المسجد الذى ظل الى الآن شاهدا على عصر عز المسلمين وتمكينهم , وقضى على فتنة البرتغاليين فى المحيط , وكان رحمه الله يصوم رمضان كاملا ولا يفطر إلا على أرغفة من الشعير من كسب يمينه من كتابة المصاحف لا من بيت مال المسلمين !!

لم يستطع أن يحج الى بيت الله الحرام فاستعاض بذلك أن كتب مصحفين بخط يده وأرسل واحدا الى مكة والآخر للمدينة !!

وكان صاحب عبادة عظيمة , ويخضع للمشايخ ويقربهم ويستمع الى مشورتهم ويعظم قدرهم وأمر قواده أن يستمعوا الى مشورتهم بتواضع شديد , حتى أنه سمع أن نائبه بالبنغال اتخذ مثل العرش يجلس عليه فنهره وعنفه وأمره أن يجلس بين الناس كجلوس عامتهم !!

وكان يصوم الإثنين والخميس والجمعة من كل أسبوع لا يتركهم أبدا ويأبى إلا أن يصلى الفرائض كلها فى وقتها جماعة مع المسلمين , وكان يصلى التراوييح إماما بالمسلمين , ويعتكف العشر الأواخر فى المسجد , فكان أعظم ملوك الدنيا فى عصره .

وخصص موظفين يكتبون كل ما يقع من أحوال رعاياه ويرفعونها إليه، وأبطل عادة تقديم الهدايا إليه كما كان يفعل من قبل مع أسلافه، وكان يجلس للناس ثلاث مرات يوميًا دون حاجب يسمع شكاواهم.
http://img60.imageshack.us/img60/4483/redfortei4.jpg
ووفّق الى أمرين لم يسبقه اليهما احد من ملوك المسلمين : -

الأول : أنّه لم يكن يعطى عالما عطية أو راتبا إلا طالبه بعمل , بتأليف أو بتدريس , لئلا يأخذ المال ويتكاسل , فيكون قد جمع بين السيئتين , أخذ المال بلا حق وكتمان العلم !!

الثانى : أنّه أول من عمل على تدوين الأحكام الشرعية فى كتاب واحد , يُتخذ قانونا فوضعت له وبأمره وبإشرافه وتحت ناظره كتاب "الفتاوى الهندية – العالمكيرية" على المذهب الحنفى


دخل ملايين من المنبوذين فى الهند فى الإسلام ووقف حائلا مانع للمد الشيعى الصفوى على البلاد , وألّف كتابا شرح فيه أربعين حديثا شريفا – على غرار الأربعين النووية – وكان يكتب بخطه المصاحف ويبيعها ويعيش بثمنها لما زهد فى أموال المسلمين وترك الأخذ منها !!


وفاة السلطان أورنك زيب عالمكير :-


توفي السلطان في (28 من ذي القعدة 1118 هـ= 20 من فبراير 1707م) بعد أن حكم 52 سنة، وكان قد بلغ من تقواه أنه حين حضرته الوفاة أوصى بأن يُدفن في أقرب مقابر للمسلمين وألا يعدو ثمن كفنه خمس روبيات !!

بذلك يكون عمر السلطان حين وفاته 90 سنة !! , ولم يمنعه سنه بقيادة الجيوش أو قراءة القرآن , هكذا كانوا أجدادنا , لم يركنوا الى الدعة والراحة بل كانت حياتهم كلها لله , وبوفاة السلطان ابو المظفر محى الدين محمد أورنك زيْب عالمكير , انتهت عظمة دولة المسلمين فى الهند فجاء من بعده حكاما ضعافا وظل الأمر كذلك حتى انتهت تماما بسقوط آخر سلطان "بهادر شاه الثانى " عام 1857 بواسطة الإنجليز , ولم تقم للإسلام قائمة منذ ذلك الزمن فى تلك البلاد الشاسعة .

صورة لقبر السلطان أورنك زيْب لتعملوا مدى بساطة القبر فهكذا أوصى أن يدفن - رحمه الله ....
http://img60.imageshack.us/img60/6200/s20tombjpgrd5.jpg

يتبع ان شاء الله مع بطل آخرpppo

ذو الفقار
2010-08-23, 02:36 PM
جزاك الله خيراً أخي الكريم

موضوع مميز جداً

تابع وإنا معك متابعون إن شاء الله

كوبرلّي
2010-08-23, 03:12 PM
الاندلس.........اسم الفردوس الضائع
كلما يذكر احد هذ الاسم تتبادر اسمام ذهني صورة المجد الضائع والفردو المسلوب المساجد التي دنست بعباد الصليب والماذن التي دقت فيها النواقيس وصرخات النساء والاطفال ودموع الرجال الذين اضاعوا مجدا وبكوا مثل النساء على ملك لم يحافظوا عليه مثل الرجال
ولكن هذه الصور المشينة لم تظهر الا بعد ان قضى الدهر على رجال عظماء حكموا بنور وعدل الاسلام وبنوا جنة الله في ارضه
وفي مداخلتي هذه سأذكر واحد من عظماء فردوسنا المفقود انه........


المنصورُ بن أبى عامر

كان من أعظم من حكم الأندلس على الإطلاق , الرجل الذى وطأت خيله أماكن لم يطأها خيل المسلمين من قبل !! يكفى ذكر اسم المنصور بن أبى عامر أمام ملوك قشتالة وليون وجيليقية ليجثوا على ركبهم من الرعب والهلع , كان لربما الواحد منهم أرسل ابنته جارية عند المنصور فى قرطبة لينال رضاه ..!!

ووصلت جيوشه الى حيث لم يصل حاكم أو خليفة قبله قط , وغزا أكثر من 54 غزوة فى الأندلس فلم تنتكس له فيها راية ولم تهلك له سرية ولم ينهزم له جيشٌ قط !!!

آثــاره تنبيـك عن أخبــاره **حتـى كأنــك بالعيـــان تـراهُ
تالله لا يأتي الزمان بمثله **أبدًا ولا يحمي الثغور سواهُ

فمن هذا الرجل العظيم الذى لم يأتى الزمان بمثله أبدا , ومن هذا العظيم الذى كان رمزا للرعب فى الممالك المسيحية فى أوروبا !!!

دعونا نسرد سيرة الحاجب المنصور ابن أبى عامر , وحقيقة لقد جُمع لى من المصادر والمراجع والكتب الشيىء الكثير لأنى فى الحقيقة أردت أن أعمل دراسة كاملة متأنية فى سيرة الحاجب المنصور , لكن أكتفى بذكر نبذة بسيطة عن هذا البطل الفريد الى حين الإنتهاء من الدراسة الكاملة إن شاء الله, واليكم بعض مصادر الدراسة :-

1- اعمال الأعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الاسلام , للسان الدين ابن الخطيب
2- الزهرات المنثورة فى نكت الأخبار المأثورة , لابن سماك العاملى
3- البيان المغرب فى أخبار الأندلس والمغرب , لابن عذارى المراكشىّ
4- المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء و الفتيا ,لأبو الحسن النباهى المالقى الأندلسى
5- بغية الملتمس فى تاريخ أهل الأندلس , للضبىّ
6- صفة جزيرة الأندلس منتخبة من كتاب الروض المعطار فى خبر الأقطار , للحميرىّ
7- دولة الإسلام فى الأندلس , لمحمد عبد الله عنان
8- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب , للمقرى التلمسانى
9- الذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة , لابن بسام الشنترينى
10- وغيرها من الكتب والمصادر العديدة الأخرى ولكن أكتفى بذكر ماسبق أعلاه ...

الأندلس .....

ما أعذبها من كلمة تطرب لسماعها الآذان وتسرح فى جمالها الأذهان , هى الفردوس المفقود والمجد السليب ولولا أن هذا المقام ليس لذكر حضارة الأندلس لأسهبت بالحديث عن ذكر محاسن الأندلس ومآثرها ولكن أكتفى الآن بذكر أحد تلك المآثر العظيمة إن لم يكن أعظمها على الاطلاق ...

المولد والنشأة :-

إنه محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عامر بن أبى عامر بن الوليد ابن يزيد بن عبد الملك المعافرىّ القحطانىّ , من أصول يمنية , جده الأكبر "عبد الملك المعافرى" هذا كان أحد قادة الجند مع طارق بن زياد أثناء فتح الأندلس الأول . وكان أبوه "عبد الله بن محمد" من أهل الفضل والعلم حجّ ثم مات قافلاً من حجه – رحمه الله – فى طرابلس المغرب. وأمه هى "بُريْهة بنت يحيى بن زكريا التميمىّ " من بنى تميم , لذلك قال فيه ابن دارج القسطلىّ :

تلاقت عليه من تميمٍ ويَعْرُبِ *** شموسٌ تلالا فى العلا وبدورُ
مـن الحِمــيْريْنَ الذين أكُفُّهـم *** سحـائبُ تَهْمي بالنَّدى وبحــورُ

وُلد محمد بن أبى عامر عام 327هـ , وهو العام الذى انهزم فيه المسلمون فى عهد عبد الرحمن الناصر – رحمه الله – فى معركة الخندق عند مدينة "شنت مانقش" أمام قلعة سمّورة المنيعة , وكأن ميلاد محمد بن أبى عامر فى هذه السنة هو أخذ الله بثأر المسلمين على يدى المنصور .أصله من "تركش" فى الجزيرة الخضراء فى جنوب الأندلس , نشأ محمد بن أبى عامر كمثله من أقرانه على القرآن والفقه إلا أنه كان ظاهر النجابة وكانت له حال عجيب فى قوة الإرادة والطموح والسعى وراء هدفه حتى قال عنه ابن الآبار فى كتابه "الحلة السيراء" : كان أحد أعاجيب الدنيا فى ترقيه والظفر بتمنيه !!
وقال عنه ابن عذارى المراكشىّ فى كتابه "البيان المغرب فى أخبار الأندلس والمغرب" : وكان محمد هذا حسن النشأة , ظاهر النجابة , تتفرس فيه السيادة ...

ارتحل محمد بن ابى عامر الى قرطبة حاضرة الدنيا طلباً للأدب وعلم الحديث , فطلب علم اللغة على أبى علىّ القالىّ البغدادىّ اللغوى المشهور وعلى أبى بكر ابن القوطية , وقرأ الحديث على أبى بكر ابن معاوية القرشىّ وغيره , فنبغ فى تلك العلوم كلها ونما ذكره فيها .

حلم المنصور بن أبى عامر :-

كان محمد بن أبى عامر – رحمه الله – له همة عجيبة وإرادة قوية وكان لديه حلما عظيما وهو أن يصبح حاكم الأندلس !!

وقد كان – رحمه الله – يخبر أصحابه بهذا والمقربين اليه , حتى أنه لربما قلدهم الخُطط والمناصب وهو مازال فى حداثة سنّه !!

واليكم هذه القصة التى أوردها ابن الخطيب فى كتابه " اعمال الأعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الاسلام " وأوردها أيضا ابن النباهى فى ترجمة القاضى الجليل محمد بن يبقى بن زرب فى كتابه " المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء و الفتيا " يقول :

( ومن أعجب أحواله – أى محمد بن أبى عامر – أنه كان على بصيرة من أمره , هانئاً بما ذخرت له الأيام فى حداثة سنّه , فكان يتكلم فى ذلك بين أصحابه , ويشير الى ما خبأ الله له من غيبه , فحدث ابن ابى الفيّاض فى كتابه قال : أخبره الفقيه أبو محمد علىّ بن أحمد , قال : أخبرنى محمد بن موسى بن عزرون , قال : أخبرنى أبى قال : اجتمعنا يوماً فى متنزه لنا بجهة الناعورة بقرطبة , ومعنا ابن أبى عامر , وهو فى حداثته , وابن عمه عمرو بن عسقلاجة , والكاتب ابن المارعزّى ورجلٌ يعرف بابن الحسن من جهة مالقة , كانت معنا سفرة فيها طعامٌ , فقال المنصور من ذلك الكلام الذى كان يتكلم به : < لا بد لى أن أملك الأندلس , وأقود العسكر , وينفذ حكمى فى جميع الأندلس !! > , ونحن نضحك منه ونهزأ به . وقال : < تمنّوا علىّ > , فقال ابن عمه عمرو : " أتمنّى أن تولينى على المدينة , نضرب ظهور الجناة ونفتحها مثل هذه الشاردة " , وقال ابن المارعزّى : "أشتهى أن تولينى أحكام السوق !" , وقال ابن الحسن : "نتمنّى أن تولينى القضاء بجهتى ! " , قال موسى بن عزرون : وقال :< تمنّى أنت ! > , فشققت لحيته , وأسمعته كلاماً سمجاً قبيحاً ...

فلم يك إلا أن صار الملك اليه , فولى ابن عمه المدينة , وولى ابن المارعزّى السوق , وكتب لابن الحسن بالقضاء , قال : "وأغرمنى أنا مالاً عظيماً , أجحفنى وأفقرنى لقبيح ما كنت جئت به .." ) انتهى كلام ابن الخطيب .

وايضا قصة أخرى عجيبة من قصص المنصور بن أبى عامر فى هذا الجانب ذكرها أبو الحسن النباهى فى كتابه (المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء و الفتيا) أنقلها لكم بتصرف :

(كان المنصور بائتاً ليلة مع أحد إخوانه في غرفة، فرقد رفيقه، ودنيُّه، ولم يرقد هو قلقاً وسهراً فقال له صاحبه: يا هذا قد أضررتني هذه الليلة بهذا السهر , فدعنى أرقد ...

فقال المنصور: إنني أتفكر في من يصلح أن يكون قاضياً للأندلس، ولمّا استغرب صاحبه ذلك، قال له: "يا هذا! أأنت أمير المؤمنين؟ فقال له: "هو كذلك".

ثم أخذ صاحبه يعرض بعض أسماء القضاء وقال : يصلح فلانٌ ويصلح فلانٌ , ومحمد بن أبى عامر لا يجوز من المذكورين أحداً , حتى ذكر صاحبه "أبي بكر محمد بن يبقى بن زرب" العالم الجليل الفاضل ، فتهللت أسارير وجه محمد بن أبى عامر وقال : < يا هذا ! فرجت عنّى , ليس بالله يصلح لها أحدٌ غيره > ثم رقد ونام مطمئناً !!! )

هكذا كان المنصور بن أبى عامر فى حداثة سنّه يحدّث نفسه بحكم الأندلس , وأن يقود العسكر وينفذ حكمه فيها , فكان يضع هذا الهدف نصب عينيه ويعمل له ويخطط من أجله ويسعى من أجل تحقيقه ..


حياة محمد بن أبى عامر فى قرطبة :-

اقتعد محمد بن أبى عامر دكانا عند الزهراء – المدينة الملكية التى بناها عبد الرحمن الناصر – أيام الخليفة الحكم المستنصر – رحمه الله – يكتب شكاوى الناس أو طلباتهم أو حاجاتهم التى يرفعونها الى الخليفة او الحاجب , وكان يأنس اليه فتيان القصر وظل على ذلك مدة حتى رفع ذكره وعلا شأنه وبدأ نجمه فى الظهور .

حتى طلبت السيدة صبح زوج الخليفة الحكم المستنصر – رحمه الله – وأم ولى العهد "هشام" من يكتب عنها , فدلوها على محمد بن أبى عامر , فترقى الى ان كتب عنها , فاستحسنته ونبهت عليه الحكم المستنصر – رحمه الله – ورغبت فى تشريفه بالخدمة .

ومن ذلك اليوم وبدأ نجم محمد بن أبى عامر فى الظهور وظهرت منه نجابة وذكاء أعجبت الحكم المستنصر – رحمه الله , فترشح الى وكالة ولى العهد "هشام" لسنة 359هـ , فأعجبت به الحكم المستنصر , فولاه قضاء بعض الكور بأشبيلية , ثم ترقى الى المواريث والزكاة , فأظهر حسن التدبير مع ما له من الرأى السديد فأعجب به الحكم المستنصر – رحمه الله – فولاه الشرطة الوسطى بقرطبة , ثم أصبح صاحب السكة , ثم قدمه الى الأمانات بالعدوة ....

وظل محمد بن أبى عامر فى ترقى مستمر وبدأ بزوغ فجره ومن ورائه فجر الأندلس كلها , حتى لازم الحكم المستنصر – رحمه الله – وأوكل اليه القيام على أمر ولى العهد "هشام" بن الحكم المستنصر , فبذلك أصبح محمد بن أبى عامر فى منزلة رفيعة جدا .

وكان محمد بن أبى عامر يصطنع الرجال من حوله ويمهد لنفسه وكان يتخذ رجاله من البربر من أهل العدوة لخشونتهم وصلابتهم عند الحروب , ولكى يقوم بالقضاء على الصقالبة ويدمر نفوذهم فيما بعد كما سيأتى.
http://img155.imageshack.us/img155/1968/23058662325b27d52aeeodv3.jpg
بقايا مدينة الزهراء فى أسبانيا ...
وبذلك أصبح محمد بن أبى عامر من كبار رجال القصر وهو مازال فى العقد الثالث من عمره , وليس يضاهيه فى منزلته إلا الحاجب – بمثابة رئيس الوزراء - جعفر المصحفىّ وقائد جيش الثغور غالب الناصرىّ , وأصبح محمد بن أبى عامر حديث العامة فى قرطبة , فكان لا يمر يوم إلا وهو فى زيادة ترقى , فكانت أيامه فى إقبال وتخبر عن سعده وبزوغ فجره وسطوع شمسه , فتمكن حبه للناس وكان بابه مفتوح لهم على الدوام , وأفشى الأمن فى قرطبة بعدما ضجت العامة من ضياع الأمن لكثرة اللصوص وتسلط الفتيان الصقالبة على العامة فقد ظهر وفشى ظلمهم وبغيهم , حتى قضى عليهم محمد بن أبى عامر كما سيأتى بيانه إن شاء الله .


وفاة الحكم المستنصر -ر حمه الله :-

وتوفى الخليفة الحكم المستنصر – رحمه الله – فى قصره بقرطبة بعدما أصيب بالفالج , وذلك فى عام 366هـ , بعد أن حكم الأندلس 16 عاماً كانت كلها بركة وخير على المسلمين فى الأندلس , وولى من بعده ابنه "هشام" وهو ابن اثنتى عشرة سنة 12 سنة !! وتسمّى وتلقب " هشام المؤيد بالله " , وكان وقتها بلغ محمد بن أبى عامر 39 عاماً , فكان لابد من رجل يدبر أمره ويقوم على عمل الدولة وتدبير الخلافة .

فتكون مجلس وصاية على الخليفة الصبىّ ويتكون من أكبر 3 رجال فى الأندلس وقتها وهم :

1- الحاجب جعفر المصحفىّ
2- قائد الثغور غالب الناصرىّ
3- قائد الشرطة وحاكم المدينة محمد بن أبى عامر

عند وفاة الحكم المستنصر – رحمه الله – جاشت الروم وهاجت حتى كادت تطرق أبواب قرطبة , ولم يحرك الحاجب جعفر المصحفى ساكناً خوفاً على منصبه وتبعه فى ذلك غالب الناصرىّ قائد الثغور وكانت بينه وبين الحاجب جعفر المصحفى خلافة قديمة وبغضاً وكراهية شديدة , فلم يقم أى منهما لنصرة المسلمين وتأديب النصارى الذين هجموا على ثغور المسلمين .

قال ابن حيان ( ... وجاشت النصرانية بموت الحكم وخرجوا على أهل الثغور فوصلوا إلى باب قرطبة ولم يجدوا عند جعفر المصحفي غناء ولا نصرة وكان مما أتى عليه أن أمر أهل قلعة رباح بقطع سد نهرهم لما تخيله من أن في ذلك النجاة من العدو ولم تقع حيلته لأكثر منه مع وفور الجيوش وجموع الأموال وكان ذلك من سقطات جعفر فأنف محمد بن أبي عامر من هذه الدنية .. ) انتهى كلام ابن حيان

فقام محمد بن أبى عامر بأخذ رجاله وطلب من جعفر المصحفى أن يمده بالرجال والعتاد والمال اللازم للقيام بحملة لتأديب النصارى وليعلموا أن مازال بالمسلمين شوكة ومنعة , وبالفعل قام المنصور بحملة عظيمة جدا فى الشمال وغنم من السلاح والأموال الشيىء الكثير . وقفل راجعا الى قرطبة بعد 52 يوما من الغزو والجهاد وكان يوزع المال فى طريق عودته الى قرطبة على الجند والعوام حتى تمكن حبه فى قلوب الناس , واستبشروا به جدا . وكان وصياً على الصبى هشام المؤيد بالله , فقام بإسقاط ضريبة الزيتون عن الناس , فسروا بذلك أعظم سرور , ونسب شأنها الى محمد بن أبى عامر وأنه أشار الى ذلك , فأحبوه لذلك ثم يقول ابن عذارى فى "البيان المغرب " :

( ولم تزل الهمة تحذوه , والجد يحظيه , والقضاء يساعده , والسياسة الحسنة لا تفارقه , حتى قام بتدبير الخلافة , وأقعد من كان له فيها إنافة , وساس الأمور أحسن سياسة , وداس الخطوب بأخشن دياسة , فانتظمت له الممالك , وانضحت به المسالك , وانتشر الأمن فى كل طريق , واستشعر اليمن كل فريق , وأسقط جعفرا المصحفىّ , وعمل فيه ماأراده ... ) انتهى كلام ابن عذارى

والتف المسلمون حول محمد بن أبى عامر , فى الوقت الذى بدأت أيام الحاجب جعفر المصحفىّ فى الزوال , فقد أفل نجمه وكورت شمسه ورغب الناس عنه , وأصبح يمشى وحيدا فى طرقات الزهراء بعد ان كان من قبل كثيف الموكب وجليل الهيبة وكان الناس لا يستطيعون الى الوصول اليه لكثافة موكبه . ثم أقدم محمد بن أبى عامر بالتحالف مع غالب الناصرىّ وتزوج ابنته "أسماء" وكان عرس مشهود فى الأندلس كلها , وبدأت نكبة الحاجب جعفر المصحفىّ , فخلعه محمد بن أبى عامر وأصبح الحاجب من بعده ..
http://img155.imageshack.us/img155/1174/27410295aj5.jpg
دينار هام يشمل اسماء الخليفة الحكم ابن الناصر، وصاحب السكة عامر والحاجب جعفر المصحفي

فسبحان من يدبر الأمر وهكذا حال الدنيا , فظلّ فى تلك المحنة حتى نكبه محمد بن أبى عامر وسجنه فى سجن المُطبّق فى الزهراء حتى مات فى سجنه , وكان جعفر المصحفى يستعطف الحاجب محمد بن أبى عامر ويرسل له أبياتا :


هبني أســـأت فأيـن العفـو والكرم *** إذ قادنـي نحـوك الإذعـان والنـدمُ
يـا خـير مـن مـدت الأيـدي إليـه *** أمـا ترثي لشيــخٍ رمـاهُ عندك القلـمُ
بالغت في السخط فاصفح مقتدر *** إن الملوك إذا ما استرحموا رحموا

فما زاده ذلك إلا حنقا وحقدا, فكتب اليه :

الآن يـــا جـــاهلا زلـــت بـــك القـــدم *** تـبـغي التـكــرم لمــا فـاتــك الكـــرمُ
أغـــريـت بــي مـلكـا لـــولا تـثـبــته *** مــا جـــاز لـي عنــده نـــطق ولا كلـــمُ
فايأس من العيش إذ قد صرت في طبق *** إن الملوك إذا مـا استنقموا نقموا
نفــسي إذا سـخطــت لـيست براضيـــة *** ولـو تشفـع فيــك العـــرب والعـجمُ

وحين جاء الأمر بسجن الحاجب جعفر المصحفىّ , ودّع أهله وابنائه , ومن عجيب ما قاله جعفر المصحفى فى هذا الأمر أنه كان ينتظر هذا منذ 40 أربعين سنة , وذلك لأنه سجن أحد الناس ظلما فى سجن المُطبّق بالزهراء فقام السجين وتضرع الى رب العالمين ودعا وقال فيما معناه : اللهم عليك بكل من ساعد فى سجنى ظلما وأهلكه فى غيابات السجون ...

سبحن الله ... هذا يوم إجابة الدعاء وبالفعل سُجن جعفر المصحفى فى سجن المُطبّق بالزهراء ومات فيه ....

وكان المؤرخون يشبّهون نكبة المصحفيين – آل جعفر المصحفى – بنكبة البرامكة فى المشرق أيام هارون الرشيد – رحمه الله - , وهكذا بدأت شمس محمد بن أبى عامر تسطع على الأندلس , وبدأ عهد جديد فى الأندلس , عهدٌ ما رأت الأندلس مثله ولا حتى أيام عبد الرحمن الناصر – رحمه الله - ,


إنه عهد الحاجب المنصور .....

( يتبع )

كوبرلّي
2010-08-23, 03:25 PM
عهد الحاجب المنصور :-

تحجب محمد بن أبى عامر لهشام المؤيد بالله , وحجره فى قصره بالزهراء ومنع دخول الناس اليه وتصرف بالملك بنفسه واتخذ جميع مراسم الملك , ونقش اسمه على السكة , وخطب له على المنابر , تلقب "بالمنصور" وأصبح يدعى ( الحاجب المنصور ) , وابتدأ معه عهد جديد للأندلس ما عرفت مثله من قبل .

كانت من أول أعمال المنصور أنه نكب الصقالبة وأخرجهم من الزهراء بعدما فشى ظلمهم وتوحدت كلمتهم بعد موت الحكم المستنصر – رحمه الله – وظنوا أن لا غالب لهم , فاستبدل المنصور بهم البربر من أهل العدوة من زناتة وبنى برزال وغيرهم واستكثر منهم جدا وأصبحوا هم أهل خدمته وزينة ملكه .

والحديث عن المنصور بن أبى عامر مرتبط بالضرورة بالحديث عن جهاده وغزواته ضد الممالك النصرانية فى الشمال , وسنفصل هذا لاحقاً إن شاء الله ...



وأما عنه هيبته وحزمه :-

كان رحمه الله حازما شديد الهيبة , ماسمعنا أن أحدا من ملوك الإسلام قديما وحديثا من هو بمثل هيبته إلا ماكان من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رحمه الله ورضى عنه , وفى ذلك يقول ابن سماك العاملى فى كتابه "الزهرات المنثورة فى نكت الأخبار المأثورة " :

( انتهت هيبة المنصور بن أبى عامر وضبطه للجند واستخدام ذكور الرجال وقوّام الملك الى غاية لم يؤتها ملكٌ قبله !! , فكانت مواقفهم فى الميدان على احتفاله مثلا فى الزماته والإطراق , حتى أن الخيل لتتمثل إطراق فرسانها , فلا تكثر الصهيل والحمحمة .... !!!! )

وكان لربما يتساهل فى أى أمر من الأمور إلا التساهل فى أمر من أمور الدولة وما يتعلق بهيبة الدولة , وقد وصلت هيبته الى ملوك النصارى فى الشمال فكانوا يهتزون ويرتجفون فرقا ورعبا من ذكر اسمه وكاد الواحد منهم أن يهذى كالسكران اذا علم بقدوم المنصور بن أبى عامر اليه بجيش المسلمين لغزوه ... !!

أى رجل كان !! رحمه الله .....

أما عن دينه وورعه :-

فقد كان رحمه الله شديد التدين , قمع أهل البدع وأقام السنة , وبلغه أن مكتبة الحكم المستنصر – رحمه الله – بها كتب بعض الفلاسفة والملاحدة التى تنافى أصول الدين , وعلم بانتشار تلك الكتب وكادت أن تفسد عقائد الناس فقام بحرقها والتخلص منها ولله الحمد والمنة , وفى هذا يقول ابن عذارى فى كتابه (البيان المغرب .. ) :

( وكان المنصور أشدّ الناس فى التغير على من عَلِمَ عنده شيىء من الفلسفة والجدل فى الاعتقاد والتكلم فى شيىء من قضايا النجوم وأدلتها , والاستخفاف بشىء من أمور الشريعة , وأحرق ما كان فى خزائن الحَكَم من كتب الدّهريّة والفلاسفة بمحضر كبار العلماء , منهم الأصيلىّ وابن ذكوان والزبيدىّ وغيرهم , واستولى على حرق جميعها بيده ... ) انتهى كلام ابن عذارى.

وكان شديد التعظيم للعلماء بدرجة كبيرة جدا , فقد ذكر النباهى فى كتابه "المرقبة العليا" فى ذكره لترجمة العالم الجليل محمد بن يبقى بن زرب حين وفاة الإمام :

( وأظهر ابن أبى عامر لموته غمّاً شديداً , وكتب لورثته كتاب حفظ ورعاية انتفعوا به , واستدعى ابنه محمد , وهو طفلٌ ابن ثلاثة أعوام , فوصله بثلاثة آلاف دينار , وألطافٍ قيمتها ما يناهز العدد المسمّى .....

وليس ذلك من أفعال المنصور ببدع , فقد كان فى حسن معاملته للناس والوفاء لهم بمنزلةٍ لا يقوم بوصفها كتابٌ , حتى يُقال إنه لا يأتى الزمان بمثله فى فضله , ولا طفرت الأيدى بشكله ... ) انتهى كلام النباهى

الله أكبر , أرأيتم كيف يكون معاملة الحاكم والأمير للعلماء , فلا ينكرون فضلهم ولا يستغنون عن مشورتهم بل ويمتثلون أمرهم , وبهذا يكون النصر والتمكين ....

وايضا فيما ورد عن دينه وتواضعه ما ذكره ايضا النباهى فى كتابه "المرقبة العليا" فى ترجمة الإمام محمد بن يبقى بن زرب عند صلاة الاستسقاء فى قرطبة , وأخبر أنه صلى 10 مرات صلاة الاستسقاء فحضر معه مرة المنصور بن أبى عامر فكان من أمره ما ذكره النباهى فى كتابه :

( حضر معهم المنصور محمد بن أبى عامر استسقاءاً واحداً , ولبوسه ثيابٌ بيضٌ وعلى رأسه أُقرُفُ وشْىٍ أغبر , على شكل أهل المصايب بالأندلس قديماً , قد أبدى الخشوع , وهو باكٍ ودموعه تسيل على لحيته : فتقدم الى جناح المحراب عن يمين الإمام , وقد كان فُرش له هنالك حصيرٌ ليُصلّى عليه , فدفعه برجله وأمر بنزعه وجلس على الأرض , وشهد الاستسقاء !!! ) انتهى كلام النباهى

الله أكبر , هذه والله هى العزة والكرامة , فإذا خشع الحاكم والأمير استجلب معه رحمات الله , كما قال الإمام المنذر بن سعيد حين أخبروه بأن الخليفة عبد الرحمن الناصر يبكى بكاء مريرا من الخشوع والخشية ويبتهل الى الله بنزول المطر , فقال المنذر بن سعيد – رحمه الله - : أبشروا .. اذا خشع جبار الأرض رحم جبار السماء !!

http://img155.imageshack.us/img155/4659/mezquitaarchesccboryayd3.jpg
جامع قرطبة فى اسبانيا , وقد بنيت بداخله كاتدرائية للنصارى وتحول الباقى الى متحف !!

وقد أخبر ابن حيان فى كتابه عن المنصور بن أبى عامر :

( وكان متسماً بصحه باطنه , واعترافه بذنبه , وخوفه من ربه , وكثرة جهاده ,واذا ذُكّر بالله ذكر , واذا خُوّف من عقابه ازدجر ... )

وقال ابن خلدون مخبرا عن المنصور بن أبى عامر :

( أرخص للجند فى العطاء وأعلى مراتب العلماء وقمع أهل البدع , وكان ذا عقل ورأى وشجاعة وبصر بالحروب ودين متين .. )

هكذا كان حكامنا وعلاقتهم مع الله , وما ارتبط اسم أحد من عظماء المسلمين بالعزة والمجد إلا ووجدته له حال عجيب مع الله سبحانه وتعالى , وهذا من سنن الله فى الكون , من استمسك بالله وجبت له العزة والتمكين .

بل أن المنصور – رحمه الله – اختط بيده مصحفاً كان يحمله معه فى غزواته ويقرأ فيه ويتبرك به !!! , وكان يحمل معه أكفانه وكان أمنيته التى يدعوا الله بها دائما أن يتوفاه الله وهو فى طريقه للغزو والجهاد !! , والحديث عن جهاد المنصور يطول جدا لذا قمت بإختصاره كما سيأتى إن شاء الله ...

وكان المنصور بن أبى عامر على مذهب الإمام مالك على عادة أهل الأندلس وقتها وقد أمر المنصور الفقيه المشهور أبو مروان القرشى المعيْطى والفقيه أبو عمر أحمد بن عبد الملك المعروف بابن المكوى أن يجمعوا كتابا فيه أقاويل الإمام مالك بن أنس – رضى الله عنه - وروايات أصحابه عنه لينتفع به علماء المسلمين !!

وذكر ابن سماك العاملى فى كتابه "الزهرات المنثورة" , وذكرها ابن الآبار فى "إعتاب الكتاب" وغيرهما , قال خلف بن حسين بن حيان , وهو والد أبى مروان ابن حيان صاحب كتاب "نفح الطيب" وكان أبوه من كتاب المنصور بن أبى عامر , فأخبر عن نفسه وقال :

( بكّتنى المنصور محمد بن أبى عامر يوماً على ما أنكره منى تبكيتاً بعث من فزعى ما اضطربت منه , فلما أخلى مجلسه قال لى :

رأيت من فزعك وشدة روعك ما استنكرته منك , ومن وثق بالله برىء من الحول والقوة لله , وإنما أنا آلة من آلات الله تعالى , أتصرف بمشيئته وأسطو بقدرته وأعفو عن إذنه , ولا أملك لنفسى إلا ما أملك من نفسى لسواى , فطأمن جأشك وأزل عنك روعك , فإنما أنا ابن امرأة من تميم طالما تقوتت بثمن غزلها , أغدو به الى السوق وأنا أفرح الناس بمكانه , ثم جاء من أمر الله ما تراه , ثم قال : يابن حيان , إن أفضل الناس غراسا من غرس الخير , وإن أفضل السلطان غراسا ما أثمر فى الآخرة , ومن أنا عند الله تعالى لولا عطفى على المستضعف المظلوم وقصمى للجبار الغشوم اللاهى عن حقوق ربه بفسوقه ودنسه ..

هكذا كان تواضعه واعترافه بفضل ربه عليه ... !!!

أما عن عدله فى الرعية :-

كان رحمه الله عادلاً يكره الظلم والبغى , وكان لا يستهين بأمر الظالم , بل لربما أمر بتغليظ العقوبة عليه ليرتدع أهل الشرور وكان لا يقبل شفاعة أحد أبداً ولو كان من المقربين اليه , بل وإن كان من أهله ... !!

ومن أروع الأمثلة التى ضربها المنصور بن أبى عامر فى العدل وعدم الرفق بأهل الغدر والظلم , ما حدث مع ابنه عبد الله بن المنصور بن أبى عامر حين لجأ الى ملك ليون وأراد أن يساعده فى الخروج على أبيه وشق عصا الطاعة وعزل أبيه , فكان ماكان من المنصور إلا أن أمر ملك ليون بتسليم ابنه , فسلمه ابنه عبد الله , وقام بضرب عنقه جزاء خيانته , ولم تأخذه به رأفة ولا رحمة !!!!

وله بذلك القصص المشهورة والأحاديث المنثورة التى سارت بها الركبان وتسامر بها الرجال فى مجالسهم , ومنها ما ذكره ابن حيان فى كتابه :

( وأما عن عدله أنه وقف عليه رجل من العامة بمجلسه , فنادى : ياناصر الحق , إن لى مظلمة عند ذلك الوصيف الذى على رأسك , وأشار الى الفتى صاحب الدرقة , وكان من المقربين الى المنصور بن أبى عامر , ثم قال : وقد دعوته الى الحاكم فلم يأتِ – لمكانته عند المنصور - , فقال له المنصور وقد اشتد غضبه :

أوَ عبد الرحمن بن فطيس – القاضى - بهذا العجز والمهانة !! , وكنا نظنّه أمضى من ذلك ؟ ثم وجه كلامه للقاضى وقال له :يا عبد الرحمن , أعجزت أن تأخذ العدل , أوَ كنت مهانا فلم تصل اليه !! , ثم قال للمظلوم : اذكر مظلمتك ياهذا , فذكر الرجل معاملة كانت جارية بينهما فقطعها من غير نَصَفٍ , فقال المنصور :

ما أعظم بليتنا بهذه الحاشية , ثن نظر الى الصقلبىّ وقد ذُهل عقله – أى الفتى – فقال له : ادفع الدرقة الى فلان , وانزل صاغرا – ذليلا – وساو خصمك فى مقامه حتى يرفعك الحق او يضعك !!

ففعل ومثل بين يديه , ثم قال لصاحب شرطته الخاص به : خذ بيد هذا الفاسق الظالم وقدمه مع خصمه الى صاحب المظالم لينفذ عليه حكمه بأغلظ ما يوجبه الحق من سجن أو غيره ..

ففعل ذلك , وعاد الرجل اليه شاكراً , فقال له المنصور : قد انتصف أنت , اذهب لسبيلك , وبقى انتصافى أنا ممن تهاون بمنزلتى .. فتناول الصقلبىّ بأنواع من المذلة , وأبعده عن الخدمة ... ) انتهى كلام ابن حيان

ومن ذلك أيضا ما رواه ابن حيان فى كتابه :

( ومن ذلك قصة فتاه الكبير المعروف "بالبورقى" – اسم الفتى – مع التاجر المغربى , فإنهما تنازعا فى خصومة توجهت فيها اليمين على الفتى المذكور , وهو يومئذ أكبر خدم المنصور , واليه أمر داره وحرمه , فدافع الحاكم وظن أن جاهه يمنع من إحلافه ..

فصرخ التاجر بالمنصور فى طريقه الى الجامع متظلما من الفتى , فوكل به فى الوقت من حمله الى الحاكم , فأنصفه منه , وسخط عليه المنصور , وقبض نعمته منه ونفاه .. ) انتهى كلام ابن حيان


أما عن جهاده وغزواته :-

لا أجد كلمات أوصف بها حب المنصور بن أبى عامر للجهاد والغزو فى سبيل الله , يكفى أن تعلموا أن المنصور بن أبى عامر قاد جيوش المسلمين الى النصر والفتح فى زهاء 54 غزوة ومعركة , فلم يهزم فى واحدة منها قط !! , وكان يأمر غلمانه بتنظيف ثوبه وأخذ ما علق به من غبار المعارك والغزوات وأمر أن تدفن معه فى قبره لتكون شاهد له عند الله يوم القيامة بجهاده فى سبيله !!

ووصل بجيوشه الى أماكن لم يفتحها المسلمون من قبل من أيام طارق بن زياد وموسى بن نصير , وبلغت الأندلس فى عهده من العزة والمجد والتمكين الى درجة لم يبلغها حاكم قبله ولا بعده !!
وقال عنه الفتح بن خاقان فى كتابه (مطمح الأنفس ومسرح التأنس فى ملح أهل الأندلس) :

( إنه تمرّس ببلاد الشرك أعظم تمرّس , ومحا من طواغيتها كل تعجرف وتغطرس , وغادرهم صرعى البقاع , وتركهم أذل من وتدٍ بقاع , ووالى على بلادهم الوقائع , وسدّد الى أكبادهم سهام الفجائع , وأغصّ بالحِمام أرواحهم , ونغّص تلك الآلام بكورهم وروَاحهم ... ) انتهى كلام الفتح بن خاقان

فقد كان رحمه الله أعجوبة دهره وأوحد زمانه , له فى كل عام غزوتان "الصوائف والشواتى" , كان يهتم جدا بالناحية العسكرية فى دولته حتى لكم أن تعلموا أن عدد الفرسان فى الجيش المرابط (الثابت) وصل الى 112.000 اثنى عشر ألف ومائة فارس من سائر الطبقات , جميعهم مدونون فى الديوان وتصرف لهم النفقات والأعطية والهبات , وبلغ عدد المشاة الى 26.000 ستة وعشرين ألف راجل , وتتضاعف تلك الأعداد فى الصوائف بسبب كثرة المتطوعين حتى أنها وصلت الى مائة ألف 100.000 من المشاة !!
http://img155.imageshack.us/img155/8295/39ni2.jpg
جيوش المسلمين بقيادة الحاجب المنصور

حتى أنه من كثرة قوى الجيش النظامية أصدر مرسوما عام 388هـ بإعفاء الناس من إجبارهم على الغزو , اكتفاء بعدد الجيش المرابط , وقرأ الخطباء على الناس ذلك المرسوم وفيه : " بأن من تطوع خيراً فهو خير , ومن خف اليه فمبرور ومأجور , ومن تثاقل فمعذور " , فسُرّ لذلك الناس سرورا بالغاً .

وكانت له سُنّة فى غزواته وهى أن يحمل النصارى بأنفسهم الغنائم الى قرطبة إمعانا فى ذلهم وتدميرا لكيدهم . وكانت جميع الممالك النصرانية فى الشمال تدفع للمسلمين الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ...

دمّر المنصور بن أبى عامر جميع الممالك النصارانية المتواجدة فى شمال الأندلس تدميرا بالغاً , كانت غزواته فى الممالك النصرانية كالصاعقة والعاصفة المدمرة التى لا تبقى ولا تذر , فكم من قلوع وحصون للنصارى سواها بالتراب , وكم من ملوك وقواد للنصارى هلكوا على يد المنصور بن أبى عامر !!

فكان رحمه الله هو الذى ثأر لهزيمة المسلمين أيام الخليفة عبد الرحمن الناصر – رحمه الله – فى معركة الخندق أمام قلعة سمّورة المنيعة جدا , ففى اثناء حكم الحاجب المنصور ثارت القوط وتحركت وقامت بأعمال تخريبية فى مدن المسلمين وقتلوا من المسلمين خلقا كثيرا وكان يمتنعون من المسلمين دوما فى قلعة سمّورة الحصينة والتى هى أمنع حصون النصارى فى الشمال , فقام المنصور عام 371هـ بحملة عسكرية كالصاعقة على القوط فى تلك القلعة واستطاع ان يدمرها ويقتحمها وفتك بحاميتها من النصارى , فهرب أهلها الى قلعة قريبة تسمى "سانت مانس" فدخل عليهم المنصور ودمرها فأصبح الطريق الى مدينة ليون العاصمة مفتوحا وسائغا , ولكنه لم يدخل ليون هذا العام لشدة البرد وقتها وتساقط الثلوج فى تلك المناطق .

وفى عام 373هـ قام المنصور بغزوة "ليون الكبرى" حيث قاد الحاجب المنصور الجيوش ووصل الى مدينة ليون عاصمة اقليم جيليقية وحاصرها حصاراً شديدا , فجاء اليها المدد من كل مكان لأهميتها وقدسيتها للنصارى , فوصل مدد من إفرنسة "فرنسا" بشكل خاص ولكنه استطاع فى النهاية ان ينزل الهزيمة على الفرنجة والنصارى ودخل عاصمتهم وخرب قلاعها وحصونها وساق منها 3 آلاف أسير وأمر أن يرفع الآذان فى جنبات ليون لأول مرة بعد أن سقطت لأول مرة منذ الفتح الإسلامى الأول ....
http://img155.imageshack.us/img155/5453/andalusxj9.jpg
الأندلس فى عهد الحاجب المنصور


وفى عام 374هـ أعاد فتح برشلونه فى أقصى شمال الأندلس وهزم الفرنسيين شر هزيمة وضمها مرة أخرى للمسلمين , بعد ان سقطت فى أيدى الفرنجة من الفرنسيين بعد فتحها على يد طارق بن زياد وموسى بن نصير أيام الفتح الأول.

ولم تقتصر منطقة نفوذ الحاجب المنصور على الأندلس فقط , بل سيطر على شمال المغرب سيطرة تامة وخضعت لسلطانه , بعد أن ثار البربر من أهل العدوة على الحسن بن كنّون نائب الخليفة الفاطمىّ العبيدىّ على المغرب واستطاع هذا الرجل ان يجمع حوله الأنصار من البربر وثارت القلاقل والفتن فى المغرب , فلم ينتظر الحاجب المنصور أن تكبر الفتنة , بل أرسل ابن عمه عمرو بن عبد الله على رأس جيش لمحاربة الحكم الفاطمى العبيدى الشيعى وإخراجهم من المغرب , ثم أرسل جيشا آخر بعد ذلك بقيادة ابنه عبد الملك الظفر بن المنصور بن أبى عامر ودخل فاس , واستقر أمر المغرب للمنصور , فبلغت الأندلس فى عهده أقصى اتساع لها !!

وفى عام 379هـ ثار عبد الله بن المنصور على أبيه الحاجب المنصور إذ كان يحكم مدينة "سانت استيفان" ولجأ الى بلاد البشكنش - اقليم الباسك حالياً - فطلب المنصور من "غرسيه" حاكم البشكنش بتسليم ابنه فرفض "غرسيه" فقام المنصور بحملة عسكرية قوية على بلاد البشكنش ودام القتال أياما وكان قتالا مروعا حتى أنزل الله النصر على المسلمين وأيدهم بجنود من عنده وجعل كلمة الذين كفروا السفلى , وهُزم البشكنش مما اضطر غرسيه الى قبول الصلح وتسليم عبد الله بن المنصور الى أبيه ومعه كل من ساعده من المسلمين , فقام المنصور بضرب أعناقهم جميعا بما فيهم ابنه عبد الله !!
http://img155.imageshack.us/img155/9213/450pxalmanzorcampaignssty4.png

غزوات المنصور - الأسهم السوداء

ومن أهم وأعظم معارك المنصور على الإطلاق والتى هى بمثابة غرة المعارك الإسلامية فى جزيرة الأندلس , هى معركة "شنت ياقب" – سانت يعقوب - حيث وصل الى أقصى بلاد جيليقية الى حيث لم يصل مسلم من قبل , ومدينة – سانت يعقوب - تمثل العاصمة الروحية الدينية لنصارى أوربا قاطبة , وكعبة النصرانية وتأتى أهيمتها بعد بيت المقدس ورومية – روما - عندهم , فبها قبر يعقوب الحوارىّ ويزعمون أنه كان من أخص حوارىّ عيسى – عليه الصلاة والسلام – وكان قبره بمثابة الكعبة عندهم – وللكعبة المثل الأعلى – ويفدون اليه من رومية وشرق أوربا ومن كل مكان
http://img155.imageshack.us/img155/733/27903890748ff8734d54hv6.jpg
كنيسة شنت ياقب - sandiago - فى أقصى شمال غرب أسبانيا


وقد قاموا ببناء كنيسة ضخمة جدا على هذا القبر وكانوا يحجون اليه من كل مكان كما ذكرنا . وكانت تلك البلاد هى أمنع بلاد النصارى فى الأندلس لوعورة طرقها وخطورة مفاوزها وصعوبة اجتيازها بالجند . ولم يفكر أحد من قادة المسلمين من أيام طارق بن زياد أن يقصد تلك المنطقة الجبلية الوعرة .

فقصد المنصور بن أبى عامر تلك البلاد لسببين رئيسيين ذكرهما د. محمد عبد الله عنان فى كتابه (دولة الإسلام فى الأندلس ) وهما :

1- أنها كانت ملاذا وملجأ لملوك ليون , يمتنعون بها كلما أرهقتهم الغزوات الاسلامية بقيادة المنصور
2- أنها كانت كعبة اسبانيا النصرانية ومزارها المقدس ورمز زعامتها الروحية , وقد شاء المنصور أن يضرب أسبانيا النصرانية فى صميم معقلها القاصى , وفى صميم زعامتها الروحية ..

خرج المنصور بن أبى عامر على رأس جيش ضخم فى يوم 23 الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة 387هـ ( 3 يوليه 997م ) وكانت هذه هى الغزوة الثامنة والأربعين للمنصور , وفى نفس الوقت تحرك الاسطول الاسلامى الذى أعده المنصور لهذه الغزوة العظيمة من مرساه أمام قصر أبى دانس على الساحل الغربى للأندلس فى بلاد البرتقال – البرتغال الآن – وتحرك شمالا فى محاذاة الشاطىء البرتغالى وهو يحمل أقوات الجنود والذخيرة وكل ما يحتاجونه من مؤن ..

وكانت الخطة التى وضعها المنصور بن أبى عامر محكمة للغاية , فجعل يمشى بجنده على اليابسة شمالا باتجاه الغرب على أن يوافيه الاسطول الاسلامى عند نهر دويرة , وكانت مسيرة المنصور بن أبى عامر فى غاية المشقة لكثرة السلاسل الجبلية وكثرة الأنهار ووعورة الطرق , حتى أنه فى أثناء مسيره عرض له جبل ضخم شامخ شديد الوعورة لا مسلك فيه ولا طريق , ولم يهتدى الأدلاّء الى سواه , فجعل المنصور يقدّم الفَعَلة – الحرفيين – ويمدهم بالحديد والفوؤس لتوسعة الشعاب وتسهيل وتعبيد المسالك والمفاوز !!

الى هذا الحد كان المنصور حريصا على غزو النصارى ولم يفت في عضده او يوهن كيده صعوبة الطريق ووعورته !!

وبالفعل استطاع المنصور بن أبى عامر أن يفتح المسالك والشعاب واخترق الأراضى الوعرة وهو فى أثناء ذلك يقتحم حصون النصارى ويأسر منهم أعداد كبيرة فى طريقه , وما ان يسمع أهل قرية بقدوم المنصور حتى يهربوا منها وتفرّ حاميتها الى قرى مجاورة , فغنم أمولاً عظيمة وأسلحة كثيرة ولله الحمد والمنة ...

وعند وصول المنصور الى نهر دويرة وافاه الاسطول الاسلامى , فجعل منه المنصور بن أبى عامر جسرا لعبور قواته الى الجانب الآخر وهكذا , واتجه الجيش الاسلامى صوب جيليقة مخترقا الشعاب والسهول والوديان والجبال والأنهار وهو فى مسيره لا يكف عن الجهاد والقتال فيحطم القلاع والحصون ويهدم المدن والقرى ....

حتى وصل الى مشارف مدينة (شنت ياقوب) – سانت يعقوب – يوم الأربعاء الموافق 2 الثانى من شعبان عام 387هـ ( 11 اغسطس 997م) , فدخلها المنصور بجنده وقد فرّ منها أهلها وحاميتها , فأمر المنصور بهدم القلاع والحصون وخرّب المدينة ودمّر الكنيسة العظيمة التى بنوها فوق قبر الحوارىّ المزعوم عندهم , فسواها بالتراب , ولكنه أمر بحماية القبر وصونه وعدم مساسه بأى اذى !! – احتراما لتعاليم الاسلام ...

وأخذ المسلمون أبواب المدينة والكنيسة ونواقيس الكنيسة العظمى وحملها الأسرى النصارى على كواهلهم حتى قرطبة، واستخدمت في توسيع الجامع وعلقت به النواقيس رؤوسًا للثريات الكبرى وأصبحت الكنيسة العظمة للنصارى أثرا بعد عين !!

ووجد المنصور رجلاً شيخا كبيرا من النصارى جالس بجوار القبر فسأله عن شأنه , فقال : أونس يعقوب !! , فأمر المنصور بالكفّ عنه .

http://img155.imageshack.us/img155/509/48stgocatedralurnaie6.jpg
قبر يعقوب الحوارىّ المزعوم لدى النصارى بداخل الكنيسة


وترك المنصور بن أبى عامر المدينة كأن لم تغن بالأمس , واهتزت النصرانية من أقصاها الى أقصاها , ونزل الخبر على نصارى العالم كالصاعقة فمنذ الفتح الأول للمسلمين للأندلس لم ينهزموا مثل هذه الهزيمة ولم يلحقهم مثل هذا الذل والصغار !!

وأرسل المنصور كتاب الفتح والنصر الى قرطبة , ففرح المسلمون بهذا النصر جدا ولهجت العامة بالدعاء لمنصور , وظل المنصور فى جهاده مع النصارى فى الأندلس طوال 27 عاما غزا فيها أكثر من 54 غزوة !!

والحديث عن غزوات المنصور بن أبى عامر حديث جليل وعظيم جدا , لكن أكتفى بما ذكرته آنفاً.


أما عن حبه للأدب والعلوم :

كان المنصور بن أبى عامر يعشق الأدب والشعر بل وينظم شعراً , فمن شعره يفتخر :-


ألم ترنى بعتُ الإقـامـةَ بالسُّرى *** ولين الحشايـا بالخــيول الضـوامرِ؟
تبدَّلْتُ بعد الزعفــرانِ وطِـيبِه *** صدا الدّرع من مستحكمات المسـامرِ
أرونى فتىً يحمى حماىَ ومـوقفى *** إذا اشتـجر الأقـرانُ بين العساكرِ
أنا الحـاجب المنصور من آل عامرٍ *** بسيفى أقُدُّ الهـام تحت المغـافرِ
تــلادُ أمـير المـؤمنين وعَبـــدُهُ *** وناصــحه المشـهودُ يــومَ المفـــاخرِ
فــلا تحسـبوا أنــى شُـغلت بغــيركم *** ولكـــن أطـعتُ الله فى كــل كـافرِ


ومن شعره أيضاً , يفتخر :

رميت بنفسى هول كل عظيمةٍ *** وخاطرتُ والحر الكريمُ يخاطرُ
ومـا صاحبى إلا جنـان مشيعٌ *** وأسمر خطى وأبيـض بـاترُ
ومن شيمى أنى على كل طـالبٍ *** أجـودُ بمالٍ لا تقيه المعـاذرُ
وإنى لزجاء الجيـوش الى الوغى *** أسـود تلاقيها أسـود خوادرُ
فسُدتُ بنفسى أهل كل سيادة *** وفاخرت حتى لم أجد من أفاخرُ
ومـا شِدتُ بنياناً ولكن زيادة *** على ما بنى عبد المليك وعـامرُ
ورفعنا المعـالى بالعوالى حـديثَهُ *** وأورثناها فى القـديم معـافرُ

وله أيضا يتوعد صاحب الدولة الفاطمية العبيدية الخبيثة ويمنى نفسه فى القضاء عليه وحكم مصر والحجاز :

منع العين أن تذوق المناما *** حُبها أن ترى الصفا والمقاما
لى ديون بالشرق عند أناسٍ *** قد أحلوا بالمشعرين الحراما
إن قضوها نالوا الأمـانى وإلا *** جعلـوا دونهـا رقـاباً وهـاما
عـن قـريبٍ تـرى خـيول هشـام *** يبلغ النيلَ خطوُها والشآما


وكانت دولة المنصور وحكومته تضم عددا من الوزراء والكتاب والشعراء الأفذاذ أمثال : أبو العلاء صاعد اللغوى وكذلك أبو مروان عبد الملك بن شهيد وأحمد بن سعيد ابن حزم والد الفيلسوف والعالم الشهير ابن حزم وآخرون ممن هم مشهود لهم بالفضل والعلم وواسع المعرفة .

وكان يوسع النفقة على الأدباء والشعراء وكان المنصور له مجلس أسبوعى يعقده للبحث والمناظرة ويشهده كثير من العلماء والأدباء , كما اهتم جدا بإنشاء دور العلم فى الأندلس وفى قرطبة وبالغ فى الإنفاق عليها وكان يزور المساجد والمدارس بنفسه وكان يجالس الطلاب أحيانا !!

وإهتمام المنصور بن أبى عامر بالأدب شيىء معروف ومشهور وأكتفى بما ذكرته آنفا ..

http://img155.imageshack.us/img155/6879/41990894spain2005pict11pe7.jpg
مسجد قرطبة

مناقب المنصور بن أبى عامر :

اهتم المنصور بن أبى عامر بالأوجه الحضارية كذلك فابتنى مدينة "الزاهرة" على غرار "الزهراء" ونقل اليها كل دوواين الحكم وجعلها عاصمة لملكه وفرغ من بناءها عام 370هـ وكانت آية فى البناء الجمال وجلب اليها المنصور بن أبى عامر غلمانه وحاشيته ووزراءه , ففرغت "الزهراء" منهم وملئت الزاهرة وكثر فيها الأسواق والقصور وامتازت بحسن حدائقها وجمال عمرانها واعتدال هواءها وفيها يقول صاعد اللغوىّ :


يا أيهـا الملكُ المنصـورُ من يمنٍ *** والمُبتنى نسبـاً غـير الذى انتسبا
بغزوة فى قلـوب الشـرك رائعة *** بين المنـايا تُناغى السُّمر والقُضُبَا
أما ترى العين تجرى فوق مرْمَرِها *** هوىً فتجرى على أخفاقها الطربا
أجريتها فطـما الـزاهى بَجرْيتها *** كمـا طمــوتَ فَسـُدْتَ العُـجْمَ والـعَرَبَا
تخــالُ فـيه جـنـودَ المــاءِ رافلــةً *** مستلئمـات تُـريـك الــدرع والـيَلَبـَا
تَـحِفـُّهـا مـن فنــونِ الأيْكِ زاهـرةً *** قــد أوْرَقـَتْ فضـة إذْ أَوْرَقَـت ذَهَـبا
بديعـــة المـلك مـا ينفكُّ نـاظـرها *** يتلـو على السمـعِ منها آيــة عَـجَبَا
ولا يُحْســن الــدَّهْرُ أن يُـنشي لـها مَثَلا *** ولـو تعنّت فـيها نفســه طَلَبـَـا


وأصحبت الزاهرة هى حاضرة الأندلس ونافست قرطبة فى جمالها وروعة بنيانها واتسعت وزادت مساحتها حتى اتصلت أرباضها بأرباض قرطبة , وبنى المنصور بمنطقة فيها مجموعة من قصوره وسماها (مُنية العامرية) وكانت بها أروع قصور المنصور وأحظى بيوته , دخل عليه يوما ابن أبى الحُباب فى بعض قصوره بمنية العامرية والورد قد تفتحت أوراقه وزاد جمال القصر وبهجته والشمس ساطعة تعكس أنوارها المياه الجارية بالقصر فكان المنظر بحق بديع , فقال فى ذلك :

لا يـوم كاليـوم فـى أيامــك الأُولِ *** بـالعامــرية ذات المـاء والظُـللِ
هـواؤها فى جميع الدهر معتدلٌ *** طيـبا وإن حــل فصلٌ غيـرُ معـتدلِ
ما إن يُبالى الذى يحتل ساحتها *** بالسعد أن لا تحلّ الشمسُ بالحملِ

كما أن المنصور بن أبى عامر جدد بناء قنطرة قرطبة التى تعد من عجائب الدنيا فى ذلك الزمن وأعاد بنائها سنة 378هـ واستغرق بناؤها سنة ونصف وأنفق لذلك مائة وأربعين ألف دينار !!!
وبنى كذلك قنطرة آستجة على نهر شنيل وكلفت كثير من الجهد والوقت لكنها سهلت الكثير على المسلمين , ولهجت العامة بالدعاء للمنصور بن أبى عامر – رحمه الله
http://img155.imageshack.us/img155/6673/2954981787769982b006nl2.jpg
قنطرة قرطبة فى أسبانيا التى جددها المنصور بن أبى عامر


ومن أعظم مناقبه كذلك وهى الزيادة والتوسعة التى وسعها فى جامع قرطبة العظيم الذى لم يبنى مثله فى الإسلام !! , فأضاف اليه مثل مساحته تقريبا , وكان يرسل أسرى النصارى للعمل فى البناء , وكان المنصور يشترك بنفسه أحيانا فى أعمال البناء , وكانت تلك هى أضخم وآخر التوسعات التى تمت لجامع قرطبة , فشرع فى البناء عام 387هـ واشترى المنصور البيوت والأملاك الواقعة ضمن منطقة التوسعة وحرص على إنصاف أصحابها , وتضاعف حجم الجامع جدا , وبلغ عدد سوارى المسجد ما بين كبيرة وصغيرة الى ألف وأربعمائة وسبعة عشرة 1417 سارية – عمود - , وبلغت كذلك عدد الثريات مابين كبيرة وصغيرة الى مائتان وثمانون 280 , وعدد الكؤوس سبعة آلاف وأربعمائة وخمس وعشرون كأسا 7425 , وكان يخدم الجامع من أئمة ومقرئين وأمناء ومؤذنين وسَدَنة ومُوقدين – يوقدوا الشموع والمصابيح للإنارة – وغيرهم أكثر من مائة وتسعة وخمسون 159 شخصاً , وفى رمضان يُوقد العود والطيب فى جميع أنحاء الجامع ......

http://img155.imageshack.us/img155/9705/2255531393fce7f9109ogl9.jpg
مسجد قرطبة


ومن أهم مناقب المنصور هو عمله على إذلال الممالك النصرانية فى الشمال والعمل على تأديبهم المستمر حتى لا يفكروا إلا فى طلب ود وجوار المسلمين , ومن أجل ذلك أرسل ملك قشتالة "شانجة" ابنته جارية عند المنصور فى قرطبة لينال رضاه !!

وعندما جاء الى قرطبة بعد هزيمته مع المسلمين , وأثناء مروره بين صفوف العسكر والجند وأهل الخدمة انخلع قلبه من الرهبة والهيبة حتى ارتعدت فرائصه , ودخل مجلس المنصور فما إن وقعت عينه على المنصور بن أبى عامر حتى هوى على الأرض من فرط هيبيته وقبّل قدم المنصور ويده !!!

أى عزة هذه بالله عليكم !!!

اللهم أعد لنا عزتنا واكتب لنا النصر والتمكين !!

وللمنصور مناقب أخرى كثيرة ولو أخذت بحصرها ما انتهيت منها وأكتفى بما ذكرته ....

( يتبع ) pppo

كوبرلّي
2010-08-23, 03:33 PM
قطوف من أخبار المنصور ومآثره :-

الراية المنسية :

كان كلما غزا المنصور غزوة أخذو جنوده الرايات فيثبتونها على الأماكن العالية ثم يأخذونها حين يرحلون , وفى أحد الغزوات نسى أحد الجنود راية على أعلى التبة بين الحصون والقلاع بعدما فر أهلها وهرب جنود النصارى بين الشعاب والجبال , ورحل المسلمين ونسوا تلك الراية , فظل النصارى يرمقون تلك الراية فى رعب شديد وهم يظنون أن المسلمين مازالوا هناك ,وظلوا على ذلك زمن حتى علموا برجوع المسلمين منذ زمن !!

هكذا كانت العزة ..... راية واحدة منسية أرعبت جنود النصارى وعاشوا من أجلها فى ذعر ورعب وهلع !!
http://img155.imageshack.us/img155/3239/838337910e7107a3940ogj3.jpg
توسعة وزيادة المنصور لجامع قرطبة باللون البنى فى يمين الصورة

هذا طليق الله على رغم أنف ابن ابى عامر :

عُرض على المنصور بن أبى عامر يوما اسم أحد خدّامه ممن قد طال سجنه , وكان شديد الحقد عليه . فوقّع على اسمه أنه لا سبيل الى إطلاقه ابداً ويظل فى السجن الى أن يتوفاه الله , وعرف هذا الخادم ما وقّع عليه المنصور بن أبى عامر , فاغتم لذلك غما شديدا وأخذ يتوسل الى الله ويتضرع اليه , فجاء المنصور بن أبى عامر الأرق ولم يستطع النوم من أجل ذلك , وكان كلما حاول النوم آتاه رجل كريه الوجه عنيف الكلام يأمره أن بإطلاق الرجل ويتوعده , وظل المنصور على ذلك زمن لا يستطيع أن ينام بسبب ما يأته فى منامه , حتى علم المنصور أن هذا نذير من ربه فأخذ رقعة ودعا بالدواة فى مرقده وعلى فراشه فكتب : هذا طليق الله على رغم أنف ابن أبى عامر ..!!!

وظل الناس يتحدثون بهذا زمانا ....



الأسيرة :

أرسل المنصور يوما رسولا الى بلاد البشكنش "اقليم الباسك حاليا" فى وقت السلم والمعاهدة , وكان من شروط المعاهدة أن لا يبقى أسير مسلم فى بلاد النصارى , عندما وفد هذا الرسول الى تلك البلاد استقبله ملكها أحسن استقبال وأكرمه وأحسن ضيافته , وسمح له أن يتجول فى بلده كما يحب , فدخل أحد أكبر كنائسهم وإذا هو بالداخل إذ وجد امرأة قد أقبلت عليه وقالت له : أيرضى المنصور أن ينسى بتنعمه بؤسها !! , وأخبرته أنها أسيرة فى تلك الكنيسه ومعها امرأتين من المسلمين كذلك ومضى لهن سنين طويلة فى تلك الكنيسة , واستحلفته أن يخبر المنصور بشأنها ..

وعاد الرسول الى المنصور فى قرطبة يخبره بنتائج الزيارة وحكى له عن تجواله فى أراضى المملكة , فقال له المنصور : هل وقفت هناك على أمر أنكرته , أم لم تقف على غير ما ذكرته ؟ , فأخبره بقصة المرأة , فغضب المنصور وعاتبه ولامه وارتفع صوته على أنه لم يبدأ بها كلامه !!
فأصبح المنصور غازيا من فوره وجهز الجيوش ولم تطلع الشمس إلا والمنصور والمسلمين على ظهور خيولهم متوجهين الى بلاد البشكنش , لأن وجود تلك المرأة المسلمة الأسيرة مخالفة صريحة جدا لما اتفقوا عليه ...

وأقسم المنصور أنه لا يرجع عن أرضه حتى يكتسحها – اى الكنيسة – وجن جنون الملك عندما علم بقدوم المنصور بن أبى عامر وأرسل له يخبره أنه لم ينقض عهدا ولم يشق عصا الطاعة أنه على طاعة المنصور والمسلمين ابدا , فاستقبل المنصور رسل "ابن شانجة" – ملك البشكنش – أسأ استقبال وعنفهم وأخبرهم : أنه عاقدنى على ألا يبقى ببلاده مأسورة أو مأسور , وقد بلغنى بعدُ بقاء فلانة المسلمة فى تلك الكنيسة وواله لا أنتهى عن أرضه حتى أكتسحها !!

فأرسل الملك يخبره أنه كان لا يدرى بوجود تلك الأسيرة وأن أحد قواده هو من قام بأسرها , ثم أرسل له الملك يسترضيه ويستعطفه حتى أنه أخبره : أنه قد بالغ فى هدم الكنيسة – اى سواها بالتراب – وهنا توقف المنصور وأخذ المرأة وجلس معها وطيب خاطرها وأرسلها الى أهلها فى قرطبة ومعها الأسيرتيْن ......

وكأنى بهؤلاء النسوة الثلاث كدن أن يهلكن من شدة الفخر والسعادة والإباء , عندما شعروا بأن جيش المسلمين كله قد خرج من أجلهن وفى سبيل نصرتهن !!!

أين أنت ايها الحاجب المنصور الآن ...
http://img155.imageshack.us/img155/1671/mezquitadecc3b3rdobaconuh5.jpg
جامع قرطبة وسط الثليج

لقد طابت لنا العيشة هنا :

ذكرها د/طارق السويدان فى كتابه "الأندلس التاريخ المصور"

فى إحدى غزوات المنصور لبلاد البشكنش دخل فيها فى أعماق بلادهم وتوغل فى أرضهم حتى صار وراء الجبال , فأخذ النصارى يسدون طريق العودة أمام المنصور وجيشه كمنوا له بين جبلين كان سيمر بينهما المنصور وجنوده , ومن أصعب أنواع القتال هو القتال فى ممر ضيق جدا , فماذا فعل المنصور !!

لم يقاتل ولم يقتحم الممر , بل اختار مدينة قريبة من ذلك المكان , فنزلها ووزع جنوده فى أرجائها , يعملون ويحرثون ويبيعون ويشترون ويقوم بكل متطلبات الحياة فيها , وبعث الحاجب المنصور الجند بالسرايا يمينا وشمالا يقتلون ويأسرون ويغنمون , حتى ضج القوط النصارى من غاراتهم , وأرسلوا اليه ان اعبر المضيق أنت وجنودك , إلا أن المنصور رفض قائلاً : لقد طابت لنا المعيشة هنا وإن هذه البلاد جميلة يطيب سكناها وسأبقى الى السنة القادمة لأغزو فى الصيف القادم إن شاء الله !!

وكان جنده يأتون بقتلى النصارى منهم ومن القرى فى السرايا والغارات ويلقونها أمام الوادى حتى ضج سكان المنطقة الى الذين هم فى الوادى ان دعوه يعبر , فأرسلوا اليه ثانية بذلك الى الحاجب المنصور الذى قبل أن يمر عبر المضيق برجاله بشرطين :

1- أن يحمل النصارى ما معه من الغنائم والأسلاب على دوابهم أمامه !!
2- وان يقوموا هم بإزالة الجثث التى ألقاها على الطريق بفم الوادى


الملك لا ينام اذا نامت الرعية :

كان المنصور بن أبى عامر كثير السهر جدا حتى أن أحد خدمه اسمه "شعلة" قال له فى ليلة : قد أفرط مولانا فى السهر , وبدنه يحتاج الى أكثر من هذا النوم , وهو أعلم بما يحركه عدم النوم من علّة العصب , فقال المنصور :

يا شعلة , الملك لا ينام اذا نامت الرعية , ولو استوفيت نومى لما كان فى دور – بيوت – هذا البلد العظيم عين نائمة ....

هكذا كان حرصه على دولة المسلمين واهتمامه بشؤونها !!

ومآثر المنصور لا تحصى ومناقبه وأخباره كثيرة ولكن حتى لا أطيل أكتفى بذكر ما سبق ...

وفاة المنصور بن أبى عامر :-

أما آن هذا الجسد أن يستريح !!

حكم المنصور بن أبى عامر الأندلس زهاء 27 سنة , وغزا أكثر من 54 غزة لم يهزم فى واحدة قط !! , كانت كلها عز للإسلام والمسلمين حتى قال عنه ابن الخطيب فى كتابه "اعمال الاعلام " :

( وعلى الجملة , فكان نسيج وحده فى صقعه , وقلّ أن يسمع بمثله فى غيره ... )

انصرف المنصور بن ابى عامر الى الغزو عام 392هـ (1002م) فسلم وغنم كعادته وكان عمره وقتها ناهز 65 عاماً , ووجد فى نفسه خفة وعلم بدنو الأجل , فأحضر جماعة بين يديه وهو كالخيال لا يبين الكلام وأكثر كلامه بالإشارة كالمسلم المودع , وأوصى ألا يحمل فى تابوت , وأمر أن يدفن مكان موته وكان وقتها فى مدينة الثغر المنيع "مدينة سالم" فأمر أن يدفن رحمه الله فى صحن قصره بمدينة سالم وأمر أن يدفن معه غبار المعارك حتى تشهد له أمام الله بجهاده , وأمر أن يكفن بتلك الأكفات التى كان يحملها معه دائما فى المعارك وهى أكفان صنعت من غزل بناته واشتريت من خالص ماله الموروث .......

وفى ليلة الاثنين 27 رمضان من عام 392هـ / 11 أغسطس 1002م فاضت روح المنصور محمد بن أبى عامر الى بارئها ....

ونقشت على قبر المنصور محمد بن أبى عامر تلك الأبيات :


آثـــاره تنبيــك عــن أخبــاره **حتـى كأنـك بالعيـان تـراهُ
تالله لا يأتي الزمان بمثله **أبدًا ولا يحمي الثغور سواهُ



وظل قبر المنصور بن أبى عامر معروفا فى مدينة سالم حتى بعد أخذ النصارى تلك المدينة واحتلوها , وقد أوصى لسان الدين ابن الخطيب احد طلابه حين كان ذاهبا الى هناك لتأكيد عقد الصلح مع ملكها أن يزور قبر المنصور بن أبى عامر , وأخبره الطالب عند عودته أنه رأى قبر المنصور إلا أن رسومه من شعر منقوش وتاريخ مثبوت قد عفت ومحيت آثارها وكان هذا ما بين عامى 1361 – 1370م

وظلت سيرة المنصور بن أبى عامر مصدر عز وفخر ومجد للمسلمين حتى بعد هزيمتهم وأيام ملوك الطوائف , حتى أن مولى المستعين بالله ابن هود (دويلة بنى هود ) يقول :

لما توجهت الى ألفونسو وجدته فى مدينة سالم وقد نصب على قبر المنصور بن أبى عامر سريره , وامرأته متكئة الى جانبه , فقال لى : ياشجاع – اسم المولى – اما ترانى قد ملكت بلاد المسلمين وجلست على قبر مليكهم ؟ قال : فحملتنى الغيرة أن قلت له : لو تنفس صاحب هذا القبر وأنت عليه ما سمع منك ما يكره سماعه ! ولا استقر بك قرار ... , فهمّ بى , فحالت امرأته بينى وبينه , وقالت : صدقك فيما قال , أيفخر مثلك بمثل هذا ؟

تم
ويتبع ببطل آخر ان شاء الرحمن

سوفانا
2010-08-23, 03:47 PM
ممتاز يا أخي الفاضل فيتو........ موضوعك جميل جد لكن المشكلة انه طويل اوي! رحم الله هؤلاء الابطال جميعا.... ولكن انا أختلف معك فى شخصية الحاجب المنصور... لي عودة للتوضيح ان شاء الله.. وأضافة بعض الشخصيات فى موضوعك المتميز..